الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: وقد أمر الله بدعائه، وشرعه لعباده، وأحبه منهم
…
فصل:
وقد أمر الله سبحانه بدعائه، وشرعه لعباده، وأحبه منهم، وسماه دينا، وأتى فيه بأل المعرفة المؤكدة فقال:{فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} وهذا شأن العبادات، فما1 أمر به سبحانه عباده، ففعله عبادة، وفي الحديث:"من لم يسأل الله يغضب عليه" 2 وفي حديث آخر: "الدعاء سلاح المؤمن، وعماد الدين، ونور السموات والأرض" 3 فكيف والحالة هذه أن يجعل لله شريكا فيما شرعه لعباده، وأمرهم أن يخلصوه له، ونهاهم أن يجعلوا له شريكا فيه، كما قال:{قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأنعام - 71] . إلى قوله: {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام - 71] .
وقد تقرر أن الدعاء يجمع من أنواع العبادة كثيرا: كإسلام الوجه لمن يدعوه، والرغبة إليه، والاعتماد عليه، والخضوع له، والاطراح والتذلل، فمن أسلم وجهه لغير الله فهو مشرك شاء أم أبى،
1 في الطبعة الثانية: مما.
2 تقدم في الرد على القبوريين.
3 تقدم في الرد على القبوريين.
ومن رغب عن الله إلى غيره فكذلك، قال الله تعالى:{وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} [النساء - 125] .
قال ابن كثير في الآية: أي أخلص العمل لربه عز وجل، فعمل إيمانا واحتسابا {وَهُوَ مُحْسِنٌ} أي متبع1 في عمله ما شرع الله له، وما أرسل به رسوله من الهدى ودين الحق..،2 فمن فقد الإخلاص كان منافقا.. ومن فقد المتابعة كان ضالا جاهلا، ومتى جمعهما فهو عمل المؤمنين، الذين يتقبل منهم أحسن ما عملوا، ويتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون3.
و"الحنيف" هو المقبل على الله، المعرض عن كل ما سواه، كما تقدم، وهذا هو حقيقة دين الإسلام.
وقد اشتدت غربته في هذا الزمان وقبله، حتى عاد المعروف منكرا والمنكر معروفا، والسنة بدعة والبدعة سنة، نشأ على هذا الصغير وهرم عليه الكبير، وعظمت الفتنة بأرباب القبور، ورغب كثير عن إخلاص العبادة للذي له الملك كله، والقدرة التامة، والمشيئة النافذة، فجعلوا له شركاء في عبادته.
والحاذق منهم يتعلق بأمر الشفاعة، وقد أخبر تعالى أن
1 في ابن كثير: أي اتبع.
2 حذف الشيخ سطرين من كلام ابن كثير طلبا للاختصار والاقتصار.
3 اهـ كلام ابن كثير باختصار.
الشفاعة جميعها له: فمن طلبها من غير الله فقد طلبها ممن لا يملكها، ولا يسمع ولا يستجيب، وفي غير الوقت الذي تقع فيه، ولا قدرة له عليها إلا برضا من هي له، وإذنه فيها، وقبوله، فطلبها ممن هي له في دار العمل عبادة من جملة العبادات، وصرف ذلك الطلب لغيره شرك عظيم.
ومن تدبر آيات الشفاعة حق التدبر علم علما يقينا أنها لا تقع إلا لمن أخلص أعماله كلها لله، واتبع ما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم من توحيده وشرائع دينه، فليس لله من عمل عبده إلا الإخلاص، كما قال تعالى:{أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر - 3] وقال: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج - 37] وهو لا يقبل الشركة في الأعمال ولا يرضاها، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء - 48] وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [المائدة - 72]
وكما صح من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يقول الله تعالى: أنا أغنى الأغنياء عن الشرك، من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه"1.
1 أخرجه الإمام مسلم في صحيحه – كتاب الزهد والرقائق – 4/2289 عن أبي هريرة.