المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الإنسان ذاته هو الدليل - الله يتجلى في عصر العلم

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌الإنسان ذاته هو الدليل

‌الإنسان ذاته هو الدليل

كتبه: روبرت هورتون كاميرون

أخصائي في الرياضيات

حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة كورنل – باحث في جامعة برنستون، وفي معهد برنستون للدراسات العليا – عضو بهيئة تدريس المعهد الصناعي في ماساشوستس – استاذ في الرياضة بجامعة منيسوتا لمدة 20 سنة – حائز على جائزة الرابطة الرياضية في أمريكا - متخصص في التحليل الرياضي والقياس.

ان السؤال الذي يوجهه إلى ناشر هذا الكتاب، يعد في ذاته دليلا على وجود الله:(هل هنالك إله؟) سؤال ينطوي على الفكر أو التفكير؟ وأنا لا أستطيع ان أفكر في هذه القدرة دون ان أسلم بموجد لها.

فأنا لست جهازا آليا، وتفكيري يذهب إلى أبعد ما يمكن ان يذهب اليه عقل من العقول الآلية، فالعقل الآلي الحديث وظيفته تطبيق قاعدة معينة أو ايجاد علاقة معينة تبعا لأصول محددة مرسومة، اما عملية التفكير فتختلف عن ذلك اختلافا بينا، فهي تستطيع ان تتقيد بالقواعد، كما تستطيع ان تتغافلها، ان التفكير يتضمن استخدام المنطق والقدرة على الحكم، كما يتضمن تذوق الجمال والاستمتاع بالموسيقى والمرح وتقدير الفكاهات والطرائف.

ان المنطق يستطيع ان يقرر صحة أحد البراهين أو خطأها. ولكن الفكر هو الذي يبدأ المناقشة في أمر هذه البراهين ويوجهها، وهو الذي يستطيع ان يخترع النظريات الرياضية الجديدة ويقيم الدليل على صحتها، والفكر يتضمن القدرة على تحليل النفس ونقدها ومن

ص: 132

الممكن تصميم آلة تلعب الشطرنج، ولكن هذه الآلة لن تستطيع ان تسعد بما تحققه من النجاح، أو تشمت في خسارة اللاعب الآخر أو تحزن على ما وقعت فيه من الأخطاء.

فالفكر يتضمن اكثر مما تستطيع الآلة والقواعد الآلية ان تحققه. وانني أعتبر ان تفسير السلوك الانساني تفسيرا آليا لا يستند إلى أساس لانني أستطيع ان أفكر.

وأنا أعتقد أيضاً بوجود الله بسبب ما زودني به من الانفعالات، ولكن هل اضعفت حجتي بهذا القول؟ هل اعترفت بان ايماني لا يقوم على المنطق وأنني أؤمن لانني اخشى الا أكون مؤمنا؟ كلا فطبيعتنا الانفعالية دليل على حكمة الله وتدبيره، والا فكيف تكون حياة الانسان بغير هذه الانفعالات؟ وكم يمكن ان يعمر الانسان على سطح الارض بغير الدافع الجنسي وما يتصل به من الانفعالات؟ ولماذا تنخفض نسبة وفيات الأطفال عندما يزداد حب آبائهم لهم؟

انني اعتقد بوجود الله لانه وهبني التمييز الأخلاقي، فالجنس البشري لديه احساس فطري بما هو خطأ وما هو صواب. وكما يقول لويس في كتابه (قضية المسيحية) :(قد تختلف أفكارنا ومع ذلك فأننا جميعا ندافع عن حقوقنا وننشد العدل) .

ان اعتقادي في الله يقوم أيضا على حرية الإرادة وذكائها – الإرادة الإنسانية التي وصفت بانها العملية الشعورية الكاملة التي تقود الإنسان إلى اتخاذ قرار معين – الإرادة التي هي احد الأقسام الكبرى التي يقسم علماء النفس قوى العقل اليها، (القوتان الأخريان هما الإدراك والشعور) ، فانا عندما أرغب أو أريد شيئا معينا يتخذ عقلي قرارا به، وارادتي هي التي تنفذه.

ويختلف الانسان في جميع هذه الصفات والمزايا عن سائر الكائنات الأرضية الأخرى،

ص: 133

فهو خليفة الخالق على الأرض، ولعل هذا هو عين ما يعنيه القديس بول بقوله:(ان للإنسان نشأة مقدسة) .

ويتفق ما وصلت اليه العلوم حول وجود الله مع ما جاء في الكتب السماوية من ان الانسان يحصل على العلم بطريقين: البصر والبصيرة. اما البصر فهو ما نتعلمه في حياتنا، وما نكتسبه عن طريق حواسنا من الخبرة بأمور الحياة، وأما البصيرة فهي ذلك النور الذي يفرغه الله في قلوبنا فيكشف لنا به ما لم نعلم (1) . وكذلك الحال فيما يتصل بالايمان بوجود الله، اذ لابد ان يقوم أولا على البصر وملاحظة ظواهر كتلك التي أشرنا اليها سابقا، ثم نلتجئ بعد ذلك إلى الله لكي يكمل ايماننا ويدعمه.

ان رجال العلوم يعتمدون على التجربة، وأنا مقتنع بوجود الله اعتقاداً يستند إلى أدلة تجريبية، ولكنها تجارب شخصية صرف، ومع ذلك فهي أقوى لدي من كل دليل، وأشد إقناعا لي من أي برهان رياضي. لقد لمست هذا الدليل في نفسي منذ اثنتين وثلاثين سنة عندما كنت بحجرتي في القسم الداخلي بجامعة كورنل يوم جاءني البرهان وأغدق الله على قلبي نور الإيمان. لقد أصبح الله لدي أكبر من كل ما سواه حتى انني أرضى ان افقد كل شيء في هذا الوجود، ولا أرتد إلى حالتي السابقة.

لقد كان هو سبحانه صاحب الفضل في هذا البرهان، فهو الذي أنزله على قلبي وجعلني اعتقد في وجوده.

(1) - (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر الا أولو الألباب) سورة البقرة، آية:269.

ص: 134