المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌جماع من أخبار البكائين - الرقة والبكاء لابن أبي الدنيا

[ابن أبي الدنيا]

فهرس الكتاب

- ‌ذِكْرُ الْبُكَاءِ مِنِ خَشْيَةِ اللَّهِ وَثَوَابِهِ

- ‌اسْتِدْعَاءُ الْبُكَاءِ

- ‌أَسْبَابُ الْبُكَاءِ

- ‌الْبُكَاءُ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ

- ‌مَنْ وَعَظَ وَبَكَى

- ‌مَنْ وُعِظَ فَاسْتَمَعَ الْمَوْعِظَةَ وَبَكَى

- ‌الْبُكَاءُ فِي الصَّلَاةِ

- ‌الْبُكَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ عَلَى الصَّلَاةِ

- ‌الْبُكَاءُ عِنْدَ الطُّهُورِ

- ‌إِخْفَاءُ الْبُكَاءِ

- ‌الْبُكَاءُ عَلَى الذُّنُوبِ

- ‌مَنْ أَفْسَدَ عَيْنَيْهِ الْبُكَاءُ

- ‌مَنْ بَكَى حَتَّى أَثَّرَتِ الدُّمُوعُ فِي وَجْهِهِ

- ‌مَنْ كَانَ يُدِيمُ الْبُكَاءَ

- ‌مَنْ عُوتِبَ عَلَى كَثْرَةِ الْبُكَاءِ فَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ

- ‌جِمَاعٌ مِنْ أَخْبَارِ الْبَكَّائِينَ

- ‌بُكَاءُ آدَمَ صلى الله عليه وسلم

- ‌بُكَاءُ نُوحٍ صلى الله عليه وسلم

- ‌بُكَاءُ دَاوُدَ صلى الله عليه وسلم وَنَوْحِهِ

- ‌بُكَاءُ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ

- ‌بُكَاءُ الْمَلَائِكَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ

- ‌جَامِعٌ مِنْ أَخْبَارِ الْبَكَّائِينَ

الفصل: ‌جماع من أخبار البكائين

‌جِمَاعٌ مِنْ أَخْبَارِ الْبَكَّائِينَ

ص: 187

264 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ:«رَأَيْتُ أَثَرَيْنِ فِي الْحَصَى مِنْ دُمُوعِ عَبْدِ اللَّهِ»

ص: 189

265 -

وحَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بَكَى حَتَّى رَأَيْتُهُ أَخَذَ بِكَفِّهِ مِنْ دُمُوعِهِ، فَقَالَ بِهِ هَكَذَا

ص: 189

267 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْحَاقَ الضَّبِّيُّ، قَالَ:

⦗ص: 190⦘

حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ أَفْلَحَ مَوْلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ حَاجًّا؛ فَلَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ نَظَرَ إِلَى الْبَيْتِ، فَبَكَى حَتَّى عَلَا صَوْتُهُ. فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ، فَلَوْ رَفَقْتَ بِصَوْتِكَ قَلِيلًا قَالَ:«وَيْحَكَ يَا أَفْلَحُ وَلِمَ لَا أَبْكِي؟ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيَّ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ؛ فَأَفُوزَ بِهَا غَدًا عِنْدَهُ» قَالَ: ثُمَّ طَافَ الْبَيْتَ، ثُمَّ جَاءَ حَتَّى رَكَعَ عِنْدَ الْمَقَامِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ سُجُودِهِ، فَإِذَا مَوْضِعُ سُجُودِهِ مُبْتَلٌّ مِنْ دُمُوعِ عَيْنَيْهِ

ص: 189

268 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ الْحَكَمِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَعْلَى بْنَ الْأَشْدَقِ يَذْكُرُ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ، نَظَرَ إِلَى رَجُلٍ سَاجِدٍ، قَدْ أَطَالَ السُّجُودَ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ نَظَرَ إِلَى مَوْضِعٍ سُجُودِهِ مُبْتَلًّا بِالدُّمُوعِ فَأَرْصَدَ َ لَهُ رَجُلًا فَقَالَ: إِذَا قَضَى صَلَاتَهُ فَأْتِنِي بِهِ أَخْتَبِرُ عَقْلَهُ. فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ، أَتَاهُ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ: رَأَيْتُ مِنْكَ مَنْظَرًا الْجَنَّةُ تُدْرَكُ بِدُونِهِ.

⦗ص: 191⦘

فَصَرَخَ الرَّجُلُ صَرْخَةً أَفْزَعَ عَبْدَ الْمَلِكِ وَخَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ بَعْدَ طَوِيلٍ وَهُوَ يَمْسَحُ الْعَرَقَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ: تَبًّا لِعَاصِيكَ مَا احْتَمَلَ مِنَ الْآثَامِ لَدَيْكَ قَالَ: فَجَعَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ يَبْكِي، وَالرَّجُلُ مُوَلٍّ لَا يَلْتَفِتُ، حَتَّى خَرَجَ "

ص: 190

269 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ ابْنِ ذَرٍّ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ، فَذَكَرَ رَوَاجِفَ الْقِيَامَةِ وَزَلَازِلَهَا وَأَهْوَالَهَا، وَشِدَّةَ الْأَمْرِ يَوْمَئِذٍ هُنَاكَ. قَالَ: وَاسْتَبْكَى ابْنُ ذَرٍّ، وَبَكَى النَّاسُ يَوْمَئِذٍ بُكَاءً شَدِيدًا. قَالَ: فَوَثَبَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عِجْلٍ يُقَالُ: لَهُ وَرَّادٌ ، فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَصْرُخُ وَيَضْطَرِبُ، حَتَّى هَدَأَ. قَالَ: ثُمَّ حُمِلَ مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ صَرِيعًا قَالَ: فَجَعَلَ ابْنُ ذَرٍّ يَوْمَئِذٍ يَبْكِي وَيَقُولُ: لَيْسَ كُلُّنَا قَدْ أَتَاهُ الْأَمَانُ مِنَ اللَّهِ يَا وَرَّادُ غَيْرُكَ لَيْسَ كُلُّنَا قَدْ أَيْقَنَ بِالنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ غَيْرُكَ. وتالِلَّهِ أَيُّهَا النَّاسُ مَا أَخُو بَنِي عِجْلٍ بِأَوْلَى بِالْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ مِنَّا وَمِنْكُمْ، وَمَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا عَلَى مِثْلِ حَالِهِ بَيْنَ خَوْفٍ وَرَجَاءٍ. وَإِنَّا فِيمَا نَدَبَنَا اللَّهُ إِلَيْهِ مِنْ طَاعَتِهِ لَمُشْتَرِكُونَ جَمِيعًا، فَمَا الَّذِي قَصَّرَ بِنَا وَأَسْرَعَ بِهِ؟ وَكَلَمَ قَلْبَهُ حَتَّى أَبْكَاهُ فَأَخْرَجَهُ إِلَى مَا رَأَيْتُمْ مِنْ مَخَافَةِ اللَّهِ؟ وَكُلُّنَا قَدْ سَمِعَ

⦗ص: 192⦘

الْمَوْعِظَةَ ، وَفَهِمَ التَّذْكِرَةَ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَحَدٍ مِنَّا سِوَاهُ لِذَلِكَ حَرَّكَهُ، وَلَمْ تَنْبِضْ مِنْ أَحَدٍ مِنَّا فِي ذَلِكَ خَارِجَةٌ وَاللَّهِ إِنْ هَذَا يَا أَخَا بَنِي عِجْلٍ إِلَّا مِنْ صَفَاءِ قَلْبِكَ، وَتَرَاكُمِ الذُّنُوبِ عَلَى قُلُوبِنَا، وَمَا أَرَانَا نُؤْتَى إِلَّا مِنْ أَنْفُسِنَا " قَالَ: ثُمَّ بَكَى ابْنُ ذَرٍّ، وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ:{إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [إبراهيم: 11] "، قَالَ عُمَرُ قَالَ أَبِي: كُنْتُ أَرَى وَرَّادًا الْعِجْلِيَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ مُقَنَّعَ الرَّأْسِ، فَيَعْتَزَلُ نَاحِيَةً، فَلَا يَزَالُ مُصَلِّيًا وَدَاعِيًا وَبَاكِيًا كَمْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ النَّهَارِ. ثُمَّ يَخْرُجُ ، ثُمَّ يَعُودُ فَيُصَلِّي الظُّهْرَ فَهُوَ كَذَلِكَ بَيْنَ صَلَاةٍ وَدُعَاءٍ وَبُكَاءٍ حَتَّى يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ. ثُمَّ يَخْرُجُ لَا يُكَلِّمُ أَحَدًا، وَلَا يَجْلِسُ إِلَى أَحَدٍ فَسَأَلْتُ عَنْهُ رَجُلًا مِنْ حَيِّهِ، وَوَصَفْتُهُ لَهُ، قُلْتُ: شَابٌّ مِنْ صِفَتِهِ، مِنْ هَيْئَتِهِ قَالَ: بَخٍ يَا أَبَا عُمَرَ تَدْرِي عَمَّنْ تَسْأَلُ؟ ذَاكُ وَرَّادٌ الْعِجْلِيُّ الَّذِي عَاهَدَ اللَّهَ أَنْ لَا يَضْحَكَ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى وَجْهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قَالَ أَبِي: فَكُنْتُ إِذَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ هِبْتُهُ

ص: 191

270 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُكَيْنُ بْنُ مُكَيْنٍ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي عِجْلٍ قَالَ:

⦗ص: 193⦘

كَانَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ يَعْنِي وَرَّادًا فَسَأَلْتُ أُخْتًا لَهُ كَانَتْ أَصْغَرَ مِنْهُ قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ كَانَ لَيْلُهُ؟ قَالَتْ: بُكَاءٌ عَامَّةَ اللَّيْلِ وَتَضَرُّعٌ قُلْتُ: فَمَا كَانَ طُعْمُهُ؟ قَالَتْ: قُرْصٌ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَقُرْصٌ فِي آخِرِهِ عِنْدَ السَّحَرِ قُلْتُ: فَتَحْفَظِينَ مِنْ دُعَائِهِ شَيْئًا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، كَانَ إِذَا كَانَ، أَوْ قَرِيبٌ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ، سَجَدَ، ثُمَّ بَكَى، ثُمَّ قَالَ:«مَوْلَايَ عَبْدُكَ يُحِبُّ الِاتِّصَالَ بِطَاعَتِكَ، فَأَعِنْهُ عَلَيْهَا بِتَوْفِيقِكَ أَيُّهَا الْمَنَّانُ مَوْلَايَ عَبْدُكَ يُحِبُّ اجْتِنَابَ سَخَطِكَ ، فَأَعِنْهُ عَلَى ذَلِكَ بِمَنِّكَ عَلَيْهِ أَيُّهَا الْمَنَّانُ. مَوْلَايَ عَبْدُكَ عَظِيمُ الرَّجَاءِ لِخَيْرِكَ، فَلَا تَقْطَعْ رَجَاءَهُ يَوْمَ يَفْرَحُ بِخَيْرِكَ الْفَائِزُونَ» قَالَتْ: فَلَا يَزَالُ عَلَى هَذَا وَنَحْوِهِ حَتَّى يُصْبِحَ قَالَتْ: وَكَانَ قَدْ كَلَّ مِنَ الِاجْتِهَادِ، وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ جِدًّا

ص: 192

271 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُكَيْنُ بْنُ مُكَيْنٍ، هَذَا قَالَ:«لَمَّا مَاتَ وَرَّادٌ الْعِجْلِيُّ، فَحَمَلُوهُ إِلَى حُفْرَتِهِ، نَزَلُوا لِيُدْلُوهُ فِي حُفْرَتِهِ، فَإِذَا الْقَبْرُ مَفْرُوشٌ بِالرَّيْحَانِ ، فَأَخَذَ بَعْضُ الْقَوْمِ الَّذِينَ نَزَلُوا الْقَبْرَ مِنْ ذَلِكَ الرَّيْحَانِ شَيْئًا، فَمَكَثَ سَبْعِينَ يَوْمًا طَرِيًّا لَا يَتَغَيَّرُ، يَغْدُو النَّاسُ وَيَرُوحُونَ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ»

⦗ص: 194⦘

قَالَ: وَكَثُرَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ، حَتَّى خَافَ الْأَمِيرُ أَنْ يُفْتَنَ النَّاسُ ، فَأَرْسَلَ إِلَى الرَّجُلِ، فَأَخَذَ ذَلِكَ الرَّيْحَانَ، وَفَرَّقَ النَّاسَ. فَفَقَدَهُ الْأَمِيرُ مِنْ مَنْزِلِهِ لَا يَدْرِي كَيْفَ ذَهَبَ "

ص: 193

272 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُخَوَّلٌ، قَالَ: جَاءَنِي بَهِيمٌ يَوْمًا فَقَالَ لِي: تَعْلَمُ لِي رَجُلًا مِنْ جِيرَانِكَ أَوْ إِخْوَانِكَ يُرِيدُ الْحَجَّ تَرْضَاهُ يُرَافِقُنِي؟ قُلْتُ: نَعَمْ فَذَهَبْتُ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْحَيِّ لَهُ صَلَاحٌ وَدِينٌ، فَجَمَعْتُ بَيْنَهُمَا، وَتَوَاطَآ عَلَى الْمُرَافَقَةِ. ثُمَّ انْطَلَقَ بَهِيمٌ إِلَى أَهْلِهِ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ، أَتَانِي الرَّجُلُ فَقَالَ: يَا هَذَا، أُحِبُّ أَنْ تَزْوِيَ عَنِّي صَاحِبَكَ وَتَطْلُبَ رَفِيقًا غَيْرِي. فَقُلْتُ: وَيْحَكَ فَلِمَ؟ فَوَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ فِي الْكُوفَةِ لَهُ نَظِيرًا فِي حُسْنِ الْخَلْقِ وَالِاحْتِمَالِ، وَلَقَدْ رَكِبْتُ مَعَهُ الْبَحْرَ فَلَمْ أَرَ إِلَّا خَيْرًا. قَالَ: وَيْحَكَ حُدِّثْتُ أَنَّهُ طَوِيلُ الْبُكَاءِ لَا يَكَادُ يَفْتُرُ، فَهَذَا يُنَغِّصُ عَلَيْنَا الْعَيْشَ سَفَرَنَا كُلَّهُ. قَالَ: قُلْتُ: وَيْحَكَ إِنَّمَا يَكُونَ الْبُكَاءُ أَحْيَانًا عِنْدَ التَّذَكُّرِ، يَرِقُّ الْقَلْبُ فَيَبْكِي الرَّجُلُ، أَوَ مَا تَبْكِي أَحْيَانًا؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْهُ أَمْرٌ

⦗ص: 195⦘

عَظِيمٌ جِدًّا مِنْ كَثْرَةِ بُكَائِهِ. قَالَ: قُلْتُ: اصْحَبْهُ، فَلَعَلَّكَ أَنْ تَنْتَفِعَ بِهِ ، قَالَ: أَسْتَخِيرُ اللَّهَ. فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَا فِيهِ، جِيءَ بِالْإِبِلِ، وَوُطِّئَ لَهُمَا، فَجَلَسَ بَهِيمٌ فِي ظِلِّ حَائِطٍ، فَوَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ لِحْيَتِهِ، وَجَعَلْتَ دُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى خَدَّيْهِ، ثُمَّ عَلَى لِحْيَتِهِ، ثُمَّ عَلَى صَدْرِهِ، حَتَّى وَاللَّهِ رَأَيْتُ دُمُوعَهُ عَلَى الْأَرْضِ. قَالَ: فَقَالَ لِي صَاحِبِي: يَا مُخَوَّلُ ، قَدِ ابْتَدَأَ صَاحِبُكَ، لَيْسَ هَذَا لِي بِرَفِيقٍ. قَالَ: قُلْتُ: ارْفُقْ، لَعَلَّهُ ذَكَرَ عِيَالَهُ وَمُفَارَقَتَهُ إِيَّاهُمْ فَرَقَّ. وَسَمِعَهَا بَهِيمٌ فَقَالَ: وَاللَّهِ يَا أَخِي مَا هُوَ ذَاكَ، وَمَا هُوَ إِلَّا أَنِّي ذَكَرْتُ بِهَا الرِّحْلَةَ إِلَى الْآخِرَةِ. قَالَ: وَعَلَا صَوْتُهُ بِالنَّحِيبِ. قَالَ لِي صَاحِبِي: وَاللَّهِ مَا هِيَ بِأَوَّلِ عَدَوَاتِكَ لِي أَوْ بُغْضِكَ إِيَّايَ، أَنَا مَا لِي وَلِبَهِيمٍ؟ إِنَّمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُرَافِقَ بَيْنَ بَهِيمٍ وَبَيْنَ ذَوَّادِ بْنِ عُلْبَةَ ، وَدَاوُدَ الطَّائِيِّ، وَسَلَّامٍ أَبِي الْأَحْوَصِ، حَتَّى يَبْكِيَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ،

⦗ص: 196⦘

حَتَّى يَشْتَفُّوا أَوْ يَمُوتُوا جَمِيعًا. قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَرْفُقُ بِهِ، وَقُلْتُ: وَيْحَكَ لَعَلَّهَا خَيْرُ سَفْرَةٍ سَافَرْتَهَا. قَالَ: وَكَانَ طَوِيلَ الْحَجِّ، رَجُلًا صَالِحًا، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا تَاجِرًا مُوسِرًا، مُقْبِلًا عَلَى شَأْنِهِ، لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ حُزْنٍ وَلَا بُكَاءٍ. قَالَ: فَقَالَ لِي: قَدْ وَقَعْتُ مَرَّتِي هَذِهِ، وَلَعَلَّهَا أَنْ تَكُونَ خَيْرًا. قَالَ: وَكُلُّ هَذَا الْكَلَامِ لَا يَعْلَمُ بِهِ بَهِيمٌ، وَلَوْ عَلِمَ بِشَيْءٍ مِنْهُ مَا صَحِبَهُ. قَالَ: فَخَرَجَا جَمِيعًا، حَتَّى حَجَّا وَرَجَعَا، مَا يَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ لَهُ أَخًا غَيْرَ صَاحِبِهِ. فَلَمَّا جِئْتُ أُسَلِّمُ عَلَى جَارِي قَالَ: جَزَاكَ اللَّهُ يَا أَخِي عَنِّي خَيْرًا، مَا ظَنَنْتُ أَنَّ فِي هَذَا الْخَلْقِ مِثْلَ أَبِي بَكْرٍ؛ كَانَ وَاللَّهِ يَتَفَضَّلُ عَلَيَّ فِي النَّفَقَةِ وَهُوَ مُعْدِمٌ وَأَنَا مُوسِرٌ، وَيَتَفَضَّلُ عَلَيَّ فِي الْخِدْمَةِ وَأَنَا شَابٌّ قَوِيُّ ، وَهُوَ شَيْخٌ ضَعِيفٌ، وَيَطْبِخُ لِي ، وَأَنَا مُفْطِرٌ وَهُوَ صَائِمٌ قَالَ: قُلْتُ: فَكَيْفَ كَانَ أَمْرُكَ مَعَهُ فِي الَّذِي كُنْتَ تَكْرَهُهُ مِنْ طُولِ بُكَائِهِ؟ قَالَ: أَلِفْتُ وَاللَّهِ ذَلِكَ الْبُكَاءَ، وَسَرَّ قَلْبِي ، حَتَّى كُنْتُ أُسَاعِدُهُ عَلَيْهِ، حَتَّى تَأَذَّى بِنَا أَهْلُ الرُّفْقَةِ. قَالَ: ثُمَّ وَاللَّهِ أَلِفُوا ذَلِكَ، فَجَعَلُوا إِذَا سَمِعُونَا نَبْكِي بَكَوْا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ لِبَعْضٍ: مَا الَّذِي جَعَلَهُمْ أَوْلَى بِالْبُكَاءِ مِنَّا وَالْمَصِيرُ وَاحِدٌ؟ قَالَ: فَجَعَلُوا وَاللَّهِ يَبْكُونَ وَنَبْكِي.

⦗ص: 197⦘

قَالَ: ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ، فَأَتَيْتُ بَهِيمًا فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: كَيْفَ رَأَيْتَ صَاحِبَكَ؟ قَالَ: كَخَيْرِ صَاحِبٍ، كَثِيرَ الذِّكْرِ، طَوِيلَ التِّلَاوَةِ لِلْقُرْآنِ، سَرِيعَ الدَّمْعَةِ، مُحْتَمِلٌ لِهَفَوَاتِ الرَّفِيقِ؛ فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنِّي خَيْرًا "

ص: 194

273 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَفْصٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ زِيَادٍ، مَوْلَى بَنِي سَعْدٍ قَالَ: لَمَّا اتُّخِذَتْ عَبَّادَانُ سَكَنَهَا نُسَّاكٌ، وَكَانَ مِنْهُمْ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ بَهِيمٌ، فَكَانَ يُصَلِّي بَيْنَ أَضْعَافِ النَّخْلِ، فَيُصَلِّي مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَحْتَبِي مُدَّةً. وَكَانَ رَجُلًا حَزِينًا، فَيَزْفَرُ الزَّفْرَةَ بَعْدَ الزَّفْرَةِ، فَكَانَ يُسْمَعُ زَفِيرُهُ قَالَ: فَيَقَعُ الْبَعُوضُ عَلَى كَتِفَيْهِ وَظَهْرِهِ، فَيَتَأَذَّى بِهِنَّ فَيَقُولُ:

وَأَنْتَ تَأَذَّى مِنْ حَسِيسِ بَعُوضَةٍ

فَالْمَنَايَا. . سَاكِنِينَ. . "

ص: 197

274 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ:«كَانَ بَهِيمٌ رَجُلًا طِوَالًا، شَدِيدَ الْأُدْمَةِ، إِذَا رَأَيْتَهُ رَأَيْتَ رَجُلًا حَزِينًا»

ص: 197

275 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْأُوَيْسِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ:

⦗ص: 198⦘

خَرَجَ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ حَاجَّيْنِ مِنَ الْمَدِينَةِ ، وَمَعَهُمْ أَصْحَابٌ لَهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْأَبْوَاءِ نَزَلُوا مَنْزِلًا، فَانْطَلَقَ سُلَيْمَانُ وَأَصْحَابُهُ لِبَعْضِ حَاجَتِهِمْ، وَبَقِيَ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ قَائِمًا فِي الْمَنْزِلِ يُصَلِّي. فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَعْرَابِ جَمِيلَةٌ، فَلَمَّا رَآهَا ظَنَّ أَنَّ لَهَا حَاجَةً فَأَوْجَزَ فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ قَالَ: أَلَكِ حَاجَةٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَتْ: قُمْ فَأَصِبْ مِنِّي فَإِنِّي قَدْ وَدِقْتُ وَلَا بَعْلَ لِي. فَقَالَ: إِلَيْكِ عَنِّي، لَا تَحْرِقِينِي وَنَفْسَكِ بِالنَّارِ. وَنَظَرَ إِلَى امْرَأَةٍ جَمِيلَةٍ، فَجَعَلَتْ تُرَاوِدُهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَتَأْبَى إِلَّا مَا تُرِيدُ قَالَ: فَجَعَلَ عَطَاءُ يَبْكِي وَيَقُولُ: وَيْحَكِ إِلَيْكِ عَنِّي إِلَيْكِ عَنِّي قَالَ: وَاشْتَدَّ بُكَاؤُهُ. فَلَمَّا نَظَرَتِ الْمَرْأَةُ إِلَيْهِ ، وَمَا دَاخَلَهُ مِنَ الْبُكَاءِ وَالْجَزَعِ، بَكَتِ الْمَرْأَةُ لِبُكَائِهِ. فَجَعَلَ يَبْكِي، وَالْمَرْأَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ تَبْكِي. فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ، إِذْ جَاءَ سُلَيْمَانُ مِنْ حَاجَتِهِ. فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى عَطَاءٍ يَبْكِي، وَالْمَرْأَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ تَبْكِي، جَلَسَ يَبْكِي فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ لِبُكَائِهِمَا لَا يَدْرِي مَا أَبْكَاهُمَا

⦗ص: 199⦘

وَجَعَلَ أَصْحَابُهُمَا يَأْتُونَ رَجُلًا رَجُلًا، كُلَّمَا أَتَى رَجُلٌ فَرَآهُمْ يَبْكُونَ، جَلَسَ يَبْكِي لِبُكَائِهِمْ، لَا يَسْألُونَهُمْ عَنْ أَمْرِهِمْ، حَتَّى كَثُرَ الْبُكَاءُ وَعَلَا الصَّوْتُ. فَلَمَّا رَأَتِ الْأَعَرَابِيَّةُ ذَلِكَ، قَامَتْ فَخَرَجَتْ. قَالَ: وَقَامَ الْقَوْمُ فَدَخَلُوا. فَلَبِثَ سُلَيْمَانُ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ لَا يَسْأَلُ أَخَاهُ عَنْ قِصَّةِ الْمَرْأَةِ إِجَلَالًا لَهُ وَهَيْبَةً. قَالَ: وَكَانَ أَسَنَّ مِنْهُ. قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُمَا قَدِمَا مِصْرًا لِبَعْضِ حَاجَتِهُمَا، فَلَبِثَا بِهَا مَا شَاءُ اللَّهُ. فَبَيْنَا عَطَاءٌ ذَاتَ لَيْلَةٍ نَائِمٌ، إِذِ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَبْكِي فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: مَا يُبْكِيكَ أَيْ أَخِي؟ قَالَ: فَاشْتَدَّ بُكَاؤُهُ قَالَ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَخِي؟ قَالَ: رُؤْيَا رَأَيْتُهَا اللَّيْلَةَ. قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: لَا تُخْبِرْ بِهَا أَحَدًا مَا دُمْتُ حَيًّا. قَالَ: وَذَاكَ. قَالَ: " رَأَيْتُ يُوسُفَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَجِئْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ فِيمَنْ يَنْظُرُ. فَلَمَّا رَأَيْتُ حُسْنَهُ بَكَيْتُ فَنَظَرَ إِلَيَّ فِي النَّاسِ فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ أَيُّهَا الرَّجُلُ؟ قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، ذَكَرْتُكَ وَامْرَأَةَ الْعَزِيزِ ، وَمَا ابْتُلِيتَ بِهِ مِنْ أَمْرِهَا ، وَمَا لَقِيتَ مِنَ السِّجْنِ ، وَفُرْقَةِ الشَّيْخِ يَعْقُوبَ صلى الله عليه وسلم، فَبَكَيْتُ مِنْ ذَلِكَ، وَجَعَلْتُ أَتَعَجَّبُ مِنْهُ. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: فَهَلَّا تَعَجَّبْتَ مِنْ صَاحِبِ الْمَرْأَةِ بِالْأَبْوَاءِ؟ فَعَرَفْتُ الَّذِي أَرَادَ، فَبَكَيْتُ، وَاسْتَيْقَظْتُ بَاكِيًا "

⦗ص: 200⦘

قَالَ سُلَيْمَانُ: أَيْ أَخِي وَمَا كَانَ حَالُ تِلْكَ الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: فَقَصَّ عَلَيْهِ عَطَاءٌ الْقِصَّةَ فَمَا أَخْبَرَ سُلَيْمَانُ بِهَا أَحَدًا حَتَّى مَاتَ عَطَاءٌ؛ وَحَدَّثَ بِهَا بَعْدَهُ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِهِ. قَالَ: وَمَا شَاعَ هَذَا الْحَدِيثُ بِالْمَدِينَةِ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ

ص: 197

276 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُجَالِدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ صُبْحٍ الْبَرَّادُ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى الْمُغِيرَةِ أَبِي مُحَمَّدٍ، وَكَانَ إِذَا تَكَلَّمَ بَكَى وَأَبْكَى، فَقَالَ:«يَا إِخْوَتَاهُ ابْكُو وَبَكُّوا هَذِهِ الْأَعْيُنَ وَالْقُلُوبَ، فَإِنَّ الْحَزِينَ غَدًا مَسْرُورٌ، وَالْبَاكِيَ ضَاحِكٌ، وَالْخَائِفَ آمِنٌ، وَطَوِيلَ السَّغَبِ فِي الدُّنْيَا طَوِيلُ الشِّبَعِ فِي الْآخِرَةِ، وَطَوِيلَ الظَّمَأِ طَوِيلُ الرِّيِّ عِنْدَ اللَّهِ. أَلَا فَتَخَيَّرُوا وَاخْتَارُوا، وَاتَّقُوا أَنْ تُغْبَنُوا فَتَهْلِكُوا» قَالَ: وَيَبْكِي، وَيَبْكِي النَّاسُ

ص: 200

277 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ ضَيْغَمٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ مَصَادٍ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ الْمُغِيرَةِ الْخَزَّازِ ، وَهُوَ فِي مَسْجِدٍ فِي بَيْتِهِ، مُسْتَقْبِلٌ الْقِبْلَةَ، وَدُمُوعُهُ جَارِيَةٌ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ وَقُلْنَا: مَا يُبْكِيكَ رَحِمَكَ اللَّهُ؟ قَالَ: «أَمَلٌ طَوِيلٌ، وَلَيْلٌ قَرِيبٌ أَتَوَقَّعُهُ، مَا أَدْرِي عَلَى مَاذَا. .

⦗ص: 201⦘

مِنْهُ، عَلَى مَسَرَّةٍ أَوْ مَعَرَّةٍ. ثُمَّ غُشِيَ عَلَيْهِ»

ص: 200

278 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي هَيْثَمٌ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ السَّمَّاكِ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ ذَرٍّ يَبْكِي مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إِلَى آخِرِهِ، مْتَعَلِّقًا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَهُوَ يَقُولُ:«إِلَيْكَ أَنْضَيْتُ الْمَطِيَّ، وَإِلَيْكَ تَجَشَّمْتُ قَطْعَ الْمَفَاوِزِ، حَتَّى أَنَخْتُ بِفِنَائِكَ رَجَاءَ كَرَامَتِكَ ، وَجَزِيلَ ثَوَابِكَ» قَالَ: وَيَبْكِي حَتَّى أَصْبَحَ

ص: 201

279 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمَّارُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ بَهِيمًا الْعِجْلِيَّ، يَقُولُ:«وَعِزَّتِكَ إِلَهِي مَا بَكَى الْبَاكُونَ إِلَيْكَ فَخَيَّبْتَهُمْ مِنْ فَضْلِكَ، بَلْ ظَنُّ أَوْلِيَائِكَ بِكَ أَحْسَنُ الظُّنُونِ، وَرَجَاؤُهُمْ لَكَ أَكْثَرُ الرَّجَاءِ» قَالَ: ثُمَّ يَبْكِي حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ بِالدُّمُوعِ

ص: 201

280 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدٌ الْخُمْرِيُّ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَغَازِلِيِّ، فَتَكَلَّمَ، فَبَكَى بَعْضُ مَنْ عِنْدَهُ، فَقَالَ أَبُو عَبْدُ الرَّحْمَنِ: دَعُوهُ، فَإِنَّمَا مُعَوَّلُ الْمُذْنِبِينَ الْبُكَاءُ وَالتَّوْبَةُ "

ص: 201

281 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ الْأَسْوَدِ، قَالَ: سَمِعْتُ مُضَرَ أَبَا سَعِيدٍ التَّادِبِيَّ، يَقُولُ:«مَا تَلَذَّذْتُ لَذَاذَةً قَطُّ، وَلَا تَنَعَّمْتُ نَعِيمًا أَكْثَرَ عِنْدَ مْنَ بَكَى حُرْقَةً»

ص: 202

282 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُقَيْبَةُ بْنُ فَضَالَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ الْخَوَّاصَ، بَعْدَمَا كَبِرَ وَهُوَ آخِذٌ بِلِحْيَتِهِ يَقُولُ:. . . . «إِذَا ذَكَرَ يَأْخُذَاهُ» وَيَبْكِي قَالَ: «قَدْ كَبِرْتُ فَأَعْتَقَنِي يَا مَوْلَايَ»

ص: 202

283 -

حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَلًّى الْوَرَّاقُ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ، فَجَاءَ أَبُوعُبَيْدَةَ الْخَوَّاصُ، فَأَخْرَجَ مِنْ كُمِّهِ حَبْلَ لِيفٍ جَدِيدٍ، فِي طَرْفِهِ عُرْوَتَانِ، فَجَعَلَ عُرْوَةً فِي عُنُقِهِ، وَعُرْوَةً فِي عُنُقِ مَالِكٍ، ثُمَّ قَالَ: يَا مَالِكُ «عُدَّ أَنَّا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ، مَا عَسَى أَنْ نَقُولَ؟ فَبَكَى الْقَوْمُ جَمِيعًا»

ص: 202

284 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الضَّرِيرُ، قَالَ: كَانَ مُوسَى الْخَيَّاطُ يَبْكِي حَتَّى يَتَقَطَّعَ صَوْتُهُ وَتَسْتَرْخِيَ. . فَيَسْقُطَ. وَكَانَ يَنُوحُ عَلَى نَفْسِهِ فِي بُكَائِهِ وَيَقُولُ: «أَبْكِي وَاللَّهِ قَبْلَ طُولِ الْبُكَاءِ، أَبْكِي وَاللَّهِ قَبْلَ مَحِلِّ الشَّقَاءِ، أَبْكِي وَاللَّهِ قَبْلَ. .»

ص: 202

285 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، جَلِيسٌ لِمُوسَى الْخَيَّاطِ قَالَ: كَانَ مُوسَى بْنُ سَعِيدٍ الْخَيَّاطُ يَبْكِي ويَنُوحُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيَقُولُ فِي تَعْدِيدِهِ:

[البحر الوافر]

سَجُّونِي وَسَدُّونِي وَفِي لَحْدِي فَدُلُّونِي

أُلْبِسْتُ قَبَاطِيًا أُبْلِيهَا وَتُبْلِينِي "

وَيَبْكِي. فَلَمَّا رَآنِي سَكَتَ

ص: 203

286 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ ضَيْغَمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ نُوحٍ، قَالَ: بَكَى أَبُوكُ لَيْلَةً مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إِلَى آخِرِهِ، لَمْ يَسْجُدْ فِيهَا سَجْدَةً، وَلَمْ يَرْكَعْ فِيهَا رَكْعَةً، وَنَحْنُ مَعَهُ فِي الْبَحْرِ. فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قُلْتُ: يَا أَبَا مَالِكٍ لَقَدْ طَالَتْ لَيْلَتُكَ لَا مُصَلِّيًا وَلَا دَاعِيًا؟ فَبَكَى ثُمَّ قَالَ: " لَوْ يَعْلَمُ الْخَلَائِقُ مَاذَا يَسْتَقْبِلُونَ غَدًا مَا لَذُّوا بِعَيْشٍ أَبَدًا، إِنِّي وَاللَّهِ لَمَّا رَأَيْتُ اللَّيْلَ وَهَوْلَهُ ، وَشِدَّةَ سَوَادِهِ، ذَكَرْتُ بِهِ الْمَوْقِفَ ، وَشِدَّةَ الْأَمْرِ هُنَاكَ، وَكُلُّ امْرِئٍ يَوْمَئِذٍ تَهُمُّهُ نَفْسُهُ، لَا يُغْنِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ، وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدَهِ شَيْئًا.

⦗ص: 204⦘

قَالَ: ثُمَّ شَهِقَ، فَلَمْ يَزَلْ يَضْطَرِبُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ هَدَأَ. قَالَ الْحَكَمُ: فَحَمَلَ عَلَيَّ أَصْحَابُنَا فِي الْمَرْكِبِ وَقَالُوا: أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الذِّكْرَ، فَمَا تُهَيِّجُهُ " قَالَ: فَكُنْتُ بَعْدُ لَا أَكَادُ أَذْكُرُ لَهُ شَيْئًا لَا يَسْأَلُنِي عَنْهُ

ص: 203

287 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: رُئِيَ لِلْعَلَاءِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ: فَمَكَثَ ثَلَاثًا لَا تَرْقَأُ لَهُ دَمْعَةٌ، وَلَا يَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، وَلَا يَذُوقَ طَعَامًا. فَأَتَاهُ الْحَسَنُ فَقَالَ: أَيْ أَخِي أَتَقْتُلُ نَفْسَكَ أَنْ بُشِّرْتَ بِالْجَنَّةِ؟ فَازْدَادَ بُكَاءً عَلَى بُكَائِهِ. فَلَمْ يُفَارِقْهُ الْحَسَنُ حَتَّى أَمْسَى؛ وَكَانَ صَائِمًا، فَطَعِمَ شَيْئًا "

ص: 204

288 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَكِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُضَرَ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ الْعَلَاءَ بْنَ زِيَادٍ فَقَالَ: أَتَانِي آتٍ فِي مَنَامِي فَقَالَ: ائْتِ الْعَلَاءَ بْنَ زِيَادٍ فَقُلْ لَهُ: كَمْ تَبْكِي فَقَدْ غُفِرَ لَكَ. فَبَكَى، ثُمَّ قَالَ:«الْآنَ حِينَ لَا أَهْدَأُ»

ص: 204

289 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَكِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ:«كَانَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زَيْدٍ يَجْلِسُ إِلَى جَنْبِي عِنْدَ مَالِكٍ. فَكُنْتُ لَا أَفْهَمُ كَثِيرًا مِنْ مَوْعِظَةِ مَالِكٍ لِبُكَاءِ عَبْدِ الْوَاحِدِ»

ص: 205

290 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ سَلْمَانَ، قَالَ:«كَانَ مِسْمَعٌ يَأْتِي أَبِي، فَيَجْلِسُ إِلَيْهِ، فَلَا يَفْتَرِقَانِ إِلَّا عَنْ مِثْلِ الْمُصِيبَةِ، مِنَ الْبُكَاءِ وَالْحُزْنِ»

ص: 205

291 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ، قَالَ: حَدَّثَنِي صَدَقَةُ بْنُ بَكْرٍ السَّعْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سَلْمَانَ الْعَابِدُ، قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَعَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زَيْدٍ، إِلَى مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ، فَوَجَدْنَاهُ قَدْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ وَدَخَلَ مَنْزِلَهَ، وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَ الْحُجْرَةِ. فَجَلَسْنَا نَنْتَظِرُهُ لِيَخْرُجَ، أَوْ نَسْمَعَ لَهُ حَرَكَةً فَنَسْتَأْذِنَ عَلَيْهِ. فَجَعَلَ يَتَرَنَّمُ بِشَيْءٍ لَا نَفْهَمُهُ. ثُمَّ بَكَى حَتَّى جَعَلْنَا نَأْوِي لَهُ مِنْ شِدَّةِ بُكَائِهِ. ثُمَّ جَعَلَ يَشْهَقُ وَيَتَنَفَّسُ حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ.

⦗ص: 206⦘

فَقَالَ لِي عَبْدُ الْوَاحِدِ: «انْطَلِقْ ، فَهَذَا رَجُلٌ مَشْغُولٌ بِنَفْسِهِ»

ص: 205

292 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي عُمَرَ الْخَطَّابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِهِمْ، قَالَ: كَانَ عُتْبَةُ الْغُلَامُ يَبْكِي حَتَّى تَمْتَلِئَ رَاحَتُهُ بِدُمُوعِ عَيْنَيْهِ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهَا وَجْهَهُ وَرَقَبَتَهُ ، وَيَقُولُ:" إِلَهِي وَسَيِّدِي، لَا تُخْزِنِي يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ. قَالَ: وَكَانَ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بَكَى "

ص: 206

293 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: " كَانَ حَسَنُ بْنُ صَالِحٍ إِذَا نَظَرَ إِلَى جَنَازَةٍ أَرْسَلَ عَيْنَيْهِ بِأَرْبَعٍ

⦗ص: 207⦘

قَالَ: وَدَخَلْنَا مَعَهُ مَرَّةً نَعُودُ مَرِيضًا ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ يَبْكِي حَتَّى جَرَتْ دُمُوعُهُ عَلَى لِحْيَتِهِ "

ص: 206

294 -

حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ التَّيْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ هَارُونَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَمٍّ لَهُ كَانَ يُكْثِرُ مُجَالَسَةَ حَسَنِ بْنِ صَالِحٍ قَالَ: سَمِعْتُ حَسَنَ بْنَ صَالِحٍ، يَقُولُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فِي بَيْتِهِ:«وَا أَهْوَالَاهُ فَلَوْ كَانَ هَوْلًا وَاحِدًا لَكَفَى، وَلَكِنَّهَا أَهْوَالٌ شَتَّى» ثُمَّ زَفَرَ

ص: 207

295 -

حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ التَّيْمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ الصَّقْرِ السَّدُوسِيُّ، قَالَ: كَانَ أَبِي خَاصًّا لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ أَبِي: فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَى سُفْيَانَ فِي نَحْرِ الظُّهْرِ، فَأَذِنَتْ لِيَ امْرَأَةٌ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ:{أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ} [الزخرف: 80] ثُمَّ يَقُولُ: بَلَى يَا رَبِّ بَلَى يَا رَبِّ وَيَنْتَحِبُ ، وَيَنْظُرُ إِلَى سَقْفِ الْبَيْتِ وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ. فَمَكَثْتُ جَالِسًا كَمْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَيَّ، فَجَلَسَ مَعِي، فَقَالَ: مُذْ كَمْ أَنْتَ هَهُنَا؟ مَا شَعُرْتُ بِمَكَانِكَ "

ص: 207

296 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: قَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ: «رَأَيْتُ هِشَامَ بْنَ حَسَّانَ إِذَا ذُكِرَتِ الْجَنَّةُ أَوِ النَّبِيُّ عَلَيْهِ

⦗ص: 208⦘

السَّلَامُ، بَكَى حَتَّى تَسِيلَ دُمُوعُهُ. وَرَأَيْتُ ابْنَ عَوْنٍ تَدُورُ الدُّمُوعُ فِي عَيْنَيْهِ وَلَا تَخْرُجُ»

ص: 207

297 -

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ:«رَأَيْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ يَبْكِي حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ»

ص: 208

298 -

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ الْخَرَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَيَّارٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَطَرٌ الْوَرَّاقُ، قَالَ:

⦗ص: 209⦘

بَاتَ هَرِمُ بْنُ حَيَّانَ عِنْدَ حُمَمَةَ، فَبَاتَ حُمَمَةُ بَاكِيًا حَتَّى أَصْبَحَ فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ لَهُ هَرِمٌ: يَا أَخِي مَا أَبْكَاكَ اللَّيْلَةَ؟ قَالَ: " ذَكَرْتُ لَيْلَةً صَبِيحَتُهَا تَنَاثَرُ الْكَوَاكِبُ قَالَ: وَبَاتَ حُمَمَةُ عِنْدَ هَرِمٍ لَيْلَةً أُخْرَى، فَبَاتَ هَرِمُ بْنُ حَيَّانَ بَاكِيًا حَتَّى أَصْبَحَ فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ لَهُ حُمَمَةُ: يَا أَخِي مَا أَبْكَاكَ اللَّيْلَةَ؟ قَالَ: يَا أَخِي ذَكَرْتُ لَيْلَةً صَبِيحَتُهَا تَبَعْثَرُ الْقُبُورُ لَلْمَحْشَرِ إِلَى اللَّهِ وَكَانَا إِذَا أَصْبَحَا غَدَوَا ، فَمَرَّا بِأَكْوِرَةِ الْحَدَّادِينَ كَيْفَ يُنْفَخُ عَلَيْهَا، فَيَقْعُدَانِ، وَيَبْكِيَانِ، وَيَسْتَجِيرَانِ اللَّهَ مِنَ النَّارِ. ثُمَّ يَأْتِيَانِ أَصْحَابَ الرَّيَاحِينِ، فَيَقِفَانِ، فَيَسْأَلَانِ اللَّهَ الْجَنَّةَ. ثُمَّ يَدْعُوانِ بِدَعَوَاتٍ، وَيَفْتَرِقَانِ "

ص: 208

299 -

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ مُعَاذٍ بْنِ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الرَّقَاشِيُّ، قَالَ:

⦗ص: 210⦘

انْطَلَقَ عَزْوَانُ وَحَمَمَةُ إِلَى عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَوَجَدَاهُ مُغْلِقًا عَلَيْهِ بَابَهُ، فَسَمِعَاهُ يَبْكِي. فَجَلَسَا بِبَابِهِ يَبْكِيَانِ لِبُكَائِهِ. ثُمَّ أَذِنَ لَهُمَا، فَرَأَى أَثَرَ الْبُكَاءِ عَلَى وجُوهِهِمَا، فَقَالَ: مَا أَبْكَاكُمَا؟ قَالَا: سَمِعْنَاكَ تَبْكِي فَبَكَيْنَا لِبُكَائِكَ. قَالَ: أُخْبِرُكُمَا مَا أَبْكَانِي. " إِنِّي ذَكَرْتُ اللَّيْلَةَ الَّتِي صَبِيحَتُهَا يَوْمُ الْقِيَامَةِ، قُلْتُ: إِنَّهَا لَتُمَخَّضُ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ "

ص: 209

300 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ بِعَامِرِ بْنِ عَبْدِ قَيْسٍ وَهُوَ جَالِسٌ فِي طَرِيقٍ وَهُوَ يَبْكِي، فَقَالَ: يَا عَامِرُ مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: «شَيْءٌ مَا أَبْكَانِي، عَجِبْتُ مِنْ لَيْلَةٍ تَمَخُّضُ صَبِيحَتِهَا يَوْمُ الْقِيَامَةِ» . وَكَانَ إِذَا أَصْبَحَ خَرَجَ إِلَى طَرِيقٍ مِنَ الطُّرُقِ، فَإِذَا رَأَى النَّاسَ قَدْ خَرَجُوا إِلَى حَوَائِجِهِمْ، وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَيَقُولُ:«يَا رَبِّ غَدَا الْغَادُونَ فِي حَوَائِجِهِمْ، وَغَدَوْتُ أَسْأَلُكَ الْمَغْفِرَةَ»

ص: 210

301 -

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: قِيلَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: «مَا كَانَ بُدُوُّ إِنَابَتِكَ؟» ، قَالَ: أَرَدْتُ ضَرْبَ غُلَامٍ لِي، فَقَالَ:«يَا عُمَرُ اذْكُرْ لَيْلَةً صَبِيحَتُهَا يَوْمُ الْقِيَامَةِ»

ص: 211

302 -

حَدَّثَنِي أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ أَرْطَاةَ: أَمَّا بَعْدُ، «فَإِنِّي أُذَكِّرُكَ بِلَيْلَةٍ تُمَخَّضُ بِالسَّاعَةِ، فَصَبَاحُهَا الْقِيَامَةُ، يَا لَهَا مِنْ لَيْلَةٍ وَيَا لَهُ مِنْ صَبَاحٍ كَانَ عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا»

ص: 211

303 -

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ جُنَيْدٍ، قَالَ:

⦗ص: 212⦘

بَيْنَمَا الْحَسَنُ فِي يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ فِي الْمَسْجِدِ، وَفِي يَدِهِ بُلْبُلَةٌ، وَهُوَ يَمُصُّ مَاءَهَا، ثُمَّ يَمُجُّهُ فِي الْحَصَى ، ثُمَّ تَنَفَّسَ تَنَفُّسًا شَدِيدًا، ثُمَّ بَكَى حَتَّى رَعِدَتْ مَنْكِبَاهُ، ثُمَّ قَالَ:«لَوْ أَنَّ بِالْقُلُوبِ حَيَاةً، لَوْ أَنَّ بِالْقُلُوبِ صَلَاحًا ، لَأُبْكِيتُكُمْ مِنْ لَيْلَةٍ صَبِيحَتُهَا يَوْمُ الْقِيَامَةِ. إِنَّ لَيْلَةً تَمَخَّضُ عَنْ صَبِيحَةِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، مَا سَمِعَ الْخَلَائِقُ بِيَوْمٍ قَطُّ أُكْثِرَ فِيهِ عَوْرَةٌ بَادِيَةٌ، وَلَا عَيْنٌ بَاكِيَةٌ مَنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ»

ص: 211