الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا: الدعوة للتوحيد والأخلاق والتمسك بهما معًا وقبل كل شيء:
إذا كان التوحيد يسبق الشريعكة والمنهاج في الالتزام والاعتقاد والدعوة .. فإنه لا يسبق الأخلاق والالتزام بها والتربية عليها، بل هما متلازمان كتلازم الماء للشجر، والروح للجسد.
صحيحٌ أن كثيرًا من الدعاة قد أدركوا ما للتوحيد من أهمية بالغة في البناء والتربية، وأنه لا يحل أن يسبقه شيء من جهاد أو سياسة أو غير ذلك، ولكنهم ما يزالون يعانون من نقص حاد في التربية الأخلاقية، الأمر الذي نجم عنه ثغرات كبيرة في العمل الإسلامي، وشروخ عميقة صدعت الجماعات الإسلامية، وأوهنت قواها، بل وشتت شملها.
إن إهمال مسألة تربية الأفراد على الأخلاق، يعني بالضرورة فشل العمل الإسلامي، وقد تجرع العاملون للإسلام مرارة سوء الخلق، فحصدوا التفرق والشتات، وجنوا البغضاء والمهاترات وشماتة الأعداء، فكان الفشل مطافهم، مما هو ثمرة أكيدة من ثمار سوء الأخلاق.
وإن من أهم ما يلفت النظر في هذه القضية البالغة الأهمية، أن كثيرًا من المسلمين فقدوا الأخلاق، وفقدوا معناها إلا من رحم الله.
فإنك إذا ما أردت أن تصلح بين اثنين، فقلت
لأحدهما: سامح أخاك .. أجابك وعلى الفور: إنه أخطأ معي .. إنه ظلمني .. فكيف أسامحه! وعندئذ تعتري العاقل الحيرة، وتتملكه الدهشة، أليست المسامحة إنما وجدت دواء لخطأ الآخرين، وأن المسامحة والتسامح لا تطلب من فراغ، إنما تعني كلمة التسامح خطأ وظلم من طرف، وغفران وعفو من الطرف الآخر، فهذه المعادلة المتبادلة تسمى تسامحًا، ومع ذلك يصر المسلمون على عدم إدراك هذا المعنى، وعدم تطبيقه، ولكن بقي سؤال: كيف تكون الأخلاق؟
وكيف يتكون حسن الخلق؟
الظاهر والله أعلم أن حسن الخلق يكون، بعد هداية الله، بالفطرة وبالاكتساب.
فالقدوة هي العالم الرئيسي في حسن الخلق، والتأثير عليه، إذ يتأثر المتربي تأثرًا مباشرًا وغير مباشر بخلق مربيه ومعلمه، ولذلك ترى أنه لا يحسن التربية، من كانت شيمته سوء الخلق، وأنى له هذا؟ ! وفاقد الشيء لا يعطيه.
وإذا كان يمكن تحصيل العلم بالكتب، فإنه من المحال تحصيل الأخلاق بالدراسة والتعلم، بل إني أعرف اثنين ألفا كتبًا في أخلاق المسلم، وسوء خلقهما وبذاءة لسان أحدهما أشهر من أن نذكر اسميهما.
ألا ترى إلى هؤلاء الثلة الطيبة الطاهرة التي تخرجت من