المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌موجهات جيولوجية كتبه: دونالد روبرت كار أستاذ الكيمياء الجيولوجية – حاصل على - الله يتجلى في عصر العلم

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌ ‌موجهات جيولوجية كتبه: دونالد روبرت كار أستاذ الكيمياء الجيولوجية – حاصل على

‌موجهات جيولوجية

كتبه: دونالد روبرت كار

أستاذ الكيمياء الجيولوجية – حاصل على الدكتوراه من جامعة كولومبيا – مساعد بحوث بجامعة كولومبيا – أستاذ مساعد بكلية شلتون – أخصائي في تقدير الأعمار الجيولوجية باستخدام الاشعاعات الطبيعية.

من المحال ان ادخل في مناقشة حول وجود الله، دون ان أكون متأثرا ببعض الاتجاهات. وقد يبدو ذلك متعارضا مع الروح العلمية، ولكن دعني اوضح ذلك اولا ثم أعقب ببعض الملاحظات العلمية.

عندما يطلب الينا ان نبين الأسباب التي تدعونا إلى الإيمان بالله، نستطيع ان نجد في بحوثنا العلمية ما يدعونا بقوى إلى الإيمان به، ولو انه ليس من الضروري ان يكون هو نفس إله الكتاب المقدس، ثم نحاول بعد ذلك ان نثبت ان هذا الإله هو ذاته إله الكتاب المقدس. وهذا الأمر يعتمد كثيرا على الإيمان الروحي، ويتوقف على ما يبثه الله من إيمان في قلوبنا.

لقد حصلت على الإيمان الروحي من عند الله، وهو الذي يسيطر على تفكيري عندما أجيب على مسألة وجوده، وعلى ذلك فان ايماني بالله قد يعتبر قائما على أساس شخصي، وقد يدعو ذلك إلى اتهامي بالريبة أو الغموض، ولكني احب ان اطلب إلى أولئك الذين يوجهون إلى هذا الاهتمام ان يبينوا لي كيف يمكن ان تقوم العلاقة بين المخلوق والخالق على غير هذا الاساس.

ان دراستي العلمية ليس لها شان بايماني بالله وتوكلي عليه وحاجتي اليه. فلقد كان

ص: 90

الدافع إلى هذا الايمان حاجة ملحة شعرت بها في قرارة نفسي. اما دراستي بعد ذلك الكيمياء الجيولوجية فقد نادتني إلى الاعتقاد بوجود خالق لهذا الكون. فليس من الغريب اذن ان اعتقد ان هذا الكون ليس الا مظهرا من مظاهر قدرة الله.

وتتلخص النقط التي تمس فيها دراسة الكيمياء الجيولوجية الفلسفة الدينية في نقطتين:

1-

تحديد الوقت الذي بدأ فيه هذا الكون.

2-

النظام الذي يسوده.

أما عن تحديد عمر التكوينات الجيولوجية مثل مواد الشهب وغيرها، فقد أمكن باستخدام العلاقات الاشعاعية ان نحصل على صورة شبه كمية عن تاريخ الارض. ويستخدم في الوقت الحاضر عدد من الطرق المختلفة لتقدير عمر الأرض بدرجات متفاوتة من الدقة، ولكن نتائج هذه الطرق متقاربة إلى حد كبير، وهي تشير إلى ان الكون قد نشأ منذ نحو خمسة بلايين سنة، وعلى ذلك فان هذا الكون لا يمكن ان يكون أزليا. ولو كان كذلك لما بقيت فيه اي عناصر اشعاعية. ويتفق هذا الرأي مع القانون الثاني من قوانين الديناميكا الحرارية. اما الرأي الذي يقول بأن هذا دوري، اي انه ينكمش ثم يتمدد، ثم يعود فينكمش من جديد.. الخ. فانه راي لم يقم على صحته دليل، ولايمكن ان يعتبر رأيا علميا، بل مجرد تخمين. ومن ذلك نرى ان القول بان للكون بداية، يتفق مع ما جاء مثلا في الانجيل:(لقد خلق الله البداية السموات والأرض) . وهو رأي تؤيده قوانين الديناميكا الحرارية والأدلة الفلكية والجيولوجية.

اما مبدأ الانتظام، فيعتبر من البديهيات في علم الجيولوجيا. وينص هذا المبدأ على ان جميع العمليات الجيولوجية والكيماوية الجيولوجية التي تعمل الآن، كانت تعمل أيضا فيما مضى. وعلى ذلك فان فهمنا لهذه العمليات يعيننا على تفسير التاريخ الجيولوجي. فانتظام الكون ووجود القوانين الطبيعية، هما أساس العلم الحديث.

والكون المنتظم الذي يعتبر على درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة للمشتغلين بالعلوم

ص: 91

يتفق مع ما تحدثنا عنه الكتب السماوية من ان الله هو الذي أبدع هذا الكون، وهو الذي يمسكه ويحفظه.

ولو كان الكون قائما على الفوضى، لما كان هنالك معنى لما قاله القديس بول:(ان قدرة الله وألوهيته تتجليان في كل شيء منذ خلق الله هذا الكون) .

ولولا انتظام الكون ما كان هنالك مكان لمعجزة من المعجزات، فكثير من المعجزات التي جاءت بها الرسل هي قبل كل شيء خروج على نواميس الطبيعة، ولا يمكن تقديرها ومعرفة قيمتها الحقيقية الا في كون منظم تسير ظواهره تبعا لقوانين معينة وسنن مرسومة.

وكما قال العالم الجيولوجي (داوسن) Dawson منذ سنوات: (ان الايمان بسنن الله الكونية ضروري بالنسبة للمعنى الفلسفي لصلاة الانسان ودعائه.. فلو كان الكون قائما على الفوضى، أو لو أنه كان أمرا حتميا لا سبيل إلى تعديله، لما كان هنالك مكان لصلاة الإنسان ودعائه. اما اذا اعتقد الانسان ان ها الكون يقع تحت سيطرة اله مشرع حكيم رحيم – لا مجرد مدير لجهاز أآلي – فاننا نستطيع ان نتقدم اليه بالصلاة والدعاء، لا لنغير خطته العظمى وسننه، ولكن لكي يدبر – بحكمته الواسعة ومحبته لنا – الأقدار بحيث تفي بحاجاتنا)(1) .

واخيرا فان الكيمياء الجيولوجية التي أدرسها تعلمنا ان ننظر إلى الأشياء نظرة واسعة وان نفكر في الزمان على أساس بلايين السنين، والى المكان نظرة تشمل الكون بأسره، والى العمليات المختلفة بحيث تشمل دوراتها الكون كله. ان مثل هذه النظرة إلى الأمور تجعلنا نزداد تقديرا لعظمة الله وجلاله. أما غير المؤمنين فسوف يمتلئون رهبة ورعبا،

(1) - هكذا يتوجه المسلمون بالدعاء إلى الله تعالى فيقولوا مثلا:

1-

(اللهم انا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه9.

2-

(اللهم ألطف بنا فيما جرت به المقادير) .

ص: 92

وقد يضطرون آخر الامر ان يسلموا ان السموات تشهد بعظمة الله وان احكامها يدل على بديع صنعته.

ويتجلى التوافق بين العلوم والدين في ذلك النشيد الديني الذي أستمع اليه تتغنى به الملايين في أمريكا، والذي ربما كان تأليفه من وحي الكشوف العلمية الحديثة التي تمت في السنوات الأخيرة، ويقول هذا اللحن:

(يا إلهي العظيم، عندما أنظر بعجب ورهبة إلى كل العوالم التي صنعتها يداك، وأبصر النجوم، وأسمع هدير الرعد وزمجرته، حينئذ تتجلى لي قوتك في كل أرجاء الكون، عندئذ تغني روحي وتناجي الهي الكبير، ما أعظم إبداعك، ما أعظم إبداعك) .

ص: 93