الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مباحث الربا
تعريفه وأقسامه
ومن البيوع الفاسدة المنهي عنها نهياً مغلظاً "الربا" ومعناه في اللغة: الزيادة. قال الله تعالى: {فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت} أي علت وارتفعت، وذلك معنى الزيادة فإن العلو والارتفاع زيادة على الأرض. وقال تعالى:{أن تكون أمة هي أربى من أمة} أي أكثر عدداً.
أما في اصطلاح الفقهاء: فهو زيادة أحد البدلين المتجانسين من غير أن يقابل هذه الزيادة عوض، وينقسم إلى قسمين:(1) الأول: ربا النسيئة، وهو أن تكون الزيادة المذكورة في مقابلة "تأخير الدفع" ومثال ذلك: ما إذا اشترى إردباً من القمح في زمن الشتاء بإردب ونصف يدفعها في زمن الصيف. فإن نصف الإردب الذي زاد في الثمن لم يقابله شيء من المبيع، وإنما هو في مقابل الأجل فقط، ولذا سمي ربا النسيئة أي التأخير. الثاني: ربا الفضل، وهو أن تكون الزيادة المذكورة مجردة عن التأخير فلم يقابلها شيء، وذلك كما إذا اشترى إردباً من القمح بإردب وكيلة من جنسه مقايضة بأن استلم كل من البائع والمشتري ماله. وكما إذا اشترى ذهباً مصنوعاً زنته عشرة مثاقيل بذهب مثله قدره مثقالاً.
حكم ربا النسيئة ودليله
لا خلاف بين أئمة المسلمين في تحريم ربا النسيئة، فهو كبيرة من الكبائر بلا نزاع، وقد ثبت ذلك بكتاب الله تعالى وسنة رسوله وإجماع المسلمين، فقد قال تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله، ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون، يمحق الله الربا ويربي الصدقات، والله لا يحب كل كفار
(1) الشافعية - قالوا: ينقسم الربا إلى ثلاثة أقسام. الأول: ربا الفضل، ومنه ربا الفرض كأن يقرضه عشرين جنيهاً بشرط أن يكون له منفعة كأن يشتري سلعة أو يزوجه ابنته، أو يأخذ منه فائدة مالية ونحو ذلك كما تقدم في البيع الفاسد. الثاني: ربا النسيئة وهو المذكور. الثالث: ربا اليد ومعناه أنه يبيع المتجانسين كالقمح من غير تقابض
أثيم. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين. فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله، وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون} .
فهذا كتاب الله تعالى قد حرم الربا تحريماً شديداً، وزجر عليه زجراً تقشعر له أبدان الذين يؤمنون بربهم ويخافون عقابه، وأي زجر أشد من أن يجعل الله المرابين خارجين عليه محاربين له ولرسوله؟ فماذا يكون حال ذلك الإنسان الضعيف إذا كان محارباً للإله القادر القاهر الذي لا يعجزه في الأرض ولا في السماء؟ لا ريب في أنه بذلك قد عرض نفسه للهلاك والخسران.
أما معنى الربا الذي يؤخذ من هذه الآية الكريمة، فالظاهر أنه هو الربا المعروف عند العرب في الجاهلية، وقد بينه المفسرون فقد ذكر غير واحد منهم: أن الواحد من العرب كان إذا داين شخصاً لأجل وحل موعده فإنه يقول لمدينة: أعط الدين أو أرب ومعنى هذا أنه يقول له: إما أن تعطي الدين أو تؤخره بالزيادة المتعارفة بيننا، وهذه الزيادة تكون في العد كأن يؤجل له دفع الناقة على أن يأخذها ناقتين، وتارة تكون بالسن كأن يؤجل له دفع ناقة سن سنة على أن يأخذها منه سن سنتين أو ثلاث وهكذا ومثل ذلك أيضاً ما كان متعارفاً عندهم من أن يدفع أحدهم للآخر مالاً لمدة ويأخذ كل شهر قدراً معيناً، فإذا حل موعد الدين ولم يستطع المدين أن يدفع رأس المال أجل له مدة أخرى بالفائدة الذي يأخذها منه، وهذا هو الربا الغالب في المصارف وغيرها ببلادنا، وقد حرمه الله تعالى على المسلمين وعلى غيرهم من الأمم الأخرى، ونهى عنه اليهود والنصارى لما فيه من إرهاق المضطرين، والقضاء على عوامل الرفق والرحمة بالإنسان، ونزع التعاون والتناصر في هذه الحياة، فإن الإنسان من حيث هو لا يصح أن يكون مادياً من جميع جهاته ليس فيه عاطفة خير لأخيه، فيستغل فرصة احتياجه ويوقعه في شرك الربا فيقضى على ما بقي فيه من حياة، مع أن الله تعالى قد أوصى الأغنياء بالفقراء وجعل لهم حقاً معلوماً في أموالهم وشرع القرض لإغاثة الملهوفين وإعانة المضطرين، فضلاً عما في الربا من حصر الأموال في فئة المرابين، وفتح أبواب الشهوات لضعاف الإرادة والقضاء على ما عندهم من ثروة إلى غير ذلك من المضار الكثيرة التي يضيق المقام عن ذكرها، وقد بيناها أتم بيان في الجزء الثاني من كتاب الأخلاق الدينية في حكمة تشريع البيع.
فالآيات الكريمة تدل دلالة قاطعة على تحريم ربا النسيئة، منه ما هو معروف في زماننا من إعطاء ما يأجل بفائدة سنوية أو شهرية على حساب المائة، وما يحتمل به بعضهم من التحكك بالدين في جواز هذا النوع، فإنه بعيد كل البعد عن الدين ومناف لحكمه تشريعة في صورتها ومعناها فقد زعم بعضهم أن المحرم من ذلك هو أكل الربا أضعافاً مضاعفة كما ورد في