الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فضل العلماء على سائر الناس]
104 -
وفيهما عن معاوية رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:
«من يرد اللَّه به خيرا يفقهه في الدين» .
ــ
104 -
رواه البخاري كتاب العلم (1 / 164)(رقم: 71)، وفرض الخمس (6 / 217) (رقم: 3116) ، والاعتصام بالكتاب والسنة (13 / 263) (رقم: 7312) ومسلم كتاب الزكاة (2 / 719)(رقم: 1037) .
قال الحافظ في الفتح (1 / 164) :
وفي الحديث إثبات الخير لمن تفقه في دين اللَّه وأن ذلك لا يكون بالاكتساب فقط، بل لمن يفتح اللَّه عليه به، وأن من يفتح اللَّه عليه بذلك لا يزال جنسه موجودا حتى يأتي أْمر اللَّه، وقد جزم البخاري بأن المراد بهم أهل العلم بالآثار.
وقال أحمد بن حنبل: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم!
وقال القاضي عياض: أراد أحمد أهل السنة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث.
قال النووي: يحتمل أن تكون هذه الطائفة فرقة من أنواع المؤمنين ممن يقيم أمر اللَّه تعالى من مجاهد وفقيه ومحدث وزاهد وآمر بالمعروف وغير ذلك من أنواع الخير، ولا يلزم اجتماعهم في مكان واحد، بل يجوز أن يكونوا متفرقين.
وقال الحافظ: ومفهوم الحديث أن من لم يتفقه في الدين - أي: يتعلم قواعد الإسلام وما يتصل بها من الفروع - فقد حرم الخير لأن من لم يعرف أمر ربه لا يكون فقيها ولا طالب فقه، فيصح أن يوصف بأنه ما أريد به الخير، وفي ذلك بيانٌ ظاهرٌ لفضل العلماء على سائر الناس، ولفضل التفقه في الدين على سائر العلوم.
105 -
وفيهما عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:
ــ
105 -
رواه البخاري كتاب العلم (1 / 175)(رقم: 79)، ومسلم كتاب الفضائل (4 / 1787) (رقم: 2282) .
قال البغوي رحمه الله:
«فكانت منها ثغبة» فالثغبة: مستنقع الماء في الجبال والصخور وجمعها ثغبان.
«كانت منها أجادِب» أجادِب: صِلاب الأرض التي تمسك الماء، فلا يسرع إليه النضوب، وقال الأصمعي: الأجادب من الأرض ما لم تنبت الكلأ فهي جرداء بارزة لا يسترها النبات.
فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل مثل العالم كمثل المطر، ومثل قلوب الناس فيه كمثل الأرض في قبول الماء، فشبه من تحمل العلم والحديث وتفقه فيه بالأرض الطبية أصابها المطر فتنبت، وانتفع بها الناس، وشبه من تحمله ولم يتفقه بالأرض الصلبة التي لا تنبت ولكنها تمسك الماء فيأخذه الناس وينتفعون به، وشبه من لم يفهم ولم يحمل بالقيعان التي لا تنبت ولا تمسك الماء فهو الذي لا خير فيه.
قال النووي (15 / 47 - 48) :
أما معاني الحديث ومقصوده فهو تمثيل الهدى الذي جاء به صلى الله عليه وسلم بالغيث، ومعناه: أن الأرض ثلاثة أنواع وكذلك الناس:
فالنوع الأول من الأرض: ينتفع بالمطر فيحيا بعد أن كان ميتا، وينبت الكلأ فتنتفع بها الناس والدواب والزرع وغيرها، وكذا النوع الأول من الناس يبلغه الهدى والعلم فيحفظه فيحيا قلبه ويعمل به ويعلمه غيره فينتفع وينفع.
والنوع الثاني من الأرض: ما لا تقبل الانتفاع في نفسها لكنْ فيها فائدة وهي إمساك الماء لغيرها، فينتفع بها الناس والدواب، وكذا النوع الثاني من الناس لهم قلوب حافظة لكن ليست لهم أفهام ثاقبة ولا رسوخ لهم في العقل يستنبطون به المعاني والأحكام وليس عندهم اجتهاد في الطاعة والعمل به، فهم يحفظونه حتى يأتي طالب محتاج متعطش لما عندهم من العلم للنفع والانتفاع فيأخذه منهم فينتفع به فهؤلاء نفعوا بما بلغهم.
والنوع الثالث من الأرض: السباخ التي لا تنبت ونحوها، فهي لا تنتفع بالماء ولا تمسكه لينتفع به غيرها، وكذا النوع الثالث من الناس ليست لهم قلوب حافظة ولا أفهام واعية فإذا سمعوا العلم لا ينتفعون به، ولا يحفظونه لنفع غيرهم.
106 -
ولهما عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا:
«إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى اللَّه فاحذروهم» .
ــ
106 -
تقدم برقم (79) .
(فائدة) : قال الإِمام أبو جعفر الطحاوي في "مشكل الآثار"(3 / 210) بعد روايتهِ هذا الحديث، وإيرادِه قول اللَّه سبحانه:{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} قال: " فهكذا يكون أهل الحق في المتشابه من القرآن؛ يردونه إِلى عالمهِ - وهو اللَّه عز وجل ثم يلتمسون تأْويله من المحكماتِ اللاتي هن أم الكتابِ، فإِنْ وجدوه فيها عمِلوا به كما يعْملون بالمحْكماتِ، وإِنْ لم يجدوه فيها لتقصيرِ علومِهم عنه لم يتجاوزوا في ذلك الإِيمان به، وردوا حقيقته إلى اللَّه تعالى، ولم يستعملوا في ذلك الظنون التي حرم اللَّه تعالى عليهم استعمالها في غيره، وإذا كان استعمالها في غيره حراما كان استعمالها فيه أحرم ".