الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: الغلاف المائي للقشرة الأرضية
تحرج المفسرون من الخوض في تفسير هذه الآية الكريمة استنادا إلى قوله تعالى:
{مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الكهف: 51] .
إلا أن الربط بين عرش الله سبحانه وتعالى، والماء هو تشريف رباني لهذه المادة وهي مادة الماء.
خصص الخالق للأرض من نشأتها الأولى قدرًا معينا من الماء، وقد جاء هذا الماء من السديم الأول الذي نشأت عنه أفراد المجموعة الشمسية، ولو كانت الأرض كرة ملساء ليس فيها منخفضات، ومرتفعات لغطاها ذلك الماء بغلاف سمكه نحو ميلين، وهذا الغلاف المائي للقشرة الأرضية هو المعروف علميا باسم "الهيدروسفير"، وفي وقتنا الحاضر يغطي الماء "سائلا ومتجمدا" حوالي 74% من سطح القشرة الأرضية.
ويتخذ الماء الأرضي أحد الصورتين التاليتين:
"أ" الماء السائل: في المحيطات والبحار، وفي البحيرات العذبة والمالحة، وفي الأنهار والعيون، والمياه التحت سطحية المتغلغلة في التربة والصخور إلى عمق حوالي 4000 متر من السطح.
"ب" الماء المتجمد: في صورة ثلوج وجليد دائمة في المنطقتين القطبيتين: الشمالية والجنوبية، وفي صورة جبال جليدية عائمة، وفي صورة قمم جليدية فوق بعض الجبال، وقد تكون دائمة أو موسمية ومتجددة.
الماء عند تكوين الأرض:
عندما وصلت درجة حرارة القشرة الأرضية إلى نحو 370 درجة مئوية، "وهي أعلي درجة يتكاثف فيها بخار الماء تحت الضغط العالي" بدأ بخار الماء يتكاثف عليها، وعندما انخفضت درجة حرارة الجو عن 100 درجة مئوية تكونت المسطحات المائية على سطح الأرض من تجمع كافة بخار الماء، إلا أن نسبة بسيطة مازالت معلقة مع بقية مكونات الغلاف الجوي.
ولو تكونت كرة من مياه المحيطات والبحار، لكان قطر هذه المياه في هذه الكرة التخيلية نحو 850 ميلًا، وهذا الحجم من الماء يساوي ما يزيد قليلا عن واحد في الألف من حجم الكرة الأرضية، وجدير بالذكر أن بعض الماء ما زال محبوسًا في داخل القشرة الأرضية وما تحتها.
منشأ وتطور المحيطات:
حسب الافتراضات السائدة حاليا، فلم يكن على سطح الأرض أي محيطات ذات رقعات مائية تذكر، منذ حوالى 4.6 بليون عام، فقد كان السطح وقتئذ ساخنا جدا، حرارته بضعة آلاف من الدرجات المئوية، ثم حدث تبريد تدريجي، وحينما وصلت درجة حرارة السطح إلى 100 مئوية كان السطح مجعدا، مع وجود مسطح أو مسطحين بارزين، بالمقارنة بالمسطحات الغائرة التى لم يشغلها وقتئذ إلا كميات ضئيلة من الماء "لا تمثل إلا نسبة ضئيلة في المائة مما تشغله المحيطات حاليًا بالماء".
ويرى العلماء أن مادة الغلاف كانت تحتوي على كميات هائلة من الماء، حبست داخلها حين بردت القشرة وتجمدت صخورها، وحسب الشواهد الحالية للأنشطة البركانية، فإن كميات من الماء تخرج ضمن منتجات النشاط البركاني، ويرى فريق من العلماء أن مياه المحيطات تكونت غالبيتها العظمى من الأنشطة البركانية على مدى مليارات السنين التي أعطت هذا القدر من الماء الذي ملأ أحواض المحيطات على هذا المدى الطويل من الزمن، ولم يكن ماء المحيطات عند نشأته بمثل ما نعلمه الآن من الملوحة، إلا أن الأملاح قد أضيفت إليه فيما بعد مع نشاط دورات التعرية والنقل.
وتغطي مياه البحار والمحيطات أكثر 70% من مساحة سطح الكرة الأرضية، والمساحة الكلية لهذه الرقعة المائية 3.61× 8 10 كيلو متر مربع؛ منها رقعة مساحتها 3× 8 10 كيلو متر مربع في الأعماق السحيقة، والباقي ومساحته 6.1× 7 10 كيلو متر مربع في الأعماق الضحلة التي تعتبر أجزاء مغمورة من حواف القارات.
تضاريس قيعان المحيطات:
يقسم علماء الجغرافيا تضاريس اليابسة المغمورة تحت المحيطات إلى الوحدتين التاليتين:
"أ" الرصيف القاري، وهو آخر ما ينسب إلى كتلة اليابسة، ويكون مغمورا تحت الماء إلى أعماق تنحصر ما بين 150-200 متر في المعتاد، وتنتهي بحافة شديدة الانحدار.
"ب" يتدرج الانخفاض بعد ذلك إلى أن يصل إلى 2000 متر، ويصل إلى أعمق من هذا القدر بكثير في أواسط المحيطات وخاصة المحيط الهادي، وقد وجد أن قيعان المحيطات التي تتراوح أعماقها ما بين 4000-5000 متر من سطح الأرض أكثر من 50% من المساحة الإجمالية لسطح القشرة الأرضية، وقد رصد أكبر عمق لمياه المحيط الهادي فوجد 9420 مترا.
وقد أثبت اختبار قيعان المحيطات كثرة وجود الجبال، والمرتفعات التي تتركب من صخور البازلت في غالبيتها، ولهذه الجبال والمرتفعات توزيع منتظم له دلالات علمية تعطي مؤشرات لتطور قيعان المحيطات اتساعا، أو ضيقا خلال الأزمنة الجيولوجية، وقد أثبتت الاختبارات وجود مرتفعات عريضة ممتدة امتدادا متصلا في هذه القيعان، وتعرف بـ"حواجز قيعان المحيطات"، وهي ظاهرة عامة في كافة المحيطات وخاصة في الثلث الأوسط من قيعان المحيط الأطلسي، والمحيط الهندي وجنوب المحيط الهادي.
كيمياء الماء:
يتركب جزيء الماء كيميائيا من ذرتين من الهيدروجين وذرة واحدة من
الأكسيجين، والماء سائل في درجات الحرارة التى اعتدنا عليها في حياتنا الدنيا على سطح الأرض، وهو سائل لا لون له ولا طعم ولا رائحة واتخذ الماء مقياسا لدرجات الحرارة، فاتخذت درجة حرارة تجمده درجة الصفر المئوي، كما اتخذت درجة حرارة تحوله إلى بخار درجة 100 مئوية، ومن ناحية الحامضية والقاعدية للسوائل، اعتبر الماء متعادلًا، وأعطى له رقم 7، أما السوائل القاعدية، فلها أرقام أعلى من 7، بينما السوائل الحمضية لها أرقام أصغر من7.
وللماء دورة ما بين سماء الأرض واليابسة، يتنقل فيها ما بين العذوبة، وهي الخلو من الأملاح والشوائب، وبين الملوحة؛ ويتنقل فيها ما بين البخار السائل والثلج.
وللماء تأثير هام جدًّا على الصخور، كما أن له تأثيرًا حيويًّا على الحياة النباتية والحيوانية.
ملوحة مياه المحيطات والبحار:
تتصل مياه المحيطات والبحار على سطح القشرة الأرضية، لذلك تتقارب درجة الملوحة في مختلف المحيطات والبحار.
وترجع ملوحة هذه المياه إلى مصدرين:
ترجع إلى كل ما يحتويه الماء الحبيس تحت القشرة، والذي انطلق في المراحل الأولى من عمر الكوكب.
وترجع أيضا إلى ما ينقل إلى المحيطات، والبحار دائمًا من أملاح ذائبة أثناء الدورة
المائية، مما تذيبه مياه الأمطار والأنهار وغيرها من المجاري المائية، وهي عملية ما زالت مستمرة.
وقد قام بعض العلماء بتقدير لما يحتويه ماء المحيطات والبحار من عناصر تدخل في تركيب أملاحه الذائبة، مقدرة بالوزن، والجدول التالي يعطي نتيجة هذا التقدير
[التركيز: جزء من مليون جزء الكمية: مقدرة بالتربليون طن]
العنصر
…
التركيز
…
الكمية
…
العنصر
…
التركيز
…
الكمية
الكلور
الصوديوم
الماغنسيوم
الكبريت
الكالسيوم
البروم
…
19000
10500
1350
885
400
65
…
28500
15750
2025
1327.
5
600
97.
5
…
الكربون
النيتروجين
استرنشيوم
البورون
السليكون
الفلور
…
28
15
8
4.
6
3
1.
2
…
42
22.
5
12
6.
9
4.
5
1.
8
ويفسر لنا هذا الجدول كيف أن كلوريد الصوديوم "ملح الطعام" هو أكثر الأملاح الذائبة كمية بين بقية الأملاح، يفسر لنا مصدر الكميات الهائلة من الصخور الرسوبية التى تتركب من كربونات الكالسيوم، والماغنسيوم ذات الأصل العضوي، التي توجد بانتشار واسع في الطبيعة، فهي صخور قد تكونت من تراكم بقايا الأحياء البحرية من قواقع وغيرها في قيعان المحيطات والبحار.
ويفسر لنا الجدول كذلك مصدر تكوينات الملح الصخري المكون من أملاح الصوديوم والبوتاسيوم، وكذلك تكوينات الجبس "كبريتات الكالسيوم المائية".
ومما يسترعي الانتباه وجود أملاح السليكون الذائبة بمثل هذه الوفرة التي يبينها الجدول، وفي البحار أنواع من الأحياء الدقيقة تتخذ أصدافها من السليكا التي مصدرها أملاح السليكون الذائبة، تلك هي حيوانات الدياتوم التي قد تكثر تحت ظروف جيولوجية معينة في مكان بذاته، ويتخلف عن بقاياها طبقة رسوبية هي الدياتوميت، قد تزيد نسبة السليكا بها عن 90%.
ويحتوي ماء البحار والمحيطات على عناصر بنسب منخفضة، ولكنها هامة، وترجع تلك الأهمية إلى قدرة بعض الأحياء المائية على امتصاصها وإدخالها في تركيبها بطريقة تفصيلية عن عناصر أخرى، ومن أمثلة ذلك عنصر الفوسفور الذي يوجد في المياه المالحة بنسبة تركيز 0.07 جزء من المليون، وتحتاج أنواع معينة من الأسماك وما إليها من أحياء مائية إلى الفوسفور لبناء عظامها، وحيث تكثر هذه الحيوانات تحت ظروف جيولوجية معينة، تترسب بقاياها في طبقات من صخور الفوسفات "ذات الأصل العضوي" التي تكون لها أهمية اقتصادية، وعنصر اليود من العناصر المنخفضة التركيز في المياه المالحة، إلا أن أنواعا معينة من النباتات والأعشاب البحرية لها القدرة على اصطياد، وتثبيت نسبة عالية من مركبات اليود في أجسامها، واليود المستخرج من هذه النباتات مصدر هام لهذا العنصر.
ومن العناصر التي توجد في مياه المحيطات بنسبة منخفضة جدا عنصر اليورانيوم الذي يبلغ تركيزه 0.003 جزء في المليون، إلا أن هذه النسبة تعني كمية قدرها 4.5 بليون طن، وتحتوي صخور الفوسفات الرسوبية دائما على نسبة من أملاح اليورانيوم، ويمكن الاستفادة من هذا المصدر أحيانا للحصول على اليورانيوم بعائد اقتصادي، فمياه المحيطات والبحار مخزن هائل للأملاح الذائبة.
ويحدث أن يترسب بعض منها تحت ظروف جيولوجية معينة؛ فيترسب بعضها عن طريق نشاط عضوي، ويترسب بعضها عن طريق نشاط كيميائي غير عضوي، فتخرج الأملاح بذلك من كونها أملاحا ذائبة في مياه البحار، وتتحول إلى تكوين صخري رسوبي، وتنضم إلى اليابسة، إلا أن دورة الماء تعود فتذيب قدرا من تلك الأملاح باستمرار، وتجلبه مرة أخرى إلى مياه البحار، وهكذا تدخل أملاح في دورة مستمرة من الإذابة والترسيب.
وقد شاءت قدرة الله ورحمته التفرقة بين الماء العذب والماء والملح، وله -سبحانه- في ذلك حكمة.
{لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ} [الواقعة: 70] .
{هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [فاطر: 12] .
{وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا} [الفرقان: 53] .
فلا تستقيم حياة البشر وحياة بقية سكان اليابسة من سائر الحيوان والنبات إلا بوجود الماء العذب.
وعلى الجانب الآخر، فقد رأينا كيف أن مياه المحيطات، والبحار هي في حقيقة الأمر مخزن هائل من الأملاح، مما ينفع الناس، كما أن من رحمة الله أن جعل لمياه المحيطات، والبحار القدرة "بملوحتها" على القضاء على "أسن" ما يصب فيها من مياه "آسنة"، فكأنها خزانات هائلة لتطهير تلك المياه القذرة.
الدورة المائية:
هناك توازن بين ما يفقده سطح الأرض "من فوق اليابسة، ومن المحيطات والبحار" من الماء بالبخر ليتحول إلى سحاب، وبين ما يفد إلى سطح الأرض عامة من ماء المطر بما يسقط على المحيطات، والبحار مباشرة أو بما يسقط على اليابسة.
وقد بينت الدراسات العلمية أن ثلث ما يسقط على المساحات المائية من أشعة الشمس وبالتالي من حرارتها، بسبب تبخير جزء من هذا الماء، فيعطي كل 600 سعر حراري من هذه الأشعة جرامًا واحدًا من بخار الماء، وتفقد المسطحات المائية من محيطات، وبحار سنويا بالبخر سمكا من مائها قدرة 90- 95 سنتيمترًا، أي أنه يتبخر سنويا من هذه المياه ما مقداره حوالي 334 ألف كيلو متر مكعب.
ثم يعود هذا الماء مرة أخرى إلى سطح الأرض على صورة أمطار، "وجزء صغير على هيئة ثلوج"، فيسقط معظمه على سطح المسطحات المائية، ويسقط الباقي على اليابسة:
- 297 ألف كيلو متر مكعب تسقط فوق المسطحات المائية.
- 37 ألف كيلو متر مكعب تسقط فوق اليابسة كذلك يحدث تبخر مصدره ما فوق سطح اليابسة من مسطحات مائية "أنهار، وبحيرات ومستنقعات وغيرها"، وتعود تلك الأبخرة فتسقط فوق اليابسة في شكل أمطار قدرت بحوالي 62 ألف كيلو متر مكعب سنويا، وبذلك فإن إجمالي ما قدر هطوله على اليابسة سنويا من أمطار "وثلوج" بحوالي 99 كيلو متر مكعب.
وللثلوج الدائمة التي تكسو مساحات هائلة من القطبين الشمالي، والجنوبي
مهمة حيوية لا غنى عنها لإتمام دورة الماء، فهي تنظم حركة الدورة المائية بما تحبسه من مياه مجمدة، ولا تطلق منه إلا جزءا موزونا يذوب في مياه المحيطات، ومعظم ما يذوب منها هو الجبال الجليدية التى تنفصل عن القارتين، وتطفو على مياه المحيطات وتذوب تدريجيا.
وقد أودع الله صفة هامة للثلوج، فجعل كثافتها أقل من كثافة الماء السائل فهي تطفو على سطحه، ولو كانت كثافة أكبر من كثافة الماء السائل، لهبط الجليد في القطبين إلى قاع مياه المحيطات حيث لا تصله أشعة الشمس وحرارتها، فتظل درجة حرارته دون الصفر ويستمر متجمدا، ولا يذوب ومع تبخر أسطح المحيطات في الأماكن الدافئة من العالم، ثم سقوط الأمطار وسقوط الثلج في المناطق القطبية ضمن دورة المياه، يتراكم الثلج وتزداد الرقعة الثلجية، وتزحف نحو خط الاستواء، ويؤدي هذا في النهاية إلى تجمد مياه المحيطات والبحار، فتتوقف دوره الماء لانعدام المطر، وتتوقف الحياة.
السحاب والبرد:
يوجد بخار الماء في السحاب خاليا من الشوائب العضوية وغير العضوية، فهو ماء طهور.
{وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11] .
{وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] .
يحمل الهواء مقادير وفيرة من الماء على هيئة بخار، وهذا البخار هو الذي يكون
السحب عندما تندفع تيارات الهواء إلى أعلى، وتبرد تحت تأثير الانتشار بتقليل الضغط الواقع عليها بالارتفاع، ويحدث تبريد للهواء بمعدل درجة واحدة مئوية لكل مائة متر ارتفاع، وتقل قدرة الهواء على حمل بخار الماء بانخفاض درجة الحرارة، ثم باستمرار التبريد يحدث التشبع، ويعود جزء من بخار الماء العالق في الهواء إلى حالة السيولة "نقط الماء"، أو حالة الصلابة "بلورات الثلج" ويتم هذا التكاثف عادة على جسيمات خاصة يحملها الهواء تسمى علميا باسم "نوى التكاثف".
وقد يبلغ سمك السحب الركامية "التى تسقط المطر" 15 كيلو مترا، وقد يزيد أحيانًا إلى 20 كيلو مترا، فتصل بذلك إلى طبقات باردة جدًّا من طبقات الجو حيث تنخفض درجة الحرارة إلى 60-70 درجة مئوية تحت الصفر، هنا يتكون البرد من حبات مستديرة من الثلج المتماسك، وتسقط حبات البرد أحيانا بعد عواصف شديدة صيفا أو شتاء، وعادة ما يكون حجم الحبيبات صغيرا لا يتجاوز حجم "حبات الحمص"، وقد يصل حجم حبة البرد حجم بيضة الحمام.
الثلج والجليد:
يتساقط الثلج من السماء، شأنه شأن المطر، على شكل حبيبات تشبه زغب القطن، وقد تكون هذه الحبيبات متبلورة، ويكون سقوط الثلج حيث تكون درجة حرارة سطح الأرض، والهواء الملامس له في مكان بعينه أقل من درجة الصفر المئوي،
ومع استمرار درجة الحرارة في هذا المكان تحت درجة الصفر، لا يذوب الثلج snow بل يتراكم، ويتصلد ويتخذ اسما خاصا وهو الجليد ice.
يتساقط الثلج في منطقتي التجمد عند القطب الشمالي والقطب الجنوبي بصفة منتظمة، ويتراكم جيلا بعد جيل على شكل رقع كبيرة من الغطاءات الجليدية الدائمة، كذلك يتساقط الثلج في مناطق أخرى غير المنطقتين القطبيتين حيث توجد مرتفعات شاهقة ويتوج بعض قممها بصفة دائمة، ويتساقط الثلج أيضا موسميا في زمن الشتاء على وقع واسعة من المعمورة، ولا يدوم هذا الثلج، بل يتحرك في أنهار جليدية glaciers ثم يذوب.
وما نراه حاليا من غطاءات جليدية دائمة، هى في الواقع بقايا آخر العصور الجليدية التى سادت سطح الكرة الأرضية، والتي حدثت خلال الزمن الجيولوجي الرابع، كان الجليد وقتئذ يغطي منطقة القطب الشمالي وشمال قارة أمريكا الشمالية بمساحة تزيد عن 4 مليون ميل مربع، وشمال أوروبا بمساحة تزيد عن 2 مليون ميل مربع، وشمال سيبيريا بمساحة هائلة، وكذلك كان الجليد وقتئذ يغطي سطح قارة التجمد الجنوبي "أنتاركتيكا" مع امتدادات متجمدة حولها فوق مياه المحيط، فهي قارة من اليابسة لا يظهر منها إلا أطراف محدودة المساحة، وقد قيس سمك جليد أنتاركتيكا في مواقع عديدة، ويزيد السمك أحيانا من 2.2 كيلو مترا من الجليد المتراكم، هذا على عكس الحال عند القطب الشمالي الذي هو عبارة عن طبقات سميكة من الجليد لا يوجد تحتها يابسة بارزة فوق سطح الماء.
الماء يسكن اليابسة:
حفل القرآن الكريم بعدد من الآيات تصف سلوك الماء على سطح اليابسة، فهو
ماء يهطل من السماء ويسكن اليابسة ويتحرك بقدر محسوب لا إفراط، ولا تفريط في كمياته.
{وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ} [المؤمنون: 18] .
{فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} [الحجر: 22] .
وقد من الله على الناس بما يستطيعون الوصول إليه مما يسكن الأرض من ماء، ومن غير الله يأتيهم بماء تناله أيديهم إن أصبح الماء غائرا في الأرض بعيد المنال.
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك: 30] .
كذلك من الله على الناس بإتاحة الماء العذب لمعاشهم، ولو شاء سبحانه لجعل كل الماء مالحا لا يصلح لشرب الإنسان، والكائنات الحيوانية والنباتية.
{أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ، أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ، لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ} [الواقعة: 68-70] .
والأنهار أحد مظاهر حركة المياه على السطح، وقد ذكرت الأنهار المعروفة للناس في حياتهم الدنيا 12 مرة في القرآن الكريم.
{أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} [الرعد: 17] .
{أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا} [النمل: 61] .
وتتخلل المياه صخور القشرة، وتحتسبها كمياه باطنية أو جوفية في أحواض جوفية، أو مستودعات للماء الجوفي aquifers، وقد تنفجر وتنبجس المياه الجوفية إلى السطح على شكل ينابيع وعيون.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ} [الزمر: 21] .
{وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُون} [يس: 24] .
{فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} [الأعراف: 160] .
وقد يحتاج الأمر بالإنسان إلى أن يحفر بئرا للوصول إلى الماء، وقد ذكر لفظ "بئر" مرة واحدة في القرآن الكريم.
{فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} [الحج: 45] .
وذكرت أنهار الجنة في القرآن الكريم 42 مرة، ذكر من أنهار الجنة ما هو من لبن وما هو من عسل وما هو من خمر، أعدت للمتقين، ويقابل هذا ما يسقاه أهل النار من ماء يغلي عذابا لهم.
وفي السياق القرآني الحكيم تعبير مشترك للرقعة المائية سواء كانت عذبة الماء أو مالحة، وهو تعبير "اليم" ففي قصة موسى عليه السلام استخدم لفظ "اليم" للدلالة على نهر "وهو نهر النيل".
{أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ} [طه: 39] .
كما استخدم أيضا في سرد قصة موسى عليه السلام للدلالة على رقعة ماء مالحة، وهي التي غرق فيها فرعون وجنوده.
{فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ} [القصص: 40] .
كذلك ورد في السياق القرآني الحكيم لفظ "البحر" للدلالة على رقعة مائية، سواء كانت عذبة أم مالحة.
{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [الفرقان: 53] .
ومن الناحية الجيولوجية، فللماء تأثير هام على سطح اليابسة، فهو من أهم عوامل التعرية، وتعتمد التعرية على الأثر الميكانيكي والأثر الكيميائي، فالماء يؤثر على الصخور بالتفتيت، وذلك بمساعد حرارة الشمس، والماء بعد ذلك عامل هام من عوامل النقل من مكان إلى آخر، وللماء تأثير واضح في إذابة بعض الأملاح الموجودة على السطح، أو في ثنايا شقوق الصخر وكهوفه، كذلك يساعد الماء في تغيير تركيب بعض المعادن، مثل تحلل معدن الفلسبار إلى كاولين، ومثل تحويل التربة اللاتيريتية إلى بوكسيت "الذي هو الخام الرئيسي لاستخلاص فلز الألومنيوم".