الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[تسمية الدعوة بالوهابية]
أَمَّا بالنسبة إِلى كلمة الوهابية؛ فإِنَّ الكثير من الخصوم أطلقوا هذا اللقب على أتباع الدعوة السلفية ويريدون بذلك توهيم الناس أَن الوهابية مذهب جديد أو مستقل عن سائر المذاهب الإسلامية، لذا فإِنَّ الأَصلَ التحاشي من هذا اللّقَبِ، واجتناب ذكرهِ.
ومن معاملة اللَّه لهم- أي: خصوم الدعوة- بنقيض قصدهم: أنهم قصدوا بلقب الوهابية ذمَّهم، وأنهم مبتدعة، ولا يحبون الرسول صلى الله عليه وسلم كما زعموا! فلقد صار هذا اللقب الآن- بحمد اللَّه- عَلَما على كلِّ من يدعو إلى الكتاب والسنة، وإِلى الأخذ بالدليل وإِلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة البدع والخرافات والتمسك بمنهج السلف الصالح رضي الله عنهم.
[مفتريات ألصقت بدعوة الشيخ مع الدحض لها]
وَلقد ألصقت بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة اللَّه عليه مفتريات كثيرة، وصدَّقها كثير من الناس، حتى شوّهت هذه الدعوة المباركة فأصبح معنى الوهابي عند الناس الجهلة أنه يكره رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم!! وأنه مذهب خامس!! وأنه ينكر كرامات الأولياء!! وأنه يكفر المسلمين ويستبيح دماءَهم وغير ذلك من المفتريات. . .
وسأورد هاهنا عددا منها مع الردِّ عليه.
الفرية الأولى: الافتراء على الشيخ بأَنه ينتقص الرسول صلى الله عليه وسلم! أَو يكرهه! أَو لا يحب الصلاةَ عليه!!
قلت: إِن الكتب التي بين أيدينا من مؤلفات هذا العالم تثبت أن هذا افتراء مبين على الشيخ، بل هو مِن أكثر الناس في عصره تعظما وحبا وإجلالا لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
يقول الشيخ في أحد كتبه التي أرسلها إِلى عبد الرحمن السويدي - أحد علماء العراق - مجيبا عن هذه الافتراءات:
" يا عجبا كيف يدخل هذا في عقل عاقل؟ هل يقول هذا مسلم أو كافر أو عارف أو مجنون؟ "
. ومما كتبه ابن الشيخ عبد اللَّه ذاكرا هذه المفتريات ثم معقبا عليها:
" ومَن شاهد حالنا وحضر مجالسنا وتحقق معنا علم قطعا أن جميع ذلك وضعه وافتراه علينا أعداء الدين وإخوان الشياطين؛ تنفيرا للناس عن الإذعان بإخلاص التوحيد لله تعالى بالعبادة وترك أنواع الشرك ".
ثم قال: " والذي نعتقده أن مرتبَة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أعلى مراتب المخلوقين على الإطلاق، وأنه حي في قبره حياة برزخية أبلغ من حياة الشهداء المنصوص عليها في التنزيل، إذ هو أفضل منهم بلا ريب، وأنه يسمع سلام المسلم عليه.
وتسَن زيارته إلا أنه لا يشَدّ الرحل إلا لزيارة المسجد والصلاة فيه، وإِذا
قصد مع ذلك الزيارة فلا بأس، ومَن أنفق أوقاته بالاشتغالِ بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم الواردةِ عنه فقد فاز بسعادة الدارين.
قلت: هذه عقيدة الشيخ وأتباعه في سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم، وكل من يقول غير ذلك فهو كاذب مفْترٍ.
الفرية الثانية: فرية إنكار كرامات الأولياء!
ومن الافتراءات التي ألصقت بالشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أنه ينكر كرامات الأولياء.
قلت: إِن الشيخ رحمه الله لا ينكر كرامات الأولياء كما زعموا، بل يثبت هذه الكرامات بشرط أن يكون وليّا حقيقيّا صحيحا- والولي هو المتبع للكتاب والسنة- مبتعدا عن البدع والخرافات، والشرط الثاني أن كرامة الأولياء هي في حياتهم وليس بعد مماتهم، وأن الميت يَحْتاج بعد موته إِلى دعاء الأحياء، وليس العكس.
وهذه العقيدة في الأولياء هي عقيدة أهل السنة والجماعة، ولم يخالفهم الشيخ في ذلك.
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب في أحد كتبه في إثبات كرامات الأولياء: " وأقرّ بكرامات الأولياء وما لهم من المكاشفات، إلّا أنهم لا يستحقون من حق اللَّه تعالى شيئا، ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلَّا اللَّه ".
ويقول أيضا: " والواجب علينا حبهم واتباعهم والإقرار بكرامتهم، ولا يجحد كرامات الأولياء إلا أهل البدع والضلال، ودين اللَّه وسط بين طرفين، وهدى بين ضلالين، وحق بين باطلين".
ويؤكد أَتباع الدعوة من بعد الشيخ محمد بن عبد الوهاب هذا الاعتقاد ويقِرونه:
يقول أحد أتباع الشيخ رحمه الله: وكذلك حق أوليائه محبتهم والترضي عنهم والإيمان بكرامتهم لا دعاؤهم ليجلبوا لمن دعاهم خيرا لا يقدر على جلبه إلا اللَّه تعالى، أو ليدفعوا عنهم سؤالا يقدر على دفعه إلا هو عز وجل؛ فإن ذلك عبادة مختصة بجلاله تعالى وتقدس، هذا إذا تحققت الولاية أو رجيت لشخص معين؛ كظهور اتباع سنة وعمل بتقوى في جميع أحواله، وإلا فقد صار الولي في هذا الزمان مَن أطال سبحَتَه، ووسع كمه، وأسبل إزاره، ومد يده للتقبيل ولَبِسَ شكلَا مخصوصا، وجمع الطْبولَ والبيارق وأكل أموالَ عباد اللَّه ظلما وادعاء، ورغب عن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وأحكام شرعه!!! ".
ويقول ابن الشيخ محمد - واسمه عبد اللَّه -: " ولا ننكر كرامات الأولياء، ونعترف لهم بالحق، وأنهم على هدى من ربهم مهما ساروا على الطريقة الشرعية والقوانين المرعية، إلا أنهم لا يستحقون شيئا من أَنواع العبادات لا حال الحياة ولا بعد الممات، بل يطلب من أحدهم الدعاء في حال حياته، بل ومن كل مسلم ".
هذه نصوص من كلام الشيخ وأتباعه تثبت أن الشيخ يقِر بكرامات الأولياء، ولا ينكرها، ولكنَّه- رحمه الله ينكر الاستغاثة بهم وطلب الحاجة منهم وصرف العبادة لهم من دون اللَّه سبحانه وتعالى.
وهذه عقيدة أهل السنَّة والجماعة ولم يخالفهم الشيخ في ذلك.
الفرية الثالثة: إن من أَشدِّ الشبهات التي أثيرت على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله شبهة تكفير المسلمين، واستحلال دمائهم وجواز قتالهم!
لقد بلغت هذه الفرية الخاطئة الشيخَ الإمامَ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فتعددت ردوده وأجوبته عليها؛ لأن فرية تكفير المسلمين واستباحة دمائهم قد شاعت وذاعت في غالب بلاد المسلمين وانتشرت انتشار النَّار في الهشيم، فقد حرص الشيخ رحمه الله على تأكيد هذه الردود، وإعلان براءته مما ألحق به، فأرسل هذه الردود إِلى مختلف البلاد:
فقال في إِحدى رسائله: " وأما ما ذكره الأعداء عن أنّي أكفّر بالظن وبالموالاة أو أكفِّر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة فهذا بهتان عظيم يريدون به تنفير الناس عن دين اللَّه ورسوله ".
ويقول في رسالة أخرى ردّا على بعض المفتَرين: " وكذلك تمويهه على الطَّغَام بأن ابن عبد الوهاب يقول: الذي ما يدخل تحت طاعتي كافر.
نقول: سبحانك هذا بهتان عظيم! بل نشهد اللَّه على ما يعلمه من قلوبنا بأنَّ من
عمل بالتوحيد وتبرأ من الشرك وأهله فهو المسلم في أي زمان وأي مكان، وإنما نكفّر من أشرك باللَّه في ألوهيته بعد ما تبين له الحجة على بطلان الشرك ".
يقول أحد تلاميذ الشيخ رحمة اللَّه عليه: " والشيخ محمد رحمه الله من أعظم الناس توقفا وإِحجاما عن إطلاق الكفر حتى إِنه لم يجزم بتكفير الجاهل الذي يدعو غير اللَّه من أهل القبور أو غيرهم إذا لم يتيسر له من ينصحه ويبلغه الحجة التي يكفر مرتكبها ".
ويقول أيضا في مكان آخر عن معتقد الشيخ في مسألة التكفير:
". . . فإنه لا يكفّر إلا بما أجمع المسلمون على تكفير فاعله من الشرك الأكبر، والكفر بآيات اللَّه ورسله، أو بشيء منها بعد قيام الحجة وبلوغها المعتبر، كتكفير مَنْ عبد الصالحين ودعاهم مع اللَّه، وجعلهم أَندادا فيما يستحقه على خلقه من العبادات والإِلهيَّة ".
ويقول أيضا: " كل عاقل يعرف سيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله يعلم أنَّه من أعظم الناس إجلالا للعلم والعلماء، ومن أشدّ الناس نهيا عن تكفيرهم وتنقيصهم وأذيّتهم، بل هو ممّن يدِينون بتوقيرهم وإكرامهم والذب عنهم، والأمر بسلوك سبيلهم.
والشيخ رحمه الله لم يكفّر إلا من كفَّره اللَّه ورسوله، وأجمعت الأمَّة على كفره، كمن اتخذ الآلهة والأنداد لرب العالمين ".
هذه بعض النقولِ عن الشيخ وأتباعه في مسألة تكفير المسلمين.