الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر أخبار أبي سعيد ملك المغرب
وفي هذه السنة، أعني سنة خمس عشرة وسبع مائة، اجتمع العسكر على عمر ولد أبي سعيد عثمان، ملك المغرب، وبقي والده خائفاً من العسكر، واقتتل عمر المذكور مع والده أبي سعيد عثمان، وانتصر عمر، وهرب أبوه أبو سعيد إلى تازة، فسار ولده عمر وحصره بها، ثم وقع الاتفاق بينهما على أن يسلم أبو سعيد الأمر إلى ولده عمر المذكور، وأشهد عليه بذلك، وبقي أبو سعيد في تازة، وسار عمر بالجيوش إلى جهة فاس، فلحق عمر بعد أيام يسيرة مرض شديد، فكاتب عسكره أباه بمدينة فاس، وعنده بيوت الأموال والسلاح، فحصره أبوه أبو سعيد نحو تسعة أشهر، ثم وقع الاتفاق بينهما على جانب طائل من المال يتسلمه عمر المذكور، وأن تكون له سجلماسة، فتسلم عمر ذلك وسار من فاس إلى سجلماسة، وتسلمها واستقر أبوه أبو سعيد عثمان بن يعقوب بن عبد الحق في المملكة على ما كان عليه، وكان لعمر المذكور حينئذ من العمر نحو عشرين سنة.
وفيها توفي السيد ركن الدين وكان إماماً مبرزاً في العلوم المعقولات والمنقولات وشرح الحاوي الصغير، ومختصر ابن الحاجب في الفقه وفضائله مشهورة.
ثم دخلت سنة ست عشرة وسبعمائة فيها في العشر الأخير من المحرم، الموافق لأواخر العشر الأوسط من نيسان، وترادفت الأمطار، فحصل سيول عظيمة في بلاد حلب وحماة وحمص، وغرق أهل ضيعة من بلاد حمص مما يلي جهة جوسية. وفيها في الثاني والعشرين من ربيع الأول الموافق لرابع عشر حزيران، وصل إلى حماه من ديار مصر، الأمير بهاء الدين أرسلان الدواداري، وأوقع الوصية على أخبار آل عيسى، ثم استقرت بالوصية على خبر مهنا ومحمد ابني عيسى وأحمد وفياض ابني مهنا المذكور، وركب الأمير بهاء الدين المذكور من عندي للجنا، وسار عليها إلى مهنا، واجتمع به على مربعة، وهي منزلة تكون يوماً تقريباً من السنة، يوم الاثنين سلخ ربيع الأول من السنة المذكورة، وتحدث معه في انقطاعه عن التتر، ولم ينتظم حال، فعاد الأمير بهاء الدين المذكور إلى دمشق، ثم عاد إلى موسى بن مهنا بالقرب من سلمية، ثم عاد إلى دمشق وتوجه هو وفضل بن عيسى إلى الأبواب الشريفة، واستقر فضل أميراً موضع أخيه مهنا، ووصل إلى بيوته بتل أعدا، في أوائل جمادى الأولى من هذه السنة.
ذكر مسيري إلى مصر
وعود المعرة:
في هذه السنة حصلت تقدمتي على جاري العادة، من الخيول والقماش والمصاغ، وسألت دستوراً لأتوجه بنفسي إلى الأبواب الشريفة، فورد الدستور الشريف، وسرت من حماة آخر نهار الجمعة، الخامس والعشرين من ربيع الآخر، الموافق لسادس عشر تموز، وكانت خيلي قد تقدمتني، فلحقتهم على خيل البريد بدمشق، وخرجت من دمشق
في نهار وصولي إليها. وهو يوم الاثنين الثامن والعشرين من ربيع الآخر المذكور، ووصلت إلى القاهرة عشية نهار الأحد ثامن عشر جمادى الأولى، وأنزلت في الكبش، وحضرت بين يدي المواقف الشريفة السلطانية بكرة الاثنين تاسع عشر جمادى المذكورة، وشملني من الصدقات السلطانية ما يفوت الحصر من ترتيب الإقامات في الطرقات من حماة إلى مصر، ومن كثرة الرواتب مدة مقامي بالكبش، ومن الخلع لي ولكل من في صحبتي ووصلني بحصانين بسروجهما ولجمهما، أحدهما كان سرجه محلى ذهباً مصرياً، واتفق عند وصولي زيادة النيل على خلاف العادة، ووفى ماء السلطان وكسر بحضوري في نهار الخميس الثاني والعشرين من جمادى الأولى، الموافق لثاني عشر آب، وتاسع عشر مسري، وهذا شيء لم يعهد في جيلنا وأقمت في الصدقات السلطانية، ووصلني بثلاث خلع، أحدها أطلس تحتاني أصفر وفوقاني أحمر بطرز زركش، وكلوته زركش، وشاس تساعي. والأخرى قبا منسوج بالذهب، وطراز زركش يزيد عن مائة مثقال من الذهب المصري بفرو قاقم والخلعة الثالثة عند مسيري، قباً ثالثاً بالشرج، وتصدق علي بمدينة المعرة وقصبتها زيادة على ما بيدي، وكتب لي بها تقليد يشبه ما كتب لي حماة، ومدحني شهاب الدين محمود كاتب الإنشاء الحلبي بقصيدة، ذكر فيها صدقات السلطان وعود المعرة أضر بنا عن غالبها خوف التطويل فمنها:
بك تزهى مواكب وآسرة
…
ولك الشمس والقواضب آسره
وبأيامك التي هي روض
…
للأماني تجتني ثمار المسره
بك كل الدنيا تهني ويضحي
…
قدرها عالياً وكيف المعره
وتوجهت من الأبواب الشريفة وأنا مغمور محبور بأنواع الصدقات السلطانية، وسرت من الكبش بعد العشاء الآخرة، من الليلة المسفرة عن نهار الجمعة، رابع عشر جمادى الآخرة، وقدمت مملوكي طيدمر الدوادار مبشراً على البريد لأهلي بحماة، ثم حقني إلى سريا قوش الأمير سيف الدين كجري أمير شكار، بسنقور، وكذك وصلني أحمال من الحلاوة والسكر والشمع زائداً عن الإقامات المرتبة في الطرقات، كذلك وصلني سيف محلى بالذهب المصري، وأتممت السير وتوجهت عن غزة زيارة، فزرت الخليل، ثم القدس، وسرت من القدس يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من جمادى الآخرة، ودخلت دمشق يوم الأحد مستهل رجب، ولما أصبحت، سرت ما ودخلت حماة نصف الليلة المسفرة عن نهار الخميس خامس رجب الموافق للثالث والعشرين من أيلول، فإني قصدت في ذلك عدم التثقيل على الناس، فإنهم كانوا قد زينوا حماة واحتفلوا بالبسط لقدومي، فدخلت بغتة ليلاً لذلك ولم يكن عسكر حماة فيها، فإني جردتهم إلى حلب حسب المرسوم الشريف،