المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌الفصل الثالث: اليابسة

‌الفصل الثالث: اليابسة

الأرض:

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} [إبراهيم: 19] .

جاء ذكر الأرض 451 مرة في القرآن الكريم، واستخدم لفظ الأرض في الذكر الحكيم استخدامات عديدة.

وسنقتصر هنا على إعطاء القارئ لمعاني القرآن نبذة عما توصلت إليه العلوم التقنية في شأن وصف الكرة الأرضية من النواحي الطبيعية والكيميائية والجيولوجية، بما يقوي إيمانه بعظمة الخالق سبحانه، ويعينه على ذكره وشكره ومخافته.

قد طول فلك الأرض حول الشمس، فوجد أن يبلغ حوالي 567 مليون ميل، وقدرت سرعة تحرك الأرض في فلكها حول الشمس بحوالي 18 ميلا في الثانية الواحدة، وتستغرق حركة التفاف الكرة الأرضية حول الشمس التفافة واحدة عاما كاملا من أعوامنا البشرية.

وتلتف الأرض حول نفسها بسرعة حوالي ألف ميل كل ساعة، وتستغرق التفافة كاملة يومًا أرضيًّا "نهارًا وليلًا".

وبالمعايير الأرضية، على أساس الكثافة النوعية للماء واحد صحيح، فإن:

الكثافة النوعية=

الكتلة

الحجم

على هذا الأساس، فقد حسب وزن الأرض بمقياسنا الوضعي البشري فكان تقديره: 6× 21 10 طنا، وحسب حجم الكرة الأرضية على أساس أن نصف

ص: 53

قطرها 6400 كيلو متر فكان تقدير الكثافة النوعية للأرض ككل = 5.53 جرام للسنتيمتر المكعب، ولهذا التقدير أهميته في افتراضات قدمها علماء الطبيعة لتركيب باطن الأرض، وقدرت المساحة الإجمالية لسطح الكرة الأرضية بـ 196.940.000 ميلا مربعا، منها مساحة البحار والمحيطات 39.434.000ميلًا مربعا "أي 70.8% من إجمالي سطح الكرة الأرضية".

التركيب الداخلي للكرة الأرضية:

{وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِين} [الذاريات: 20] .

كما ذكرنا فإن الكثافة النوعية الإجمالية للكرة الأرضية 5.53 جم/ سم3، وهذا القدر يبلغ حوالي ضعف متوسط الكثافة النوعية للصخور الظاهرة على سطح القشرة الأرضية، لذلك قدم الباحثون في علوم الأرض فرضا مؤداه: أن ما يلي القشرة إلى داخل الأرض، له مكونات متتابعة، مختلفة بعضها عن البعض الآخر، وأنها تزيد في كثافتها النوعية مع العمق، واستعان الباحثون بالأجهزة الجيوفيزيائية، ومنها أجهزة الدراسات السيزمية "الزلزالية" Seismic، مما عزز هذا الافتراض.

ويقسم الباحثون في علوم الأرض التركيب الداخلي للكرة الأرضية إلى ثلاثة أقسام هي من الداخل إلى الخارج:

"أ" القلب Core

"ب" الغلاف Mantle

"ج" القشرة Crust

وقد حسبت النسبة المئوية لأهم عشرة عناصر تتكون منها مادة الكرة الأرضية ككل "بأقسامها الثلاثة: القلب والغلاف والقشرة" كالآتي:

ص: 54

حديد

أكسجين

سليكون

ماغنسيوم

نيكل

34.

60%

29.

50%

15.

20%

12.

70%

02.

40%

كبريت

كالسيوم

ألومنيوم

صوديوم

كروميوم

1.

90%

1.

10%

1.

10%

0.

57%

0.

26%

والأرجح في افتراضات الباحثين في علوم الأرض الوصف التالي لأقسام التركيب الداخلي للكرة الأرضية:

"أ" القلب:

هو قلب الكرة الأرضية يتخيلها الباحثون كرة نصف قطرها من المركز 3475 كيلو مترا، ويقسم القلب إلى جزء داخلي نصف قطره 1255 كيلو مترا، وهو من مادة صلبة، يليه للخارج ويحيط به جزء خارجي يمتد سمكه 2220 كيلوا مترا "خارج الجزء الداخلي"، ويتركب من مادة مصهورة سائلة معظم تركيبها من الحديد، والنيكل والكبريت.

"ب" الغلاف:

يحيط الغلاف بقلب الكرة الأرضية، بسمك قدره 2895 كيلو مترا، ويتركب الغلاف من مواد أساسها الحديد، والماغنسيوم متحدة مع السليكا، وصخور الغلاف لها صفة بلاستيكية، فهي تحت الضغوط المنتظمة البطيئة تنبعج وتنساب مثل المواد السائلة، أما حالات التغير الفجائي في الضغط، فتتسبب في تشققها وتفتتها مثل الزجاج.

"ج" القشرة:

هي قشرة رقيقة يتراوح سمكها ما بين 16 إلى 40 كيلو مترا، وتتكون من جزء تركيبه بازلتي، وجزء آخر تركيبه جرانيتي، أما المادة البازلتية فتشغل قيعان المحيطات،

ص: 55

وتشغل ما تحت مادة القارات، أما القارات نفسها فهي بصفة عامة جرانيتية أخف وزنا من المادة البازلتية، وتطفو المادة الجرانيتية فوق المادة البازلتية، كذلك تطفو مادة القشرة بشقيها الجرانيتي، والبازلتي فوق مادة الغلاف الأكثر منها كثافة، علمًا بأن حوالي 75% من جملة مادة القشرة تتركب من السليكون، والأكسيجين مما يجعلها خفيفة الوزن.

ويرى العلماء أن صخور القشرة إلى عمق حوالي 16 كيلو مترا تتكون من 95% صخورا نارية، و 4% صخورا رسوبية طينية، و 0.75% صخورا رسوبية من الحجر الرملي، 0.25% صخورا رسوبية من الحجر الجيري، ومن بين أكثر من مائة عنصر من العناصر التي تتكون منها الكرة الأرضية، فإن أهم العناصر في صخور القشرة إلى العمق المذكور توجد بالنسبة الآتية:

أكسجين

سليكون

ألومنيوم

حديد

كالسيوم

صوديوم

بوتاسيوم

ماغنيسوم

46.

71%

27.

69%

8.

0%

5.

05%

3.

65%

2.

75%

2.

58%

2.

08%

تيتانيوم

هيدروجين

فوسفور

كربون

منجنيز

كبريت

باريوم

بقية العناصر

0.

62%

0.

14%

0.

13%

0.

094%

0.

090%

0.

052%

0.

050%

0.

244%

ويبين هذا الجدول أن خمسة عشرا عنصرا تتكون منها 99.75% من القشرة الأرضية.

تناقص أطراف الأرض:

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} [الرعد: 41] .

ص: 56

{أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الأنبياء: 44] .

تقبل المفسرون من رجال الدين التفسير العلمى على أساس احتمالين للتفسير:

"أ" فقد عرف أن سرعة انطلاق جزئيات الغازات المغلفة للكرة الأرضية، إذا ما جاوزت قوة جاذبية الأرض لها، فإنها تنطلق إلى خارج الكرة الأرضية بغير رجعة، وهذا يحدث بصفة مستمرة، فتكون الأرض في نقص مستمر لأطرافها، وقد حسبت السرعة اللازمة للخروج من الجاذبية الأرضية، ووجدت أنها تعادل 11.2 كيلو مترا في الثانية، وحسبت سرعة انطلاق جزئيات بعض الغازات على درجة حرارة تعادل درجة حرارة تجمد الماء فوجدت:

"بالكيلو مترات في الثانية"1.8 للهيدروجين، 1.3 للهليوم 0.06 لبخار الماء، 0.5 لنتروجين، 0.45 للأكسجين، 0.4 لثاني أكسيد الكربون، وحسبت السرعات عند رفع درجة الحرارة 100 درجة مئوية، فوجد أنها زادت بمقدار 17%، وعند درجة حرارة 500 مئوية زادت السرعة 680%.

وعلى أساس تفاوت السرعة بين الغازات، استنتج العلماء أن الأرض قد فقدت منذ ولدت، من جوها، الكثير من الغازات الأقل كثافة والأكثر سرعة مثل الهيدروجين والكثير من الهيليوم؛ بينما ظلت الغازات الأخرى الأكثر كثافة، والأقل سرعة باقية في الغلاف الجوي حتى الآن مثل النتروجين والأكسجين وبخار الماء.

"ب" أن الأرض ليست كاملة الاستدارة، ولم يتمكن العلماء من قياس أبعاد الأرض بالدقة إلا منذ 250 سنة تقريبًا، عندما قام أخصائيون في علم المساحة بقياس المسافة الطولية بين عرضين متساويين في الطول تفصلهما درجة واحدة قوسية، وذلك في مختلف أنحاء العالم، وتبين من القياسات أن نصف القطر الاستوائي يزيد على نصف القطر القطبي بمقدار 13.33 ميلا تقريبا، أي أن الأرض أنقصت من أطرافها ممثلة في القطبين، وبلغة أخرى للأرقام فهناك نقص مقداره 41.73 ميلا لمحيط الكرة الأرضية مروا بالقطبين "589.82 24 ميلا"

ص: 57

عن محيط الكرة الأرضية مروا بخط الاستواء "901.55 24 ميلا"، فالثابت من الحقائق العلمية أن سرعة دوران الأرض حول محورها وبالتالى طردها المركزي قد أدبا إلى تفلطح الكرة الأرضية عند القطبين الشمالي والجنوبي، ويمكن أن نعتبر ذلك نقصا في طرفي الأرض.

المجال المغناطيسي للأرض:

يتمثل المجال المغناطيسي للأرض في وجود قطب شمالي وقطب جنوبي، ويظهر هذا المجال في اتجاه إبرة البوصلة، وتعزى هذه القدرة على إحداث مجال مغناطيسي إلى وجود مادة من الحديد والنيكل في قلب الكرة الأرضية.

وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن المجال المغناطيسي للأرض ليس ثابتا بل يتغير اتجاهه ودرجته، وفسرها بعض العلماء بوجود حركة في قلب الكرة الأرضية لمادتي النيكل والحديد.

فقد ثبت أنه على مدى حقبة ثلاثة الملايين ونصف المليون سنة الأخيرة من عمر الأرض، تغيرت مواضع القطبين المغناطيسيين الشمالي، والجنوبي للأرض تسع مرات على الأقل، مع احتمال أن يكون قد حدثت تغيرات أخرى في مواضع القطبين خلال الفترة الزمنية السابقة لهذه الفترة.

تضاريس اليابسة:

الأرض كروية ذات تضاريس، وتضاريس الأرض لا تعوق الآدميين من ارتيادها والمشي في مناكبها.

{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا} [طه: 53] .

{وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا} [الرعد: 3] .

ويأمرنا الله بارتياد آفاق الأرض ابتغاء كافة الأغراض والاحتياجات البشرية.

{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} [الملك: 15] .

ص: 58

وقد زخرت اللغة العربية بتعبيرات متخصصة لتضاريس الأرض منها:

الصحراء-الجوية-الحبوب-الجبت-البلاط-القفر-النقرة-الغور-الجلس- البطحاء-الخور-الكثيب-الغرد.

كما أن هناك اصطلاحات في اللغة العربية لكل ما ارتفع عن سطح الأرض من تضاريس، مثل:

رجم: قمة تكون بارزة في الجبل.

سناف: تكوين جبلي يكون له ظهر محدب، ومنها ما له متن مرتفع وعر المرتقى، ومنها ما هو سهل منطرح على الأرض.

قهب: تكوين جبلي يشبه السناف ذا المتن المرتفع.

هضبة: قمة جبلية منفردة، وقد تكون ذات رءوس متعددة ومناكب عالية، وتطلق هذه التسمية بصفة أكثر على التكوينات الجبلية ذات اللون الأحمر أو اللون البني، وبعضها عال ممتنع الجوانب.

قوِيد: تكوين جبلي طبيعي يشكل امتدادا جبليا، لجبل يمتد على اتجاه واحد، أو عدة هضاب تشكل صفا منتظما في اتجاه واحد.

سمار: من السمرة وهي السواد، وهي صحراء تغطيها حجارة سوداء صغيرة.

حشة: جبل غير مرتفع سهل المرتقي ويكون تارة على شكل جبيلات متلاصقة، وقد تكون واسعة تتخللها طرق ومسالك.

جِمْش: أرض تكون تربتها خشنة، وتكثر فيها النتوءات الصخرية.

عبل: جبل يتكون جميعه من المرو الأبيض، ويكون غالبا على هيئة قمة صغيرة منفردة، أو جبل مدور ذي قمة وعرة المرتقى.

جَذِيب: حدب مستطيل من الأرض له ظهر ضيق تكسوه حجارة صغيرة، وغالبا ما تكون حجارته سوداء.

ص: 59

صفرا: يقصد بها القفاف والقور ذات الارتفاعات القليلة ذات اللون الأصفر الداكن.

وقد ذكر لفظ "الثرى" في محكم الكتاب.

{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى} [طه: 6] .

في اللغة: الثرى هو التراب الندي، والمراد هنا هو التراب المطلق، وظاهر المعنى هنا عن الأرض هو سطح الأرض بما عليه من أشياء وكائنات، وهذا بالمقابلة بما هو موجود تحت هذا السطح "ما تحت الثرى" بما فيه من خيرات ومعادن.

وقد جاء في القرآن الكريم ذكر بعض ظواهر تضاريس اليابسة، نأتي هنا بأمثلة منها:

الفج:

{وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27] .

والفج في معالم اللغة هو الطريق الواسع بين جبلين، والجمع فجاج وأفجة.

البرزخ:

{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ، بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ} [الرحمن: 19-20] .

{وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا} [الفرقان: 53] .

في اللغة:

البرزخ بين شيئين هو الحاجز بينهما.

والبرزخ من ناحية التضاريس هو ممر ضيق من الأرض اليابسة يصل بين رقعتين كبيرتين من اليابسة، ويحيط الماء بالبرزخ من جانبيه.

وقد فسر فريق من الفقهاء البرزخ هنا بأنه حاجز غير مرئي يفصل ما بين الماء العذب والماء المالح، ورأى فريق آخر من العلماء أنه حاجز من الأرض اليابسة.

ص: 60

الغار:

{إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40] .

{لَوْ يَجِدُونَ مَلْجًَا أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ} [التوبة: 57] .

في اللغة:

الغار كالبيت في الجبل، والمغار والمغارة كالغار، والغار أو المغارة لا يتعدى حجمها عادة بضعة أمتار طولا وعرضا وارتفاعا، وغالبا ما تكون قد نحتتها الرياح السافية بالرمال في الصخور، والغار الذي جاء ذكره في الآية "40" من سورة التوبة هو غار ثور في الطريق من مكة إلى المدينة حيث لجأ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر أثناء الهجرة، ويقول أبو بكر للنبي الكريم:"لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا". ويوضح هذا القول مدى صغر حجم الغار.

الكهف:

السورة الثامنة عشرة من القرآن الكريم هي سورة الكهف، وهي مكية، تحكي قصة الفتية الذين آووا إلى الكهف بدينهم.

{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا، إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا، فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا} [الكهف: 9-11] .

{وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا، وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ} [الكهف: 16-17] .

والكهف سرداب طبيعى "لم يحفره بشر" تحت سطح الأرض الصخرية، ويتكون الكهف عادة بفعل إذابة المياه الجوفية لأجزاء من صخور الحجر الجيري الرسوبية، ويساعد على تلك الإذابة احتواء المياه على ثاني أكسيد الكربون، وقد يمتد الكهف مئات الأمتار، وقد يتسع الكهف في بعض أجزائه إلى حجرات أبعادها عشرات الأمتار أفقيا ورأسيا.

ص: 61

ولم يرد ذكر عبارة "الكهف" في القرآن إلآ في رواية الفتية الذين آووا إليه، ولبثوا فيه ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا.

الجبال وصخورها:

يتركب الصخر rock من حبيبات معدنية "معدن mineral"، ولكل معدن تركيب كيميائي محدد، وقد يكون المعدن في صورة متبلورة أو غير متبلورة، ويتركيب الصخر من اثنين أو أكثر من أنواع المعادن.

وأشهر المعادن التي تتركب منها الصخور هي:

الكوارتز "السليكا"-الفلسبار "الأرثوكلاز والبلاجيوكلاز"-الميكا "المسكوفيت والبيوتيت"-الهورنبلند-الأوجيت-الأوليفين-الكالسيت-الدولوميت.

كذلك تتناثر في الصخور أحيانا حبيبات من مركبات الحديد والكروم والتيتانيوم.

الصخور النارية:

كما ذكرنا سابقا فإن القشرة الأرضية، يتركب 95% من مادتها من صخور نارية igneous rocks، وهي التي نشأت مباشرة من مادة الصهارة بعد أن بردت.

وقد قسم علماء الجيولوجيا الصخور النارية إلى أربع مجموعات رئيسية حسب احتوائها على السليكا "ثاني أكسيد السليكون" وهو معيار حامضية الصخر، وحسب احتوائها على المعادن الثقيلة الوزن:

"أ" صخور فوق قاعدية ultra basic وتتركب أساسا من الأليفين والأوجيت مع قليل من الفلسبار، أما نسبة ما يحويه الصخر من السليكا فهو أقل من 40%، وتتميز هذه المجموعة من الصخور بثقل نوعي حوالي 3.3، وبألوان قاتمة، ومن أمثلة هذه المجموعة صخر البريدوتيت.

"ب" صخور قاعدية basic تداخل السليكا في تركيب معادنها بنسبة تقل عن

ص: 62

52%، ومعادنها الأساسية الفلسبار "البلاجيو كلاز" والأوجيت وقليل من الأليفين، ويبلغ متوسط ثقلها النوعي 2.9، ومن أمثلة صخور هذه المجموعة: الجابر والدوليريت والبازلت.

"ج" صخور متوسطة intermediate تدخل السليكا في تركيب معادنها بنسبة 66-52%، ومعادنها الأساسية الفلسبار "أرثوكلاز وبلاجيو كلاز"، والهورنبلند والمايكا مع بعض الكوارتز "السليكا"، ويبلغ متوسط ثقلها النوعي 2.8، ومن أمثلة صخور هذه المجموعة: السيانيت والديوريت والبورفير والأنديسيت.

"د" صخور حامضية acidic تزيد نسبة السليكا الداخلة في تركيب حبيباتها عن 66%، ومعادنها الأساسية الكوارتز والأرثوكلاز والميكا، ويبلغ متوسط ثقلها النوعي 2.56، ومن أمثلة صخور هذه المجموعة الجرانيت والفلسيت والريوليت.

كذلك قسم علماء الجيولوجيا الصخور النارية حسب موقع تجمدها من الصهارة بالنسبة لقربها من سطح الأرض أو عمقها داخل الأرض، إلى ثلاث مجموعات:

"أ" الصخور البركانية Volcanic rocks، وهي الصخور التي تجمدت على سطح الأرض، لذلك فقد تجمدت بسرعة بحيث لم تتمكن المعادن الداخلة في تركيبها من التبلور إلا بأحجام ميكروسكوبية دقيقة تكاد لا ترى بالعين المجردة، وتتجمد أحيانًا صخور هذه المجموعة على شكل زجاجي غير متبلور، ومن أمثلة الصخور البركانية الريوليت "حمضي"، والتراكيت والأنديسيت "متوسط" والبازلت "قاعدي".

"ب" الصخور المتداخلة intrusive hypabyssal rocks وهى الصخور النارية التي تجمدت قرب سطح الأرض، وكانت لها فرصة للتجمد البطيء نوعًا ما مما مكنها من تبلور معادنها في حبيبات صغيرة، ولكنها في أغلب الأحيان ترى بالعين المجردة، ومن أمثلتها الفلسيت "حمضي" والبورفير "متوسط" والدوليرت "قاعدي".

ص: 63

"ج" الصخور الجوفية Plutonic rocks وهى التي تجمدت على أعماق كبيرة من سطح الأرض تحت عوامل من الضغط، والحرارة جعلت التبريد بطيئا مما مكن المعادن المكونة لها من أن تتبلور إلى بلورات، وحبيبات كبيرة ظاهرة واضحة للعين المجردة ومن أمثلتها الجرانيت "حمضي"، والديوريت والسيانيت "متوسط" والجابرو "قاعدي" والبريدوتيت "فوق قاعدي".

الصخور الرسوبية Sedimentified rocks:

وتعرف أيضا بالصخور الطباقية stratified rocks تكونت نتيجة تراكم مواد ناتجة من تفتت الصخور الأصلية أو من صخور رسوبية أخرى، أو من مواد متخلفة عن حيوانات أو نباتات، أو نتجة تفاعلات كيماوية، ثم أصبحت صخورا بتماسك حبيباتها بالتجفيف والضغط، أو بترسيب مواد أخرى ماسكة بين حبيباتها.

وقسمت الصخور الرسوبية إلى ثلاث مجموعات رئيسية:

"أ" رواسب طبيعية: نتيجة تراكم مواد تفتتت من صخور أكثر قدما.

"ب" رواسب كيميائية: نتيجة تراكم مواد تخلفت بعد بخر المحاليل التي تحتويها، ومن أمثلتها ملح الطعام والأملاح القلوية والجبس.

"ج" رواسب عضوية: وهي نتيجة تراكم مواد خلفتها النباتات أو الحيوانات، فمن أمثلة المخلفات الحيوانية المحارات التي تكونت منها بعض الصخور الجيرية، ومن أمثلة المخلفات النباتية طبقات الفحم الحجري.

ومن حيث الظروف الجغرافية لتكوين الصخور الرسوبية، فقد قسمت إلى مجموعتين:

"أ" رواسب قارية continental وهي التي ترسبت على سطح اليابسة، أو في البحيرات أو في مجاري الأنهار.

"ب" رواسب بحرية marine وهي التي ترسبت على قاع البحار والمحيطات.

ص: 64

وأهم أنواع الصخور الرسوبية:

الحجر الرملي والرمال، والحصى والجلاميد السيليسية.

الصخور الطينية أو الطفلية أو الكاولينية.

الصخور الجبرية وأساسها كربونات الكالسيوم، وقد تكون من أصل كيميائي أو من أصل عضوي.

الصخور المتحولة metamorphic rocks:

وهي صخور بعضها من أصل رسوبي وبعضها من أصل ناري، وقد استحالت، نتيجة تعرضها لحرارة مرتفعة جدًّا أو لضغط شديد، أو للحرارة والضغط معا، إلى حالة غير التي تكونت عليها في أول الأمر، والصخور المتحولة عادة ما تكون قد تبلورت أو أعيد تبلورها، وتكون بلوراتها وحبيباتها مرتبة في خطوط متوازية كما في الصخور المعروفة باسم الجنيس gneiss، أو تكون بلوراتها مرتبة في صفائح متوازية يسهل فصلها بعضها عن بعض كما في الصخور المعروفة باسم الشست Schist.

الجدد والغرابيب:

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} [فاطر: 27] .

لم يرد ذكر لفظي "جدد" و"غرابيب" في القرآن الكريم إلا مرة واحدة هي في الآية "27" من سورة فاطر.

وفي اللغة:

الجدد: جمع جُدة وهي لون في الشيء مستطيل يخالف ما بجانبيه، فيقال مثلا: في ظهر الحصان جدة حمراء، أي لون أحمر على استطالة ظهر الحصان يحيطه من جانبيه لون آخر.

ص: 65

الغرابيب: جمع غربيب ومعناه شديد السواد، ويأتي لتأكيد لون السواد فيقال: أسود غربيب.

واختلاف ألوان الجبال مظهر واضح يراه عامة المسلمين، ويعرفون أنه يدل على اختلاف في تركيب صخور تلك الجبال، يعرفون هذا الاختلاف حتى لو كان هؤلاء العامة لا تخصص لهم في علم الصخور، وقد أراد الله أن ينبه عباده المؤمنين إلى قدرته جل وعلا في أن يخرج ثمرات مختلفا ألوانها يروى شجرها بماء واحد، كذلك خلق الله جبالا مختلفة الألوان يرجع أصلها إلى مادة واحدة متجانسة التركيب أصل معينها من باطن الأرض، ويسميها علماء الجيولوجيا بالصهارة "الماجما magma" وهذه الصهارة الواحدة عندما تنبثق في أماكن مختلفة من الأرض، وعلى أعماق مختلفة من السطح تنفصل عنها كتل صخرية مختلفة التركيب، فتتصلب آخر الأمر في جبال مختلفات المادة والألوان.

الجدد البيض:

من الصخور ما يغلب البياض على لونها ومن أشهر الصخور بيضاء اللون، والتي تتكون منها جبال وهضاب، الأحجار الجيرية الرسوبية، وبعض الصخور الجبرية تكون شاهقة البياض وتعرف بالطباشير chalk، ومن الصخور بيضاء اللون أيضا التكوينات الرسوبية من الجبس والملح الصخري.

{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] .

الصفا والمروة هما طرفا السعي في شعائر الحج والعمرة، والصفا أي الحجارة، وصفوات: أحجار عريضة ملساء واحدتها صفاة، والصفا: اسم لربوة بمكة قرب الكعبة الشريفة، والصفوات يستعمل في الجمع والمفرد، فإذا استعمل في الجمع

ص: 66

فهو الحجارة الملس، والواحدة صفوانة، وإذا تستعمل في المفرد فهو الحجر، والمرو: حجارة بيض رقاق براقة تقدح منها النار، والمروة هي كل حجر أبيض اللون، والمروة جبل بمكة، أما الاستخدام العلمي الحالي لكلمة "المرو" أو "المروة"، فهو يقتصر على نوع معين من الحجر الأبيض، وهو الكوارتز "السليكا"، وهو الذي تقدح منه النار.

الجدد الحمر:

من الصخور ما يغلب عليها اللون الأحمر أو الوردي أو البرتقالي، والجرانيت الوردي أشهر من أن يعرف كحجر تتكون منه سلاسل من الجبال في أنحاء العالم، وتقتطع منه كتل وبلاطات لأغراض البناء والزينة، كذلك عرف حجر السماق Imperial Porphyry بلونه الأرجواني، وهو قابل للصقل، ويأخذ شكلا رائع الجمال، وهنا أنواع أخرى من الصخور النارية والمتحولة تتخذ اللون الأحمر، وما إليه من ألوان قريبة من الأحمر، وتتخذ شكل الجدد، وقد تكون تلك الجدد "من ناحية التوصيف الجيولوجي" في هيئة عروق أو سدود.

وتضيفي أكاسيد الحديد اللون الأحمر لبعض الصخور مثل الأحجار الرملية، ومن أشهر الأحجار الرملية ذات اللون الأحمر المميز الأحجار الرملية النوبية.

الغرابيب السود:

أشهر الأحجار السوداء هو حجر البازلت، وهو صخر ناري بركاني يظهر على سطح الأرض على شكل طفوح تغطي رقعا كبيرة من الأرض، والبازلت أسود اللون

ص: 67

دقيق الحبيبات تتخلله ثقوب نتيجة تصلبه على السطح من خروج الغازات المحبوسة في المادة البركانية المنصهرة الأصلية، وتعرف المساحات المغطاة بالطفوح البازلتية في البلاد العربية "بالحرات" ومفردها "حرة".

وصف العلماء العرب القدامى "الحرات" فقالوا: الحرة أرض ذات حجارة سود نَخِرة كأنها أحرقت بالنار، وفي لغة العرب المستخدمة قديمًا "اللابة" و"اللوبة"، وهو ما اشتد سواده وغلظ، ولها نفس معنى الحرة، وقد وردت في الشعر الجاهلي إشارات إلى الحرات، كما ألف بعض العلماء العرب القدامى كتبا في الحرات مثل "كتاب الحرة" و"كتاب الحرات".

صلابة الصخور والحجارة:

{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة: 74] .

{قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} [الإسراء: 50] .

ضرب الله مثلا بالحجارة في الصلابة، ووصفها بالقسوة وقارب بينها وبين الحديد، وهى صفات يعرفها عامة الناس ويلمسونها في حياتهم اليومية، ولذلك فإن لها قوة الإقناع المباشر.

وقد وضع علماء المعادن المحدثون مقياسًا لدرجة صلابة المعدن hardness، ويقصد بالصلابة هنا قوة المعدن على مقاومة الخدش، فالمعدن الذي يخدش الآخر إذا ما حك على سطحه يعتبر أصلب من المخدوش، واتفق على عشرة معادن متفاوتة في

ص: 68

الصلابة لمقارنة باقي المعادن بها، ورتبت مبتدئة بأقلها صلابة، ومنتهية بأصلبها وأعطي كل منها رقما خاصا.

والجدول التالي يعطي درجات الصلابة العشرة:

المعادن

درجة الصلاة

الطلق (أقل المعادن صلابة)

الجبس

الكالسيت

الفلورسبار

الأباتيت

الأرثوكلاز

الكوارتز

التوباز

الكورندوم

الماس (أكثر المعادن صلابة)

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

البلورات:

إن أغلب المعادن إذا ما صلبت بعد انصهار، أو رسبت من محلول أو من حالة غازية، فإنها تتخذ لنفسها أشكالا هندسية منتظمة، تختلف باختلاف نوع وتركيب تلك المعادن، وهذه الأشكال الهندسية هى البلورات Crystals.

والبلورات المعدنية هي إحدى آيات الإبداع الإلهي في خلقه، فهي آية من آيات الجمال، وهي آية من آيات الانتظام، والتوازن والدقة والالتزام.

ص: 69

وظاهرة التبلور في معدن ما، هي انعكاس مباشر لتنظيم جزيئات molecules ذلك المعدن بالنسبة لبعضها البعض، ويلتزم كل معدن بأن يتبلور في شكل هندسي معين طالما وجد في ظروف فيزيائية معينة من ضغط وحرارة، وقد قسمت بلورات المعادن إلى 6 فصائل تختلف في درجة تناسبها، وفي نسبة أطوال محاورها التصورية بعضها لبعض، ومقدار الزوايا التي تتقاطع فيها هذه المحاور.

وفيما يلي فصائل البلورات مرتبة ابتداء من أكثرها تناسقًا:

فصيلة المكعب Cubic Sustem وهي أكثر الفصائل تناسبًا وتناسقًا، ومن أمثلتها ملح الطعام ومعدن البيريت.

فصيلة الرباعي Tetragonal، ومن أمثلتها معدن الزرقون.

فصيلة المعين Orthorhombic، ومن أمثلتها بلورات الكبريت.

فصيلة السداس Hexagonal، ومن أمثلتها الكوارتز والكالسيت.

فصيلة ذات الميل الواحد Monoc linic، ومن أمثلتها الأرثوكلاز والجبس.

فصيلة ذات الميول الثلاثة Tricinic، وهي أقل الفصائل تناسقا، ومن أمثلتها أنواع الفلسبار مثل الألبيت.

وتوجد بلورات بعض المعادن في الطبيعة في أحجام مرئية بالعين المجردة، وقد يمكن فصل هذه البلورات محتفظة بأوجهها وزواياها سليمة، وبعض مثل هذه البلورات تكون ذات قيمة مالية حين تتوافر فيها صفات الأحجار الكريمة.

أما البلورات الدقيقة الحجم التي لا ترى العين المجردة، فإنها ترى تحت المجهر

ص: 70

"الميكروسكوب" فتقتطع شرائح رقيقة من الصخور وتختبر تحت مجهر خاص بالصخور، ومعظم المعادن تبدو شرائحها تحت المجهر شفافة، إلا أن هناك مجموعة من المعادن تبدو معتمة، مثل معدن بيريت الحديد ومعدن الكروميت.

الحركات الأرضية:

قد يرى الناس الأرض في ظاهرها ساكنة ثابتة من منظورهم البشري، ولكن جميع الشواهد الجيولوجية تدل على أن الأرض في حركة دائبة.

{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل: 88] .

فقد خصت الآية الكريمة الجبال بالحركة، وهي الرواسي التي يحسبها الناظر إليها لاتتحرك، أما المتمعن في ملكوت الله، فيعلم أنها تتحرك ضمن دوران الكرة الأرضية حول نفسها وحول الشمس، كما أنها تتحرك ضمن قشرة الأرض حركات بطيئة وحركات سريعة، فهناك حركات بطيئة لا نكاد ندركها بحواسنا المجردة، وهناك حركات سريعة وفجائية نراها ونحسها.

الحركات البطيئة للقشرة الأرضية:

التوزان الأرضي Isostasy: برغم توالي عمليات التعرية والنقل من اليابسة إلى قيعان المحيطات، والبحار على مدى الأزمنة الجيولوجية، إلا أن هناك توازنات بين ارتفاعات اليابسة وأعماق المحيطات، فلا بد إذن من وجود حركات أرضية تؤدي إلى المحافظة على هذا التوازن.

إن صخور كتل اليابسة التى تكون الأجزاء المكشوفة من القارات خفيفة الوزن

ص: 71

بالنسبة للصخور الأثقل وزنا، والتى تمتد تحت القارات وتحت قيعان المحيطات، وقد أكد علماء الأرض على أن سلاسل الجبال المنتشرة على سطح القارات تضمن ثبات القشرة الأرضية، وتمنعها من أن تضطرب ويختل توازنها، فللجبال جذور، صخورها خفيفة الوزن أيضا، ويقدر الجزء الغائر من تلك الصخور بحوالي ثمانية أمثال ارتفاع الجزء الظاهر على السطح على هيئة جبال، فهي بذلك تشبه الجبال الثلجية المعروفة في منطقتي القطب الشمالي والقطب الجنوبي، والتي تطفو على سطح مياه المحيطين، فالجزء الغائص من هذه الجبال الثلجية، يكون ارتفاعه تسعة أمثال الجزء الظاهر على السطح، وهذا ما يكفل لها الاستقرار.

فالجبال أوتاد، وهي رواسي، وهي ضمان لثبات القشرة الأرضية ومنعها من أن تضطرب ويختل توازنها.

{أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا، وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} [النبأ: 6-7] .

{وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [لقمان: 10] .

{وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ} [الحجر: 19] .

والتوازن الأرضي تصحبه حركات دائبة رأسية وأفقية، وهي حركات بطيئة تستغرق أزمانا جيولوجية طويلة.

الزحزحة القارية Continentel drifit: هي نظرية قدمها العالم الألماني ويجينر Wegener عام 1910، مؤداها أن اليابسة كانت في أزمان جيولوجية سحيقة كتلة واحدة، ثم تشققت وتزحزت أجزاؤها عن بعضها البعض، وتقترح هذه النظرية أن الزحزحة قد بدأت منذ 20 مليون سنة، ثم عدلت هذه النظرية إلى اقتراح وجود

ص: 72

كتلتين لليابسة بدل كتلة واحدة، كتلة اسمها جوندوانا لاند Gondwana Land في النصف الجنوبي للكرة الأرضية، والكتلة الأخرى اسمها لاوراسيا Laurasia في النصف الشمالي للكرة الأرضية.

حركة ألواح اليابسة Plate tectonics: دلت الدراسات التفصيلية التى أجريت خلال العقود الأخيرة من هذا القرن لأماكن الهزات الأرضية والبراكين على اليابسة، وكذلك المسح الجيوفيزيائى لقيعان المحيطات، على أنه يوجد حاليا ست كتل رئيسية من اليابسة على شكل ألواح تركيبها من مادة قشرة الأرض مع جزء رقيق من مادة الغلاف، وثبت أن الخطوط الحدودية لتلك الألواح، وهي الخطوط الواقعة في قيعان المحيطات، وهي نفس الخطوط التي فيها أنشطة بركانية.

وثبت أن هذه الألواح تتحرك أفقيا على مادة الغلاف، "وهي مادة لها صفات بلاستيكية"، ويصحب هذا التحرك، نشاط خروج المواد البركانية وانتشارها على الجانبين، وفي قاع المحيط الأطلسي على الخط الحدودي البركاني النشيط، توجد زحرحة نشيطة مقدارها 2-4 سنتيمترات سنويا في أوقات نشاطها.

ولو فرضنا وجود كتلة واحدة من اليابسة تضم الأمريكتين من جهة وأوروبا وأفريقيا من جهة، وأنها انقسمت وتزحزحت على مدى المائتي مليون عام الأخيرة بمتوسط هذا المعدل في الزحزحة، لتباعدت الأمريكتان من جهة وأوروبا وأفريقيا من جهة أخرى مسافة ثمانية آلاف كيلو متر، وهو ما يجد له مصداقا في الواقع الحالي.

وينتج من هذه الحركات زيادة في رقعة بعض الألواح من اليابسة، وتآكل في أطراف ألواح أخرى. كذلك تحدث تجعدات عند اصطدام إحدى الألواح بلوح آخر، وتتداخل تحته وهي الظاهرة المسماه Subduction.

ص: 73

الحركات السريعة للقشرة الأرضية:

الزلازل earthquakaes: ظاهرة طبيعية يعرفها الإنسان في كل زمان ومكان، ويتناقل أخبارها بما تحمله في نفسه من رهبة، وبرغم أن الزلازل يستغرق حدوثها ثواني أو دقائق، إلا أنها تحدث أضرار مروعة في المنشآن والمباني، وتتسبب في إزهاق الكثير من الأرواح.

والزلازل هزات تنتاب أجزاء من القشرة الأرضية في نبضات سريعة متقطعة، وقد تكون هذه الهزات ضعيفة فلا يكاد يحس بها الإنسان، ولكن ترصدها أجهزة الرصد الزلزالي الدقيقة، بينما تكون بعض الزلازل عنيفة ومدمرة.

والنوبة الزلازلية التي تصيب رقعة ما من قشرة الأرض تتركب من مجموعة من الهزات تتوالى الواحدة بعد الأخرى قبل أن تعود القشرة الأرضية إلى حالة الثبات والهدوء، وهي تبتدئ عادة بهزات خفيفة قد تكون مصحوبة، بأصوات كقصف الرعد منبعثة من باطن الأرض، وتتلو ذلك هزات عنيفة، ثم تتلوها هزات تتناقص في قوتها تدريجيا حتى تتوقف تماما.

وتقاس شدة الزلازل بجهاز متخصص يسمى سيزمو جراف Seismograph، وتبلغ أقصى شدة لهزة أي زلازل في موقع معين من سطح الأرض، يعرف بالمركز السطحي للزلزال epicentre، وهو يقابل مركز الزلزال تحت الأرض centre، وهو لا يبعد كثيرا عن سطح الأرض، ووضعت لدرجة عنف الزلازل درجات حسب مقياس خاص، وهو القياس المعروف باسم "ريختر"، ويبدأ شعور الإنسان بالزلازل عندما تكون درجته اثنتين، أما إذا وصلت شدته 6 درجات بمقياس ريختر فهو زلزازل ينذر بالخطر

ص: 74

الزيادة في درجة الزلازل زيادة لوغاريتمية، أي أن زلزالا درجته 7 ريختر أقوى 30 مرة من زلزال درجته 6 ريختر، وأقوى 30× 30 مرة من زلزال درجته 5 ريختر، وتختلف سرعة سير هزات الزلازل في الصخور، فهي تبلغ 300 متر في الثانية في الرمال المفككة، بينما تبلغ 3000 متر في الثانية في صخر الجرانيت.

ويشاهد أثر الزلازل على سطح اليابسة بحدوث تشققات للأرض، وانخفاضات على جوانب هذه التشققات، أو زحف جانبي لبعض الجوانب، كذلك تحدث انهيارات في جوانب الجبال وانزلاق كتل صخرية كبيرة، وقد يكون مركز الزلازل تحت قاع المحيطات، فتنتاب مياهه موجات من المد tidal waves ترفع الأمواج بدرجة هائلة، وتكتسح الشواطئ لمسافات داخلية بعيدة وتصيبها بالدمار.

وهناك حزامان للزلازل معروفان حاليا لأجزاء معينة من القشرة الأرضية:

1-

حزام يحيط بالمحيط الهادي من جانبيه: جانب سواحل الأمريكتين وجانب السواحل آسيا وأستراليا.

2-

حزام يمتد من شواطئ البحر المتوسط في جبال الأطلس، والبرانس والألب والكربات والقوقاز، ثم يتفرع إلى فرعين: فرع يمتد شرقا مخترقا أواسط آسيا، وفرع يمتد عبر جبال الهيمالايا إلى جنوب شرق آسيا.

وتتناقل الأجيال من البشر أخبار الزلازل وما خربت من مناطق سكنية، وما أهلكت من الخلق على مدى التاريخ.

ومن أشهر الزلازل التى جاء ذكرها خلال العصور الحديثة:

زلزال لشبونة عام 1755 الذي تسبب في قتل 50 ألف نفس.

ص: 75

زلزال عام 1783 في كالابريا بجنوب إيطاليا الذي قذف بالصخور وبعض المباني في الهواء.

زلزال عام 1870 الذي أصاب الجزر اليونانية.

زلزال اليابان عام 1880 ثم عام 1891.

زلزال عام 1883 الذي كان مركزه في قاع المحيط الهادي أمام جزيرة جاوة "إندونسيا" مما سبب في اكتساح موجات المد للشواطئ، فقذفت الأمواج باخرة داخل الغابات المحيطة بالشاطئ مسافة أربعة كيلو مرات.

زلزال عام 1906 في مدينة سان فرنسيسكو، غربي الولايات المتحدة.

زلزال طوكيو عام 1923.

زلزال جبال الهيمالايا عام 1950.

زلزال شيلي عام 1960، وهو أقوى زلزال رصد في الأزمنة الحديثة حيث بلغت درجتة 9.6 بمقياس ريختر.

زلزال منطقة "تانج شان" بالصين عام 1976 الذي تسبب في هلاك 600 ألف شخص.

وفي اللغة: الزلزلة والزلزال: تحريك الشيء شديدة، وقد جاء في محكم الكتاب ذكر ما يصيب الأرض من زلزلة إيذانا بالقيامة، حيث يعلم الناس شدتها وهولها.

ص: 76

{إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [التوبة: 1] .

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج: 1] .

كذلك تضمن القرآن الكريم صورة بلاغية لما يصيب الناس من جراء الشدائد والأهوال تصفها بالزلزلة:

{مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا} [البقرة: 214] .

{هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب: 11] .

البراكين Volcanos: من الظواهر الطبيعية التي تنشط في حركة سريعة وقد تكون فجائية، والسرعة والفجاءة هنا نسبية، فهي تنسب إلى المقاييس الزمنية الجيولوجية التي تحسب بملايين السنين، والتعريف العلمي للبركان هو أنه مخرج أو فتحة في القشرة الأرضية، تسمح للمواد المصهورة والغازات المحبوسة تحت سطح الأرض، بالخروج إلى سطحها.

وللبركان عادة أجزاء ثلاثة:

"أ" القصبة neck، وهو تجويف أسطواني يخترق القشرة الأرضية، ويوصل المادة المصهورة إلى سطح الأرض.

"ب" الفوهة crater، وهي الفتح العليا التى تنبعث منها المادة المصهورة والمواد الغازية.

"ج" المخروط cone، وهو الجبل المخروطي الشكل الذي يتكون من تراكم المواد المصهورة بعد تدفقها خارجة من الفوهة، ثم تجمدها حول القصبة.

ص: 77

ويمكن تقسيم المواد التي تنبعث من البراكين إلى ثلاثة أنواع:

"أ" الرماد البركاني ashes: وهي حبيبات صخرية دقيقة الحجم، تخرج من الفوهة باندفاع في الجو، وقد تترسب حول المخروط، أو تحملها الرياح إلى مسافات بعيدة، وحين انفجر بركان كاراكوتو بجزيرة جاوة "في إندونيسيا" عام 1883، حملت الرياح الرماد البركاني، وطاف في جولة كاملة حول الأرض، قبل أن تهبط آخر حبيباته على سطح الأرض نهائيا.

"ب" المقذوفات البركانية bombs: وهي قطع صخرية بركانية، الواحدة في حجم قبضة اليد أو تزيد حجما، وتفذفها البراكين باندفاع شديد وتترسب حول المخروط.

"ج" الطفوح البركانية أو الحمم lava "اللابة": مواد صخرية مصهورة، تسيل من فوهة البركان، منحدرة إلى الأراضي المجاورة بسرعة قد تبلغ ثمانية أمتار في الثانية، والصهير البركاني تصل حرارته إلى 1150-1200 درجة مئوية، وقد تصل حرارة الطفوح إلى 1000 درجة مئوية، ويبرد من أجزاء الطفوح البركانية الجزء الأعلى لملامسته للهواء، والجزء الأسفل لملامسته لصخور سطح الأرض، وما بين هذين الجزأين يبرد ببطء، وعادة ما يكون قوام الطفوح التي تبرد سريعا قواما زجاجيا غير متبلور.

والبراكين ظاهرة جيولوجية تكررت مرارا في مختلف الأزمنة الجيولوجية، وفي مختلف المواقع على سطح اليابسة، وتحت قيعان البحار والمحيطات، ومنذ بدء عمار الجنس البشري للأرض، كانت البراكين من الظواهر التي يراها ويخشى عواقبها،

ص: 78

وقد تمكن العلم الحديث من تحديد نطاقات محددة تضم تركيزا واضحا لمواضع البراكين، سواء النوع الذي ما زال ينشط بين الحين والحين، والنوع الذي لم يعد له احتمال لأي نشاط يذكر "براكين خامدة".

وفيما يلي هذه النطاقات البركانية:

"أ" أهم نطاق بركاني على الصعيد العالمي يوجد المحيط الهادي وتحت سطح قاعه، ويضم هذا النطاق 526 بركانا، من هذه البراكين 328 بركانا عرف له نشاط خلاف وقت أو آخر من الأزمنة التاريخية، ومن أهم براكين هذا النطاق:

بركان كوتوباكيس بجبال الأنديز بأمريكا الجنوبية "قمته 6000 متر فوق سطح الماء".

"ب" نطاق بركاني يمر ببعض دول البحر المتوسط، ويمتد إلى الهضبة الإيرانية وما يليها شرقا في وسط آسيا حتى الجزر الإندونيسية، ومن البراكين المعروفة في هذا النطاق بركان فيزوف بجنوب إيطاليا، وبركان إتنا بجزيرة صقلية "قمته 3500 متر"، وبركان إلبرد "5642 مترا"، وبركان كازيك "5033 مترا"، وهما في جبال القوقاز، وبركان جبل أرارات، وفي خليج سوندا بين الجزر الإندونيسية يوجد 63 بركانا نشيطا أو قابلا لأن يكون نشيطا.

"ج" نطاق بركاني حول المحيط الأطلسي وتحت سطح قاعه، ويضم 69 بركانا منها 39 بركان نشيطا خلال أوقات معروفة تاريخيًّا.

"د" نطاق بركاني في شرق إفريقيا، ويضم 40 بركانا منها 16 بركانا نشيطا، وأهم الجبال البركانية في هذا النطاق جبل كيليمانجارو على حدود تنزانيا مع كينيا "5895 مترا".

ص: 79

ومن الثورات البركانية المشهورة في التاريخ ثورة بركان فيزوف عام 79 ميلادية حيث فاجأ البركان في ثورته مدينة بومبي، فغمرها بالطفوح وبالرماد قبل أن يستطيع أهلها النجاة، وثار نفس البركان ثورة كبيرة عام 1631 ميلادية، وفيما بين هذا التاريخ، وتاريخ هلاك أهل بومبي كان البركان قد ثار تسع مرات.

ومن الثورات البركانية أيضا، ما كان في الجزر الإندونيسية، حيث ثار بركان سومباوا عام 1812 وثار بركان كاراكاتو عام 1883، وفي جزيرة صقلية ثار بركان إتنا عام 1928 ثورانا عظيما، ثم ثار بعد ذلك عدة مرات آخرها عام 1992.

وتنبعث مع ثورة البراكين كميات هائلة من بخار الماء والغازات الحمضية، ومنها غازات كبريتية، وغاز ثاني أكسيد الكربون، وتبلغ درجة حرارة تلك الأبخرة والغازات عند انطلاقها من فوهة البركان ما بين 100 إلى 500 درجة مئوية، وقد سببت هذه الغازات في هلاك أكثر من أربعين ألف نسمة من سكان جزر المارتينيك خلال عامي 1902-1903.

وقد قدرت الخسائر في الأرواح بسبب النشاط البركاني بصفة عامة خلال الخمسمائة سنة الأخيرة بحوالى 200 ألف نسمة.

ولعل الحق سبحانه وتعالى قد أراد أن يبين هول ما يحدث للأرض إيذانًا بقيام الساعة، فيشير إلى أنشطة بركانية شاملة تصاحب حركات زلزالية عارمة في قوله تعالى:{وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا} [الزلزلة: 2] .

والنشاط البركاني الذي ينشط في "الحرات" ليس غريبا على أهل الحجاز،

ص: 80

فقد كات أحد الأنشطة البركانية التي تعرف بإحدى الحرات، وهي "حرة النار" إذ خرجت منها النار زمن الخليفة عمر بن الخطاب، وذكر أن سحب الدخان كانت تخرج في عهد الخليفة عثمان بن عفان من بعض الجبال القريبة من المدينة المنورة، وكان آخر حدث بركاني في الحجار سنة 654 هجرية "1256 ميلادية" إذ ثارت إحدى الحرات في شرقي المدينة المنورة، واستمر هيجانها بضعة أسابيع، وقد وصل ما سال من حممها إلى مسافة تبعد بضعة كيلو مترات فقط عن المدينة المنورة.

وقد روي عن أبي هريرة أنه قال: حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي المدينة، وجعل اثني عشر ميلا حول المدينة حمى.

واللابتان مثنى لابة "الحرة" وتقع المدينة بين اللابتين: الشرقية والغريبة، وقدر الحرم باثني عشر ميلا يمتد من "عير" إلى "ثور" وعير جبل عند الميقات، وثور جبل عند أحد من جهة الشمال.

ص: 81