الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أسباب الحجر
يرجع سبب الحجر في الشريعة الإسلامية على التحقيق إلى شيء واحد، وهو مصلحة النوع الإنساني كما هو الشأن في كل قضية من قضاياها الكريمة، فهي دائماً ترمي في تشريعها إلى ما فيه سعادة الإنسان جماعة وأفراداً. فمن قواعدها العامة وأسسها القويمة أنها قضت بضرورة التعاون بين الناس، فعرضت على القوي أن يعين الضعيف بقدر ما يتاح له، وحتمت على الكبير أن يساعد الصغير الذي يتولى أمره ويخلص له كل الإخلاص حتى لا تضيع عليه فرصة ينتفع بها في دينه ودنياه. فمن ابتلاه الله من الأطفال بفقد من يعطف عليه عطفاً طبيعياً من والد أو أخ أو قريب كان له في غيره عوضاً، فقد كلف الله الحاكم أن يختار له من يقوم يأمر تربيته، والنظر في مصلحته والعمل على تنمية ثروته، كما يقوم بذلك أقرب الناس إليه والصقهم به. وقد أوصى الله تعالى الأولياء والأوصياء على اليتامى والمساكين، وحذرهم عاقبة إهمالهم والطمع في أموالهم، بما تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ويخافون بطشه وعقابه. وقال تعالى:{وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً، إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً، إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً} وقال تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح، فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم وقال تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح، فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم
الحجر على الصبي والمجنون والسفيه والمفلس ونحوهم، فإن هؤلاء يمنعون عن التصرف فيما زاد على قوتهم، فإذا باع أحد منهم شيئاً أو اشتراه أو تبرع به وقع تصرفه هذا موقوفاً، ولا ينفذ إلا بإذن الولي كما تقدم في البيع.
ودخل بالثاني وهو قولنا: كما يوجب منعه في نفوذ تصرفه في تبرعه بزائد على ثلث ماله": الحجر على المريض والزوجه، فإنهما لا يمنعان من التصرف في البيع والشراء، وإنما يمنعان من التبرع بشرط أن يكون زائداً على ثلث مالهما، فيصح للمريض أن يتبرع بثلث ماله لغيره. كما يصح للزوجة ذلك. أما ما زاد على ثلث مالهما فإنه لا يصح لهما التبرع به.
الشافعية - قالوا: الحرج شرعاً: منع التصرف في المال لأسباب مخصوصة، فخرج بقوله منع التصرف في المال: التصرف في غيره فلا حجر فيه. فيصح للسفيه والمفلس والمريض أن يتصرفوا في الأمور الأخرى كالخلع والطلاق والظهار والإقرار بما يوجب العقوبة. وكالعبادة البدنية سواء كانت واجبة أو مندوبة. أما العبادة المالية فإنه لا ينفذ منها إلا الواجبة كالحج. بخلاف المندوبة كصدقة التطوع فإنها لا تنفذ منهم. أما الصبي والمجنون فإنهما لا يصح تصرفهما في شيء مطلقاً.
الحنابلة - قالوا: الحجر هو: منع مالك من تصرفه في ماله، سواء كان المنع من قبل الشرع كمنع الصغير والمجنون والسفيه. أو كان من قبل الحاكم كمنع الحاكم المشتري من التصرف في ماله حتى يقضي الثمن الحال عليه
أموالهم، ولا تأكلوها إسرافاً وبداراً أن يكبروا، ومن كان غنياً فليستعفف، ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف} وفي الآية دلالة على أنه يصح للوصي الفقير أن يأخذ أجر عمله من مال القاصر بما هو معروف بين الناس، فانظر كيف حذر الله الأوصياء في الآية الأولى بما هو ممكن قريب الوقوع؟ وكيف رغبهم في حكم معاملة القاصر؟ فإن الوصي الذي له أولاد صغار ضعاف قد يموت ويتركهم، فلينظر على أي وجه يحب أن يعامل الناس أولاده فيعامل به من أقامه الله وصياً عليه، ليعلم أنه إذا اتقى الله تعالى في قوله وفعله كان قدوة حسنة لأبنائه فينقلون عنه الفضيلة، فضلاً عما في ذلك من ترك حسن الذكرى وطيب الأثر ولذلك في قلوب الناس منزلة رفيعة تحبب إليهم مودة ذريته الضعيفة، ويسهل عليهم خدمتهم.
ثم انظر إلى الوعيد الشديد للطامعين في أموال اليتامى الذي يقومون عليهم، وأي زجر أشد من أن شبه الله ما يأكلون من ذلك بالنار التي توقد في البطون، فهم وإن كانوا يجدون في أكله لذة مؤقتة في هذه الحياة الدنيا ولكنهم سيصلون سعيراً يوم القيامة تلتهب في أحشائهم، فيعلمون أنهم إنما كانوا يأكلون ناراً وجحيماً. وفي ذلك منتهى التحذير والتخويف من قربان أموال اليتامى. ولهذا الكلام بقية ذكرناها في حكمة تشريع الحجر في الجزء الثاني من كتاب الأخلاق.
وكما أن الشريعة الإسلامية حثت الكبير على أن يعين الصغير، كذلك حثت من آتاه الله عقلاً على أن يعين من حرم منه وإن كان كبيراً، لأن من ابتلاه الله بضعف العقل وفقد ادراك فقد جعله كالأطفال في هذه الحياة وإن كان كبير الجسم والسن، فإن العقل هو الذي يمتاز به الإنسان عن الحيوان، فإذا ذهب أصبح الإنسان كالأطفال، فلا يصح تركه وشأنه حتى يقضي عليه الأشرار، فالحجر بسبب الصغر والجنون لمصلحتهما أمر متفق عليه بين أئمة المسلمين: أما الحجر على الكبير العاقبل بسبب سوء التصرف، والسفه والتبذير ونحو ذلك مما يأتي فذلك محل خلاف (1) . ولكن جمهور الأئمة وعلماء الإسلام على أنه في حكم المجنون والصغير،
(1) الحنفية - قالوا: الذي قال إن السفه ليس سبباً من أسباب الحجر هو الإمام أبو حنيفة وحده، أما صاحباه فقد قالا كما قال جمهور الأئمة وهو أن السفيه يحجر عليه كالصغير والمجنون ويظهر أن الإمام يميل إلى عدم حبس الأموال، فمن كان أهلاً للتصرف فأحسن استثمار ماله فذاك، ومن لم يكن أهلاً وبذر فيه فجزاؤه أن ينتقل المال من يده إلى أيد متصرفة تنتفع به وتنفع الناس.
ومن أجل ذلك يقول الإمام: إن الوقف لا يلزم إلا بحكم الحاكم كما سيأتي في بابه.
فالحر العاقل لا يحجر عليه، سواء كان فاسقاً أو مبذراً على أنه يقول: إن من أسباب الحجر على العاقل أن يعمل عملاً يتعدى ضرره إلى غيره، كالطبيب الجاهل الذي لا يحسن الطب فيضر الناس.