الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آداب السؤال عند المعلمين
…
تمهيد:
تبين لنا في المبحث السابق آداب السؤال وضوابطه في القرآن الكريم وأهمية هذه الآداب للمتعلم. وإذا كان يطلب من المتعلم أن يهتم بالسؤال ويحافظ على آدابه، فإن المعلم مطالب بالأمر ذاته، وذلك لأهمية السؤال وضرورة العناية به لكل من المعلم والمتعلم، بيد أن آداب السؤال التي يتوجب على المعلم التمسك بها والانطلاق منها تختلف عن تلك الآداب المتعلقة بالمتعلم، وذلك نظراً لاختلاف موقف المعلم والمتعلم من السؤال ولاختلاف الدور الذي يقوم به كل من المعلم والمتعلم في الموقف التعليمي. وبغض النظر عن اختلاف آداب السؤال لدى المعلم عنها لدى المتعلم، إلا أنها تعد في غاية الأهمية والضرورة لنجاح المعلم في مهامه التعليمية والتربوية. ولأهمية هذه الآداب وضرورة تمسك المعلم بها فقد أرشد القرآن الكريم المعلمين إلى طائفة من الآداب والأخلاق ودعاهم إلى التحلي بها والتعامل مع المتعلمين في ضوئها، ومن بين هذه الآداب ما يلي:
(1)
- إدراك قيمة السؤال في التعليم والتعلم
فالمعلم الذي لا يدرك أهمية السؤال في التعلم والتعليم قد لا يعمد إلى استخدامه كوسيلة من وسائل تحقيق الأهداف التعليمية والتربوية المنشودة، أو لا يعطيه الاهتمام الذي يتناسب مع أهميته ودوره، وإن أهمية السؤال في التعلم والتعليم ومكانته في المنهج التربوي القرآني واضحتان تمام الوضوح، فالسؤال في القرآن هو وسيلة اكتساب العلم ورفع الجهل عن النفس، ولكن وفق منهج سليم وتوجيه سديد، وذلك بأخذ العلم من مصادره الموثوقة، قال تعالى:
{فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} 1 بل إن التربية الإسلامية في لفتها الأنظار إلى مكانة السؤال تجعل ضرورته للمتعلم كالدواء للمريض، قال صلى الله عليه وسلم:"إنما شفاء العي السؤال"2.
(2)
- تشجيع المتعلمين على السؤال
إن توجيه الأسئلة له فوائده الإيجابية للمتعلم والمعلم على حد سواء3 وإن وجود الأسئلة الكثيرة في القرآن الكريم والإجابة عليها في ضوء المنهج القرآني الحكيم يدل دلالة واضحة على ضرورة أن يتيح المعلم الفرصة للمتعلمين أن يسألوا وأن يحسن استثمار أسلوب السؤال في تعليمهم وتربيتهم.
وقد سبق أن بينّا موقف القرآن من السؤال وترغيبه فيه وحثه وتشجيعه عليه4 بما يوضح تمام الإيضاح أن من أوجب واجبات المعلم أن يشجع المتعلمين على طرح أسئلتهم واستفساراتهم، وأن يسمح لهم بمناقشته ومحاورته، وأن يتقبل أسئلتهم بوجه بشوش وروح طيبة.
(3)
- التوجيه إلى طرح الأسئلة الهامة
إن من أهم واجبات المعلم تجاه تلاميذه أن يلفت انتباههم إلى توجيه الأسئلة الهامة وذات العلاقة بموضوع الدرس وترك ما عدا ذلك5. وقد وجه القرآن النبي صلى الله عليه وسلم أن يرشد أمته إلى سلوك المنهج السديد في طرح الأسئلة،
1 سورة النحل: آية: 43.
2 سنن أبي داود: 1/240، كتاب الطهارة، باب في المجروح يتيمم، ح:336.
3 انظر مبحث: الأهمية التربوية للسؤال؛ ص: 253-255، ص 255-257.
4 انظر مبحث: مكانة السؤال في القرآن؛ ص: 265-269.
5 د. محب الدين أبو صالح: أساسيات في طرق التدريس: مرجع سابق؛ ص:87.
وذلك بالسؤال عما ينفع وترك السؤال عما لا ينفع أو ما قد يجلب الإساءة للسائل، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} 1 وقال تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} 2 وقال تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي} 3.
وقد استنبط بعض المفسرين توجيه القرآن إلى طرح الأسئلة المهمة وترك ما عداها من قول الله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} 4.
فقال: "هناك تفسير يتجه بهذه الفقرة من الآية {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} وهو أنهم في سؤالهم عن تغير الهلال عكسوا في سؤالهم، فسألوا عما لا يعنيهم ولا يفيدهم، فهم بمثابة من يأتي البيوت من ظهورها، وكان الأولى أن يأتوها من أبوابها فيسألوا عما يعنيهم وينفعهم في أمر دينهم ودنياهم"5.
(4)
- عدم إرهاق المتعلمين بالأسئلة
وذلك بتوجيه صعاب المسائل إليهم، فينبغي للمعلم أن يختار المسائل الميسرة ويتجنب الصعبة منها، وذلك تيسيراً للمتعلمين وتشجيعاً لهم للإقبال على التعلم، وفي قصة موسى مع العبد الصالح توجيه إلى هذا المعنى، قال تعالى:
1 سورة المائدة: آية: 101.
2 سورة الإسراء: آية: 85.
3 سورة الأعراف: آية: 187.
4 سورة البقرة: آية: 189.
5 د. يوسف القرضاوي: العقل والعلم في القرآن الكريم؛ ص:217: نقلاًعن: نظم الدرر البقاعي: 3/99،100.
{قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً} 1 قال الشيخ السعدي في تفسير هذه الآية: "ينبغي للإنسان أن يأخذ من أخلاق الناس ومعاملاتهم، العفو منها، وما سمحت به أنفسهم، ولا ينبغي له أن يكلفهم ما لا يطيقون، أو يشق عليهم ويرهقهم، فإن هذه مدعاة إلى النفور منه والسآمة بل يأخذ المتيسر له ليتيسر له الأمر"2. وقال القاضي أبو السعود في معنى عسرا: "أي لا تعسر عليّ متابعتك ويسرها عليّ بالإغضاء وترك المناقشة"3. وفي المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم: "نهى عن الأغلوطات"4 قال الأوزاعي: "الأغلوطات: شداد المسائل وصعابها".
(5)
- توجيه المتعلمين بعدم التعجل في طرح الأسئلة
فمن حق المعلم - كما بيّن القرآن الكريم - أن يوجه تلاميذه إلى عدم التعجل في طرح أسئلتهم وأن يتريثوا ويصبروا حتى يفرغ مما هو بصدده ثم يسألوا بعد ذلك، قال تعالى:{قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً} 5 قال الشيخ السعدي: "من فوائد هذه الآية أن المعلم إذا رأى المصلحة في إيزاعه للمتعلم أن يترك الابتداء في السؤال عن بعض الأشياء حتى يكون المعلم هو الذي يوقفه عليها، فإن المصلحة تتبع، كما إذا كان فهمه
1 سورة الكهف: آية: 73.
2 عبد الرحمن بن ناصر السعدي: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: 5/34.
3 تفسير أبي السعود: 5/235.
4 المسند: 5/435.
5 سورة الكهف: آية: 70.
قاصراً، أو نهاه عن الدقيق في سؤال الأشياء التي غيرها أهم منها أو لا يدركها ذهنه، ويسأل سؤالاً لا يتعلق بموضوع البحث"1.
(6)
- عدم الإجابة على كل سؤال
فلا يلزم المعلم أن يلم بجميع المعلومات والحقائق الخاصة بالمادة أو الدرس، بحيث يجيب على كل سؤال من أسئلة المتعلمين، وإذا كان الله لم يعطِ هذه السعة في العلم لأنبيائه عليهم السلام، فمن باب أولى ألا تعطى لغيرهم. وقد ذكر الإمام الشوكاني في سبب ذكر قصة موسى والخضر في سورة الكهف:"أن اليهود لما سألوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن قصة أصحاب الكهف وقالوا: إن أخبركم فهو نبي وإلا فلا، ذكر الله قصة موسى والخضر تنبيهاً على أن النبي لا يلزمه أن يكون عالماً بجميع القصص والأخبار"2.
ومن ثم فإنه لا يقدح في مكانة المعلم ولا يقلل من قدره ألا يجيب على بعض أسئلة المتعلمين، ومما يجدر ذكره هنا أن بعض التلاميذ قد يوجه أسئلة بهدف إضاعة الوقت أو إشغال المعلم عن سؤال التلاميذ3.
كما أن بعض التلاميذ قد يسأل أسئلة بعيدة كل البعد عن موضوع الدرس.
(7)
- رد العلم فيما لا يعلم إلى الله
ومن آداب المعلم تجاه أسئلة المتعلمين أن يقول لما لا يعلم الله أعلم. وقد ذكر المفسرون أن سبب رحيل موسى إلى الخضر أنه لما سئل أي الناس أعلم؟ لم
1 عبد الرحمن بن ناصر السعدي: المرجع السابق، ص:34.
2 فتح القدير: مرجع سابق: 3/297.
3 د. محب الدين أبو صالح: المرجع السابق؛ ص:87.
يرد العلم إلى الله، بل قال أنا أعلم، فعتب الله عليه حين لم يرد العلم إليه، وبين له أن هناك من هو أعلم منه وأمره بالسير إليه1. ولذلك ينبغي للمعلم إذا سئل عما لا يعلم أن يرد العلم إلى الله تمسكاً بهذا الأدب الرفيع الذي وجه إليه الإسلام، عن ابن مسعود قال: "إن من علم المرء أن يقول لما لا يعلم الله أعلم"2 وعن مالك قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إمام المسلمين وسيد العالمين يسأل عن الشيء، فلا يجيب حتى يأتيه الوحي"3 وعن ابن وهب قال: " لو كتبنا عن مالك لا أدري لملأنا الألواح"4 وقال مالك: " كان ابن عباس يقول: "إذا أخطأ العالم لا أدري أصيبت مقاتله"5.
(8)
- الحرص على التزود الدائم بالعلم
إن تزود المعلم الدائم والمستمر بالمعلومات والحقائق العلمية يعينه في دروسه وتعليمه، كما يعينه على الإجابة على أسئلة المتعلمين واستفساراتهم، ولذلك أرشد القرآن إلى ضرورة التزود الدائم بالعلم، وأن الإنسان مهما أوتي من العلم يبقى في حاجة ماسة إلى المزيد منه، قال تعالى:{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} 6 وقال تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَاّ قَلِيلاً} 7.
وفي رحيل موسى إلى الخضر للتعلم منه مع ما هو عليه من علم ومكانة بين الأنبياء خير دليل على ضرورة الطلب الدائم للعلم والاستزادة المستمرة منه،
1 تفسير الطبري: م: 9، ج: 15، ص:276 278.
2 ابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله: 2/51.
3 نفس المرجع: 2/51.
4 نفس المرجع: 2/51.
5 نفس المرجع: 2/51.
6 سورة طه: آية: 114.
7 سورة الإسراء: آية: 85.
قال الزجاج في معرض تعليقه على رحيل موسى إلى الخضر: "فيما فعل موسى - وهو من جملة الأنبياء - من طلب العلم والرحلة في ذلك ما يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يترك طلب العلم وإن كان قد بلغ نهايته1. وقال الشيخ السعدي: "ينبغي للفقيه المحدث إذا كان قاصراً في علم النحو أو الصرف أو نحوه من العلوم أن يتعلمه ممن مهر فيه وإن لم يكن محدثاً ولا فقيهاً"2.
1 فتح القدير: 3/299.
2 عبد الرحمن بن ناصر السعدي: المرجع السابق: 5/3334.