الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ضعيفان جدًا كما كنت بينته في أوائل هذا الرد. ثم ها هو ذا يحتج على إثبات أن السبحة كانت معروفة في عهد عمر بقوله (ص 10):
"فقد أخرج السيوطي في "الجامع الكبير" إقرار عمر رضي الله عنه لبعض من كان يستعملها".
ولا أظن إلا أن فضيلة الشيخ يعلم أن "الجامع الكبير" للسيوطي فيه روايات صحيحة، وأخري ضعيفه، وبعضها موضوعة، فمن أي نوع هذا الأثر فيه يا حضرة الشيخ؟ وكيف جاز لك السكوت عنه؟ ! "ولِمَ لم تفصح عن إسناده؟ ! "
فأنت حين استدللت بهذا الأثر بين أمرين اثنين لا ثالت لهما:
إما أنك لا تعلم عدم ثبوته، أو تعلم، فعلى الأمر الأول، كيف استدللت به وأنت تجهل صحته؟ وعلى الثاني كيف جاز لك السكوت عليه وعدم بيان ضعفه موهمًا القراء بسكوتك عليه أنه ثابت! بينما أنت تنكر علي استدلالي بأثر ابن مسعود وغيره مع بياني لضعفه؟ ! فمن منا أحق أن ينكر عليه يا فضيلة الشيخ؟ الذي يكتم العلم أم الذي ينشره؟
فحسبكو هذا التفاوت بيننا
…
وكل إناء بما فيه ينضح
جهل الشيخ بآثار الصحابة:
كنتُ ذكرت في المقال الذي حققت فيه القول على وضع حديث "نعم الذكر السبحة" أن ذكر الحصى في حديث صفية منكر، ثم قلت:
"ويؤيد هذا إنكار عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على الذين رآهم يعدون بالحصى، وقد جاء ذلك عنه من طرق سبق أحدها، ولو كان ذلك مما أقره صلى الله عليه وسلم لما خفي علي ابن مسعود إن شاء الله".
وقد أقر فضيلة الشيخ استدلالي هذا بناء على إنكار ابن مسعود المذكور، ولكنه فيما يظهر لا علم له بهذا الإنكار، فإنه قال في رسالته (ص 28) بعد أن نقل الشطر الأول من قولي السابق قال:
"يقال لك بأي سند تثبت هذا الإنكار عن عبد الله بن مسعود".
أقول: بسند كالجبل رسوخًا وثبوتا، وخفاء مثله عليه يدل العاقل على مبلغ علم الشيخ بالآثار! فإن هذا الأثر الذي يشير حضرته إلى إنكاره ورد من ثلاثة طرق عن ابن مسعود، في ثلاثة كتب من كتب الحديث المعروفة عند أهله! لكن المحدث اليوم هو الذي درس الكتب الستة فقط أو حفظها! فليراجع فضيلة الشيخ إن شاء التحقق مما قلت "كتاب الزهد" للإمام أحمد (ص 358)، "سنن الدارمي"(1/ 68 طبع دمشق)، "حلية الأولياء"(4/ 380 - 381)، ولتمام الفائدة أذكر هنا أصح هذه الطرق سندًا وأتمها متنا، وهي عند الدارمي من طريق عُمارة بن أبي حسن المازني قال:
"كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال: أَخَرجَ إليكم أبو عبد الرحمن بعدُ؟ (هو ابن مسعود) قلنا: لا، فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه (1)
(1) تنبيه: ينبغي أن يعلم أن قوله: "قمنا إليه" ليس من قبيل القيام للغير إكرامًا وتعظيمًا، وفرق كبير بين قول القائل:"قمت إليه" وقوله: "قمت له" فالأول يفيد الذهاب إليه إما لاستقباله أو لإعانته أو لغير ذلك من المقاصد الحسنة المشروعة. وأما قوله: "قمت له" فيفيد القيام لتعظيمه وإكرامه لا شي آخر، وهذا غير مشروع بل هو مكروه عند النبي صلى الله عليه وسلم: فقد قال أنس بن مالك رضي الله عنه: ما كان شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا لا يقومون له لما يعملون من كراهيته لذلك. رواه أحمد والبخاري في "الأدب المفرد" وغيرهما بسند صحيح على شرط =
جميعًا، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفًا أمرًا أنكرته ولم أر -والحمد لله- إلا خيرًا، قال: فما هو؟ فقال: إن عشت فستراه، قال: رأيتُ في المسجد قومًا حِلَقًا جلوسًا ينتظرون الصلاة، في كل حَلّقة رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائه، فيهللون مائة، ويقول: سبحوا مائة، فيسبحون مائة، قال: فماذا قلتَ لهم؟ قال: ما قلتُ لهم شيئًا، انتظار رأيك أو انتظار أمرك، قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتِهم وضمنتَ لهم أن لا يضيع من حسناتهم؟ ثم مضى ومضينا معه حتى أتي حَلقة من تلك الحِلَق فوقف عليهم، فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ ! قالوا: يا أبا عبد الرحمن حصي نَعِّد به التكبير والتهليل والتسبيح، قال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم! هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابه لم تَبلَ، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحوا باب ضلالة! قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير أن يصيبه! إن
= مسلم. فقوله في هذه الرواية: "قمنا إليه" بمعنى الذهاب إليه، وقد غفل عن هذا الفرق بين العبارتين كثير من العلماء قديمًا وحديثًا، فإننا لا نزال نسمع احتجاج الكثيرين على جواز القيام للتعظيم بمثل قوله صلى الله عليه وسلم:"قوموا إلى سيدكم" رواه البخاري وغيره، بل إن بعضهم ليروي الحديث بلفظ:"لسيدكم"! وهو في الصحيح كما ذكرته لك: "إلى سيدكم" أي اذهبو إليه لإعانته وإنزاله عن دابته كما يدل على ذلك سبب ورود الحديث، ويؤيده ويقطع النزاع فيه رواية أحمد الحديث بلفظ "قوموا إلى سيدكم فأنزلوه" وسنده قوي، فهذا نص قاطع على أن القيام ليس لمجرد التعظيم والإكرام بل لإنزاله من دابته. فهذه فائدة أحببت أن لا يفوتني بيانها وقد جاءت مناسبتها.