الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في أن الفلاكة والإهمال ألصق بأهل العلم وألزم لهم من غيرهم وبيان السبب في ذلك.
الفصل السادس: في مصير العلوم كمالات نفسانية وطاعة ليس إلا بعد كونها صناعة من الصنائع وحرفة من الحرف وبيان السبب في ذلك.
الفصل السابع: في علية الفلاكة والإهمال والإملاق على نوع الإنسان وبيان السبب في ذلك.
الفصل الثامن: في أن الفلاكة المالية تستلزم الفلاكة الحالية.
الفصل التاسع: في أن التملق والخضوع وبسط أعذار الناس والمبالغة في الاعتذار إليهم وإظهار حبهم ومناصحتهم من أحسن أحوال المفلوكين وأليق الصفات بهم وأفضى الطريق بهم إلى مقاصدهم وبيان الدليل على ذلك.
الفصل العاشر: في تراجم العلماء الذين تقلبت عنهم دنياهم ولم يحظوا منها بطائل.
الفصل الحادي عشر: في مباحث تتعلق بالفصل قبله ومن المباحث النكبات الحاصلة للأعيان.
الفصل الثاني عشر: في أشعار المفلوكين أو من في معناهم وما فيها من مقاصد شتى وبيان أن الحامل عليها إنما هو الفلاكة.
الفصل الثالث عشر: في وصايا يستضاء بها في ظلمات الفلاكة نختم به الكتاب.
الفصل الأول
في تحقيق معنى المفلوك
هذه اللفظة تلقيناها من أفاضل العجم، ويريدون بها بشهادة مواقع الاستعمال الرجل الغير المحظوظ المهمل في الناس لإملاقه وفقره، وليس في صحاح الجوهري ولا في القاموس المحيط في هذه المادة مل يصلح لهذا المعنى إلا قول صاحب القاموس (فلك تفليكا: إذا لج في الأمر) فإنه يمكن أن يجعل مصححا لهذا الاستعمال.
وبيانه أن اللجاج لازم الإملاق، فإنه يلزم من الإملاق وعدم الحظ اللجاج، فيكون من باب إطلاق اللازم وارادة الملزوم.
وهذا مع ما فيه من التكلف مردود بأنه فعل تفعيلا لا يصح أن يكون اسم المفعول منه بزنة مفعول، والذي يظهر إنه مأخوذ من الفلك الذي هو جسم محيط بالعالم، فكأن الفلك يعارض غير المحظوظ في مراده ويدافعه عنه فان قيل: هذا فاسد لفظاً ومعنى: أما اللفظ فلأن الفلك اسم جامد لا يصح أن يشتق منه صيغة مفعول، ولا يصح اشتقاقه من الفلك
لما فيه من معنى الاستدارة، لأن الفلاكة بمعنى عدم الحظ ليست من معنى الاستدارة في شيء ولا على المجاز، على معنى أن عدم الحظ لما استلزم الحركة والاضطراب والجولان كان إطلاقها وإرادته من باب إطلاق اللازم وإرادة الملزوم، لأن اللزم لعدم الحظ هو مطلق الحركة والاضطراب لا لحركة المقيدة بالاستدارة، وأما المعنى فإن اشتقاقه من الفلك على معنى أن الفلك يعارضه في مراده ويدافعه عنه غير مستقيم، لما تقرر في الكتب الكلامية أن الله تعالى هو خالق كل شيء.
فالجواب عن الأول أن اشتقاق المفلوك من الفلكغير ممتنع، فقد قالوا (رأسته) بمعنى ضربت رأسه، و (رأيته) بمعنى أصبت رئته، وابلغ من ذلك اشتقاقهم من الحروف كما في اشتقاق (احاشي) من الحاشا الحرفية الاستثنائية في أحد التخريجين في قول من قال:
(ولا أحاشي من الأقوام من أحد)
وأبلغ من ذلك اشتقاقهم من لفظ الجملة كالحوقلة والبسملة والهيللة وعن الثاني أن ذلك من قبيل المجاز العقلي، وهو نسبة الشيء إلى زمانه مجازاً تشبيهاً للتلبس الغير الفاعل بالتلبس الفاعلي، ويشهد لذلك ما قاله العلماء في قوله صلى الله عليه وسلم، (الشؤم في ثلاثة أو أن يكن الشؤم ففي المرأة والدار والفرس) على اختلاف
الروايتين جزما وتعليقا من أن ذلك على المجاز والاتساع، أي قد يحصل الشؤم مقارناً لها وعندها لا أنها هي في أنفسها مما توجب الشؤم، فقد تكون الدار قد قضى الله تعالى أن يمت فيها خلقاً من عباده، كما يقدر ذلك في البلد بالطاعون والوباء، فيضاف ذلك إلى المكان مجازاً، والله خلقه عنده وقدره.
فقد صح بهذا التقرير جواز أخذ المفلوك من الفلك، على معنى إنه الذي يعارضه الفلك في مراده على جهة التجوز. ولو سلم أن السعود والنحوس لا تدور مع حركات الأفلاك دائماً لم يكن ذلك قادحاً في صحة التجوز، لأن إضافة الفعل إلى زمانه مجازاً لا تحتاج إلى كون القضية دائمة، كما في قولهم (نهاره صائم وليله قائم) وأمثاله مما لا يحصى.
على أنا نقول: اللغة اصطلاحية على قول، والألفاظ العلمية التي يدير عليها أهل كل علم - كالرفع والنصب للنحاة مثلا - اصطلاحية إجماعاً ووفاقا. ووجه اختيار لفظ الفلاكة على الفاقة والإملاق والفقر ونحوها أن هذه الألفاظ الثلاثة ونحوها نص صريح في مدلولها، بخلاف لفظة الفلاكة والمفلوك، فإنه يتولد منهما بمعونة القرائن معان لائقة بالمقامات على كثرتها وتفاوتها.