الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مدائن البر الطويل المتصل بالأندلس، من مدائن أنبولية، واجتمعت به مراراً، ووجدته متميزاً ومحباً للعلوم العقلية، يحفظ عشر مقالات من كتاب إقليدس.
قال: وبالقرب من البلد الذي كنت فيه، مدينة تسمى لوجاره، أهلها كلهم مسلمون من أهل جزيرة صقلية، يقام فيها الجمعة، ويعلن بشعار الإسلام.
قال: ووجدت أكبر أصحاب الإمبراطور منفريد المذكور مسلمين، ويعلن في معسكره بالأذان والصلاة، وبين البلد الذي كنت فيه وبين رومية مسيرة خمسة أيام.
قال: وبعد توجهي من عند الإمبراطور اتفق البابا خليفة الفرنج، وريدافرنس، على قصد الإمبراطور وقتاله، وكان البابا قد حرمه كل ذلك، بسبب ميل الإمبراطور المذكور إلى المسلمين، وكذلك كان أخوه كرا، ووالده فردريك محرمين من جهة البابا برومية، لميلهم إلى الإسلام.
قال: ولقد حكى لي لما كنت عنده، أن مرتبة الإمبراطور كانت قبل فردريك لوالده، ولما مات والد فردريك المذكور، كان فردريك شاباً، أول ما ترعرع، وأنه طمع في الإمبراطورية جماعة من ملوك الفرنج، وكل منهم رجا أن يفوضها البابا إليه، وكان فردريك شاباً ماكراً، وجنسه من الألمانية، فاجتمع بكل واحد من الملوك الذين قد طمعوا في أخذ الإمبراطورية بانفراده.
وقال له: إني لا أصلح لهذه المرتبة، وليس لي فيها غرض، فإذا اجتمعنا عند البابا، فقل ينبغي أن يتقلد الحديث في هذا الأمر ابن الإمبراطور المتوفي، ومن رضي بتقليده الإمبراطورية، فأنا راض به، فإن البابا إذا د الاختيار إلي في ذلك، اخترتك، ولا أختار غيرك، وقصدي الانتماء إليك.
ولما قال هذه المقالة، لكل واحد من الملوك المذكورين بانفراد، وصدقه في ذلك، ووثق به واعتقد صدقه، فلما اجتمعوا عند البابا بمدينة رومية، ومعهم فردريك المذكور، قال البابا للملوك المذكورين: ما ترون في أمر هذه المرتبة، ومن هو الأحق بها؟ ووضع تاج الملك بين أيديهم، فكل واحد منهم قال: قد حكمت فردريك في ذلك، فإنه ولد الإمبراطور وأحق الجماعة بأن يسمع قوله في ذلك، فقام فردريك وقال: أنا ابن الإمبراطور، وأنا أحق بتاجه ومرتبته، والجماعة كلهم قد رضوا بي، ووضع التاج على رأسه، فأبلسوا كلهم، وخرج مسرعاً والتاج على رأسه، وكان قد حصل جماعة من أصحابه الألمانية الشجعان راكبين مستعدين، وركب واجتمعت عليه أصحابه الألمانية، وسار بهم على حمية إلى بلاده.
قال القاضي جمال الدين: واستمر الإمبراطور منفريد بن فردريك المذكور في مملكته، وقصده البابا، وريدافرنس بجموعهما، واقتتلوا معه وهزموه وقبضوا عليه، وتقدم البابا يذبحه، فذبح منفريد المذكور، وملك بلاده بعده أخو ريدافرنس، وذلك في سنة ثلاث وستين وستمائة في غالب ظني.
ثم دخلت سنة ثمان وتسعين وستمائة.
ذكر قتل الملك المنصور حسام الدين لاجين
صاحب مصر والشام:
في هذه السنة، وثب على لاجين المذكور جماعة من المماليك الصبيان، الذين
اصطفاهم لنفسه،
ليلة الجمعة حادي عشر ربيع الآخر، في أوائل الليل، فقتلوه وهو يلعب بالشطرنج، وأول من ضربه شخص منهم يقال له سيف الدين كرجي، بالسيف، وضربه الباقون بعده، حتى قتلوا لاجين المذكور، وطلعوا ليقتلوا مملوكه ونائبه منكوتمر، فاستجار بسيف الدين طغجي الأشرفي، وكان طغجي مقدم هؤلاء المماليك الذين قتلوا لاجين، فأجاره طغجي وبعث بمنكوتمر المذكور إلى الجب، فحبسه فيه، ثم بعد استقراره في الجب توجه كرجي ومعه جماعة فأخرجوا منكوتمر وذبحوه على رأس الجب، ولما أصبح الصباح عن ذلك، جلس طغجي في موضع النيابة وأمر ونهى، وهنالك جماعه من الأمراء أكبر منه، مثل الحسام أستاذ الدار، وسلار وبيبرس الجاشنكير، وغيرهم، فاتفقت آراؤهم على الوقيعة بطغجي، وإعادة الملك إلى مولانا السلطان الملك الناصر المقيم بالكرك، واتفق بعد ذلك وصول بعض العسكر المجردين على حلب، فوصل أمير سلاح، وغيره، وأشار الأمراء المذكورون على طغجي بالركوب، وتلقى أمير سلاح، فامتنع، وعاودوه فأجاب، وركب طغجي من قلعة الجبل، وجعل نائبه بها كرجي الذي قتل لاجين، فعندما اجتمعت الأمراء بالأمير سلاح، تحدثوا فيما فعله الصبيان من قتل السلطان، وأنكرت الأمراء وقوع مثل ذلك، وقالوا إن طغجي هو الذي فعل ذلك، فحطوا عليه بالسيوف، وهرب منهم، فأدركوه وقتلوه، وقصدوا كرجي بقلعة الجبل فهرب، واتبعوه فقتلوه أيضاً. وذلك في ربيع الآخر من هذه السنة، وكانت مدة مملكة حسام الدين لاجين، الملقب بالملك المنصور المذكور، سنتين وثلاثة أشهر. عودة مولانا السلطان الملك الناصر إلى سلطنته
وفي هذه السنة عاد مولانا السلطان الملك الناصر ناصر الدنيا والدين محمد ابن مولانا السلطان الملك المنصور سيف الدنيا والدين قلاوون إلى مملكته. فانه لما جرى ما ذكرناه من قتل لاجين، ثم قتل طغجي، اتفقت الأمراء على إعادة مولانا السلطان الملك الناصر إلى مملكته، فتوجه سيف الدين ابن الملك وعلم الدين الجاولي إلى الكرك، وأحضراه إلى الديار المصرية، فصعد إلى قلعة الجبل، واستقر على سرير ملكه في يوم السبت، رابع عشر جمادى الأولى من هذه السنة، أعني سنة ثمان وتسعين وستمائة، وهي سلطنته الثانية.
فلما استقر السلطان الملك الناصر بالقلعة، اتفق معه الأمراء على أن يكون سيف الدين سلار، نائب السلطنة، ويكون بيبرس الجاشنكير أستاذ الدار، وأن يكون بكتمر الجوكندار أمير جاندار. فلما استقر ذلك، فوض نيابة السلطنة بالشام إلى جمال الدين أقوش الأفرم، وأفرجوا عن شمس الدين قراسنقر من الاعتقال، وكان له فيه نحو سنة وشهرين، ثم بعثوا به إلى الصبيبة وكتب تقليد الملك المظفر محمود صاحب حماة ببلاده على عادته، وبعث به إليه في جمادى الأولى من هذه السنة.