المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌اختبار شامل كتبها: روبرت موريس بيج عالم الطبيعة حاصل على دكتوراه في العلوم - الله يتجلى في عصر العلم

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌ ‌اختبار شامل كتبها: روبرت موريس بيج عالم الطبيعة حاصل على دكتوراه في العلوم

‌اختبار شامل

كتبها: روبرت موريس بيج

عالم الطبيعة

حاصل على دكتوراه في العلوم من جامعة هاملين – اشتغل في معمل البحوث لبحرية الجيش الامريكي منذ سنة 1927 – كان اول من اكتشف الرادار في العالم سنة 1934، سجل نحو 37 بحثا معظمها في الرادار، الف كثيرا من الكتب – يعمل في الوقت الحاضر مديراً مساعدا في معامل بحوث البحرية الامريكية.

يتطلب اختبار صحة فرض من الفروض تهيئة ظروف معينة تناسبه وذلك، للحصول على نتائج يوصل اليها هذا الفرض، على اساس انه فرض سليم. وعلى ذلك فانه لاختبار صحة فرض معين ينبغي ان تتوافر شروط ثلاثة:

ظروف معينة.

تحقيق نتائج تتفق مع سلامة هذا الفرض.

التسليم بصحة هذا الفرض حتى يثبت عكس ذلك.

اما الشرطان الأولان، فلا يدور حولهما جدال، وأما الشرط الثالث فانه كثيرا ما يهمل عند اختبار صحة الفرض رغم أهميته البالغة.

فعندما كانت السفن قديما تصنع من الخشب، بسبب شيوع الاعتقاد انه لا بد ان تصنع هذه السفن من مواد أقل كثافة من الماء لكي تستطيع ان

تطفو، ظهر فرض أو اقتراح جديد يتخلص في انه من الممكن ان تصنع سفن من الحديد الذي هو اكثر كثافة من الماء، وتستطيع هذه السفن برغم ذلك ان تطفو فوق الماء. وقد انكر احد الحدادين صحة هذا الفرض وذهب إلى ان السفن المصنوعة من الحديد لا يمكن ان تطفو على الماء لان الحديد لا يطفوا على الماء، وأيد هذا الحداد وجهة نظره بان أخذ قطعة من الحديد على صورة

ص: 17

حدوة الفرس والقاها في الماء فغاصت فيه. ان هذا الحداد لم يشأ ن يسلم ولو مؤقتا بصحة هذا الفرض، فاعماه ذلك عن ان يفكر في تجربة مناسبة لاختباره، ربما أوصلته إلى نتيجة تختلف عن النتيجة التي وصل اليها، ولو انه سلم ولو مؤقتا بصحة هذا الفرض لالقى في الماء اناء أو حوضا من الحديد بدلا من حدوة الفرس.

وفي بعض الاحيان يتطلب اختبار صحة الفروض ملاحظات قد لا تتوافر أو تتيسر لشخص معين، فاذا فرضنا مثلا ان شخصا لا يستطيع ان يلاحظ الا الأشياء التي تتكون طافية على وجه المحيط، فان مثل هذا الشخص يعجز عن مشاهدة الاشياء التي تطير في الهواء أو تغوص في الماء، فبينما هو يدرك الأشياء التي تسبح على سطح الماء، كالسفن الكبيرة والصغيرة والبقايا العضوية الطافية والطيور عندما تحلق فوق سطح الماء، فان الطيور والطائرات التي تطير في الهواء، والأسماك والغواصات التي تسبح في جوف الماء، تعتبر غير موجودة بالنسبة اليه. فاذا ظهر لهذا الشخص طائر يكون قد هبط من الهواء إلى سطح الماء، أو جسم مغمور خرج من جوف الماء إلى سطحه، فان ذلك يعتبر بالنسبة لهذا الشخص بمثابة ظهور شيء جديد من العدم. وبالعكس اذا اختفى جسم كان على سطح الماء بان طار في الهواء أو غاص في الماء، فان هذا الشخص يعتبر هذه الظاهرة فناء أو زوالا. وهو سوف يجد ان هنالك بعض الظواهر يستطيع ان يفهمها فهما واضحا، وتلك هي الظواهر التي تتصل بالاجسام الطافية على سطح الماء. ولكن سوف تصادفه ظواهر اخرى لا يستطيع لها فهما أو ادراكا، وتلك هي التي تتعلق بظهور بعض الاجسام فجأة على سطح الماء أو اختفائها فجأة من فوق سطحه.

فاذا قابل هذا الشخص شخصا آخر يستطيع بطريقة ما ان يلاحظ الأشياء التي تطير في الهواء، أو تتحرك في جوف الماء، فان كثيرا من الظواهر التي شاهدها الشخص الأول وعجز عن ان يجد لها تفسيرا يمكن شرحها وإدراك أسرارها بمساعدة الشخص الثاني، ومع

ص: 18

ذلك فان الشخص الاول قد يواجه بعض الصعوبات في ادراك بعض المعاني الأساسية التي تعينه على فهم الموضوع مثل الطيران في الهواء أو الغوص في الماء. وسوف يميل هذا الشخص بطبيعة الحال إلى التشكك في قول صاحبه حتى تتبين له بطريق من الطرق صحة المعلومات التي يقدمها له. وقد لا يكون ذلك أمرا هيناً، ورغم ذلك فان صاحبه يستطيع ان يثبت له صدقه بان يتنبأ له في ضوء ما يراه (مما يعجز الشخص الاول عن ملاحظته) ببعض الظواهر والأشياء التي تتحقق فعلا. فهو يستطيع ان يقول له مثلا: ان طائرا سوف يهبط إلى سطح الماء، ثم لا يلبث الطائر ان يهبط فعلا لكي يختطف سمكة من الماء. وتعتبر صحة التنبؤ في هذه الحالة دليلا على صدق صاحبه فيما يشاهده ويقوله.

ولننتقل بعد هذه المقدمة الموجزة إلى فكر وجود الله، ودعنا نعتبرها الان كما يعتبرها البعض مجرد فرض. فاذا أردنا ان نختبر صحة هذا الفرض، فلابد ان نسلم أولا، ولو مؤقتا، بانه فرض صحيح سواء أكنا نعتقد في ذلك ام لا نعتقد، فاذا لم نسلم بصحة هذا الفرض فاننا نعجز عن الوصول إلى اختبار حقيقي له.

ولابد لنا ان نسلم فوق ذلك بما يسلم به الكثيرون من اي قدرتنا على الملاحظة لا تستطيع ان تمتد لغير جزيء ضئيل نسبياً من الحقيقة الكلية. فالاله الذي نسلم بوجوده لا ينتمي إلى عالم الماديات، ولا تستطيع حواسنا المحدودة ان تدركه، وعلى ذلك فمن العبث ان نحاول اثبات وجوده باستخدام العلوم الطبيعية لانه يشغل دائرة غير دائرتها المحدودة الضيقة. فاذا لم يكن للاله وجود مادي فلابد ان يكون ذلك الاله روحانيا، أو هو يوجد في عالم من الحقيقة غير ذلك العالم الفيزيقي على اية حال، وبذلك فانه لا يمكن ان تحده تلك الأبعاد الثلاثة، أو ان يكون خاضعا لقيود الزمان التي نعرفها، ولابد لنا ان نسلم ان هذا الكون المادي الذي يخضع لقيود الزمان والمكان ليس الا جزءا يسيرا من الحقيقة الكبرى التي ينطوي عليها هذا الوجود. وليس مثل ذلك الا كمثل سطح البحر بالنسبة

ص: 19

للشخص الذي اشرنا اليه في بدء الحديث، والذي يعتبر سطح البحر بالنسبة له جزءا ضئيلا من العوالم الاخرى الموجودة فعلا والتي لا يستطيع ان يدركها بسبب قصوره ولكنه قد لا يعجز عن الاستدلال عليها.

فاذا سلمنا بوجود الله فلا بد ان نسلم بقدرته على ان يكشف لنا بعض الحقائق الغيبية التي لا نستطيع ان ندركها لقصورنا. واننا لنجد في الكتب السماوية كثيرا من المعلومات حول العالم الروحاني. وقد وصلت هذه المعلومات الينا عن طريق بعض البشر من الرسل الذين كشف الله لهم من عوالم الغيب ما لم يكشفه لغيرهم. ولا يمكن ان تكون هذه النبوءات خاضعة لقيود الزمان التي نعرفها. وليس التنبؤ بالغيب هو الدليل الوحيد على صدق الرسل، وكلننا نشير اليه كمثال لطريقة من طرق الاستدلال على صحة ما جاءوا به.

وقد سبقت المسيح (1) عليه السلام مثلا نبوءات عديدة جاءت قبله بمئات السنين وتناولت كثيرا من المعلومات حول شخصه وطبيعته وما سوف يقوم به أو يحدث له. وكلها من الاشياء التي عجزت العلوم حتى اليوم ان تجد لها تفسيرا، وقد أيدت الأيام وأثبت التاريخ صدق هذه النبوءات جميعا، فقامت بذلك دليلا على صحة رسالته. ان الايمان بوجود الله من الأمور الخاصة التي تنبت في شعور الانسان وضميره، وتنمو في دائرة خبرته الشخصية.

واذا أراد الإنسان ان يتثبت من صحة المعلومات الغيبية التي يخبره بها شخص آخر، فلا بد ان يشترك في التجربة ويتهيأ لها حتى يستطيع ان يحكم عليها. وكذلك الحال فيما يتعلق بالايمان بالله، فلا بد ان يدرس الإنسان أولا نوع العلاقات التي يمكن ان تكون

(1) - وكذلك تنبأ السيد المسيح بمحمد (ص) كما جاء في قول الله تعالى: {وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد..} سورة الصف، آية: 6

(المترجم)

ص: 20

بينه وبين خالقه، وما ينبغي ان تكون عليه هذه العلاقات، فاذا درس الإنسان الشروط التي يلزم توافرها لقيام هذه العلاقة واتجه بقلبه وكليته نحو تحقيق هذه الشروط فانه سوف يشاهد الحقيقة كاملة، عندئذ يغمر الايمان قلبه ويؤثر في حياته ولا يدع في نفسه مجالا للشك، واذا ذاك يكون الله أقرب اليه من نفسه ويصير إيمانه به يقيناً.

ص: 21

درس من شجيرة الورد

كتبها: ميربت ستانلي كونجدن

عالم طبيعي وفيلسوف

دكتوراه من جامعة بورتون – أستاذ سابق باحدى كليات فلوريدا – عضو الجمعية الأمريكية الطبيعية – اخصائي في الفيزياء وعلم النفس وفلسفة العلوم والبحوث الانجيلية.

منذ سنوات عديدة رأيت شجيرة ورد جميلة مزهرة نمت على جانب طريق منعزلة في بنسلفانيا. وعندما مررت بالمكان بعد فترة من الزمن، رأيت بجوار الشجيرة أنقاض كوخ صغير متهدم وقد غطتها الأعشاب وبعض البقايا النباتية. وكانت أقرب المساكن تبعد عن هذا المكان بما لا يقل عن نصف ميل. وقد استبعدت من خاطري ان تكون هذه الشجرة قد نمت بجوار الكوخ بمحض المصادفة من بذرة حملتها الريح أو الماء أو بعض الحيوانات الاخرى، أو من جزيء من ساق الورد قذفت به الاقدار إلى هذا المكان. لقد أدركت بالبداهة انه لابد ان تكون هذه الشجيرة قد زرعها انسان لينتفع بها بجوار ذلك الكوخ، ومع انني لم أر هذه الشجيرة عند زراعتها وليس لدي مرجع استدل به على تاريخها فانني لم أشك في أنها قد زرعت في مكانها وتحت ظروفها بوساطة الانسان.

هذا نوع من الاستدلال. وقد نستبعد في بادئ الامر استخدام هذا النوع من المنطق أو التفكير في ميادين العلوم. ولكننا سوف تصدمنا الحقيقة، وهي ان هذا الأسلوب من أساليب الاستدلال هو الأسلوب الوحيد الذي قام عليه علم من اقدم العلوم الطبيعية، الا وهو الفلك. فنحن لا نستطيع ان نخضع المجرات والنجوم والسيارات في أفلاكها لحكم التجربة، كما اننا لا نستطيع ان نتخلص من آثار الاشعة الكونية التي تفصل بيننا وبين

ص: 22

هذه الاجرام السماوية عند دراستها، بل لا نستطيع ان نعدل ما يطرأ على الموجات الضوئية والصوتية المنبعثة من هذه الاجرام من تغيرات بسبب المسافات الشاسعة التي تفصل بيننا وبينها.

ومع كل ذلك فان هذه الظروف لم تحل بيننا وبين دراسة هذه الكوكب والنجوم في سمواتها، والاستفادة من النظريات والقوانين التي وصلنا اليها في دراسات اخرى مشابهة في ميادين العلوم. وقد وصلنا بفض كل ذلك إلى كثير من المعلومات والحقائق عن هذه العوالم التي لا نستطيع ان نراها الا من بعد، ولا نستطيع ان نمحصها الا تحت ظروف صعبة معقدة. وما بالنا نذهب بعيدا وقد درسنا الذرة واستخدمنا ما نعرفه من قوانين الكتلة والطاقة في استنباط صفاتها وتركيبها وخواصها، ونحن مع ذ

لك لم نر الذرة حتى اليوم بطريقة مباشرة. ولقد ايدت القنبلة الذرية الأولى ما وصلنا اليه من قوانين ونظريات حول تركيب الذرة غير المنظورة ووظائفها. اننا نستدل على هذه الظواهر جميعا بآثارها، معتمدين في ذلك على الاستدلال المنطقي الصرف وعلى ما لدينا من حقائق اولية بسيطة تتعلق بهذه الظواهر والأشياء. واننا لنستطيع ان نستخدم نفس المنطق الاستدلالي في ادراك وجود الله تعالى ومعرفة صفاته. اننا نستطيع ان نستخدم المنطق لكي ندرك ان لخالق هذا الكون صفات تناظر الصفات التي نجدها في أنفسنا، فلابد ان يكون سبحانه متصفا بالحكمة والإرادة والقدرة.

ومما لا شك فيه اننا نحتاج في محاولتنا لوصف الخالق ومعرفة صفاته إلى مصطلحات ومعان تختلف اختلافا بينا عن تلك التي نستخدمها عندما نصف عالم الماديات، فالصفات المادية والتفسيرات الميكانيكية التي تقوم على نظريات السلوكيين تعجز عن ان تعيننا على تحقيق هذه الغاية. وبخاصة بعد ان تبين لنا ان هذا الكون الذي نعيش فيه لا يمكن ان يكون مادة صرفا وانما هو مادة وروح، أو مادة وغير مادة. ولا نستطيع ان نصف الاشياء غير المادية بالأوصاف المادية وحدها.

ص: 23

وكثيرا ما طلبت إلى تلاميذي ان يصفوا لي شيئا غير مادي مثل (الفكرة) ، وطلبت اليهم ان يبينوا لي التركيب الكيماوي للفكرة وطولها بالسنتيمترات، ووزنها بالغرامات ولونها وضغطها وان يصفوا لي شكلها وصورتها. وقد عجزوا جميعا عن تحقيق ذلك. وصار من الواضح انه لكي نصف أمرا غير مادي لا بد من استخدام مصطلحات وأوصاف اخرى تختلف اختلافا كبيرا عن المصطلحات التي نستخدمها في دائرة العلوم.

اننا لا نستطيع ان نسخر من هذه المشكلة أو نفر منها. فلو لم يكن هذا الكون ثنائيا لاستطعنا ان نعرف الفكرة تعريفا ماديا صرفا، وهو ما لم يحدث أبدا. والنظريات المادية التي قدمها ديموقريطس وهوبز والسلوكيون، وكذلك النظريات المثالية الصرف التي تفر هذا الكون تفسيرا معنويا خالصاً مما قدمه ليبنتز وبيركلي وهيجل، نقول ان هذه النظريات الأحادية جميعا لا تعدو ان تكون مجرد افتراضات تقوم على التخمين ولا تستند إلى اي أساس من الوجهة التجريبية. ولابد لأي فلسفة تحاول ان تفسر الطبيعة والكون من ان تختبر أولا لمعرفة مدى قدرتها على تفسير سائر أنواع الحقائق والعوامل والعناصر التي يتألف منها هذا الكون أو تظهر فيه.

ان العلوم حقائق مختبرة، ولكنها مع ذلك تتأثر بخيال الإنسان وأوهامه ومدى بعده عن الدقة في ملاحظاته وأوصافه واستنتاجاته. ونتائج العلوم مقبولة داخل هذه الحدود. فهي بذلك مقصورة على الميادين الكمية في الوصف والتنبؤ، وهي تبدأ بالاحتمالات وتنتهي بالاحتمالات كذلك، وليس باليقين. ونتائج العلوم بذلك تقريبية وعرضة للأخطاء المحتملة في القياس والمقارنات، ونتائجها اجتهادية وقابلة للتعديل بالإضافة والحذف، وليست نهائية. واننا لنرى ان العالم عندما يصل إلى قانون أو نظرية يقول ان هذا هو ما وصلنا اليه حتى الان، ويترك الباب مفتوحا لما قد يستجد من التعديلات.

ان العلوم تبدأ بقضايا أو بديهيات مسلم بصحتها برغم انها لا تستند أساسا على حقيقة

ص: 24

فيزيائية ملموسة. وعلى ذلك فان العلوم تقوم على أساس فلسفي. والخبرة الشخصية في العلوم كما في الفلسفة والدين هي المحك النهائي والملاذ الأخير الذي تختبر به جميع الحقائق في العلوم كما في الفلسفة والدين. وبرغم انه لابد ان تكون الحقائق والنظريات التي يصل اليها رجال العلوم قابلة للاختبار والتحقيق على أيدي غيرهم من العلماء فان ادراكنا الشخصي للظواهر الطبيعية يعتبر أمراً نسبيا ويتوقف على ظروف خاصة بنا.

ومع ذلك فان هذه الحدود والقيود لا تهون من شأن الطريقة العلمية ولا من قيمة النتائج التي نصل اليها باستخدامها، ولكنها توجه الجهود وتقيد النتائج. ومن ذلك ندرك عجز العلوم عجزا كليا من ان تعالج المشكلات التي تبعد عن التحليل أو التركيب الكمي.

فلننتقل الان إلى السؤال الذي يدور حول وجود الله، وهو بطبيعة الحال من الاسئلة التي لا نستطيع العلوم بقيودها السابقة ودائرتها المادية الضيقة أن تعالجها. ولكنه اذا كان هنالك تأثير من العالم الروحي على العالم المادي، فان هذا التأثير يدخل في دائرة العلوم الطبيعية. ولا بد من قبول اية طريقة سليمة نستطيع ان تعالج هذه المشكلة، ومن ذلك طريقة الاستدلال المنطقي التي تقوم على تفسير النتائج بنظائرها أو مثيلاتها، وهي الطريقة التي أشرنا اليها من قبل.

وتعالج العلوم كثيرا من الظواهر الطبيعية التي تحدث في هذا الكون، وبرغم ان العلوم لا تؤيد وجود عالم غير مادي تاييدا كاملا، فانها لا تستطيع ان تنفي بصورة قاطعة وجود عوالم اخرى غير مادية وراء العالم المادي. ونستطيع بطريقة الاستدلال والقياس بقدرة الإنسان وذكائه، في عالم يفيض بالأمور العقلية، ان نصل إلى وجوب وجود قوة مسيطرة مدبرة تدبر هذا الكون وتدبر أموره وتعيننا على فهم ما يغمض علينا من أمر منحنيات التوزيع، ودورة الماء في الطبيعة، ودورة ثاني أوكسيد الكربون فيها، وعمليات التكاثر العجيبة، وعمليات التمثيل الضوئي ذات الاهمية البالغة في اختزان الطاقة الشمسية وما لها من أهمية بالغة في حياة

ص: 25

الكائنات الحية، وما لا يحصى من عجائب من هذا الكون. اذ كيف يتسنى لنا ان نفسر هذه العمليات المعقدة المنظمة تفسيرا يقوم على أساس المصادفة والتخبط العشوائي؟ وكيف نستطيع ان نفسر هذا الانتظام في ظواهر الكون والعلاقات السببية، والتكامل، والغرضية، والتوافق، والتوازن، التي تنتظم سائر الظواهر وتمتد آثارها من عصر إلى عصر؟ كيف يعمل هذا الكون دون ان يكون له خالق مدبر هو الذي خلقه وأبدعه ودبر سائر أموره؟

ان جميع ما في الكون يشهد على وجود الله سبحانه ويدل على قدرته وعظمته. وعندما نقوم نحن العلماء بتحليل ظواهر هذا الكون ودراساتها، حتى باستخدام الطريقة الاستدلالية، فاننا لا نفعل أكثر من ملاحظة آثار أيادي الله وعظمته (1) . ذلك هو الله الذي لا نستطيع ان نصل اليه بالوسائل العلمية المادية وحدها، ولكننا نرى آياته في أنفسنا وفي كل ذرة من ذرات هذا الوجود. وليست العلوم الا دراسة خلق الله وآثار قدرته.

ص: 26