الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمضطرب، حتى تصل الدراسة إلى قمة البحث في الحديث المُعَلَّلِ سواء كانت العلة في السند أو في المتن أو فيهما جميعا.
مناقشات وردود حاسمة:
هذا بيان موجز قدمناه بين يدي المناقشة والنقد لما ذكرناه من الأوهام حول منهج المُحَدِّثِينَ، ومنه نرى أن عمل المُحَدِّثِينَ شامل لنقد السند والمتن على حد سواء، ونلمس بطلان ما يردد من أقاويل حول منهج المُحَدِّثِينَ وعملهم العلمي.
وَنُفَصِّلُ هذا بتفصيل الرد على المزاعم الثلاثة الأولى التي أوردناها فنقول:
أولاً ـ مسألة الشكل والمضمون في نقد الرواية:
إن الادعاء بأن فحص العلماء للحديث يقوم على نقد السند فقط ويقتصر عليه، لهو أشهر انتقادات المُسْتَشْرِقِينَ ومقلدتهم الذين يجترُّون أفكارهم ويرددونها ترداد الببغاء، ونلاحظ قبل المناقشة أن هؤلاء لا يعبرون باصطلاحات المُحَدِّثِينَ «سند» ، «متن» بل يغيرون المصطلحات الإِسْلَامِيَّة رغم دقتها ووضوح معناها، إلى مصطلحات سطحية غامضة، لا يدري القاريء معناها، مِمَّا ينم عن الغرض الذي في نفوسهم.
ثم بعد هذا البدء والإعادة منهم في هذا الزعم نجد أنه على شهرته أشد مزاعمهم ضعفا وأوضحها سقوطا، ومن الدليل على ما قلناه:
1ـ إِنَّ أيَّ طالب علم درس أَيَّ كتاب في مصطلح الحديث لو تفكر قليلا لتبين له سقوط هذا الادعاء وزيفه، لأننا نقرأ أيّ كتاب في مصطلح
الحديث فنجد في تعريف الحديث الصحيح والحسن أنه يشترط فيهما شرطان أساسيان لقبول الحديث هما: سلامته من أن يكون شَاذًّا أَوْ مُعَلاًّ، ثم ننظر في شرح التعريف فنجدهم يقولون: إن الشذوذ قسمان: شذوذ السند وشذوذ المتن، وكذلك العلة قسمان: علة في السند وعلة في المتن. وهي حقيقة مقررة يعرفها صغار طلبة العلم، فهل في الدنيا عاقل يصدق بعد هذا أنهم ينتقدون الإسناد فقط، ولا ينتقدون المتون.
2 -
إن نظرة إلى الصفحات الأولى من كتب هذا العلم لو كلف احدهم نفسه أن يمر بمكتبة ويتناول كتابًا في مصطلح الحديث ويقرأ قليلا من أوله، لوجد أمامه تعريف هذا العلم بما يبين حقيقة هذه القضية لأنه سيجدهم يُعَرِّفُونَهُ بِأَنَّهُ «عِلْمٌ بِقَوَانِينَ يُعْرَفُ بِهَا أَحْوَالَ السَّنَدِ وَالمَتْنِ مِنْ حَيْثُ القَبُولِ أَوْ الرَدِّ» (1).
فأين هي النظرة الشكلية التي تنظر للإسناد دون المتن أم أنهما قرينان لا ينفصل أحدهما عن الآخر في أي أصل من هذا العلم، وهل يا ترى لو اطلع قائل هذا الزعم على كتاب في أصول الحديث هل كان يجتريء أن يقول قولته؟ أم أن الأمر عنده سيان؟.
3 -
إنا نجد عند المُحَدِّثِينَ قاعدة أدق وأبلغ وهي قاعدة متفق عليها بينهم جميعا يقررون فيها: أنه قد يَصِحُّ السند ولا يصح المتن لِشُذُوذٍ أَوْ عِلَّةٍ، وقد يصح المتن ولا يصح السند لورود دلائل على صحة المتن من طرق أخرى، وهذا مُقَرَّرٌ في كل مراجع هذا الفن وليس هو من المعلومات النادرة وذلك يدل بما لا يدع مجالاً للشك على أَنَّ المُحَدِّثِينَ احتاطوا من النظرة الشكلية القاصرة، وأنهم احتاطوا لكل احتمال، وأعدوا له العدة في منهج موضوعي، شامل ومتعمق أَيْضًا
(1) انظر في " تدريب الراوي " للسيوطي: ص 5.
4 -
نقول لهم بعد هذا: ما تظنون فيما أسميتموه النقد الخارجي؟ هل تظنونه تم واستكمل عند المُحَدِّثِينَ بعيدًا عن النظر والفحص للمتون وهذا الذي قلتم: «سلسلة شيوخ جديرين بالثقة، هذا الجدير بالثقة كيف كان جديرًا بها؟ هل حصل عليها بصك غفران أو لانتمائه إلى فئة معينة؟؟ أم أنه كما هو الواقع حاز على هذه الصفة (ثِقَةٌ) بأن اجتاز اختبارًا شاملاً لشخصيته لتحقيق صفة العدالة أو ما نسميه الآن الأمانة العلمية وصفة (الضَبْطِ) أو ما يمكن أن نسميه الكفاءة العلمية التي بها يكون على مستوى استيعاب الحديث وأدائه كما سمع.
في الواقع إن إثبات ثقة الرُوَّاةِ، وكونهم جديرين بالثقة هذا الذي استخف به جولدتسهير وَمُقَلِّدَتُهُ يرتبط المتون ارتباطًا قَوِيًّا لأن توثيق الراوي لا بد فيه من اختبار مروياته وعرضها على روايات الثقات فإن وجدنا رواياته موافقة ولو من حيث المعنى لرواياتهم أو كانت له مخالفة نادرة عرفنا حينئذ كونه (ضَابِطًا)(1) وحكمنا له مع اتصافه بالعدالة بأنه (ثِقَةٌ).
وهذه كتب الجرح والتعديل مليئة بألفاظ الجرح للرواي بسبب الخطأ في مروياته مثل قولهم (فُلَانٌ مُنْكَرُ الحَدِيثِ). (يَرْوِي المَنَاكِيرَ). (يَرْوِي الغَرَائِبَ). (رَوَى حَدِيثًا بَاطِلاً). (رِوَايَاتُهُ وَاهِيَةٌ). وغير ذلك كثير يدل على أن المُحَدِّثِينَ كانوا في الاحتياط أبلغ مِمَّا يريده المتطفلون عليهم.
على أنا بعد هذا نرجو أَنْ لَا يُتَوَهَّمَ من نقاشنا أننا نغض من نقد السند، أو هموم الرُوَّاةِ، بل إن للسند قيمته التي لَا تُجْحَدُ وَلَا تُنْكَرُ في
(1)" علوم الحديث " لابن الصلاح: ص 106. وانظر الفكرة في " مقدمة صحيح مسلم ".