المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

إلا بلسان قومه ليبين لهم. ‌ ‌استطراد: - ويستطرد الشيخ فيقول: "إنه لا - المجاز عند الإمام ابن تيمية وتلاميذه بين الإنكار والإقرار

[عبد العظيم المطعني]

فهرس الكتاب

- ‌من أقوال الأئمة عن المجاز

- ‌الفصل الأول الإمام ابن تيمية

- ‌ولكن:

- ‌التأويلات التي نقلها ثم ارتضاها

- ‌ضرر الأصنام ونفعها:

- ‌التأويل الاستعاري:

- ‌النزاع بين مجوزي المجاز ومانعيه لفظي:

- ‌نص ثالث

- ‌نص رابع:

- ‌نص خامس:

- ‌الدفاع عن الأئمة الأعلام:

- ‌الفصل الثاني الإمام ابن القيم

- ‌أما الإمام ابن القيم فلنا على مذهب الإقرار بالمجاز عنده دليلان إضافيان لا يتطرق إليهما شك

- ‌المجاز العقلي

- ‌عيشة راضية:

- ‌المجاز المرسل

- ‌تمهيد:

- ‌المجاز اللغوي الاستعاري

- ‌صور المجاز العقلي

- ‌صور المجاز اللغوي

- ‌ورود المجاز صريحاً بلفظه ومعناه في حر كلامه

- ‌الكلام: متى يكون

- ‌الفصل الثالث وقفة مع الشيخ الشنقيطي

- ‌منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز

- ‌موضوعات رسالة الشيخ الشنقيطي

- ‌نقد ما أورده في المقدمة:

- ‌كل مجاز يجوز نفيه:

- ‌تعقيب:

- ‌الرد على شواهد الجواز

- ‌استطراد:

- ‌المجاز ليس أعجميا

- ‌المجاز العقلي

- ‌تعقيب:

- ‌اهتزت وربت:

- ‌المجاز المرسل:

- ‌وقفة مع هذا الكلام:

- ‌خلقك من تراب:

- ‌وقفة مع هذا الكلام:

- ‌خروج الأمر:

- ‌المجاز الاستعاري:

- ‌وقفة مع الشيخ:

- ‌الاستعارة في زمن الفعل:

- ‌صفوة القول:

الفصل: إلا بلسان قومه ليبين لهم. ‌ ‌استطراد: - ويستطرد الشيخ فيقول: "إنه لا

إلا بلسان قومه ليبين لهم.

‌استطراد:

-

ويستطرد الشيخ فيقول: "إنه لا مانع من كون العربل تستعمل الإرادة عند الإطلاق في معناها المشهور. وتستعملها في الميل عند دلالة القرينة على ذلك. وكلا الاستعمالين حقيقة في محله".

تعقيب: -

في هذا الكلام صواب وغير صواب. وأما الصواب ففي استعمال العرب الإرادة في معناها المشهور عند الإطلاق، وفي غيره بمعونة القرنية وهذا ما يقوله مجوزو المجاز، فقد اتفقنا إذن فعلام الجدل؟!.

وأما غير الصواب فجعل كلا الاستعمالين حقيقة في محله. فقد أقر الشيخ رحمه الله أن هناك فرقاً بين الاستعمالين. والفرق يعني اختلاف التسمية. فما دام الأول يسمى حقيقة، وهو بها جدير فبم نسمي الثاني لنمايز بينهما في التسمية كما تمايزا في الدلالة؟!.

لو سميناها معاً حقيقتين أو مجازين، لجمدت اللغة فلم نجد فيها علامة تميز به الاثنين ولكانت اللغة قاصرة عن دقائق البيان؟ كيف وهي لغة التنزيل المحكم المعجز:

إن لغتنا الجميلة وافية بحاجات المعبرين كل الوفاء. وأن فيها فروقاً جد واضحة بين المتماثلين، كاليدين والرجلين والعينين. ولا ينفي أحد التماثل بين هذه الألفاظ. ولكن اللغة تفرق بينهما فيقال:

اليد اليمنى واليد اليسرى، وهكذا الرجلان والعينان. فلو كان لا نجد علامة للتفرقة بين المعنى عند الإطلاق. والمعنى عند التقييد لكن ذلك قصوراً في لغة لا تعرف القصور. ولكن لغتنا اسعفتنا بكيفيات الدقة في التعبير. فكان المعنى عند

ص: 62

الإطلاق حقيقة، وعند التقييد الخاص مجازاً. وإن كان ليس كل مقيد مجازاً.

والواقع يدفع دعوى الشيخ للتساوي بين الدلالتين. فهل كان العربي ذو السليقة العربية يفهم من قولنا: "أراد الرجل أن ينقض" نفس المعنى من قولنا: أراد الجدار أن ينقض؟ لو قلنا هذا لاتهمناه بالبلادة والعجز عن فهم لغته.

إن إرادة الرجل أو الإنسان العاقل موضع مدح إن كانت في الخير. وموضع ذم إن كانت في الشر. د

أما إرادة "الجدار" فلا تمدح ولا تذم. ولو كان العربي يفهم من تلك الإرادة ما يفهم من هذه الإرادة لما استحق أن يخاطبه الله بكلامه الرفيع المعجز.

والصياغة القرآنية نفسها ترد هذا الفهم. فالنظم القرآني يقول: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ} قال فأقامه ليدل على أن المراد من "الإرادة" الاعوجاج والميل. أي أن موسى عليه السلام رأى الجدار مائلاً معوجاً فأقامه. يعني جعله قائماًَ مستوياً ولعل السر البياني هنا هو تصوير قرب الجدار من الانقضاض والتهدم، بإرادة المريد حقيقة لهذا التهدم، فكأنه هو الفاعل المختار لهذا الفعل.

أما في قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} فقد حاول الشيخ رحمه الله محاولات عديدة لاخراجها من المجاز عند الأصوليين والبيانيين وقد وسع دائرة الجدل حولها عله يلتقط خيطاً يصل به إلى المراد وننقل فيما يلي ما انتهى إليه من محاولاته. قال رحمه الله:

"فظهر أن مثل واسأل القرية من المدلول عليه بالاقتضاء وأنه ليس من المجاز عند جمهور الأصوليين القائلين بالمجاز في القرآن. وآحرى غيرهم - يعني البيانيين - مع أن حد المجاز لا يشمل مثل: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} لأن القرية فيه عند القائل به من مجاز النقص مستعملة في معناها الحقيقي، وإنما جاءها المجاز عندهم من قبيل النقص المؤدي لتغيير الإعراب. وقد قدمنا أن المحذوف مقتضى،

ص: 63

وأن أعراب المضاف إليه إعراب المضاف إذا حذف من أساليب اللغة العربية".

نقد هذا الكلام:

إن من يرجع إلى كتب جميع الأصوليين يجدهم عند حديثهم عن اقسام المجاز يمثلون أول ما يمثلون لمجاز النقص بقوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} ولا يكاد يشذ منهم أحد.

فمحاولة إلزام الشيخ الأصوليين بإخراج هذه الآية من المجاز طريقها جدلي بحت.

يضاف إلى ذلك أن دلالة الإقتضاء عند الأصوليين واحدة من دلالات المجاز. وضابط المجاز ينطبق عليه تماماً. لإإن وجد من بينهم من يرى خلاف ذلك فما أكثر التصورات غير الدقيقة التي يثبتها كثير من الأصوليين في بحث المجاز، والعاصم من هذا الخلط هو تحقيقات البلاغيين كالسعد والسيد، وقد صححا كثيراً من تصورات الأصوليين غير الدقيقة.

أما قول الشيخ: أن القرية مستعملة في معناها الحقيقي ليتوصل بهذا القول إلى نفي المجاز عنها فهذا كذلك - مردود. لأن القرية هنا لها تخريجان:

الأول: أنها باقية على مدلولها الحقيقي فعلاً. وهذا لا يخرجها من المجاز، لأن الذي فيها مجاز عقلي واقع في النسب والإسناد. والمجاز العقلي لم تخرج فيه الألفاظ عن مدلولاتها اللغوية ولذلك كان التجوز فيه عقلياً.

الثاني: إخراجها عن المدلول اللغوي فشبهت بمن يسأل ويكون التجوز فيها لغوياً (استعارة بالكناية) وعلى كلا التقديرين فهي غير خارجة عن دائرة المجاز سواء قلنا باستعمالها في معناها الحقيقي، لو خروجها عنه فأين المفر؟.

أما قوله: جاءها المجاز من تغيير الأعراب فهو فليس بدقيق لأن تغيير

ص: 64

الإعراب ترتب عليه تغيير المعنى فأصبحت القرية معه "مسئولة" وكان المسئول فيما لو لم يغير إعرابها هو أهلها لا هي.

وهذه الآية لفتت نظر الرواد منذ عهد سيبويه، وكان لها فضل كبير في تنشئة المجاز وتطوره، ولكن الشيخ رحمه الله بعد خمسة عشر قرناً يريد أن يعكس مسيرة الفلك، وهذا شيء فات أوانه.

جناح الذل:

ويذهب الشيخ إلى أن الذل جناح كجناح الطائر من حيث يرى أن الجناح المضاف للذل حقيقة كالجناح المضاف للطائر. وهذه مماحكات لفظية فالذل معنى وقصد، وصورة معقولة، وليس بهيكل ولا جسم، وقد اغرى الشيخ أن يقول: أن جناح الذل حقيقة لا مجاز آيات من القرآن الكريم أضيف فيه الجناح لغير ذي جناح، مثل قوله تعالى:{وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} وقوله تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} وأقوال وردت عن العرب مثل قولهم:

وأنت الشهير بخفض الجناح

فلاتك في رفعه أجدلا

والشيخ رحمه الله حفظ شيئاً وغابت عنه أشياء. فليست دلالة الجناح على "الجنب واليد" كدلالة الجنب على الجنب واليد على اليد فالجناح في قوله تعالى: {وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} غير الجناح في قوله سبحانه: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ..} والدليل على ذلك أن القرآن الكريم يستعمل الجناح في مواضع، واليد في مواضع، والمواضع التي يستعمل فيها "اليد" مطلوب فيها دقة الضبط لأنها موارد للأحكام الشرعية.

ففي بيان حد السرقة جاء في التنزيل المحكم: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ، ولم يقل

ص: 65

جناحيهما.

وفي بيان كيفية الوضوء جاء فيه: {.. فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} .

وفي بيان كيفية التيمم جاء فيه: {وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} .

وجاء فيه أيضاً: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} .

وفي بيان حد المفسدين في الأرض يقول: {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ} .

وفي بيان التفضل على المؤمنين بكف الأذى عنهم جاء فيه:

{إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ} .

لم يقل في كل ذلك: أجنحتكم ولا أجنحتهم. فدل ذلك على أن الجناح ليس يداً. وإنما تشبه اليد بالجناح في مواضع إثارة العواطف كما هو. فهي في الأولى دلالة علمية مقنعة. وفي الثانية دلالة أدبية ممتعة.

أما ورود ذلك عن العرب. فالعرب ما أكثر المجازات في كلامهم. ولولا ورود المجاز عنهم لما وجد له أثر في العصور اللاحقة. ولما حفل به القرآن الكريم.

الرجوع إلى الكناية:

وكأننا بالشيخ رحمه الله قد أحس بصعف ما ذهب إليه فعدل عن الحقيقة الخالصة إلى الكناية فقال:

ص: 66

"والجواب: أن الجناح في قوله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ} إن الجناح هنا مستعمل في حقيقته؛ لأن الجناح يطلق على يد الإنسان وعضده وابطه؟!!.

والخفض مستعمل في معناه الحقيقي.. لأن مريد البطش يرفع جناحيه ومظهر الذل والتواضع يخفض جناحيه. فالأمر بخفض الجناح للوالدين كناية عن لين الجانب..".

تعقيب:

إن الذهاب إلى حقيقة الجناح والخفض - هنا - فيه حجر على معنى الآية الوارف الظلال. فقد يكون "الولد" خافض الجناحين، وهو مع هذا من أشد الناس عنفاً. وألحقهم أذى بوالديه. ولا يكون - على هذا الفهم الضيق" باراً بوالديه ولو إذا خفض جناحيه. هذا لازم الوقوف عند المعنى الحقيقي للجناح والخفض.

وكذلك فإن رفع الجناحين لا يلزم منه الشدة والعنف، فقد يكون دليلاً على الاستسلام وفقدان الحول والقوة.

وهذه المحاذير لا ترد إذا حملنا الكلام على التمثيل لحالة الطائر فإنه يكون أقرب ما يكون من النفع والقرب من مريديه إذا خفض جناحيه وترك الطيران وهبط على الأرض، وحين يكون طائراً فذلك هو الشرود والعقوق بعينه؟.

وما رأي الشيخ رحمه الله في ولد اقطع اليدين أو مشلولهما. أهذا مستحيل عليه أن يبر والديه حيث لا يدان أو لا جناحان له يخفضهما؟.

وإذا غضضنا الطرف عن هذا كله، أنسى الشيخ رحمه الله أن الكناية فيها. جانبا حقيقة ومجاز. فليست هي حقيقة خالصة، ولا مجازاً خالصاً. فالقائل بجواز ورودها في القرآن قائل - لا محالة - بوقوع نصف مجاز في القرآن، وهو يستوي مع من قال بوقوع مجاز كامل. فأين المفر مرة أخرى.

ص: 67