المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل: والدعاء صلاة وهو اسمه لغة - الرد على شبهات المستعينين بغير الله

[أحمد بن عيسى]

الفصل: ‌فصل: والدعاء صلاة وهو اسمه لغة

‌فصل: والدعاء صلاة وهو اسمه لغة

فصل:

والدعاء صلاة، وهوة اسمه لغة، وجاء في القرآن كذلك، قالتعالى:{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة - 103] أي اُدع لهم.

وفي الحديث من هذا كثير: فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث، اللهم اغفر له اللهم ارحمه"1.

قال الحافظ العراقي: المراد بصلاة الملائكة عليه ما فسره به في بقية الحديث من قوله2: "اللهم اغفر له اللهم ارحمه" وهذا دعاء، وشواهده في اللغة كذلك.

ومنه قول الأعشى:

تقول بنتي وقد قربت مرتحلا

يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا

عليك مثل الذي صليت فاغتمضي

نوما فإن لجنب المرء مضطجعا

فإذا كان الدعاء صلاة لغة، وجاء كذلك في الكتاب والسنة

1 رواه البخاري في مواضع من صحيحه 2/142 "فتح"، ومسلم 1/459.

2 في نسخة نصيف: "من قولهم" أي الملائكة.

ص: 50

علم بذلك أن قول الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لا شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام - 162] يتناول الدعاء، ولا ريب أن الصلاة الشرعية تتضمن الدعوات الواجبة، والتحقيق أنها سميت صلاة لاشتمالها على نوعي الدعاء: دعاء المسألة، ودعاء العبادة، فلا تخرج عنهما، كما سيأتي تقريره أن شاء الله تعالى.

وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالإكثار من الدعاء في السجود، فقال:"فأما الركوع فعظموا فيه الرب تعالى، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم"1.

قال النووي في شرح مسلم: اختلف العلماء في أصل الصلاة فقيل: هي الدعاء لاشتمالها عليه، وهذا قول جماهير أهل العربية والفقهاء وغيرهم. انتهى.

وهذا هو الذي قرره العلامة ابن القيم رحمه الله كما سيأتي.

فإذا كانت الصلاة قد اشتملت على الدعاء فلا ريب أنه عبادة، وقد اشتملت على التكبير والتسبيح وهو عبادة أيضا.

ولا يرتاب مسلم أن التكبير والتسبيح لا يجوز أن يستعمل في حق غير الله، لكونه من خصائص الربوبية، فكذلك الدعاء ولا فرق،

1 أخرجه مسلم في صحيحه 4/196 "نووي" عن ابن عباس قال: كشف رسولالله صلى الله عليه وسلم الستارة، والناس صفوف خلف أبي بكر، فقال: أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له، ألا وإني نهيت أن أقرأ راكعا أو ساجدا، فأما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم.

ص: 51

فتدبر هذا وما قبله من الأدلة على ذلك. {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر - 2] .

قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في معنى قوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} [الأعراف - 55] .

يتضمن نوعي الدعاء، لكنه ظاهر في دعاء المسألة، متضمن لدعاء العبادة، ولهذا أمر بإخفائه وإسراره.

وقوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة - 186] يتناول نوعي الدعاء، وبكل منهما فسرت الآية: قيل أعطيه إذا سألني، وقيل أثيبه إذا عبدني، والقولان متلازمان.

وليس هذا من استعمال اللفظ المشترك في معنييه، أو حقيقته ومجازه، بل هذا استعماله في حقيقته الواحدة المتضمنة للأمرين جميعا. فتأمله فإنه عظيم النفع.

وهذا التقرير يأتي في مسألة الصلاة، وأنها نقلت عن مسماها في اللغة وصارت حقيقة شرعية منقولة، أو استعملت في هذه العبادة مجازا بالعلاقة بينها وبين المسمى اللغوي فضم إليهما أركان وشرائط، وعلى ما قررناه لا حاجة إلى شيء من ذلك، فإن المصلي من أول صلاته إلى آخرها لا ينفك عن دعاء: إما دعاء عبادة وثناء، أو دعاء طلب ومسألة، وهو في الحالين داع. انتهى ملخصا1.

1 من أول المجلد الثالث من بدائع الفوائد.

ص: 52

وفسر القنوت بالدعاء في قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة - 238] . قال في شرح التقريب: والقنوت يطلق بإزاء معان: قيل الطاعة، وقيل الدعاء، وبمعنى طول القيام، وبمعنى السكوت في الصلاة.

قال القاضي عياض: وأصله الدوام على الشيء.

قال ابن دقيق العيد: وإذا كان هذا أصله فمديم الطاعة قانت، وكذلك الداعي، والقائم في الصلاة، والمخلص فيها، والساكت فيها، كلهم فاعلون للقنوت، انتهى ملخصا.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة انتهى.

وقد تقدم ما يدل أن الله تعالى يرضى من عبده أن يسأله حاجته وأمره بذلك، ووعده عليه بالاستجابة، فإذا كان الدعاء عبادة فقد أمر الله عباده بعبادته وحده، كما قال تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء - 23] وقال: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} [النساء - 36]{أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [المؤمنون - 32] .

و"الإله" هو الذي تألهه القلوب وتعبده بأي نوع كان من أنواع العبادة، وهو الذي فسر به اسمه: الله.

قال أبو جعفر بن جرير رحمه الله: "الله" مشتق من "الإله"، سقطت الهمزة التي فاء الاسم، فالتقت اللام التي هي عين

ص: 53

الاسم، واللام الزائدة وهي ساكنة، فأدغمت في الأخرى، فصارتا في اللفظ لاما واحدة مشددة.

وأما تأويله: فهو على ما روى لنا ابن عباس: هو الذي يألهه كل شيء، ويعبده كل خلق وساق بسنده عن ابن عباس قال: الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين. انتهى.

وقال الزمخشري: "الله" أصله "الإله" فحذفت الهمزة، وعوض منها حرف التعريف، ولذلك قيل في النداء: يا إله.

و"الإله" من أسماء الأجناس، كالرجل والفرس، اسم يقع على كل معبود بحق أو باطل، ثم غلب على المعبود بحق. انتهى.

وفي القاموس: أله إلهة وألوهة وألوهية: عبد عبادة، ومنه لفظ الجلالة، وأصله "إله" كفعال بمعنى مألوه، فكل ما اتخذ معبودا إله عند متخذه، والتأله: التنسك والتعبد. والتأليه: التعبيد. انتهى.

فتبين مما تقرر أن من دعا ميتا أو غائبا فقد اتخذه معبودا بدعائه، ورغبته إليه، ورجائه له، وإقباله عليه، دون من له الأمر كله والقدرة التامة، والمشيئة النافذة، والعلم بما كان وبما يكون، وما لم يكن كيف يكون لو كان، {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس - 83] .

ص: 54