المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نظرة إلى ماوراء القوانين الطبيعية - الله يتجلى في عصر العلم

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌نظرة إلى ماوراء القوانين الطبيعية

‌نظرة إلى ماوراء القوانين الطبيعية

كتبه: أدوين فاست

عالم الطبيعة

حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة أوكلاهوما – وعضو هيئة التدريس بقسم الطبيعة فيها سابقا – يشتغل الآن بالطاقة الذرية.

ان الاجابة عن السؤال الذي يقدمه هذا الكتاب، لا يتطلب من وجهة نظري معالجة معقدة أو مطولة. فمن الممكن ان تكون الاجابة موجزة، ومع ذلك – من وجهة نظري على الأقل – تكون وافية.

فنحن عندما نبحث عن تفسير لاحدى الظواهر في دائرة العلوم الطبيعية، ناخذ في الغالب بابسط النظريات التي تستطيع ان تفسر هذه الظاهرة تفسيرا يتفق مع المشاهدات التجريبية. وقد نعتمد على مجموعة من الفروض لانها تدعم نظرية معينة وتبدو جميعها واضحة أو معقولة، فاذا كانت هذه الفروض سليمة فان النظرية تكون محكمة ويرفع البناء، أما اذا كانت هزيلة أو خاطئة فان النظرية تنهار من أساسها ويتقوض صرحها.

ونظرية الاحتمالات من النظريات الرصينة من الوجهة الرياضية، وهي تستخدم استخداما واسعا في علم الفيزياء. فاذا قذفنا بقطعة من قطع النقد، دون ان نحاول التأثير عليها بأية طريقة من الطرق، ثم كررنا ذلك عددا كبيرا من المرات، فان عدد المرات التي يظهر فيها كل وجه من وجهيها يكون متساوياً. وعندما نلقي (زهر النرد) عددا كبيرا من المرات، فان احتمالات ظهور كل وجه من أوجهه الستة تكون متساوية. ومن الممكن استخدام بعض الحيل لكل نجعل عدد المرات التي يظهر فيها وجه معين من أوجه قطعة النقد أو الزهر اكثر مما يحدث عندما تتحرر العملية من تأثير هذه الحيل أو المؤثرات الخارجية.

ص: 98

ومن الواضح ان الفرق بين الحالتين هو ان القاء العملة أو الزهر في الحالة الاولى كان يعتمد على محض المصادفة، اما في الحالة الثانية فانه يتم تحت تأثير مؤثر خاص.

ومن الممكن ان ننتقل من هذه الاسئلة البسيطة الهينة إلى أمثلة اكثر تعقيدا. خذ مثلا عشرة أو مائة أو مليونا من الوحدات التي تعمل جميعا في وقت واحد لكي تؤدي عملا معينا أو تسلك سلوكا خاصا تبعا لقوانين المصادفة والاحتمالات. فاذا حدث اي انحراف عن النتيجة التي نتوقعها، فانه يجعلنا نبحث عن سبب لهذا الانحراف أو عن مؤثر أو موجه. واذا استطعنا ان نصف هذا المؤثر أو نحدده، فاننا نكون بذلك قد وصلنا إلى احد القوانين الطبيعية التي تفسر لنا لماذا تسلك الأشياء سلوكا معينا. ونحن عندما نتدبر مثلا سلوك النيوترونات أو الالكترونات أو البروتونات في مجال كهربائي أو مغناطيسي، نجد ان كلا منها يسلك سلوكا نستطيع ان نصفه بدقة أو نتنبأ به على أساس القوانين الطبيعية، فخواصها تجعلها تسلك سلوكا معينا يسهل معرفته والتنبؤ به. وكذلك الحال عندما ينبعث شعاع ضوئي من قوس كهربائي من الصوديوم ويمر خلال فتحة ضيقة إلى منشور ثلاثي، فاننا دائما نشاهد خطين متقاربين لونهما برتقالي اصفر وتفصلهما مسافة ضيقة.

والمهم هنا هو ان جميع هذه القوانين الطبيعية التي نصفها ونستخدمها ليس الا مجرد وصف لما يحدث أو لما يشاهد، فهي بذلك ليست تدبيرا أو الزاما، فليس الوصف في ذاته سببا لحدوث ظاهرة من الظواهر، أو توضيحا لاسباب حدوثها.

وعندما تحاول العلوم ان تفسر لنا منشأ الكون، نجدها تبين لنا، في ضوء ما لدينا من المعلومات عن الطبيعة النووية، كيف تتفاعل الجزئيات الأساسية لكي تكون لنا جميع العناصر المعروفة، فجميع العناصر التي يتألف منها هذا الكون تبدأ ببروتونات لها خواص معينة وقوة جاذبة تجعلها تنضم بعضها إلى بعض. أما كيف نشأت هذه البروتونات ذاتها، ولماذا كان لها هذه الصفات بالذات، فان ذلك ما لم تستطع ان تقدم له العلوم شرحا أو بيانا.

ص: 99

ومهما بالغنا في تحليل الأشياء، وردها إلى أصولها الأولى، فلابد ان نصل في نهاية المطاف إلى ضرورة وجود قوانين طبيعية تخضع لها ذرات هذا الكون. ويعد ذلك في ذاته دليلا على وجود اله قادر مدبر، هو الذي قدر لكل ظاهرة من ظواهر هذا الكون ان تسير في طريقها المرسوم. وقد خلق الله الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات وجعل لها خواصها المعينة. فرسم لها بذلك سلوكها وأقدارها.

وعندما تحاول عقولنا المحدودة ان ترتد إلى الوراء وتبحث عن ساعة الصفر في تاريخ هذا الكون، نجدها تسلم ضمنا بان لهذا الكون بداية ولحظة معينة نشأت فيها الذرات الدقيقة التي تتألف منها مادة هذا الكون، ولابد ان تكون خواص هذه الجزئيات التي تحدد سلوكها، قد ظهرت معها في نفس الوقت. ومن المنطق السليم ان يكون السبب الأول الذي أوجد هذه الجزئيات هو الذي اودع فيها صفاتها التي تحدد سلوكها. ولابد ان نسلم بان قدرة الخالق وتدبيره وإحكامه تفوق قدرة وتدبير الانسان بل البشر جميعا ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. وان اذكى العلماء لا يستطيعون الا ان يعترفوا بان الانسان لا يزال حتى اليوم في مهد معرفته باسرار هذا الكون وظواهره.

فاذا انتقلنا إلى العالم العضوي، فاننا نلاحظ ان سلوكه يزداد تعقيدا، وعلى ذلك فان احتمال تفسير هذا السلوك على أساس المصادفة المحض يتضاءل إلى حد لا نهائي، فالمواد الأساسية التي تدخل في بناء المواد العضوية هي الأيدروجين والأوكسجين والكربون مع كميات قليلة من النيتروجين والعناصر الاخرى. ولابد ان تجتمع ملايين من هذه الذرات حتى تتكون أبسط الكائنات الحية. فاذا نظرنا إلى الأنواع الاخرى التي هي اكبر حجما وأشد تعقيدا، فان احتمال تآلف ذراتها على أساس المصادفة المحض يقل إلى درجة لا يتصورها العقل.

واذا نظرنا إلى الكائنات الحية الراقية، فاننا نرى ان من بينها ما لديه من الذكاء ما يجعله قادرا على التخطيط والابتكار والقيام بأعمال تقرب من حد الاعجاز وتحاول ان

ص: 100

تتغلب على القوانين الطبيعية. فاذا تصورنا ان كل ذلك يتم بمحض المصادفة التي تجعل الجزئيات تجتمع بصورة معينة لكي تكون ذرات يتألف بعضها مع بعض لكي تكون أجساما تقوم بدورها بالتكاثر واداء سائر وظائف الحياة ويكون لها عقل وتفكير، دون ان يكون وراء كل ذلك إله مدبر هو الذي خلق فصور فأبدع، فان ذلك ما لا يقبله عقل أو يتصوره فكر. وحتى اذا فعلنا ذلك فاننا نكون قد أخذنا بفرض مستحيل من الوجهة العملية، وطرحنا وراء ظهورنا فرضا منطقيا بسيطا الا وهو وجود الله الذي أنشأ هذا الكون وبدأه بقدرته. فالله هو المبدئ. كلمات بسيطة ولكنها بساطء تتسم بالجلال.

انه جلال الحق وقدسيته.

ص: 101