الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأخذ عمر رضي الله عنه فجلده، ثم حبسه، ثم جلده وحبسه، ثم جلده وحبسه، ثم قال صبيغ: يا أمير المؤمنين: قد ذهب الذي أجد! فنفاه إلى العراق، ومنعه من مجالسة الناس، ثم صلح حاله، فلما قامت فتنة الخوارج، فتنة الفكر والتقوّل على الله تعالى بغير علم، جاء الناس صبيغًا فقالوا: قم يا صبيغ فقد جاء دورك، فقال: أدبني العبد الصالح!
فانظر ـ أخي المسلم ـ لو كان صبيغ عندنا، لرددنا عليه بألف جواب، ولألفنا أكثر من كتاب، ولشغلنا مساحات الصحف ردًا، وردًا على رد، يقذف بعضنا بعضًا بالردود والتهم، حتى نوقع الريبة في قلوب العباد، ونضع القارئ في القيل والقال، ويتسرب إلى قلبه شيء من الشك، والانتقاص من آيات الله وأحاديث نبيه صلى الله عليه وسلم كل ذلك بسبب إعراضنا عن أصول البحث العلمي، وطريقة السلف في تأديب أحفاد صبيغ.
رابعًا: السمع والطاعة:
إن من أهم قواعد النجاة، وأصول الطائفة الناجية: السمع والطاعة لله ورسوله، وهما ركنان من أركان كلمة التوحيد.
ولا يسمى المسلم مسلمًا حقًا إلا أن يستسلم بقلبه وجوارحه لله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك بفعل كل أمر، والنتهاء عن كل نهي.
وهذا هو معنى الإسلام، ولذلك كان دين الإسلام دين جميع الأنبياء والرسل {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]، أي الاستسلام والخضوع والانقياد لهذا الدين العظيم، والعمل به.
وهذه هي ملة إبراهيم {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة: 131]
ولذلك أوصى الله الأنبياء من بعده، باتباع ملته {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: 123]
وحذر من الإعراض عنها، فقال سبحانه {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: 130]، فالسفيه من إذا أمره الله عز وجل أو رسوله صلى الله عليه وسلم لم يسمع ولم يطع.
وضرب الله لنا مثلاً رائعًا في إبراهيم، إذ أمره بذبح ابنه الوحيد {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102]، ورؤيا الأنبياء وحي، فماكان من هذا الابن الشاب، إلا أن استجاب استجابة لا تقل طاعة وتسليمًا عن طاعة أبيه وتسليمه، إذ قال {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات: 102].
ولا أعتقد أن أحدًا ابتُليَ بمثل ما ابتليَ به إبراهيم، والحكمة من ذلك والله أعلم كي يكن المثل الأعلى للناس من بعده وإمامًا لهم.
فأين أهل زماننا من هذا، تذكره بالحديث فلا يسمع،
وتذكره بالآيات فلا يطيع.
وأمرنا باللحية ـ على سبيل المثال ـ فتجد أهل زماننا يتهربون منها كل مهرب، ويتأولون كل متأول.
فكيف لو أمرنا بذبح أبنائنا، أو مما ابتُليَ به الناس من قبلنا، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
واعلم أن المقصود بالسمع، سمع الإقرار والقبول والفهم، لا مجرد السمع الذي يشترك فيه المؤمن والكافر والناس جميعًا، والمقصود بالطاعة: الانقياد والعمل.
فمعنى سمعنا وأطعنا: أي قبلنا وفهمنا ونفذنا.
لقد أدرك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم معنى هذين الركنين من أركان الإيمان، واستقر ذلك في قلوبهم، وجرى مع الدم في عروقهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فَهَذَا إقْرَارٌ مِنْهُمْ بِرُكْنَيْ الْإِيمَانِ الَّذِي لَا يَقُومُ إلَّا بِهِمَا"[مجموع الفتاوى]
وكذلك نزل قول الله تعالى {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: 284]، وأدرك الصحابة رضوان الله عليهم ما تضمنته هذه الآية، من أن الله محاسب العبد على ما يخفيه في نفسه، ولو لم يفعله، فاشتد ذلك عليهم، وغمتهم غمًا شديدًا، ووجدوا منها موجدة عظيمة، وبكوا من هولها بكاءً مرًا، رضوان الله عليهم وسلامه،
فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جثوا على الركب، وقالوا: يا رسول الله؛ كلفنا من الأعمال ما نطيق، الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزلت عليك هذه الآية، ولا نطيقها ـ أي لا نستطيع العمل بها ـ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ {سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} بَلْ قُولُوا {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} ، قَالُوا {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} ، فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا الْقَوْمُ ذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِى إِثْرِهَا {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا اللَّهُ تَعَالَى فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَاّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]. [رواه مسلم وأحمد في مسنده]
القاعدة الخامسة من قواعد النجاة:
وهي أصل من أصول الطائفة المنصورة إذا صح النقل شهد العقل.
أي إذا وردت الآية الكريمة وثبت معناها.
أو صح الحديث النبوي، ووضح مقصده، فما على العبد إلا التسليم، والشهادة بصحة المعنى .. ولم لم تكتمل القناعة لديه، إذ يكفي المرء أن يعتقد أن هذا النص من لدن عليم