المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌خصائص السؤال في القرآن الكريم - السؤال في القرآن الكريم وأثره في التربية والتعليم

[أحمد ضليمي]

الفصل: ‌خصائص السؤال في القرآن الكريم

‌خصائص السؤال في القرآن الكريم

تمهيد:

تميز السؤال في ضوء المنهج التربوي القرآني بالعديد من المزايا والخصائص التربوية حيث تميز بالشمول، والتنوع، والتوجيه إلى القضايا والموضوعات الهامة، كما تميز باهتمامه بالجانب الإيماني الذي هو أهم جوانب الشخصية الإنسانية، كما تميز بتوجيه المتعلم إلى أحسن الطرق وأصدقها في تحصيل العلوم واكتساب المعارف، كما تميز السؤال في القرآن الكريم بتنوع مصادره وأسلوبه الفذ في التعامل مع السائلين على اختلاف معتقداتهم ودوافعهم وأغراضهم. وفيما يلي تفصيل لتلك الخصائص والمميزات.

(1)

الشمول والتنوع

حيث عالجت الأسئلة القرآنية جوانب متعددة من حياة مجتمع الصدر الأول، فقد شملت:

أ - أموراً خاصة بجانب الغيب، كالسؤال عن الساعة:{يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ} 1.

ب - وأموراً خاصة بالجانب المالي، كالسؤال عن أوجه الإنفاق، والإنفاق على وجه الصدقة:{يَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} 2.

ج - وأموراً خاصة بالحرب والقتال، كالسؤال عن الظروف الزمنية للقتال:{َسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ} 3.

1 سورة الأعراف: آية 187.

2 سورة البقرة: آية 215

3 سورة البقرة: آية 217

ص: 289

د- وأموراً خاصة ببعض ما يراد توجيهاً حاسماً وشافياً بصدده، مثل تعاطي الخمر والميسر:{يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} 1.

? - وأموراً خاصة ببعض الفئات، كفئة اليتامى:{وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى} 2.

و وأموراً خاصة بالجانب الصحي، كالجماع عند المحيض:{وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} 3.

ز - وأموراً خاصة ببعض السابقين، كالسؤال عن ذي القرنين:{وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ} 4.

ح - وأموراً خاصة بموضوعات غامضة وغير مفهومة، كالسؤال عن الروح:{وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ} 5.

ط - وأموراً خاصة ببعض الظواهر الكونية، كالسؤال عن الجبال:{وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْجِبَالِ} 6. والسؤال عن الأهلة: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ} 7.

وهكذا ينبغي للمعلم أن يتأسى بالمنهج التربوي القرآني في طريقته في التربية بالسؤال، فيتيح الفرصة للتلاميذ أن يسألوا فيما يعن لهم من أمور تتعلق بما يدرسونه وبما يواجهونه ويعرض لهم من مشكلات في حياتهم. كما ينبغي للمعلم أن يحرص على استخدام طريقة السؤال في مختلف خطوات درسه من تمهيد

1 سورة البقرة: آية 219

2 سورة البقرة: آية 220

3 سورة البقرة: آية 222

4 سورة الكهف: آية 83

5 سورة الإسراء: آية 85

6 سورة طه: آية 105

7 سورة البقرة: آية 189

ص: 290

وعرض وربط وتقويم، كما يجب على المعلم أي يشمل جميع التلاميذ بأسئلته فلا يخص بها بعضهم دون البعض الآخر.

(2)

الأهمية.

وقد امتازت الأسئلة التي جاءت في القرآن الكريم بالأهمية، يدل على هذه الأهمية ما شملته تلك الأسئلة من مجالات الحياة الأساسية وما طرحته من قضايا ملحة وهامة تتعلق بحياة مجتمع الصدر الأول، وقد بينا في الخاصية الأولى المجالات التي شملتها الأسئلة القرآنية، وذكرنا بعض الموضوعات والجوانب التي تناولتها، وإن تأمل خاصية الأهمية في المنهج التربوي القرآني يوضح أن القرآن الكريم قد أرسى قاعدة تربوية عظيمة، وهي أن الأهمية لا تحصر في الدرس أو فيما يتعلق بالجانب التعليمي، بل هي أوسع من ذلك بكثير، فهي تمتد لتشمل جميع ما يهم المتعلم ويتصل بحياته، سواء كان ذلك يتعلق بما يتعلمه داخل حجرة الدراسة أم كان يتعلق بمختلف جوانب حياته ويحتاج إلى فهمه ومعرفته والإجابة عما يثيره من أسئلة واستفسارات.

(3)

تثبيت العقيدة وإثبات الوحدانية لله

وقد استخدم القرآن السؤال كطريقة للإقناع والوصول إلى الحق الذي هو التوحيد ونبذ الباطل الذي هو الشرك، فقال تعالى منكراً على الكفار شركهم بالله في عبادته في الوقت الذي يقرون فيه بربوبيته:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} 1 وقال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ

1 سورة العنكبوت: آية 61.

ص: 291

بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} 1 وقال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} 2 وإن بإمكان المعلم أن يستثمر استخدام القرآن السؤال على هذا النحو في غرس التوحيد الخالص لله في نفوس المتعلمين فيسألهم عن خالق السموات والأرض، ومسخر الشمس والقمر، ويسألهم عمن أحي الأرض بعد موتها، ويسألهم عمن خلقهم وخلق كل شيء ويسألهم عن الدعاء والخوف والرجاء والتوكل والرغبة والرهبة والخشوع والخشية والإنابة والاستعانة والاستعاذة والاستغاثة والذبح والنذر وغير ذلك من العبادات التي أمر الله بها، ليصل بعد هذه الأسئلة إلى نفس النتيجة التي أراد القرآن الوصول إليها من توحيد الله وإخلاص العبادة له وحده وبذلك يعمل المعلم على تثبيت الإيمان الصحيح في نفوس التلاميذ معتمداً في ذلك على أسلوب السؤال وطريقته الناجحة في رعاية الجانب الإيماني لدى المتعلمين.

(4)

بيان أفضال الله على خلقه بهدف هدايتهم إلى الحق.

وهو أسلوب يقوم على استمالة العاطفة فضلاً عن مخاطبة العقل، وذلك أن النفوس مجبولة على محبة من يحسن إليها والميل إليه، وقد استخدم القرآن هذا الأسلوب في مواضع عديدة، قال تعالى:{قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} 3 وقال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} 4 وقال تعالى: {قُلْ مَنْ

1 سورة العنكبوت: آية 63.

2 سورة الزخرف: آية 87.

3 سورة الأنعام: آية 63.

4 سورة يونس: آية 31.

ص: 292

يَكْلأُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ} 1 وإن المعلم مطالب بأن ينتفع بهذا الأسلوب القرآني وذلك بذكر تلك النعم التي بينها القرآن والتأكيد عليها في كل فرصة وفي كل مناسبة سانحة، وذلك على نحو يؤدي إلى محبة المتعلمين خالقهم وتقوية صلتهم به.

(5)

التوجيه إلى سؤال أهل العلم والخبرة

وهو أسلوب تربوي علمي يوفر الجهد والوقت، ويبني الجانب العلمي لدى المتعلم وفق أقوى الأسس وأمتنها، وذلك بأخذ العلوم والمعارف من مصادرها الصحيحة والموثوقة قال تعالى:{فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} 2 وقال تعالى: {فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} 3 وقال تعالى: {الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} 4 كما أن التوجيه إلى سؤال أهل العلم والخبرة يرشد إلى أهمية السؤال وأنه طريقة من أهم طرق التعلم والكشف عن الحقائق والمعلومات.

(6)

تنوع مصادر الأسئلة

فقد تنوعت الأسئلة في مصادرها واختلف السائلون وتنوعوا بين مسلمين ومشركين، وأعراب، وأهل كتاب، ومنافقين، وكان لكل فئة من هذه الفئات أهدافها ودوافعها من السؤال، وقد عالج القرآن الكريم كل سؤال بما يتناسب مع أغراضه ودوافعه وأجاب عن كل سؤال في ضوء منهجه الحكيم الخالد. وإن مما يجدر التنبيه إليه هنا أن المعلم المسلم في أمس الحاجة إلى المعرفة بتلك الأسئلة ومعرفة أصحابها ودوافعهم وأغراضهم ومعرفة كيفية تعامل القرآن معها، وذلك من أجل الانتفاع بهذه المعرفة في حياته التعليمية والعامة.

1 سورة الأنبياء: اية 42.

2 سورة النحل: آية 43.

3 سورة يونس: آية 94.

4 سورة الفرقان: آية 59.

ص: 293