المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل: في رد قول العراقي الجاني: إن السجود لغير الله محرم، والتوسل لم يذكره الفقهاء في كبائر الذنوب ولا صغارها. ورد هذه السفسطة - الرد على شبهات المستعينين بغير الله

[أحمد بن عيسى]

الفصل: ‌فصل: في رد قول العراقي الجاني: إن السجود لغير الله محرم، والتوسل لم يذكره الفقهاء في كبائر الذنوب ولا صغارها. ورد هذه السفسطة

‌فصل: في رد قول العراقي الجاني: إن السجود لغير الله محرم، والتوسل لم يذكره الفقهاء في كبائر الذنوب ولا صغارها. ورد هذه السفسطة

فصل:

قال العراقي: (وهاهنا شيء يفيدك إن كنت تزعم أن التوسل ونداء الأنبياء والصالحين وطلب الشفاعة منهم حرام، فقد ذكر الفقهاء من كل مذهب في باب الشهادة: المحرمات الكبائر والصغائر، واستوعبوها، فانظر هل ترى هذا من المحرم؟ ثم قال: نعم، ذكروا أن السجود لغير الله من المحرمات، فإذا كان السجود لغير الله من المحرمات، وهو من أخص العبادات الخاصة بالله لم يحكم على فاعله إلا بالذنب دون الكفر المخرج عن الملة،

فكيف يكون التوسل كفرا) انتهى.

أقول: تأمل كلام هذا الضال المخذول، وانظر إلى خروجه عن المسموع والمعقول، يقول: إن السجود لغير الله محرم. فظاهر كلامه أن السجود لغير الله محرم، وليس بشرك عنده، وأيضا: أن السجود لغير الله ذنب، وليس بشرك. فانظر حيرة هذا الجاهل وعمايته، وبلوغه في الضلال غايته ونهايته، وقد قال الله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف-33] ، فهل صرح القرآن بأن الشرك من

ص: 97

المحرمات أم لا؟! فالشرك أعظم ذنب عصي الله به، وأشد المحرمات تحريما، وأعظمها عند الله تأثيما، وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: "أي الذنب أعظم عند الله"؟ قال: "أن تجعل لله ندا وهو خلقك" قلت: "ثم أي"؟ قال: "أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك" قلت:"ثم أي"؟ قال: "أن تزاني حليلة جارك" فأنزل الله تصديق ذلك {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان-68] الآيات. فانظر هل سمى الشرك ذنبا؟! والشرك أظلم الظلم، كما في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه أيضا قال: لما نزل قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام-82] شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أينا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما هو الشرك، ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان-13] .

فليت شعري ما الذي يخرج عند هذا من الملة إذا كان الشرك بالله لا يخرج عنده من الملة، وإنما هو ذنب!؟

قوله: (فلو كان ذلك كفرا للزم ذكره في باب الردة

إلى آخر كلامه) .

يقال: قد ذكر ذلك الجهابذة العلماء، وصرح به النبلاء والفهماء اتباعا لكتاب الله وسنة رسوله، كما تقدم من كلامهم القليل، لكن ثم ماذا إذا أعمى الله بصيرتك {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً} .

ص: 98

وقال البخاري رحمه الله في صحيحه: باب المعاصي من أمر الجاهلية ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إنك امرؤ فيك جاهلية" وقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء-48] .

وانظر إلى باب الردة من كل مذهب، فأول ما يذكره الفقهاء أن يقولوا: من أشرك بالله تعالى كفر لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء-48] .

ومرادهم هذا الذي تسميه أنت وأضرابك: توسلا وتشفعا واستمدادا، وهل ينفعك تسميته بغير اسمه، وتغيير حقيقته ورسمه، فالشرك بالله تعالى الذي قامت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وكلام العلماء شرك بالله، شاء المشرك أم أبى. وهل ينفع شارب الخمر تسميته بغير اسمه، أو المرابي تسميته الربا بغير اسمه، والنظر إلى المسمى لا إلى الاسم، وبالله التوفيق.

ص: 99