الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا ما ذكره الذهبي فاعجب لأمانة الشارح وفهمه!، ومن رجع إلى ترجمة جعفر بن برقان من التهذيب رأى فيها من ثناء الأئمة عليه ووصفه بأنه ثقة ما يملأ صحيفة بتمامها إلا أنهم يستثنون حديثه عن الزهري ويصفونه بأنه اضطرب فيه.
الخامس: ما استدرك به على المصنف من أن النسائي خرج هذا الحديث في كتاب المواعظ من سننه عن عمرو بن ميمون أيضًا، ونقل عن مغلطاي ذلك النقل الذي يكرره في مثل هذا من أنه "ليس لمحدث أن يعزو الحديث إلى كتاب وفي أحد الكتب الستة ما يؤدي معناه"، هو باطل من أصله فإن الحديث لم يخرجه النسائي أصلًا وليس في سنن النسائي كتاب مترجم بكتاب المواعظ، فإن كان ذلك في الكبرى فهي غير معتبرة من الكتب الستة كما هو معروف فالاستدراك بها خارج عن محل النزاع ولم يرده مغلطاي في كلامه، وقد روى هذا الحديث عن جعفر بن برقان عن نافع عن ابن عمر به موصولًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل وهو يعظه:"اغتنم. . . " وذكره.
ورواه البندهي من طريق محمد بن خالد الأزهري: ثنا الربيع بن بدر عن جعفر ابن برقان به، والربيع بن بدر ضعيف لا شيء، فهذا من وهمه وضعفه، والصواب: جعفر بن برقان عن زياد بن الجراح عن عمرو بن ميمون.
597/ 1211 - "اغْتَنِمُوا الدُّعَاء عِنْدَ الرِّقة، فإنّها رحْمَةٌ". (فر) عن أبي
زاد الشارح في الكبير: وكذا القضاعي عن أبي قال: وفيه عمر بن أحمد أبو حفص بن شاهين، قال الذهبي: قال الدارقطني: يخطئ وهو ثقة، وشبابة بن سوار، قال في الكاشف: مرجئ صدوق، وقال أبو حاتم: لا يحتج به.
[في الكلام على الحافظ عمر بن أحمد بن شاهين]
قلت: هذا من عجائب الدنيا وأغرب ما يراه المحدث، بل ومن شم للعلم رائحة
فسطره في كتب العلم، وإن كان ذلك بالنسبة إلى الشارح غير غريب لإكثاره من مثل هذه الطامات الفاضحات، وبيان ذلك من وجوه: الأول: أن عمر بن أحمد بن شاهين الذي أعل الشارح به الحديث هو الحافظ الكبير الثقة المصنف الشهير صاحب التصانيف الكثيرة وأحد مشاهير المخرجين الذين يكثر عزو الحفاظ الأحاديث إلى تخريجهم فهو كالطبراني والدارقطني وابن حبان والبيهقي وتلك الطبقة.
فعلى صنيع الشارح ينبغي أن تعلل الأحاديث بمخرجيها الحفاظ الأثبات فيقال: رواه الطبراني وفيه كلام، وكذلك أبو نعيم وابن منده وابن حبان وغيرهم، لأنه ما من هؤلاء الحفاظ أحد إلا وقد تكلم فيه وذكر في الضعفاء من أجل ذلك الكلام الذي لا يخلو أحد في الدنيا من مثله حتى مالك والشافعي وسفيان وأمثالهم، ومن قرأ ترجمة ابن شاهين انبهر من حفظه وسعة مروياته وكثرة مؤلفاته حتى قيل: إنه لم يؤلف أحد في الإسلام مثله، وقد نقل عنه أنه كان يقول: كتبت بأربعمائة رطل حبر، وصنفت ثلاثمائة وثلاثين مصنفًا منها: التفسير الكبير ألف جزء حديثي في ثلاثين مجلدا ضخما، والمسند ألف وخمسمائة جزء كذلك، والتاريخ مائة وخمسون جزءًا، والزهد مائة جزء وغير ذلك كالترغيب والناسخ والمنسوخ وغيرها، وأثنى عليه الأئمة ووثقوه، قال ابن أبي الفوارس: كان ثقة مأمونا قد جمع وصنف ما لم يصنفه أحد، وقال الأزهري: كان ثقة وكان عنده عن البغوي سبعمائة أو ثمانمائة جزء، قال: وذكرت لأبي مسعود الدمشقي أن ابن شاهين لا يخرج لنا أصوله وإنما يحدث من فروع، فقال لي: إن أخرج إليك ابن شاهين خرقة عليها حديث مكتوب فاكتبه، وقال العقيقي: مات ابن شاهين في ذي الحجة سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، وكان صاحب حديث ثقة مأمون، وكذلك وثقه عصريه وقرينه الدارقطني إلا أنه وصفه بالخطأ، كما ذكره الشارح وتلك رواية حمزة بن يوسف السهمي عن الدارقطني، وقد روى محمد بن عمر الداودي عن الدارقطني تفسير ذلك والسبب الحامل له على وصفه بالخطأ، فذكر الداودي أن
الدارقطني قال له يومًا: ما أعمى قلب ابن شاهين حمل إلى كتابه الذي صنفه في التفسير وسألني أن أصلح ما أجد فيه من الخطا فرأيته قد نقل تفسير أبي الجارود وحرفه في الكتاب وجعله عن أبي الجارود عن زياد بن المنذر وإنما هو عن أبي الجارود زياد بن المنذر.
قلت: وهذا إسراف من الدارقطني دفعه إليه ما يقع بين المتقارنين لا سيما من مثل ابن شاهين الذي يزاحم الدارقطني في الحفظ وسعة الرواية، ويربوا عليه في التأليف وكثرة المؤلفات، وإلا فمثل هذا الوهم في اسم رجل لا يستدعى أن يوصف صاحبه بالخطأ ولا بعمى القلب، وإنما يوصف بالخطأ من يكثر ذلك منه ويفحش حتى تعدم الثقة بقوله ونقله كالشارح المناوي رحمه الله، ولو كان كل من يغلط مرة [أو] مرتين أو عشرة يطرح ويعد خطَّاءً لما سلم من ذلك بشر على الإطلاق، ولكان أول الخطائين الضعفاء الدارقطني نفسه، فإنه على علو كعبه في التحقيق وبلوغه الدرجة القصوى في الحفظ وإجادة المعرفة وإتقان متعلقات هذا الفن له أيضًا أخطاء تعقبها عليه من جاء بعده بل ومن عاصره، فمثل هذا إنما يحصل من المنافسة وحب لمز القرين واظهار عرته ولا مزيد، وقد قال فيه الداودي أيضًا: كان ابن شاهين شيخًا ثقة يشبه الشيوخ إلا أنه كان لحانا وكان لا يعرف من الفقه قليلًا ولا كثيرًا، وكان إذا ذكر له مذهب الفقهاء يقول: أنا محمدي المذهب، وهذه أيضًا نعرة مذهبية والا فمن يقول أنه محمدي المذهب ويكون بالغًا في حفظ السنن والآثار ما لم يحفظ ربعه مجموع الأئمة الثلاثة مالكا وأبو حنيفة والشافعي، كيف يعاب بعدم معرفة أقوالهم وهو عارف دينه من الأصل الذي يجب على كل مسلم أن يعرفه منه وهو الكتاب والسنة؟! على أن هذه حكاية لا تخلوا أيضًا من مبالغة ومنافسة فابن شاهين معدود من فقهاء الحنابلة ورجال مذهب ابن حنبل، وكيفما كان الحال فالثقة والعدالة والحفظ والإتقان للرواية شيء ومعرفة الفقه وأقوال الأئمة وآراء الناس شيء آخر، فابن شاهين حافظ ثقة يستحي من له أدنى دراية بالعلم أن يعلل به الحديث كما صنع الشارح. . . والسلام.