الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما إذا كان لا ينقص القيمة كقطع صغير في فخذها أو رجلها فإن ذلك لا يضرها فلا ترد به. ومثال ما يفوت به غرض صحيح على المشتري: أن يشتري شاة ليضحي بها فيجد في أذنها قطعاً يمنع صحة الأضحية بها، فإن ذلك القطع وإن لم ينقص قيمة الشاة ولكن يفوت على المشتري غرضاً صحيحاً فله ردها، وكذا إذا اشترى خفاً أو ثوباً ليلبسه فوجده ضيقاً لا يكفيه، فإن ذلك عيب ينافي استعماله فيفوت على المشتري غرضه من شرائه فيرد به.
شروط رد المبيع بالعيب
يشترط لرد المبيع بالعيب شروط: منها أن يكون الغالب (1) في مثله أن يكون سليماً من ذلك العيب. فخرج ما إذا كان الغالب في مثله وجود ذلك العيب، ومثال الأول ما إذا اشترى حماراً أو حصاناً فوجده مخصيا فإن الخصاء يكون عيباً فيه، لأن الغالب في الحمير والخيل سلامتها من الخصاء وهو عب قد يفوت به غرض المشتري من شرائها، فإنه قد يشتري ليستولد به أنثى من جنسه فله رده بذلك العيب.
المالكية - قالوا: ضابط العيب الذي يرد بن المبيع هو ما كان منقصاً للثمن كجماح الدابة وعدم انقيادها، أو منقصاً لذات المبيع كخصاء الحيوان إذا كان الخصاء ينقصه عرفاً. أو يكون منقصاً للتصرف كما إذا كانت يده اليمنى ضعيفة ويسمى أعسر أو "أشول" أو كان مخوف العاقبة كما إذا كان مصاباً بمرض معد.
ولا يخرج هذا عما ذكر في أعلى الصحيفة السابقة وهو ما عليه الحنفية والشافعية
(1)
الحنابلة - قالوا: ضابط العيب الذي يرد به البيع هو نقص عينه كخصاء الحيوان ولو نقصت به القيمة أو نقصت قيمته عادة في عرف التجار. وبعضهم عرفه بأنه نقيصة يقتضي العرف سلامة المبيع عنها غالباً فلا فرق بين أن يكون النقص في عين المبيع أو قيمته، فخصاء الحيوان على هذا لا يكون عيباً إلا إذا عده العرف عيباً.
المالكية - قالوا: الشرط أن يكون المبيع سليماً من ذلك العيب في العادة والعرف، فالخصاء يكون عيناً يرد به الحيوان ولو زادت قيمته في الثمن إلا إذا كان فحل بقر معد للعمل. فإن العادة أنه لا يستعمل منه إلا الخصي، وكذا فحل الغنم فإن الخصاء ليس عيباً يرد به. وبعضهم يقول: يرد به لأن لحم الفحل أطيب من لحم الخصي، والحق الرجوع في ذلك إلى العرف.
الحنابلة - قالوا: الشرط أن يكون ذات المبيع سليمة من النقص، فالخصاء نقص فيه مطلقاً، وأن تكون قيمته سليمة من النقص في عرف التجار كما يؤخذ من الضابط الأول للعيب، أما الضابط الثاني فإن الخصاء لا يكون عيباً إلا إذا عده العرف عيباً
ومثال الثاني: ما إذا اشترى حيواناً مأكول اللحم يغلب خصاؤه كالغنم والمعز فإن الخصاء فيها ليس عيباً يوجب الرد. لأن الغالب فيها الخصاء إذ هو يزيدها سمناً، ومنها أن لا يمكن زوال ذلك العيب إلا بمشقة، فإذا أمكن إزالته بغير مشقة فإن المبيع لا يرد به. وذلك كما إذا اشترى ثوباً متنجساً لا تنقص قيمته بالغسل فإن النحاسة حينئذ لا تكون عيباً (1) يرد به الثوب لأنه يمكن إزالتها بلا مشقة، وكذا إذا اشترى سيفاً معوجاً يمكن إزالة اعوجاجه بسهولة. فإن العوج لا يكون عيباً يرد به حينئذ.
ومنها أن يكون العيب موجوداً في المبيع وهو عند البائع على تفصيل المذاهب
(2)
.
(1) الحنابلة - قالوا: المعول في ذلك على قوة العيب وضعفه، فإن كان يسيراً كصداع وحمى يسيرة فإنه لا يرد المبيع، بخلاف ما إذا كان شديداً فإنه يرد به، وعلى هذا فالثوب المتنجس الذي لا يمكن إزالة نجاسته بدون مشقة وبدون نقص في قيمة الثوب لا تكون نجاسته عيباً يرد به لأنها يسيرة في هذه الحالة.
المالكية - قالوا: نجاسة الثوب عيب تجعل للمشتري الحق في الرد، سواء كان الثوب يضره الغسل أو لا إن لم يتبينه البائع
(2)
المالكية - قالوا: إذا اشترى فوجد به عيباً تنقص به قيمته ولم يعلم به وقت الشراء أو قبله فلا يخلو: إما يكون ذلك العيب قد حصل وهو في يد البائع قبل أن يقبضه المشتري، أو حصل بعد أن قبضه المشتري: فأما الأول فهو على خمسة أوجه:
أحدها: أن يكون ذلك العيب قد حدث بعد العقد بفعل البائع وهو في يده: وفي هذه الحالة يكون المشتري بالخيار في تركه أو أخذه مع طرح حصة من الثمن تعادل النقص الذي حصل بسبب ذلك العيب، سواء وجد فيه عيباً آخر قديماً حدث قبل العقد أو لا.
ثانيها: أن يكون ذلك العيب قد حدث بفعل المشتري، وفي هذه الحالة يكون المشتري ملزماً بدفع كل الثمن، ولو كان البائع هو الذي منعه من استلامه بسبب عدم دفع الثمن، فإذا وجد فيه عيباً قديماً حدث عند البائع بغير فعل المشتري في هذه الحالة فللمشتري رده بالعيب القديم ويسقط عنه الثمن، ولكن عليه أن يدفع تعويض ما أحدثه بفعله من العيب.
ثالثها: أن يكون ذلك العيب قد حدث بفعل أجنبي عن البائع والمشتري والمبيع، وفي هذه الحالة يكون المشتري بالخيار: إن شار رضي به بجميع الثمن وله على الأجنبي تعويض ما أحدثه من النقص في المبيع، وإن شاء رد المبيع وسقط عنه الثمن.
رابعها: أن يكون العيب قد حصل بآفة طبيعية فللمشتري أن يرده ويأخذ كل الثمن، وإن شاء أن يأخذه ويطرح من الثمن بقدر ما حدث فيه من العيب، فإن اطلع مع ذلك على عيب قديم حدث فيه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وهو عند البائع ففي هذه الحالة لا يصح رده بالعيب القديم، لأنه يرده حينئذ وهو معيب بعيبين وهو لا يصح رده إلا بالعيب القديم فقط.
خامسها: أن يكون العيب قد حدث بفعل المبيع، كما إذا اشترى عبداً ففعل في نفسه ما يعيبه، وحكمه كحكم الوجه الرابع. وأما الثاني وهو أن يحدث فيه العيب بعد أن يقبضه المشتري فهو على خمسة أوجه أيضاً:
-1 - أن يكون العيب بفعل المشتري.
-2 - أن يكون بآفة سماوية.
-3 - أن يكون بفعل المعقود عليه.
-4 - أن يكون بفعل البائع.
-5 - أن يكون بفعل أجنبي، وحكم الأول والثاني والثالث: أنه إذا كان في المبيع عيب قديم سوى ذلك العيب الذي حدث عند المشتري فإنه لا يرد به، لأن العيب الجديد تعارض مع العيب القديم، وللمشتري أن يطالب بتعويض ما نقص من المبيع بسبب العيب القديم، إلا إذا رضي أن يأخذ المبيع مع نقصه بالعيب الجديد.
وحكم الرابع والخامس وهما ما إذا كان العيب بفعل البائع أو بفعل أجنبي بعد أن يقبضه المشتري: أن المبيع إذا كان به عيب قديم سوى ذلك العيب الذي حدث بفعل البائع أو الأجنبي فإنه لا يرد به، وعلى كل واحد منهما تعويض ما أحدثه في المبيع من النقص بجنايته عليه.
ثم إن حصة النقص التي يلزم دفعها بسبب العيب هي الفرق بين قيمة المبيع صحيحاً ومعيباً منسوباً إلى ثمنه. مثلاً: إذا اشترى سلعة بأربعين جنيهاً وقيمتها في الواقع مائة ثم حدث فيها عيب فأنقص قيمتها عشرة، ففي هذه الحالة تكون قيمتها قد نقصت العشر، فينقص بقدره من الثمن وهو عشر الأربعين وهو أربعة، وعلى هذا القياس.
ويشترط فيمن يقوم السلعة أن يكونا اثنان يخبران بلفظ الشهادة بحضرة البائع والمشتري. وأن يكون كل واحد منهما له خبرة بما يقومه.
ويتضح لك مما تقدم أن المشتري إذا وجد عيباً بالمبيع يرد به فليس له أن يمسكه ويطالب بالعوض عن النقص الحاصل بسبب العيب، وإنما له أن يرده كله ويأخذ الثمن كاملاً. إلا إذا تعذر الرد بحدوثعيب جديد ثانٍ حدث على التفصيل المتقدم. ومن ذلك ما إذا اشترى ثوباً ثم قطعه "فصله" ليخيطه ثم اطلع على عيب ينقص قيمته بعد ذلك، فله في هذه الحالة أن يأخذ العوض عن العيب لتعذر رد الثوب بعد تقطيعه، وكذا إذا اشترى وارث من مورثه شيئاً ثم مات المشتري وورثه البائع فيما اشتراه فوجد به عيباً فإنه ليس له رده لوارث آخر إن وجد، فإن لم يوجد وارث آخر فإن رده يتعذر وتسقط قيمة النقص في هذه الحالة أيضاً. وكذلك إذا اشترى جملاً فنحره فوجد أمعاءه فاسدة فإنه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
يتعذر رده بعد نحره، وللمشتري أن يرجع بعوض العيب الذي به، ومنه إذا اشترى ثوباً من الحرير فبله بالماء ثم وجد به عيباً فإنه ليس له رده، بل له أخذ العوض، لأن البل أنقص قيمة النوب، وهكذا كل ما تنقص قيمته بحدوث عيب جديد زيادة على العيب القديم فإنه يمتنع رده، وفيه العوض عن العيب بحسب التفصيل الذي تقدم.
المالكية - قالوا: إذا اشترى شيئاً فوجد به عيباً فإن له رده إذا علم بذلك العيب، ويمتنع الرد بأمور: الأمر الأول تلف المبيع بعد العقدن سواء كان تحت يد البائع أو تحت يد المشتري قبل أن يعلم بالعيب، وسواء كان التلف باختيار المشتري كما إذا اشترى حيواناً فذبحه، أو بغير اختياره كما إذا أماته غيره، أو مات حتف أنفه، فإنه إذا اطلع على عيب فيه بعد ذلك لا يصح له رده لتعذر الرد حينئذ، ومثل ذلك ما إذا كان في حكم التالف، كما إذا اشترى شيئاً ثم تصدق بهواطلع على عيب فيه بعد ذلك فإنه ليس له أن يرده بذلك العيب، لأنه وإن لم يتلف بالفعل ولكنه في حكم التالف وكذا إذا وهبه. وفي هذه الحالة يكون للمشتري تعويض ما أحدثه العيب في المبيع من النقص. وذلك بأن يقوم المبيع سالماً ومعيباً ويؤخذ من الثمن نسبة نقص قيمته معيباً إلى قيمته سليماً، فإذا اشترى عيناً سليمة من العيون بمائة ثم ظهر بها عيب أنقص قيمته إلى ثمانين، استحق المشتري الرجوع على البائع بعشرين وهو خمس المائة وهكذا. الأمر الثاني: أن يظهر من المشتري ما يدل على رضائه بالمبيع بعد الاطلاع على العيب.
وينقسم ما يدل على الرضا إلى قسمين:
أحدهما: ما يدل على الرضا مطلقاً، سواء كان في زمن مخاصمة البائع والمشتري وتنازعهما في الرد وعدمه أو لا، وذلك كاستعمال الثوب وإجارة الدابة ونحو ذلك من كل ما ينقص استعماله المبيع، فإذا اشترى شيئاً من ذلك واطلع على عيب فيه يرد به ثم استعمله على هذا الوجه، فإنه لا يصح له الرد بعد ذلك.
ثانيهما: ما يدل على الرضا قبل زمن المخاصمة فقط، أما بعدها فلا. وذلك كسكنى الدار والحانوت أو إسكانهما لغيره في زمن الخصام، إذا اشترى داراً سكن فيها ثم وجد بها عيباً كصدع جدار ينقص قيمتها. أو سبباً يقلل منافعها فإن له ردها، ولو سكن فيها بعد علمه بالعيب، لأن هذا السكنى لا تنقص قيمتها، وكذا كل ما لا ينقص القيمة.
أما إذا علم بالعيب ولم يعلن المشتري به ولم يخاصمه في ردها ثم سكن فيها فإن هذه السكنى تكون دليلاً على رضائه، فلا يكون له الحق في ردها ذلك. وهناك قسم ثالث لا يدل على الرضا مطلقاً وهو أن ينتفع المشتري بالثمرة الناشئة عن البيع بدون استخدامه كالانتفاع باللبن والصوف، وسواء كان ذلك في زمن الخصام أو غيره.
ويستثنى من ذلك مسألتان: إحداهما: ما إذا اشترى دابة وهو في سفر فاطلع على عيب فيها فإنه إذا ركبها بعد ذلك وسافر عليها فله ردها بعد ذلك، ولا فرق في ذلك بين أن يكون مضطراً لركوبها أو لا على المعتمد، فإذا وصلت على حالها بدون هزال ونحوه بسبب استعمالها فلا شيء على المشتري
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وإن هزلت فعليه أن يردها ويدفع قيمة ما أصابها من الهزال، أو يمسكها ويأخذ عوض العيب الذي بها، ولا يلزم بردها حال السفر لبائعها إلا إذا كان قريباً منه ولا يكلفه ردها مؤونة ثقيلة. ثانيهما: أن يشتريها وهو حاضر ببلده من بائع حاضر كذلك ثم اطلع على عيب فيها ثم ركبها ليردها. فإن ذلك الركوب لا يمنع الرد، وكذا إذا ركبها ليذهب بها إلى محله إذا كان من ذوي الهيئات.
الأمر الثالث: أن يكون المبيع رقيقاً فقط وأن يكون البائع حاكما أو وارثاً، فإذا باع القاضي رقيقاً مملوكاً لشخص عليه دين ليقضي به دينه، أو باع رقيقاً غائباً به عيب علم به القاضي وبينه للمشتري، أو علم به المشتري وإن لم يعلم به القاضي فإنه في هذه الحالة لا يحق للمشتري فلا يحق له الرد بعد ذلك. أما بيع غير الرقيق فإنه لا ينفع فيه البراءة من العيب، فإذا باع شخص حيواناً أو عرض تجارة على شرط أنه بريء من العيوب ثم اطلع المشتري على عيب قديم فيه فإن له رده ولا ينفعه شرط البراءة، سواء كان عاماً أو خاصاً فهو شرط باطل، ولكنه لا يبطل عقد البيع.
الأمر الرابع: أن يزول العيب قبل الرد إلا أن يكون محتمل العود إذا قال أهل الكب: إنه يحتمل عوده فإن له رده بذلك العيب.
الحنابلة - قالوا: إذا اشترى شيئاً فوجد به عيباً فإن له حالتين: الحالة الأولى: أن يكون ذلك العيب قد حدث قبل القبض، فإذا كان قد حدث قبل القبض فللمشتري رده بذلك العيب، سواء كان العيب قبل عقد البيع أو بعده، علمه المشتري أو جهله، إلا إذا كان ضمانه على المشتري وهو ما إذا كان قد بيع بغير كيل ولا وزن ولا ذرع ولم يقبضه المشتري ولكن لم يمنعه البائع من استلامه كما تقدم قريباً، فإن العيب إذا حدث بعد البيع في هذه الحالة يكون قد حدث وهو في ملك المشتري فلا يكون البائع مسؤولاً عنه.
وإذا رد المشتري المبيع بعيب كان عليه نفقة الرد، وعلى البائع أن يرد الثمن كاملاً، فإذا وهب البائع الثمن للمشتري كله أو بعضه أو أبرأه بالعيب منه ثم رد المبيع كان البائع مطالباً بجميع الثمن ولم يحسب له ما وهبه أو أبرأه منه، وللمشتري أن يمسك المبيع بعد اطلاعه على العيب ويأخذ قيمة النقص الحاصل في المبيع بسبب العيب ولو لم يتعذر رد المبيع بإتلافه أو بأكله أو غير ذلك، فإذا اشترى ثوباً وقطعه ليخيطه "فصله" ثم وجد فيه عيباً فإن له أن يأخذ قيمة النقص الذي وجد في الثوب بسبب ذلك العيب. وإن كان تعذر في هذه الحالة رد الثوب لأن المشتري والبائع قد اتفقا أن يكون المبيع في مقابلة الثمن، فكل جزء من المبيع يقابله جزء من الثمن، فإذا نقص المبيع جزءاً بسبب العيب نقص ما يقابله من الثمن، فللمشتري الحق في ذلك سواء رضي البائع أو سخط، إلا إذا ترتب على أخذ ذلك الجزء من ربا فإنه لا يصح له أخذه.
وذلك كما إذا اشترى فضة مصنوعة حلياً بزنتها من الدراهم ثم وجد بها عيباً. فإنه في هذه الحالة لا يحل له أخذ قيمة النقص الحاصل بسبب ذلك العيب، لأنه يؤدي إلى ربا الفضل، وإنما يكون له
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الحق في رد المبيع جميعه وأخذ الثمن جميعه. أو يمسكه بدون أن يأخذ قيمة ما أحدثه العيب من النقص.
الحالة الثانية: أن يحدث العيب عند المشتري بعد أن يقبضه بالفعل، أو لم يقبضه ولم يمنعه البائع من قبضه ولم يكن مكيلاً إلخ، وفي هذه الحالة يكون البائع مسؤولاً عنه ولا يصح رده له بعد ذلك، فإن كان بالمبيع عيب وهو عند البائع ثم حدث به عيب آخر وهو عند المشتري، فإن رضي المشتري بإمساكه فذاك، وإن لم يرض بذلك رفع الأمر إلى الحاكم وهو يفسخ البيع ويكون على البائع أن يرد الثمن للمشتري، وعلى المشتري أن يرد قيمة المبيع المعيب بعيبه الأول الذي حدث عند البائع، ثم إن قيمة النقص الذي يحصل بسبب عيب المبيع هي الفرق بين قيمته صحيحاً وقيمته معيباً منسوباً إلى ثمنه، وًلك بأن يقوم المبيع صحيحاً ثم يقوم معيباً وينسب الفرق بينهما إلى أصل الثمن فيأخذه من له الحق فيه، مثال ذلك أن يشتري عيناً بمائة وخمسين ولكن نزلت قيمتها إلى مائة ثم حدث بها عيب فنزلت قيمتها إلى تسعين. فيكون الفرق بين قيمتها صحيحة وقيمتها معيبة عشرة وهي عشر المائة، فإذا نسبت إلى الثمن الذي اشتريت به كانت خمس عشرة وهي عشر الثمن.
الشافعية - قالوا: إذا اشترى شيئاً فوجده معيباً فإن له الحق في رده إذا حدث العيب قبل أن يقبض المشتري المبيع، سواء حدث قبل عقد البيع أو حدث بعده وقبل أن يقبضه المشتري.
أما إذا حدث بعد القبض: فإن كان سبب العيب قديماً كان له الحق في رده أيضاً وإلا فلا يرد، وذلك كما إذا اشترى عبداً واستلمه ولكنه كان قد ارتكب جناية سرقة قبل أن يشتريه وثبتت عليه بعد أن استلمه فقطعت يده، فإن ذلك العيب يكون مسؤولاً عنه البائع.
وإذا حدث في المبيع عيب وهو عند المشتري ثم وجد فيه عيباً قديماً حدث وهو عند البائع، وكان ذلك العيب الجديد لم يكن سببه قديماً ولم يزل من المبيع قبل علم المشتري بالقديم ولم تتوقف عليه معرفة العيب القديم، فإنه يسقط به حق المشتري في رده بدون رضا البائع، حتى ولو كان هذا العيب قد حصل بفعل البائع. ثم تكون المسألة بعد ذلك على ثلاثة أوجه: أحدها أن يرضى البائع بالفسخ بدون عوض يأخذه من المشتري، ويرضى المشتري بإمساك المبيع بدون المطالبة بعوض يأخذه عن العيب القديم. ثانيها: أن يتفقا على فسخ العقد أو إجازته مع دفع التعويض، فإن فسخ العقد كان على المشتري دفع تعويض العيب الذي حدث عنده. وإن لم يفسخ كان على البائع دفع تعويض العيب الذي حدث عنده. ثالثها: أن لا يتفقا كأن يطلب أحدهما الفسخ، ففي حالتي الاتفاق الأمر ظاهر، لأن لهما ذلك الاتفاق، وفي حالة عدم الاتفاق ينفذ رأي من طلب إجازة العقد، سواء كان الطالب المشتري أو البائع، وعلى البائع أن يدفع للمشتري تعويض العيب.
وإذا كان المبيع قد بيع بجنسه كالحنطة بالحنطة، فإنه يتعين فيه فسخ العقد وإلزام المشتري بدفع العوض عن العيب الحادث على كل حال
ومنها أن يشترط البائع البراءة من العيب على تفصيل المذاهب. (1)
ومنها أن لا يزول ذلك العيب قبل الفسخ، فإذا اشترى حيواناً مريضاً ولم يفسخ البيع ثم زال المرض فليس له الفسخ بسبب ذلك المرض، لأنه قد زال قبل أن يرده.
(1) الحنفية - قالوا: تصح البراءة مما يظهر في المبيع من العيوب على أي حال، سواء كان الشرط عاماً أو خاصاً. وسواء شرط براءة نفسه "أي شرط كونه غير مسؤول عن العيوب التي تظهر في المبيع" أو شرط براءة المبيع "سلامته عن العيوب". ومثال الأول أن يقول: بعتك هذه الدار على أني بريء من كل عيب، أو على أنها كوم تراب، أو بعتك هذه الدابة على أنها محكمة مكسرة ونحو ذلك فإن الشرط صحيح، فلو اشتراها على ذلك وظهر فيها عيب لا يصح له ردها، لأنه قبلها بكل عيب يظهر فيها فلا خيار له، وكذا لو شرط البراءة من عيب خاص من باب أولى كأن قال له: بعتك هذه الفرس على أنها جموح وقبلها على ذلك، فإنه ليس له ردها بهذا العيب ومثال الثاني أن يقول: بعتك هذا الحيوان على أنه لا عيب فيه، ولم يبين عيباً خاصاً واشتراه منه على ذلك، فإن له أن يرده بظهور عيب قديم فيه، وإذا قال: بعتك هذا الحيوان على أنه بريء من كل داء ينظر في ذلك العرف والعادة في استعمال الداء، فإن كان العرف يخصه بالأدواء الباطنة عمل به، فلو ظهر به داء باطن كان للمشتري رده، وإن كان العرف يعمم الداء كان له رده بأي مرض قديم فيه، وعرف زماننا يعمم الداء فيطلقه على الظاهر منه والباطن، وهو موافق للغة أيضاً، ثم إن اشتراط البراءة من العيوب يشمل العيوب الموجودة قبل عقد البيع. والعيوب الحادثة بعده قبل أن يقبضه المشتري.
فلو باع له حيواناً بشرط أن لا يكون مسؤولاً عن أي عيب فيه، أو عيب معين ولم يكن به عيب حال العقد ثم حدث فيه عيب بعد العقد وقبل أن يستلمه المشتري فإنه لا يرد بذلك العيب الحادث، كما لا يرد بذلك العيب القديم لأن شرط البراءعة يشمله، وبعضهم يقول: ان اشتراط السلامة لا يشمل سوى العيوب الموجودة حال العقد، فله رده بالعيب الحادث بعد العقد وقبل القبض كما يقول الشافعية.
أما إذا اشترط البراءة من كل عيب موجود فيه فإنه لا يتناول العيب الحادث بالإجماع.
وإذا قال: بعتك هذا بشرط أنني بريء من كل عيب موجود، ومن كل عيب يحدث بعد العقد قبل القبض فإنه يكون شرطاً فاسداً يفسد البيع على المعتمد، وبعضهم يقول: إنه فاسد بالإجماع.
المالكية - قالوا: شرط البراءة من العيب الذي يوجد في المبيع لا يفيد، فلو باع حيواناً أو عرض تجارة بشرط أنه بريء من أي عيب يظهر في المبيع، أو بريء من عيب خاص بحيث لا يكون مسؤولاً إذا ظهر فيه ذلك العيب فإن هذا لا ينفعه، وللمشتري رده بظهور عيب فيه وهو عند البائع، نعم ينفع شرط البراءة في بيع الرقيق فقط إذا باعه بشرط البراءة من عيب لم يعلم به ومكث عنده زمناً لم يتمكن فيه من اختباره بحيث يستطيع أن يعرف ما به من العيوب، فإنه إذا باعه بشرط أنه لا يكون مسؤولاً عن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
عيب يظهر فيه بعد بيعه ثم ظهر فيه عيب فإنه لا يرد حينئذ. وكذا إذا باع الرقيق حاكم أو وارث كما تقدم فينا يمنع الرد.
الشافعية - قالوا: إذا باع شيئاً بشرط البراءة من العيوب الموجودة فيه حال العقد فلا يخلو إما أن يشترط البراءة لنفسه، أو يشترط براءة المبيع وسلامته من كل العيوب، ومثال الأول: أن يقول: بعتك كذا على أنني بريء من كل عيب يظهر فيه بحيث لا أكون مسؤولاً عنه، وحكم هذا أنه لا يبرأ إلا إذا كان المبيع حيواناً وظهر فيه عيب باطن موجود حال العقد يجهله البائع، وقيل يبرأ عن كل عيب، أما إذا تبين أن به عيباً ظاهراً أو كان المبيع غير حيوان فإن شرط براءته لا ينفع في هذه الحالة. ويكون البائع مسؤولاً عما يظهر من العيوب، ومثال الثاني أن يقول: بعتك هذا بشرط براءته "سلامته" من العيوب. وحكمه كحكم الأول، فإنه يكون مسؤولاً، لأنه شرط على نفسه سلامة المبيع من كل العيوب، فيعامل بشرطه في هذه الحالة دفعاً للنزاع. أما اشتراط البراءة من عيوب تحدث بعد العقد قبل القبض فإنه شرط فاسد لأنه إسقاط لشيء لم يوجد. ولكنه لا يفسد البيع على المعتمد، ويتضح من هذا أن شرط البراءة إذا كان عاماً فإنه لا يفيد لا في حالة واحدة وهي أن يكون المبيع حيواناً والعيب باطن والبائع يجهله كما ذكر آنفاً. أما إذا كان الشرط خاصاً بأن عين العيب فإن فيه تفصيلاً، وهو إذا كان العيب مما يرى كالأمراض الجلدية التي توجد في الحيوان فإنه يشترط أن يطلع المشتري عليها بعد تعيينها ويريه إياها. أما إذا كان من العيوب التي لا ترى. فإنه يكفي فيها التعيين ولا يلزم رؤيتها. وذلك كما إذا باع ثوراً بشرط أن ينام في المحراث، أو فرساً بشرط أنه جموح وتبين أنه كذلك، فليس للمشتري رده وإن لم يشاهد ذلك العيب عند الشراء.
الحنابلة - قالوا: إذا باع سلعة وشرط على المشتري أنه يبرأ من جميع العيوب التي بها، أو التي تحدث فيها قبل قبضها بعد العقد فإن الشرط يكون فاسداً، ومتى ظهر للمشتري عيب كان له رده المبيع سواء كان ذلك العيب ظاهراً أو باطناً، في حيوان أو غيره. علمه المشتري أو جهله، وكذلك إذا اشترط البراءة من شرط خاص كأن قال له: بعتك هذه الدابة على أنني بريء من جموحها، أو بعتك هذه الناقة على أنني بريء من عصيانها فإن الشرط فاسد. وللمشتري ردها بذلك العيب.
وإذا سمى البائع العيب ووافق المشتري عليه وأبرأه منه. فليس للمشتري رده بعد ذلك. لأنه قد علم العيب ورضي به. هذا ويحرم على البائع أن يكتم عيباً يعلمه بالمبيع لقوله عليه الصلاة والسلام: "المسلم أخو المسلم. ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعاً فيه عيب إلا بينه له". رواه أحمد وأبو داود