الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة المترجم: هل لهذا الكون من إله
؟
سؤال تتطلع العقول اليه وتتوق إلى معرفة الإجابة عنه، يوجهه الطفل الصغير إلى أبيه، ويضطرب به قلب الشاب الخائر، فيؤرق نومه وقد لا يجد من يقدم له الجواب الشافي، ويجول أحيانا في عقول ضعفاء الإيمان فيستعيذون بالله من وسوسة الشيطان، ويشغل بال كل إنسان خصوصا في فترات الضعف والمرض والحرمان.
قديما سأل الناس هذا السؤال وانقسموا، تبعا لما هداهم إليه تفكيرهم، حول شيعا. فمنهم من عبد الكون والشمس والقمر، ومنهم من عبد الأصنام، ومنهم من عبد الله الواحد القهار، كما ان منهم من أنكر والحد.
وسوف تتطلع العقول لمعرفة الإجابة عن هذا السؤال في المستقبل، ما دام هنالك كون يسير وعقل يفكر وإنسان يعي وينظر.
ويلوح ان التطلع إلى هذا الأمر جزء من طبيعتنا، لا نستطيع ان ننكره أو نتخلى عنه أو نتغافل نداءه، ولموقف الإنسان من خالق هذا الكون وعقيدته فيه اثر بالغ في تفكيره وحياته وفلسفته ونظرته إلى الأمور وحالته النفسية وحاضره ومستقبله، بل في كيانه ووجوده.
ومع ما لهذا السؤال من أهمية، فان قليلا من الناس يحصلون على الإجابة الشافية عنه، فإذا توجه به الصغير إلى أبيه رده عن التفكير فيه ردا رقيقا، أو هو قد يلهيه بجواب لا ينفع ولا يشفع، معتمدا في ذلك على سهولة اقناعه، وإذا توجه به الشاب إلى
صديقه أو مدرسه، فقل ان يجد عند أي منهما ما يشفي صدره ويرضي عقله المتفتح. وإذا توجه به إلى بعض رجال الدين فقد يخاطبونه بايآت من الكتب السماوية وأحاديث من كلام الرسل، ويدورون به في حلقة مفرغة مقللين من قيمة ما تكشفت عنه العلوم، ان ينكرون عليه استخدام الأساليب العلمية، فيزداد حيرة في أمره وينصرف على مضض عن التفكير في هذا الموضوع.
ان ما يريده الفرد المثقف في القرن العشرين عندما يسأل هذا السؤال عن خالق الكون لا بد ان يكون متمشياً مع أساليب ونتائج العلوم التي توصلت إلى أسراره الذرة وعزت الفضاء وكشف من سنن الكون وأسراره وظواهره ولا تزال تكشف ما يحير العقول. ان السائل يريد جواباً يقوم على استخدام المنطق السليم ويدعوه إلى الايمان بربه إيمانا يقوم على الاقتناع لا على مجرد التسليم.
وهذا هو عين ما جاء في هذا الكتاب، فلقد تقدم المشرف على تحرير الكتاب بالسؤال التالي: (هل تعتقد في وجود الله؟ وكيف دلتك دراستك وبحوثك عليه؟
وجهه إلى طائفة من العلماء المتخصصين في سائر فروع العلوم من الكيمياء إلى الفيزياء إلى الأحياء إلى الفلك إلى الرياضيات إلى الطب إلى غير ذلك..
واجاب هؤلاء العلماء على سؤال المحرر، مبينين الأسباب العلمية التي تدعوهم إلى الإيمان بالله. ويشتمل هذا الكتاب على اجابات طائفة من هؤلاء العلماء ننقلها إلى أبناء الوطن العربي، ليروا ناحية من نواحي التفكير الحديث، ربما تكون مصدقة لما يقرأون في الكتب السماوية التي بين أيديهم ومثبتة لايمانهم بالله تعالى.
لقد بين اولئك العلماء لنا كيف تدلهم قوانين الديناميكا الحرارية، على انه لا بد ان يكون لهذا الكون من بداية، فاذا كان للكون بداية فلا بد له من مبدئ من صفاته العقل والإرادة واللانهاية.
نعم ان هذا الخالق لابد ان يكون من طبيعة تخالف طبيعة المادة التي تتكون من ذرات تتألف بدورها من شحنات أو طاقات لا يمكن بحكم العلم ان تكون أبدية أو أزلية. وعلى ذلك فلا بد ان يكون هذا الخالق غير مادي وغير كثيف، لابد ان يكون لطيفا متناهيا في اللطف، خبيرا لا نهاية لخبرته، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير. واذا كنا نريد ان نصل إليه، فسبيلنا إلى ذلك لا يكون بحواسنا التي لا تستطيع ان ترى إلا الماديات الكثيفة، واذا كنا نريد ان نلمس وجوده فان ذلك لا يمكن ان يتم داخل المعامل أو في أنابيب الاختبار، أو باستخدام المناظر المكبرة أو المقربة، وانما باستخدام العنصر غير المادي فينا كالعقل والبصيرة. وعلى من يريد ان يدرك آيات ذاته العلية ان يرفع عينيه من الرغام ويستخدم عقله في غير تعنت أو تعصب، ويتفكر في خلق السموات والأرض (إنّ في خَلقِ السّمواتِ والأرضِ واختلافِ اللّيلِ والنّهار لأياتً لأولىِ الألبابِ) (ال عمران: 190)
ان فروع العلم كافة تثبت ان هنالك نظاما معجزا يسود هذا الكون، أساسه القوانين والسنن الكونية الثابتة التي لا تتغير ولا تتبدل، والتي يعمل العلماء جاهدين على كشفها والإحاطة بها، وقد بلغت كشوفنا من الدقة قدرا يمكننا من التنبؤ بالكسوف والخسوف وغيرهما من الظواهر قبل وقوعها بمئات السنين.
فمن الذي سن هذه القوانين وأودعها كل ذرة من ذرات الوجود، بل في كل ما هو دون الذرة عند نشأتها الأولى؟ ومن الذي خلق كل ذلك النظام والتوافق والانسجام؟ من الذي صمم فأبدع وقدر فاحسن التقدير؟ هل خلق كل ذلك من غير خالق ام هم الخالقون؟ ان النظام والقانون وذلك الإبداع الذي نلمسه في الكون حيثما اتجهت أبصارنا يدل على انه القدير وعلى انه العليم الخبير من وراء كل شيء.
ويرد العلماء في هذا الكتاب على أولئك الذين يدعون ان الكون نشأ هكذا عن
طريق المصادفة، فيشرحون لنا معنى المصادفة ويشيرون إلى استخدام الرياضة وقوانين المصادفة لمعرفة مدى احتمال حدوث ظاهرة من الظواهر. فاذا كان لدينا صندوق كبير مليء بآلاف عديدة من الاحرف الأبجدية، فان احتمال وقوع حرف الألف بجوار الميم لتكوين كلمة أم قد يكون كبيرا، اما احتمال تنظيم هذه الحروف لكي تكون قصيدة مطولة من الشعر أو خطابا من ابن إلى أبيه فانه يكون ضئيلا ان لم يكن مستحيلا. ولقد حسب العلماء احتمال اجتماع الذرات التي يتكون منها جزيء واحد من الاحماض الأمينية (وهي المادة الأولية التي تدخل في بناء البروتينات واللحوم) فوجدوا ان ذلك يحتاج إلى بلايين عديدة من السنين، والى مادة لا يتسع لها هذا الكون المترامي الاطراف. هذا لتركيب جزيء واحد على ضآلته، فما بالك بأجسام الكائنات الحية جميعا من نبات وحيوان. وما بالك بما لا يحصى من المركبات المعقدة الاخرى. وما بالك بنشأة الحياة وبملكوت السماوات والأرض. انه يستحيل عقلا ان يكون ذلك قد تم عن طريق المصادفة العمياء أو الخبطة العشواء. لابد لكل ذلك من خالق مبدع عليم خبير، أحاط بكل شيء علماً وقدر شيء ثم هدى.
ويبين الكتاب فوق ذلك مزايا الايمان بالله والاطمئنان اليه والالتجاء إلى رحابه في الصحة والمرض، وكلما نزلت بالإنسان ضائقة أو تهدده خطر أو أوشك أمل لديه ان يضيع. وقد لمس الكثيرون حلاوة الايمان في أنفسهم، بل بل ولزومه لهم ولغيرهم فتشبثوا به وحرصوا عليه حتى ذهب بعض العلماء إلى ان بالإنسان حاجة بيولوجية تدفعه إلى الإيمان بالله: فطرَتَ الله الّتي فَطرَ الناسَ عَلَيها) {الروم: 30} ليس ذلك فحسب، بل ان الكتاب يذهب ليبين كيف ان الإيمان بالله هو أصل الفضائل الاجتماعية والأخلاقية والإنسانية جميعا، فبدون هذا الايمان يصبح الإنسان غالباً حيواناً تحكمه الشهوة ولا يرده ضمير، خصوصا إذا لقن بعض المبادئ (الخالية من الإنسانية) .
الدكتور
الدمرداش عبد المجيد سرحان