الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكرام، تلامذة النبي صلى الله عليه وسلم، الذين آمنوا به وبذلوا من أجله كل نفس ونفيس ثم انطلقوا يجاهدون في سبيل الله لإنقاذ الدنيا من ظلمات الجاهلية إلى نور الإيمان ولتحرير الأمم والشعوب والأفراد من عبادة الإنسان إلى عبادة الواحد الدَيَّانِ والاعتزاز به وحده سبحانه، والانعتاق من الذلة لأي قوة أو سلطان في الدنيا سوى سلطان اللهِ سبحانه حتى رفعوا هذا الإنسان إلى عزة وكرامة تًعْنُو أمامها كل دعوة حرية أوتحرير، فكان من الطبيعي أن يكون الصحابة حراصًا أشد ما يكون الحرص على صيانة الحديث النبوي، وعلى أدائه وفق ما سمعوه كما أمرهم بذلك القرآن، وَرَبَّاهُمْ عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الصدق والتثبت في كل شيء بصفة عامة وفي الحديث النبوي بصفة خاصة.
لذلك كان هذا العصر عصر العدالة الذهبي، وكان الصحابة يتلقون الحديث عن بعضهم البعض، ويصدق بعضهم بَعْضًا لَا يَتَّهِمُونَ أَحَدًا منهم في الحديث عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَبَدًا سواء في ذلك ما قبل وقوع الفتنة وما بعد وقوعها وما شجر فيها من الخلاف.
عَدَالَةُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم بِدَلَالَةِ الوَثَائِقِ العِلْمِيَّةِ:
وَقَدْ حَدَّثَ الصَّحَابِيُّ الجَلِيلُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يَوْمًا بِحَدِيثٍ فَسُئِلَ: هَلْ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: «سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ مِمَّنْ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاللهِ مَا كُنَّا نَكْذِبُ وَلَا نَدْرِي مَا الكَذِبُ» .
وَمِمَّا يدل على عدالة الصحابة وثائق كثيرة، منها ما أخرجه مسلم (1) بالأسانيد الصحاح وغيره أَيْضًا أنه جَاءَ بُشَيْرٌ الْعَدَوِيُّ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَجَعَلَ يُحَدِّثُ وَيَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ لا يَأْذَنُ لِحَدِيثِهِ، ولا يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، مَالِي لَا أَرَاكَ تَسْمَعُ لِحَدِيثِي؟ أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا تَسْمَعُ؟
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّا كُنَّا مَرَّةً (2) إِذَا سَمِعْنَا رَجُلاً يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ابْتَدَرَتْهُ أَبْصَارُنَا، وَأَصْغَيْنَا إِلَيْهِ بِآذَانِنَا، فَلَمَّا رَكِبَ النَّاسُ الصَّعْبَ وَالذَّلُولَ، لَمْ نَأْخُذْ مِنْ النَّاسِ إلَاّ مَا نَعْرِفُ».
وذلك ما نطقت به أدلة القرآن وَالسُنَّةُ كقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (3) وقوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (4).
وتواتر قوله صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» (5)
وأخرج الشيخان عن آبي سعيد الخُدري أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذّهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» (6).
(1) في " مقدمة صحيحه ": ص 10.
(2)
أي فترة من الزمان. قبل وقوع الفتنة.
(3)
[سورة آل عمران، الآية: 110].
(4)
[سورة الفتح، الآية: 29].
(5)
صرح بتواتره الحافظ ابن حجر في " الإصابة ": ج 1 ص 20.
(6)
" البخاري ": ج 6 ص 8 و " مسلم ": ج 1 ص 118.
وذلك ما أجمع عليه أهل العلم المعتمدون فقد كفانا البحث - كما قال الإمام أبو عمر بن عبد البر - عن أحوالهم لإجماع أهل الحق من المسلمين وَهُمْ أَهْلُ السُنَّةِ وَالجَمَاعَةُ على أنهم كلهم عدول (1).
وَأُنَوِّهُ هنا بالاستشهاد بدلالة الواقع في مروياتهم كما دَلَّ عليه أسلوب هو في البحث العلمي من وسائل المعرفة القاطعة وهو ما يُسَمَّى في فن مناهج البحث وعلم المنطق «الاستقراء التام» :
يقول العلَاّمة المُحَدِّثُ عبد الرحمن المعلَّمي اليماني (2):
ونضيف إلى ذلك ما أَدَّى بنا إليه البحث فنشهد أنه من خلال دراستنا لألوف تراجم الرُوَّاةِ والمرويات الضعيفة التي ذكرت في كتب الضعفاء فإنه لم يوجد حديث قط يحكم فيه بما يُخِلُّ بهذا المبدأ (4).
(1)" الاستيعاب ": ج 1 ص 8 وانظر " الكفاية ": ص 49 و " توضيح الأفكار " للصنعاني: ج 2 ص 469 وغيرها.
(2)
في كتاب " الأنوار الكاشفة ": ص 271.
(3)
أي نزعاتهم السياسية في الخلاف بين عَلِيٍّ ومعاوية.
(4)
وانظر التحقيق القيِّم الذي قام به العلَاّمة محمد بن الوزير اليماني من أئمة الشيعة الزيدية باستقرائه أحاديث الصحابة الذين اشتهر كلام بعض الفرق فيه وَتَوَصُّلِهِ إلى النتيجة التي ذكرناها أَيْضًا، وذلك في كتاب " الروض الباسم في الذَبِّ عن سُنَّةِ أبي القاسم ": ج 2 ص 113 - 129 واعتمد عليه كذلك محمد بن إسماعيل الصنعاني من أئمة الشيعة الزيدية المجتهدين في كتابه " توضيح الأفكار ": ج 2 ص [363 - 453].