الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجاز العقلي
وردت تأويلات محمولة على المجاز العقلي لا تكاد تحصر في كلام العلامة ابن القيم ومن ذلك:
ماء دافق:
لابن القيم وقفة في توجيه قوله تعالى: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} حكى فيها أقوالاً عن غيره، ثم أدلى هو فيها بدلوه فقال:
"والدافق قيل إنه فاعل بمعنى مفعول، كقولهم: سِرٌ كاتم، وعيشة راضية، وقيل هو على النسب، أي ذي دفق".
نقل العلامة هذين القولين، ومع التسليم باًلأصل المقيس عليه "سر كاتم" وهو عند البلاغيين مجاز عقلي علاقته المفعولية، نازع أن تكون الآية:{مَاءٍ دَافِقٍ} من قبيل: سر كاتم، واختار أن يكون "دافق" اسم فاعل على بابه أي دافق هو لا مدفوق. وحمله على قولهم: نهر جار، ورجل ميت. بناء على أن الفاعل هو من فعل الفعل أو قام به، وعنده أن النهر والميت وقع عليها الفعل: الجري والموت، ولم يفعلاه في الواقع بيد أن تسويته بين جريان النهر وموت الميت غير سديد لن الماء في مجرى الحس والمشاهدة فاعل للجريان بخلاف الميت فإن الفعل واقع عليه.
وشاهدنا في هذا الموضوع هو تسليمه بأصل التأويل المجازي العقلي في سر كاتم، وعدم اعتراضه عليه كل ما في الأمر أنه لم يسلم بحمل "ماء دافق" عليه
فاعل التزيين: -
ومن أوضح تأويلاته المفضية - قطعاً - إلى المجاز العقلي حديثه عن فاعل تزيين الأعمال السيئة في نفوس فاعليها ففي القرآن الكريم جاء إسناد هذا التزيين
إلى الله في مواضع، ثم إلى الشيطان في مواضع أخرى، كما أسندت إلى فاعليها من العباد أحيانأً، أو يُبني الفعل للمفعول ويُطوى ذكر فاعله.
فمن الإسناد إلى الله - سبحانه - قوله تعالى في سورة الأنعام آية (108){كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ} ومن الإسناد إلى الشيطان قوله تعالى في سورة العنكبوت آية (38){وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ..} ومن الإسناد إلى العبد قوله تعالى في سورة يوسف آية (18) {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا
…
} ومن الإسناد إلى المجهول قوله تعالى في سورة فاطر آية (8) {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ
…
} .
وقد عهرض العلامة ابن القيم لتوجيه اختلاف الإسناد في هذه المواضع فقال:
"فاضاف التزيين إليه - سبحانه - خلقاً ومشيئة ونسبه إلى سببه - يعني الشيطان - ومن أجراه على يديه تارة".
أما الإسناد إلى العبد فلإنه أحب تزيين الشيطان. وردت هذه التأويلات المجازيو لالرد على القدرية الذين يمنعون غسناد ما فيه قبح إلى الله، ويدفع هذا القول بأنها من الشيطان ومن العبد قبيحة. أما من الله فلا قبح لأنه فعله عقاباً فهو منه جميل.
ولا ريب أن إسناد التزيين إلى الله حقيقة إذ هو خالقه ومشيؤه كما يقول العلامة نفسه في الموضع المشار إليه من كتابه: شفاء العليل.
أما الإسناد إلى الشيطان فلإنه سبب داع ومؤثر أما العبد فلإنه مباشر للفعل.
والإسناد إلى الشيطان والعبد إسناد مجازي عقلي حيث جُعِل غير الفاعل فاعلاً، وهذا هو المجاز العقلي عند علماء البيان، فلم يترك ابن القيم إلا تسمية هذا التأويل مجازاً.