المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المقام الثاني في أن الزهد لا ينافي كون المال في اليدين - الفلاكة والمفلوكون

[الدلجي، أحمد بن علي]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الأولفي تحقيق معنى المفلوك

- ‌الفصل الثانيفي خلق الأعمال وما يتعلق به

- ‌الفصل الثالثفي أن التوكل لا ينافي التعلق بالأسبابوأن الزهد لا ينافي كون المال في اليدين

- ‌المقام الأول مقام التوكل

- ‌المقام الثاني في أن الزهد لا ينافي كون المال في اليدين

- ‌الفصل الرابعفي الآفات التي تنشأ من الفلاكةوتستلزمها الفلاكة وتقتضيها

- ‌الفصل الخامسفي أن الفلاكة والإهمال ألصق بأهل العلموألزم لهم من غيرهم وبيان السبب في ذلك

- ‌الفصل السادسفي مصير العلوم كمالات نفسانية وطاعة من الطاعات

- ‌الفصل السابعفي السبب في غلبة الفلاكة والإهمال والإملاقعلى نوع الإنسان وبيان ذلك

- ‌الفصل الثامنفي أن الفلاكة المالية تستلزم الفلاكة الحالية

- ‌الفصل التاسعفي أن التملق والخضوع وبسط أعذار الناس

- ‌الفصل العاشرفي تراجم العلماء الذين تقلصت عنهم دنياهمولم يحظوا منها بطائل

- ‌القاضي عبد الوهاب

- ‌ابن مالك

- ‌النضر بن شميل

- ‌الاخفش الصغير

- ‌التلعفري

- ‌الترمذي

- ‌يحيى بن علي

- ‌الابيوردي

- ‌الشنتريني

- ‌العز

- ‌السهروردي

- ‌الحافظ عبد الغني

- ‌محمد بن عبد الرزاق

- ‌الخليل

- ‌أبو الطيب الطبري

- ‌أبو عثمان

- ‌المازني

- ‌السيرافي

- ‌نجم الدين

- ‌الأنماطي

- ‌بدر الدين بن مالك

- ‌العفيف التلمساني

- ‌الحريري

- ‌القطب الشيرازي

- ‌ابن دريد

- ‌يحيى بن اكتم

- ‌محمد بن علي

- ‌القاضي الرفيع

- ‌البدر التستري

- ‌أبو عبيدة

- ‌ابن هانئ

- ‌صاعد

- ‌ابن النحاس

- ‌أبو الحسن

- ‌التاج المراكشي

- ‌العلم الاصفوني

- ‌الفخر الفارسي

- ‌الشيخ خضر الكردي

- ‌ابن الخشاب

- ‌ابن بري

- ‌الباجي

- ‌الحافظ المزي

- ‌أبو جعفر

- ‌مروان بن أبي حفصة

- ‌محمد بن داود

- ‌الحسن بن سفيان

- ‌بشر بن غياث

- ‌واصل بن عطاء المعتزلي

- ‌أبو حاتم الرازي

- ‌سيبويه

- ‌شريك

- ‌ابن يونس

- ‌أبو بكر النيسابوري

- ‌محمد شمس الدين

- ‌ابن حزم

- ‌أبو الحسن

- ‌أبو حاتم السجستاني

- ‌ابن الجبان الأصفهاني

- ‌السهيلي

- ‌ابن دحية الكلبي

- ‌المسعودي

- ‌الشاطبي

- ‌ القاضي الفاضل

- ‌ابن طارق

- ‌ابن بيان

- ‌ابن بصيلة

- ‌شميم

- ‌الجزلي

- ‌التاج الكندي

- ‌ياقوت

- ‌ابن معطي

- ‌أبو حامد الاسفرايني

- ‌ابن عنين

- ‌ابن حموية اليزدي

- ‌نفطويه

- ‌إمام الأئمة ابن خزيمة

- ‌أبو عمر غلام ثعلب

- ‌أبو الوقت السجزي

- ‌ابن نباتة السعدي

- ‌الزبيدي

- ‌أبو النجيب السهر وردي

- ‌الميداني

- ‌أبو العلاء الهمذاني

- ‌ابن مكتوم

- ‌ابن خالويه

- ‌ابن الجصاص

- ‌الأديب أبو بكر بن بقي

- ‌أبو الحسن

- ‌الصولي

- ‌ابن ظفر

- ‌ابن السكيت

- ‌الأديب أبو جعفر

- ‌الإمام أبو سهل الصعلوكي

- ‌الغزي

- ‌الفارابي

- ‌الهروي

- ‌ابن فارس اللغوي

- ‌ابن الخياط

- ‌الحافظ أبو الفضل

- ‌ابن المنير

- ‌النفيس

- ‌أبو الصلت

- ‌مبرمان

- ‌أبو الحسن الربعي

- ‌القالي

- ‌البيهقي

- ‌أبو سعيد الإصطرخي

- ‌السيد ركن الدين

- ‌أبو هفان

- ‌الرياشي

- ‌ابن بانشاذ

- ‌عبد الرحمن

- ‌الواحدي

- ‌ابن البرهان

- ‌الحريري

- ‌أبو العباس

- ‌الفصل الحادي عشرفي مباحث تتعلق بالفصل قبله

- ‌محيي الدين النواوي

- ‌السهروردي

- ‌والحسن بن العباس السرخسي

- ‌إبراهيم بن إسحاق

- ‌ابن الأنباري

- ‌عزيزي

- ‌المبارك

- ‌مالك ابن أنس

- ‌أبو الحنيفة

- ‌الإمام أحمد بن حنبل

- ‌البويطي

- ‌البخاري

- ‌النسائي

- ‌أبو عمرو

- ‌محمد بن الزيات

- ‌ابن الدهان

- ‌ابن عطاء

- ‌ابن شنبود

- ‌ ابن مقلة

- ‌الفصل الثاني عشرفي أشعار المفلوكين ومن في معناهم من مقاصدشتى وبيان أن الحامل عليها إنما هو الفلاكة

- ‌الفصل الثالث عشرفي وصايا يستضاء بها في ظلمات الفلاكة

الفصل: ‌المقام الثاني في أن الزهد لا ينافي كون المال في اليدين

ما في أيدي الناس فالادخار له أولى، لأن المقصود إصلاح القلوب لتتجرد لذكر الله، ورب شخص يشغله عنه وجود المال ورب شخص يشغله عدمه، والمحذور هو الشغل عدءاً كان أو وجوداً، فالدنيا في عينها غير محذورة لا وجودها ولا عدمها، ولذلك بعث صلى الله عليه وسلم إلى أصناف الخلق وفيهم التجار والمحترفون أي أهل الحرف والصنائع - فلم يأمر التاجر بترك تجارته ولا المحترف بترك حرفته، ولا أمر التارك لهما بالإشغال بهما، بل دعا الكل إلى الله وأرشدهم إلى أن نجاتهم في انصراف قلوبهم عن الدنيا، فصواب الضعيف ادخار قدر حاجته كما أن صواب القوي ترك الادخار، وكذلك المعيل لا يخرج عن حد التوكل بادخار قوت سنة لعياله جبراً لضعفهم وتسكيناً لقلوبهم.

وقد ادخر صلى الله عليه وسلم لعياله قوت سنته، وأما نهي أم أيمن عن أن تدخر شيئاً لغد، ونهي بلال عن الادخار في كسرة خبز ادخرها ليفطر عليها وقال {انفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا} فلأن الادخار يضر بعض الناس دون بعض، وكذلك ما روى أبو أمامة الباهلي أن بعض أصحاب الصفة توفي فما وجد له كفن، فقال صلى الله عليه وسلم (فتشوا ثوبه) فوجدوا فيه دينارين في داخل إزاره فقال صلى الله عليه وسلم (كيتان).

وقد كان غيره من المسلمين يموت ويخلف أموالاً كثيرة فلا يقال ذلك في حقه، ووجه الجمع بين هذين الأمرين أن إظهار الزهد والفقر والتوكل مع تلك الدنانير تلبيس.

قلت: رأيت في ترجمة النجم الخبوشاني الأمار بالمعروف النهاء عن المنكر للملوك فمن دونهم الذي يضرب به المثل في الزهد إنه لما مات وجدوا له ألوف

دنانير، هذا مع مبالغة المترجمين له في الثناء عليه، ومع ما في ترجمته من إنه كان يصوم ويفطر على خبز الشعير ويركب الحمار وآنية بيته كلها خزف، فهذا الكلام مع نبوه عن هذا المقام سهل ذكره ما ذكره العلماء في الجمع بين حديث الدينارين وعدم إنكار الأقوال الكثيرة في ميت آخر وان ذلك لما أن إظهار الزهد والباطن بخلافه تلبيس، فما عجب لحال الخبوشاني وأعجب ولا تغتر.

‌المقام الثاني في أن الزهد لا ينافي كون المال في اليدين

الزهد في اللغة الرغبة عن الشيء، خصص بما يكون الرغبة فيه عن الدنيا. وفي الاصطلاح ترك المباح المحبوب المقدور عليه لأجل الله.

وفي ضابطه قيود:

(الأول) - ترك المباح. فتارك المحظورات لا يسمى

ص: 10

زاهداً.

(الثاني) - المحبوب، فتارك ما لا يؤبه إليه كالتراب والحجر لا يسمى زاهداً.

(الثالث) - كونه لأجل الله، فبذل المال وتركه على سبيل السخاء والفتوة واستمالة القلوب والطمع في الثناء لا يكون زهداً، إذ الذكر والثناء وميل القلوب أهنأ من المال، فهو استعجال حظ آخر للنفس.

(الرابع) - المقدور، فمن ترك ما لا يقدر عليه كغير ابن أدهم من أمثالنا في دعوى الزهد في الملك لا يكون زاهداً. وفي إفراد المباح إشارة إلى أن الزهد يتبعض كما أن التوبة تتبعض، فمن ترك بعض التمتعات من الشهوة والغضب والرياسة دون بعض كان زاهداً.

وأما القانع فهو المرجح لوجود المال على عدمه ترجيحاً لا يحمله على الدأب فيه، فقولنا (المرجع) خرج به من لا يحب حصوله ولا يكره زواله وهو الراضي، وقولنا (ترجيحاً لا يحمله على الدأب فيه) خرج به من يتركه عجزاً ويسعى فيه ما وجد إليه سبيلا وهو الحريص.

وهذه المرتبة - وهي مرتبة الحرص - وإن كانت دنيا فإن لها فضلا لدخولها تحت العمومات الواردة في فضل الفقر، وذلك جمع بين قوله صلى الله عليه وسلم {يدخل فقراء أمتي الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة عام} وبين قوله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر (بأربعين خريفاً) أي أربعين سنة، بأن الأول تقدير تقدم الفقير الزاهد على الغني الراغب، والثاني تقدير تقدم الفقير الحريص على الغني الراغب، فكأن الفقير الحريص على درجتين من خمسة وعشرين درجة من الفقير الزاهد، إذ هذه نسبة الأربعين إلى الخمسمائة.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم {يا معشر الفقراء أعطوا الله الرضا من قلوبكم تظفروا بثواب فقركم وإلا فلا} فلا يقتضي أن الحريص لا ثواب له على فقره، لأن العمومات تقتضي أن له ثواباً، فلعل المراد بعدم الرضا الكراهة لفعل الله من حبس الدنيا عنه، ورب راغب في المال لا يخطر بقلبه إنكار على الله ولا كراهة لفعله.

إذا عرفت تمايز هذه الحقائق بمسمياتها وأسمائها فاعلم أن وجود المال في اليدين لا في القلب ودخول الدنيا على العبد وهو خارج عنها لا ينافي الزهد، فإن ترك المال وإظهار الخشونة سهل على من أحب المدح، فكم من الرهابين من رد نفسه في كل يوم إلى قدر يسير من الطعام ولازم ديراً لا باب له، وإنما أعلى المقامات أن يستوي عند القلب وجود المال وفقده، فإن وجده لم يفرح ولم يتأذ،

ص: 11

وكذلك إن فقده.

وقد روي عن عائشة أنها فرقت في يوم مائة ألف درهم، فقالت لها جاريتها: هلا شريت لنا بدرهم لحماً نفطر عليه؟ فقالت: لو ذكرتني لفعلت. وذلك لأن الكاره للدنيا مشغول بالدنيا، كما أن الراغب فيها مشغول بها، والشغل بما سوى الله حجاب عن الله، فالمشغول بحب نفسه مشغول عن الله والمشغول ببعض نفسه

مشغول عن الله أيضا، بل كل ما سوى الله.

مثاله مثال الرقيب الحاضر في مجلس يجمع العاشق والمعشوق، فإن التفت قلب العاشق إلى الرقيب وبغضه واستثقاله وكراهة حضوره فهو في حال اشتغال قلبه به منصرف عن التلذذ بمشاهدة معشوقه، فكما أن النظر إلى غير المعشوق بحب شرك كذلك النظر إلى غيره ببغض شرك فيه ونقص.

وأما هروب الأنبياء والأولياء والأكابر من الدنيا فذلك لأن الدنيا خداعة مدعاة إلى الشهوات والراحة في بذلها أنس بغير الله، والأنس بغير الله بعد عن الله، فالأنبياء والأولياء يتركون الدنيا للتشريع والتعليم والخوف على أتباعهم من أن يتشبهوا بهم مع عدم قوتهم فيهلكوا. ومن دونهم ممن لا قوة له يترك ذلك احتياطاً وحزماً، فإن استواء الذهب والحجر في القلب عسير ومزلة قدم، وهو حال الأنبياء وأفراد الأولياء.

ويوضح لك أن المال في اليدين بدون القلب لا ينافي الزهد، إن خزائن الأرض حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أبي بكر وعمر فأخذوها ووضعوها في مواضعها وما هربوا منها. وكان لعثمان عند خازنه يوم قتل ثلاثون ألف ألف درهم وخمسمائة ألف درهم وخمسون ومائة ألف دينار، وترك ألف بعير بالربذة، وترك صدقات كان يتصدق بها بين أريس وخيبر ووادي القرى قيمة مائتي ألف دينار، وكان للزبير عند وفاته خمسون ألف ألف ومائتا ألف.

قال عروة: كان للزبير بمصر خطط وبالإسكندرية خطط وبالبصرة دور، وكانت له غلات تقدم عليه من أعراض المدينة. وترك عبد الرحمن ابن عوف ألف بعير وثلاثة آلاف شاة. قال ابن سيرين: كان فيما ترك ذهب قطع بالفؤوس حتى مجلت أيدي الرجال منه، وترك أربع نسوة فأخرجت امرأة من ثمنها بثمانين ألفاً.

قال أبو الأسود عن عروة: أوصى عبد الرحمن

ص: 12

بن عوف في السبيل بخمسين ألف

دينار. وروى موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: كان طلحة يغل بالعراق ما بين أربعمائة ألف إلى خمسمائة الف، ويغل بالسراة عشرة آلاف دينار أو أقل أو أكثر، وبالأعراض له غلات، وكان يرسل إلى عائشة إذا جاءت غلته كل سنة بعشرة آلاف، وقضى عن صبيحة التيمي ثلاثين ألف درهم.

وقال الواقدي: حدثني اسحق ابن يحيى عن موسى بن طلحة أن معاوية رضي الله عنه سأله كم ترك أبو محمد يعني طلحة من العين؟ قال: ترك ألفي ألف درهم ومائتي ألف درهم ومائتي ألف دينار.

وقال إبراهيم بن محمد بن طلحة: كان قيمة ما ترك طلحة من العقار والأموال وما ترك من الناض ثلاثين ألف ألف درهم، وترك من العين ألفي ألف درهم ومائتي ألف دينار، والباقي عروض.

وقال علي بن رباح: قال عمرو بن العاص حُدثت أن طلحة بن عبيد الله ترك مائة بهار في كسل بهار ثلاث قناطير من ذهب. قال: وسمعت أن البهار جلد ثور، والبهار لغة ثلاثمائة رطل. قال ذلك كله أبو عبد الله محمد بن سعد كاتب الواقدي في طبقاته الكبرى.

وأيضاً كان لسعد بن أبي وقاص والبراء بن معرور السلمى والعباس ابن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن عمر أموالا كثيرة. ويدل على ذلك أن العباس فدى نفسه وابن أخيه عقيلا بثمانين أوقية ذهباً ويقال ألف دينار. وما روى عن عبد الله بن عمر إنه كان إذا رأى من رقيقه أمراً يعجبه اعتقه فعرف رقيقه منه ذلك فشمروا للعبادة فأعتقهم، فقيل: له إنهم يخدعونك. فقال: من خدعنا بالله انخدعنا له. وما روى أن سعد بن أبي وقاص قال: مرضت فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني فقلت: يا رسول الله مال كثير وليس يرثني إلا ابني أفأوصي بثلث مالي؟ قال: لا - الحديث.

فهذا كله مما يدلك أن الدنيا ليست مكروهة لعينها وإلا لأمرهم صلى الله عليه وسلم بالانسلاخ من أموالهم. وأما المسألة المشهورة في التفضيل بين الغني الشاكر والفقير الصابر، فذهب ابن عطاء الله قدس الله روحه إلى تفضيل الغنى، وخالف في ذلك الجنيد وجمهور الصوفية، وما أوردوه عليه من

ص: 13