المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ثور بن يزيد عن خالد بن معدان من قوله، وهذا - المداوي لعلل الجامع الصغير وشرحي المناوي - جـ ٢

[أحمد بن الصديق الغماري]

الفصل: ثور بن يزيد عن خالد بن معدان من قوله، وهذا

ثور بن يزيد عن خالد بن معدان من قوله، وهذا لا يقال من قبل الرأي فله حكم الرفع.

‌فائدة

هذا الحديث هو معنى الحديث المتداول بين الصوفية: "ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن".

وقد روى أحمد في الزهد عن وهب بن منبه ما هو قريب من اللفظ المتداول المذكور، فقال أحمد:

أخبرنا إبراهيم بن خالد حدثني عمرو بن عبيد أنه سمع وهب بن منبه يقول: "إن اللَّه عز وجل فتح السماوات لحزقيل حتى نظر إلى العرش -أو كما قال- فقال حزقيل: سبحانك ما أعظمك يا رب، فقال اللَّه: إن السموات والأرض لم تطق أن تحملني، وضقن من أن تسعني، ووسعني قلب المؤمن الوادع اللين"، ذكره (ص 81) طبع مكة المكرمة.

1076/ 2376 - "إِنَّ للإِسْلام صُوًى ومَنَارًا كَمَنَارِ الطَّرِيقِ".

(ك) عن أبي هريرة

قلت: هكذا أخرجه الحاكم مختصرًا من طريق محمد بن أبي السري العسقلاني:

ثنا الوليد بن مسلم عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أبي هريرة به، وقال: صحيح على شرط البخاري، فقد روى عن محمد بن خلف العسقلاني، واحتج بثور بن يزيد الشامي، فأما سماع خالد بن معدان من أبي هريرة فغير مستبعد، فقد حكى الوليد بن مسلم عن ثور بن يزيد عنه أنه قال: لقيت سبعة عشر رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

ولعل متوهمًا يتوهم أن هذا متن شاذ، فلينظر في الكتابين ليجد من المتون الشاذة التي ليس لها إلا إسناد واحد ما يتعجب منه، ثم ليقس هذا عليها اهـ.

ص: 503

وهو كلام حسن للغاية وعلى ضوئه نسير -والحمد للَّه- في اجتهادنا وكلامنا على المتون قبل أن نقف عليه، وهو طريق اجتهاد كل الحفاظ، أما من وقف مع القواعد المقعدة والأصول المقررة في الكتب، فإنه يضيع عليه علم جم، ويفوته خير كبير.

والحديث خرجه جماعة مطولًا، فقال ابن السني في اليوم والليلة [ص 157]:

أخبرني أبو عروبة ثنا سليمان بن عمر بن خالد ثنا عيسى بن يونس عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أبي هريرة مرفوعًا: "إن للإسلام صوى ومنارًا كمنار الطريق، من ذلك أن تعبد اللَّه عز وجل لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة المفروضة، وتؤتي الزكاة، وتحج البيت، وتصوم شهر رمضان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتسليمك على أهل بيتك إذا دخلت عليهم، وتسليمك على من مررت به من المسلمين، فإن ردوا عليك ردت عليهم الملائكة، وإن لم يردوا عليك ردت عليك ولعنتهم أو سكتت عنهم، فمن ترك شيئًا من ذلك فهو سهم من الإِسلام تركه، ومن نبذهن فقد ولى الإِسلام ظهره".

وقال ابن شاهين في الترغيب:

حدثنا عبد اللَّه بن سليمان بن الأشعث ثنا هارون بن محمد بن بكار بن بلال ثنا محمد بن عيسى بن سميع عن ثور بن يزيد به مثله مطولًا.

وقال أبو نعيم في الحلية [5/ 217 - 218]:

حدثنا عبد الرحمن بن العباس الوراق ثنا محمد بن يونس الكديمي ثنا روح بن عبادة ثنا ثور بن يزيد به مثله أيضًا، ثم قال: تفرد به ثور، حدث به أحمد بن حنبل والكبار عن روح.

1077/ 2379 - "إِنَّ للحَاجِّ الرَّاكِب بِكُلِّ خَطْوَةٍ تَخْطُوهَا رَاحِلَتُه سَبْعِينَ حَسَنَةً، وَلِلمَاشِي بِكلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا سَبْعَمِائْةِ حَسَنَةٍ".

(طب) عن ابن عباس

ص: 504

كتب الشارح في الكبير والصغير على قوله: "بكل خطوة تخطوها راحلته سبعين حسنة": من حسنات الحرم، ثم قال: وفيه يحيى بن سليم، فإن كان الطائفي فقد قال النسائي: غير قوي ووثقه ابن معين، وإن كان الفزاري فقال البخاري: فيه نظر عن محمد بن مسلم الطائفي، وقد ضعفه أحمد.

قلت: في هذا أمور، الأول: أن للحديث بقية لم يذكرها المصنف وهي قوله: "سبعمائة حسنة من حسنات الحرم، قيل: يا رسول اللَّه، وما حسنات الحرم؟ قال: الحسنة بمائة ألف حسنة"، هكذا هو عند مخرجه الطبراني وسائر من خرَّجه كما سأذكره.

الثاني: أن الشارح عكس القضية فزاد هذه الزيادة في غير موضعها عند ذكر حسنات الراكب، وسكت عنها في موضعها عند ذكر حسنات الماشي.

الثالث: أنه لم يعرف يحيى بن سليم المذكور، هل هو الطائفي أو الفزاري؟

والواقع أنه الطائفي كما هو معروف من الشيوخ والرواة، وكما هو مصرح به في نفس الإسناد.

الرابع: أنه تعرض لمن في السند من الثقات، وسكت عمن فيه من المجهول الذي لا يعرف، فإن محمد بن مسلم الطائفي رواه عن إبراهيم عن سعيد بن جبير، وإبراهيم هذا غير معروف.

والحديث رواه البزار، والطبراني في الأوسط [1/ 112/ 2]، والكبير [3/ 165/ 2]، قال الحافظ الهيثمي: وله عند البزار إسنادان، أحدهما: فيه كذاب، والآخر: فيه إسماعيل بن إبراهيم عن سعيد بن جبير، ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات.

قلت: ومن هذا الطريق الثاني أخرجه أبو نعيم في تاريخ أصبهان [2/ 354]، لكن وقع عنده: إبراهيم لا إسماعيل بن إبراهيم.

قال أبو نعيم في ترجمة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الحمال:

ص: 505

حدث عنه عبد العزيز بن محمد الخفاف: ثنا يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الحمال ثنا سهل بن عثمان ثنا يحيى بن سليم عن محمد بن مسلم الطائفي عن إبراهيم عن سعيد بن جبير أن ابن عباس قال لبنيه: أخرجوا من مكة مشاة حتى ترجعوا إلى مكة مشاة، فإني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول:"إن للحاج الراكب بكل خطوة تخطوها راحلته سبعين حسنة، وللماشي سبعمائة حسنة من حسنات الحرم، قيل: يا رسول اللَّه، وما حسنات الحرم؟ قال: الحسنة بمائة ألف حسنة".

واختلف فيه على يحيى بن سليم اختلافًا آخر، قال أبو يعلى الموصلي في معجمه رواية أبي بكر بن المقرى:

حدثنا مجاهد بن موسى ثنا يحيى بن سليم الطائفي عن (من) حدثه عن سعيد ابن جبير به مثله.

وللحديث طريق آخر قال الدولابي في الكني [2/ 13]:

أخبرنا أحمد بن شعيب -هو النسائي- أنبأنا عمار بن الحسين ثنا أبو الصباح عيسى بن سوادة النخعي ثنا إسماعيل بن أبي خالد عن زاذان قال: مرض ابن عباس مرضة ثقل فيها فجمع إليه بنيه وأهله فقال لهم: يا بني إني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "من حج مكة ماشيًا كتب اللَّه له بكل خطوة سبعمائة حسنة من حسنات الحرم، فقال بعضهم: وما حسنات الحرم؟ قال: كل حسنة بمائة ألف حسنة".

وقال ابن خزيمة في صحيحه:

حدثنا علي بن سعيد ثنا عيسى بن سوادة (ح)

وقال الحاكم في المستدرك [1/ 461]:

ثنا أبو علي الحافظ ثنا محمد بن الحسين بن حفص الخثعمي ثنا علي بن سعيد ابن مسروق الكندي ثنا عيسى بن سوادة له، ثم قال الحاكم: صحيح الإسناد،

ص: 506

وقال ابن خزيمة: إن صح الخبر ففي القلب من عيسى بن سوادة اهـ.

ولذلك تعقب الذهبي الحاكم فقال: ليس بصحيح، أخشى أن يكون كذبا، وعيسى قال أبو حاتم: منكر الحديث اهـ.

وهذا منه غلو وإسراف، مع أن أبا حاتم قال في هذا الحديث: إنه منكر، وهو تابع في ذلك للبخاري، فإنه خرجه في الضعفاء الكبير: ثنى عبد اللَّه ثنا محمد بن حميد ثنا عيسى به، وقال: منكر الحديث.

ورواه البيهقي في السنن [4/ 331، رقم 8646] من طريق بشر بن موسى الأسدي: ثنا فروة بن أبي المقراء الكندي ثنا عيسى بن سوادة به، وقال: تفرد به عيسى بن سوادة وهو مجهول.

وتعقبه المارديني بأن الحاكم خرج له في المستدرك، وذكره ابن حبان في الثقات [7/ 236]، وقال: روى عن عمرو بن دينار المقاطيع، روى عنه أهل مصر (1). وخفى عليه أنه لم ينفرد به كما قال البيهقي، بل ورد من غير طريقه كما سبق، وبه يرد على الذهبي ومن سبقه في الحكم على الحديث بالنكارة.

1078/ 2381 - "إنَّ للشَّيطَان كُحْلًا وَلَعُوقًا، فَإذَا كَحَّلَ الإِنْسَانَ من كُحْله نَامَتْ عَيْنَاهُ عن الذِّكْر، وَإِذَا لَعَّقَهُ من لَعْوقه ذَرِبَ لسَانُهُ بالشَّرِّ".

ابن أبي الدنيا في مكائد الشيطان (طب. هب) عن سمرة

قال في الكبير: قال الهيثمي: فيه الحكم بن عبد اللَّه القرشي وهو ضعيف اهـ. وأقول: تعصيبه الجناية برأس الحكم وحده مع وجود من هو أشد جرحًا فيه غير صواب، كيف وفيه أبو أمية الطرسوسي المختط؟، وهو كما قال الذهبي

(1) في المطبوع من الثقات: روى عنه أهل البصرة، وفي هامش الصفحة المذكورة إشارة إلى أن الموجود في نسخة المكتبة الظاهرية من كتاب الثقات هو: روى عنه أهل مصر، أما المذكور في النسخة المطبوعة فهو من مخطوطة المكتبة الآصفية. بحيدرآباد بالهند.

ص: 507

في الضعفاء: متهم، أي: بالوضع، وهو أول من اختط دارًا بطرسوس، وفيه الحسن بن بشر الكوفي، قال ابن خراش: منكر الحديث.

قلت: الشارح أحمق يختلق أغلاطًا من نفسه ثم يستدرك بها على الحفاظ، وما الهيثمي بحافظ، بل ولا محدث إذا كان يأتي بمثل ما لمزه به الشارح، ولكن الواقع أن أبا أمية الطرسوسي الذي رآه الشارح في سند البيهقي ليس هو المختط أولًا، بل هو الحافظ محمد بن إبراهيم بن مسلم الخزاعي أبو أمية الطرسوسي صاحب المسند المشهور، من رجال الترمذي والنسائي، وهو ثقة إلا أنه ربما وهم.

أما المختط فهو أقدم من هذا؛ لأنه روى عن مالك، وهذا لم يدرك مالكًا ثم إن المختط لا يعرف بأبي أمية الطرسوسي، بل يعرف بأبي أمية المختط وإنما الشارح رأى في الميزان بعد قوله: المختط: هو أول من اختط دارًا بطرسوس، فظن أنه الطرسوسي الذي رآه في سند الحديث.

ثانيًا: أبو أمية الطرسوسي مع كونه ثقة لم يقع في سند الطبراني ولا ابن أبي الدنيا، إنما وقع في سند البيهقي، فكيف يتكلم الهيثمي عن ثقة لم يقع في سند الطبراني؟!.

قال ابن أبي الدنيا:

حدثنا أبو عبد اللَّه محمد بن الحسين بن صبيح المروزي ثنا الحسن بن بشر بن سلم ثنا الحكم بن عبد الملك عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب به.

أما الحسن بن بشر فهو ثقة من رجال الصحيح احتج به البخاري، ومن شرط الهيثمي ألا يذكر الرجل المختلف فيه إذا كان من رجال الصحيح؛ لأن رواية صاحب الصحيح عنه ترجح جانب التوثيق عملا بالمقالة المعروفة: من روى عنه صاحب الصحيح فقد جاوز القنطرة.

ص: 508

1079/ 2382 - "إنَّ للشَّيطَان كُحْلا وَلَعُوقًا وَنَشُوقًا: أمَّا لَعُوقُه فالكَذبُ، وأمَّا نَشُوقُهُ فَالغَضَبُ، وأمَّا كُحْلُهُ فَالنَّومُ".

(هب) عن أنس

قال في الكبير: فيه عاصم بن على شيخ البخاري، قال يحيى: لا شيء وضعفه ابن معين، قال الذهبي: وذكر له ابن عدي أحاديث مناكير، والربيع بن صبيح ضعفه النسائي وقواه أبو زرعة، ويزيد الرقاشي قال النسائي وغيره: متروك.

قلت: الحديث على طريقة أهل الحديث إنما يعل بيزيد الرقاشي، لأنه متروك، أما غيره فالتعرض لذكرهما إنما هو من فصول الشارح وجهله بالفن، لا سيما عاصم بن على، فإنه لا يذكر لأمرين:

أحدهما: أنه ثقة من رجال الصحيح.

ثانيهما: أنه لم ينفرد به، بل ورد من غير طريقه، قال الطبراني:

حدثنا حفص بن عمر حدثنا قبيصة (ح)

وحدثنا عبد اللَّه بن محمد بن سعيد بن أبي مريم ثنا محمد بن يوسف الفريابي قالا: حدثنا سفيان الثوري عن الربيع بن صبيح عن يزيد الرقاشي عن أنس به.

ثم لا يخفى ما في قول الشارح: قال يحيى: لا شيء، وضعفه ابن معين؛ إذ يحيى هو ابن معين.

1080/ 2383 - "إنَّ للشَّيطَان مَصَالى وفُخُوخًا، وإنَّ مِنْ مَصَاليه وفُخُوخِه البَطَر بنعَم اللَّه تَعَالى، والفَخْرَ بعَطَاء اللَّه، والكِبْرَ عَلَى عبَاد اللَّه، وَاتباعَ الهَوَى في غير ذات اللَّه".

ابن عساكر عن النعمان بن بشير

قال في الكبير: قضية صنيع المصنف أنه لم يره مخرجًا لأشهر من ابن عساكر،

ص: 509

وهو عجيب، فقد خرجه البيهقي في الشعب.

قلت: وقضية صنيع الشارح أيضًا أنه لم يره مخرجًا لغير البيهقي وهو أعجب، فقد خرجه الديلمي في مسند الفردوس المرتب على الحروف، والذي هو في هذا الباب أشهر من شعب البيهقي، فإنه أسنده من طريق ابن لال قال:

حدثنا الحسن بن محمد الفسوي ثنا يعقوب بن سفيان ثنا أبو اليمان حدثنا إسماعيل بن عياش عن أبي رواحة يزيد بن أيْهَم الحمصي عن الهيثم بن مالك عن النعمان بن بشير به مثله.

1081/ 2384 - "إنَّ للشَّيطان لَمَّةً بابْن آدَمَ، وَللْمَلَك لَمَّةً، فأمَّا لَمَّةُ الشَّيطان فإيعَادٌ بالشَّرِّ، وَتَكَذْيبٌ بالحَقِّ، وأمَّا لمَّةُ المَلَك فَإيعَادٌ بالخير، وتَصْديقٌ بالحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلكَ فَلْيَعْلَمْ أنَّه من اللَّه تعالى، فَلْيَحْمَد اللَّه، ومَنْ وجد الأخرى فليتعوَّذْ باللَّه من الشيطان".

(ت. ن. حب) عن ابن مسعود

قال الشارح في الكبير: قال (ت): حسن غريب لا نعلمه مرفوعًا إلا من حديث أبي الأحوص وسندهما سند مسلم إلا عطاء بن السائب، فلم يخرج له مسلم إلا متابعة.

قلت: الشارح يأتي إلى رجال ثقات قيل فيهم كلام لا يضر فيعلل الحديث بهم، ويأتي لأناس ضعفاء فيسكت عنهم، فعطاء بن السائب ثقة ولكنه تغير وساء حفظه بأخرة، بل اختلط فصار يخلط في الحديث، فلم يبق عليه اعتماد، وقد اضطرب في هذا الحديث واختلف عليه فيه، فرواه الترمذي [رقم 2988] والنسائي في "الكبرى" وابن أبي الدنيا، وأبو يعلى، وابن جرير في التفسير، خمستهم قالوا:

حدثنا هناد بن السري ثنا أبو الأحوص عن عطاء بن السائب عن مرة الهمداني عن عبد اللَّه بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم به.

ص: 510

ورواه ابن حبان عن أبي يعلى بسنده.

ورواه ابن جرير عن ابن حميد عن جرير عن عطاء عن مرة عن عبد اللَّه موقوفًا.

ورواه أيضًا عن ابن حميد عن الحكم بن بشير بن سليمان: ثنا عمرو عن عطاء مثله موقوفًا.

ورواه أيضًا عن يعقوب: ثنا ابن علية ثنا عطاء بن السائب فقال: عن أبي الأحوص -يعني عوف بن مالك- أو عن مرة عن عبد اللَّه موقوفًا كذلك.

ورواه مسعر عنه فقال: عن أبي الأحوص -ولم يشك- ذكره ابن كثير ووافقه على وقفه المسيب بن رافع عن عامر بن عبدة أبي إياس البجلي عن عبد اللَّه ابن مسعود قال: "من تطاول تعظما خفضه اللَّه عز وجل، ومن تواضع للَّه تخشعًا رفعه اللَّه عز وجل، وإنَّ للملك لمة وللشيطان لمة. . . " وذكر مثله.

أخرجه أحمد في الزهد عن إسرائيل عن سعيد بن مسروق عن المسيب بن رافع واللفظ له.

وأخرجه ابن جرير عن المثنى عن سويد بن نصر: أخبرنا ابن المبارك عن فطر عن المسيب بنحوه ولم يذكر متنه.

وكذلك أوقفه الزهري عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة عن ابن مسعود، أخرجه ابن جرير عن الحسن بن يحيى أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري به.

وقد تعقب ابن كثير قول الترمذي: لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث أبي الأحوص سلام بن سليم بأن ابن مردويه رواه في التفسير من طريق هارون الفرون عن أبي ضمرة عن ابن شهاب عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة عن عبد اللَّه مرفوعًا.

وخفى عليه أن معمرًا رواه عن الزهري موقوفًا أيضًا كما قدمناه، واللَّه أعلم.

ص: 511

1082/ 2385 - "إِنَّ للصَّائِم عند فطْره لَدَعْوَةٌ مَا تُرَدُّ".

(هـ. ك) عن ابن عمرو

قال الشارح: في كتاب الجنائز من حديث إسحاق بن عبد اللَّه عن ابن أبي مليكة عن ابن عمرو بن العاص، قال الحاكم: إن كان إسحاق مولى زائدة فقد روى له مسلم وإن كان ابن أبي فروة فواهٍ.

قلت: أبى اللَّه للشارح إلا أن يهم، فإن الحديث معلوم بالضرورة أنه مخرج في كتاب الصيام، ولكن الشارح أراد أن ينص على هذا العلم الضروري فضولا منه فوقع في الغلط المضحك فقال: في كتاب الزكاة، معاملة من الحق تعالى له على قدر كبره وغمطه حق الأئمة الحفاظ.

ثم نقله عن الحاكم أنه قال: وإن كان ابن أبي فرواة فواه، هو من تهوره أيضًا، فإن هذه عبارة الذهبي في تلخيص المستدرك لا عبارة الحاكم؛ لأن الذهبي تصرف فيها حسب نظره واجتهاده؛ لأنه يتعقب على الحاكم، والشارح اغتر بقوله: قال الحاكم، فنسب ذلك إليه، وعبارة الحاكم بعد إخراجه الحديث من طريق الوليد بن مسلم:

ثنا إسحاق بن عبد اللَّه قال: سمعت عبد اللَّه بن أبي مليكة يقول: سمعت عبد اللَّه بن عمرو بن العاص [يقول]: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم به، ثم قال: إسحاق هذا إن كان ابن عبد اللَّه مولى زائدة فقد خرج عنه مسلم، وإن كان ابن أبي فروة فإنهما لم يخرجاه اهـ.

والواقع أنه ليس واحدًا منهما، بل هو إسحاق بن عبيد اللَّه المدني، وعبيد اللَّه بالتصغير كما عند ابن ماجه وابن السني في عمل اليوم والليلة، كلاهما من رواية الوليد بن مسلم أيضًا، وإسحاق هذا ذكره ابن حبان في الثقات [6/ 48].

1083/ 2386 - "إنَّ للطَّاعِم الشَّاكر من الأجْر مثْلَ مَا للصَّائم

ص: 512

الصَّابر".

(ك) عن أبي هريرة

قال الشارح في الكبير: رواه في الأطعمة ولم يصححه بل سكت عليه، ورواه البخاري تعليقًا.

قلت: الحاكم خرجه أولًا في الصيام [4/ 137] وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، فتعقبه الذهبي بقوله: هذا في الصحيحين فلا وجه لاستدراكه اهـ.

وهو واهم في ذلك، بل ما ذكره إلا البخاري تعليقًا.

1084/ 2389 - "إنَّ للقُلُوب صَدأ كَصَدإ الحَديد، وجلَاؤُهَا الاسْتغْفَار".

الحكيم (عد) عن أنس

قال (ش): قال الهيثمي: فيه الوليد بن سلمة الطبراني وهو كذاب.

قلت: ومع ذلك فإن الهيثمي أورد الحديث في ترجمة شيخه النضر بن محرز، قال الحكيم الترمذي في الأصل السادس والثلاثين ومائة (1):

حدثنا الفضل بن محمد ثنا إبراهيم بن الوليد بن سلمة الدمشقي قال: حدثنا أبي حدثنا النضر بن محرز عن محمد بن المنكدر عن أنس به.

وقال الطبراني في الصغير [1/ 184]:

ثنا طاهر بن على الطبراني ثنا إبراهيم بن الوليد بن سلمة الطبراني به.

وقال الديلمي في مسند الفردوس:

أخبرنا أبي أخبرنا عبد الملك بن عبد الغفار أخبرنا عمر بن إبراهيم حدثنا عبد

(1) في الأصل الخامس والثلاثين ومائة من النسخة المطبوعة من النوادر، وبدون ذكر السند (1/ 656).

ص: 513

اللَّه بن الحسن بن سليمان ثنا عبد اللَّه بن يزيد بن محمد ثنا أحمد بن على بن فضالة البصري ثنا إبراهيم بن الوليد به.

1085/ 2391 - "إنَّ للمُسْلِمِ حَقّا إذَا رَآه أخُوهُ أنْ يَتَزَحْزَحَ لَهُ".

(هب) عن واثلة بن الخطاب

قال الشارح في الكبير: فيه إسماعيل بن عياش، قال الذهبي: مختلف فيه وليس بقوي، ومجاهد بن فرقد قال في اللسان: حديثة منكر تكلم فيه.

قلت: إسماعيل بن عياش ثقة إذا روى عن أهل بلده الشام، والظاهر أن شيخه شامي، ثم إنه مع ذلك لم ينفرد به، بل تابعه محمد بن يوسف الفريابي، قال البيهقي في الآداب -وتوجد منه نسخة بدار الكتب المصرية-:

أخبرنا أبو طاهر الفقيه ثنا أبو بكر القطان ثنا محمد بن يوسف الفريابي ثنا مجاهد أبو الأسود عن واثلة بن الخطاب به.

1086/ 2393 - "إنَّ للمُهَاجرين مَنَابرَ منْ ذَهَب يَجْلسُون عليها يومَ القيامة قَدْ أمِنُوا من الفَزَع".

البزار (ك) عن أبي سعيد

قال الشارح: بإسناد فيه مجهول وبقية رجاله ثقات.

وقال في الكبير: قال الهيثمي: رواه البزار عن شيخه حمزة بن مالك بن حمزة لم أعرفه وبقية رجاله ثقات.

قلت: وإذ كان مستندك هو هذا فلا يجوز لك أن تقول: فيه مجهول كما بينته مرار، ثم إن حمزة المذكور ليس هو في سند الحاكم، فإنه قال [4/ 77]:

أخبرني أبو محمد بن زياد العدل ثنا محمد بن إسحاق ثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب حدثني عمي أخبرني سليمان بن بلال عن كثير بن زيد عن

ص: 514

عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أَبيه به.

ثم قال: صحيح الإسناد، فتعقبه الذهبي بأن أحمد بن عبد الرحمن واه، فإن كان البزار رواه من غير طريقه فهو شاهد جيد له.

1087/ 2394 - "إِنَّ للوضُوء شَيطَانًا يُقَالُ له: الوَلْهَانُ، فاتَّقُوا وسْوَاسَ المَاء".

(ت. هـ. ك) عن أُبي

قال الشارح العجيب الغريب في كبيره: قال الترمذي: غريب ليس إسناده بالقوي، لا نعلم أحدًا أسنده غير خارجة بن مصعب اهـ. وقد رواه أحمد وابن خزيمة أيضًا في صحيحه من طريق خارجة، قال ابن سيد الناس: ولا أدري كيف دخل هذا في الصحيح؟! قال ابن أبي حاتم في العلل: كذا رواه خارجة وأخطأ فيه، وقال أبو زرعة: رفعه منكر، وقال جدي في أماليه: هذا حديث فيه ضعف، وخارجة ضعيف جدًا وليس بالقوي ولا يثبت في هذا شيء اهـ. وذلك لأن فيه خارجة بن مصعب وهاه أحمد، وكذبه ابن معين، وذكر في الميزان أنه انفرد بهذا الخبر، وقال في التنقيح: وهوه جدًا، وقال ابن حجر: خارجة ضعيف جدًا، وقال أبو زرعة: رفعه منكر، وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه غير الترمذي وإلا لذكره تقوية له لضعفه، وليس كذلك بل رواه عبد اللَّه بن أحمد في زوائد المسند.

قلت: اعجب لما في هذا الكلام من التكرار السخيف أولًا، ثم من قوله عقب كلام جده: وذلك لأن فيه خارجة، مع أن جده صرح بذكر خارجة، ثم لتكراره ذكر خارجة عن مرات، ثم لقوله: وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه غير الترمذي، مع أن المصنف عزاه لابن ماجه، والحاكم أيضًا، ثم لقوله: وليس كذلك، بل رواه عبد اللَّه بن أحمد في زوائد المسند، مع أنه سبق له قبل ذلك أنه عزاه لأحمد وابن خزيمة، ثم لقوله: وإلا لذكره تقوية

ص: 515

لضعفه، مع أنه نقل عن الحفاظ تصريحهم بأن خارجة تفرد به، فهل يبقى بعد هذا شك فيما قلت من خلل الرجل، اللهم إلا أن يكون هذا من كرامات المصنف رضي الله عنه.

1088/ 2395 - "إنَّ لإِبليسَ مَرَدَةً من الشَّيَاطين يقولُ لهم: عليكم بالحُجَّاج والمجاهدينَ فأَضلُّوهم عن السَّبيل".

(طب) عن ابن عباس

قال في الكبير: وفيه شيبان بن فروخ أورده الذهبي في الذيل وقال: ثقة، قال أبو حاتم: يرى القدر، اضطر الناس إليه بآخره عن نافع أبي هرمز، قال النسائي وغيره: غير ثقة.

قلت: شيبان بن فروخ ثقة على الإطلاق، احتج به مسلم، وكونه يرى القدر لا دخل له في تعليل الأحاديث، أما نافع أبو هرمز فكان متروك.

ثم إن هذا السند هو لحديث أنس لا لحديث ابن عباس اللهم إلا أن يكون المصنف وهم في قوله: عن ابن عباس، وهو عند الطبراني عن أنس، فسبقه قلمه إلى ابن عباس، وقد أسند الذهبي هذا الخبر في ترجمة نافع من طريق الكنجروذي:

أنا أبو بكر الطرازي أنا أبو القاسم البغوي ثنا شيبان بن فروخ ثنا نافع أبو هرمز عن أنس به.

1089/ 2396 - "إنَّ لجهنَّم بابًا لا يَدْخُلُه إلَّا مَنْ شَفَى غَيْظَهُ بمَعْصيَة اللَّه".

ابن أبي الدنيا في ذم الغضب عن ابن عباس

قال في الكبير: قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف، ورواه عنه أيضًا البزار من حديث قدامة بن محمد عن إسماعيل بن شيبة، قال الهيثمي: وهما ضعيفان

ص: 516

وقد وثقا وبقية رجاله رجال الصحيح.

قلت: نعم قال ذلك الهيثمي، وأورد الذهبي في الميزان في ترجمة إسماعيل بن شيبة الطائفي هذا الحديث أيضًا من روايته عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس، وقال: رواه عنه قدامة بن محمد الأشجعي، قال النسائي: منكر الحديث، وذكر الحافظ في اللسان [1/ 410] أن العقيلي أخرجه في ترجمته أيضًا، وأن ابن حبان ذكره في الثقات، وقال: يتقي حديثه من رواية قدامة عنه، وقال العقيلي: روى عن ابن جريج أحاديث مناكير لا تحفظ من وجه يثبت، قال: ورجح النباتي في الحافل أنه إسماعيل بن إبراهيم بن شيبة الذي تقدم ذكره (1)، وأن العقيلي صحفه ونسبه إلى جده، وذكره ابن عدي فقال: إسماعيل بن شيبة الطائفي يروي عن ابن جريج ما لا يرويه غيره، ثم ذكر الحافظ أن ابن عدي خرج في ترجمته أيضًا من طريق هارون بن موسى بن هارون عن أَبيه عن إسماعيل بن إبراهيم بن شيبة الطائفي بالسند المذكور:"لا وصية لوارث"، ثم قال: وإسماعيل بن إبراهيم هذا لا أعلم له رواية عن غير ابن جريج، فقوى قول صاحب الحافل، واللَّه أعلم، اهـ كلام الحافظ، ولم يعرج فيه على خلاف ما ذكر.

وقد أخرج هذا الحديث ابن أبي عاصم في كتاب الديات فسمى شيخ قدامة: شيبة بن عباد الطائفي وكناه: أبا عباد فقال في (ص 16):

حدثنا يعقوب بن حميد حدثنا قدامة بن محمد بن قدامة حدثني أبو عباد شيبة ابن عباد الطائفي عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس به.

وكذلك رواه الديلمي من طريق الحاكم:

حدثنا علي بن عيسى ثنا أبو عفان يسار بن حمدان ثنا إسحاق بن منصور المروزي ثنا قدامة بن محمد الخشرمي ثنا أبو عباد شيبة بن عباد الطائفي عن

(1) تقدم ذكره في الميزان (1/ 391).

ص: 517

عطاء عن ابن عباس به.

وأبو عباد هذا لم أجد له ترجمة الآن، إلا أنه مذكور في التهذيب في شيوخ قدامة بن محمد، هو وإسماعيل بن شيبة بن تميم الطائفي، فكأن قدامة له في الحديث شيخان: إسماعيل بن شيبة عن ابن جريج عن عطاء، وشيبة بن عباد عن عطاء، إن لم يكن ذلك اضطرابًا منه أو غلطًا من بعض الرواة عنه في أحد الاسمين، واللَّه أعلم.

1090/ 2397 - "إِنَّ لِجَوَابِ الكِتَابِ حَقًّا كَرَدَّ السَّلامِ".

(فر) عن ابن عباس

قال في الكبير: فيه جويبر بن سعيد متروك، والضحاك وقد سبق، قال ابن تيمية: والمحفوظ وقفه.

قلت: الحديث له طرق أخرى ذكرتها في مستخرجي على مسند الشهاب، وقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات من بعض طرقه، وتعقبه المصنف بما يراجع فيه (2/ 157).

1091/ 2398 - "إِنَّ لربِّكم في أَيَّامِ دَهْرِكُم نَفَحَاتٍ فَتَعَرَّضُوا لَها، لَعلَّ أَنْ يُصِيبكُم نَفْحَةٌ مِنها فلا تَشقونَ بَعدهَا أَبدًا".

(طب) عن محمد بن مسلمة

قلت: أخرجه أيضًا الحكيم في نوادر الأصول في الخامس والثمانين ومائة:

حدثنا الفضل بن محمد حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الأنطاكي عن يعقوب ابن كعب عن نائل بن نجيح البصري عن عائذ بن حبيب عن محمد بن سعيد الأنصاري قال: وجدت في قائم سيف محمد بن مسلمة كتابًا فيه: بسم اللَّه الرحمن الرحيم سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "إن لربكم. . . "(1) وذكره.

(1) لم نهتد إليها في المطبوع من نوادر الأصول.

ص: 518

وانظر حديث: "اطلبوا الخير دهركم" السابق.

1092/ 2400 - "إِنَّ لِصَاحِبِ القُرْآنِ عندَ كلِّ خَتْمَةٍ دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً، وشَجَرَةً في الجَنَّة، لَو أَنَّ غُرَابًا طَارَ مِن أَصْلِهَا لَم يَنْتَهِ إلى فَرْعِهَا حتى يُدْرِكَهُ الهرَمُ".

(خط) عن أنس

قلت: أخرجه أيضًا أبو سعيد الكنجروذي:

أخبرنا أبو عبد اللَّه الحسين بن الحسن الحليمي ثنا بكر بن محمد بن حمدان الصيرفي أنا أحمد (1) بن الحسين ثنا مقاتل بن إبراهيم ثنا نوح بن أبي مريم عن يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعًا: "لصاحب القرآن دعوة مستجابة عند ختمه"، أسنده الذهبي في التذكرة من طريقه، ثم قال: نوح الجامع مع جلالته في العلم تُرك حديثه، وكذلك شيخه مع عبادته، فكم من إمام في فن مقصر في غيره، كسيبويه مثلًا إمام في النحو ولا يدري ما الحديث، ووكيع إمام في الحديث ولا يعرف العربية، وكأبي نواس رأس في الشعر عرى عن غيره، وعبد الرحمن بن مهدي إمام في الحديث لا يدري ما الطب قط، ومحمد بن الحسن رأس في الفقه ولا يدري ما القراءات، وكحفص إمام في القراءة تالف في الحديث.

وللحروب رجال يعرفون بها

وللدواوين حساب وكتاب

قلت: وكأن هذا من الذهبي مداراة للحنفية في هذا الشخص الذي هو من كبار أئمتهم وفقهائهم، وهو وضاع كذاب، قيل فيه: نوح الجامع؛ لتبحره في الفقه، فقال بعض الحفاظ: هو جامع لكل شيء إلا الصدق.

(1) وضع فوقها ضبة وكتب في الحاشه اليمني: "أجيد".

ص: 519

أما ابن السبكي فروى هذا الحديث أيضًا عن الذهبي في ترجمة الحليمي من الطبقات، ثم قال: تفرد به نوح بن أبي مريم وهو نوح بن يزيد قاضي مرو الجامع أبو عصمة، قال أبو عبد اللَّه الحاكم: وضع نوح الجامع حديث فضائل القرآن الطويل، وقال فيه البخاري: منكر الحديث، وقد نقل ابن القطان عنه أنه قال: كل من قلت فيه منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه اهـ.

1093/ 2401 - "إِنَّ لُغَةَ إِسْمَاعِيلَ كانت قد دَرَسَتْ فَأتَانِي بها جبريلُ فَحَفَّظنِيهَا".

الغطريف في جزئه وابن عساكر عن عمر

قال الشارح: قال ابن عساكر: غريب معلول.

قلت: تبع ابن عساكر في القول بأنه معلول الحاكم، فإنه سبقه في ذلك في كتاب علوم الحديث [ص 116] فقال في الجنس السادس من علل الحديث:

حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى ثنا أبو العباس الثقفي ثنا حاتم ابن الليث الجوهري ثنا حامد بن أبي حمزة السكري ثنا علي بن الحسين بن واقد حدثني أبي عن عبد اللَّه بن بريدة عن أَبيه عن عمر بن الخطاب قال: قلت: يا رسول اللَّه، مالك أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا؟ قال: كانت لغة إسماعيل قد درست. . . " الحديث.

قلت: ومن هذا الوجه خرجه أبو أحمد الغطريف عن أبي بكر أحمد بن محمد ابن أبي شيبة عن حاتم بن الليث الجوهري به، ثم قال: ولهذا الحديث علة عجيبة:

حدثني أبو عبد اللَّه محمد بن العباس الضبي أنا أحمد بن على بن رزيق الفاشاني ثنا علي بن خشرم ثنا علي بن الحسين بن واقد قال: بلغني أن عمر ابن الخطاب قال: يا رسول اللَّه، إنك أفصحنا ولم تخرج من بين أظهرنا؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"إن لغة. . . " وذكره.

ص: 520

قلت: وهذا من الحاكم عجيب جدًا، فإن هذا ليس بعلة أصلًا، وأي علة في أن يذكر الرَّجل حديثًا بإسناده مرة ومرة أخرى لا ينشط لذلك فيقول: بلغني أن فلانًا قال كذا، لكنه إذا سئل: من أي طريق بلغك؟ قال: حدثني فلان عن فلان عنه؟! إن هذا لعجب، ولهذا كان الجرح الذي لا يفسر غير مقبول، فلو قال الحاكم: إنه معلول وسكت لراج أمره علينا، فالحمد للَّه على البيان.

1094/ 2406 - "إِنَّ لِكلِّ أُمَّةٍ حكيمًا، وحكيمُ هَذه الأُمةِ أَبُو الدَّرْدَاءِ".

ابن عساكر عن جبير بن نفير مرسلًا

قلت: أخرجه من المتقدمين الدينوري في المجالسة قال:

حدثنا محمد بن يحيى السعدي ثنا أبو أسامة ثنا الأحوص بن حكيم عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير به.

1095/ 2407 - "إِنَّ لكلِّ أُمَّةٍ فِتْنةً، وفِتْنَةُ أُمَّتِي المَالُ".

(ت. ك) عن كعب بن عياض

قال في الكبير: قال (ت): حسن غريب، وقال (ك): صحيح، وأقره الذهبي لكن قال في اللسان عن العقيلي: لا أصل له من حديث مالك، ولا من وجه يثبت اهـ. وخرجه ابن عبد البر وصححه.

قلت: كأن الشارح يتكلم على حديث آخر، أما هذا الحديث فليس هو من رواية مالك، قال الترمذي [2/ 54]:

حدثنا أحمد بن منيع ثنا الحسن بن سوار ثنا الليث بن سعد عن معاوية ابن صالح عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير حدثه عن أَبيه عن كعب ابن عياض به.

وقال الحاكم [4/ 318]:

ص: 521

أخبرنا عبيد اللَّه بن محمد البلخي التاجر ببغداد ثنا أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل ثنا أبو صالح ثنا معاوية بن صالح به.

وأخرجه أيضًا أحمد في المسند قال [4/ 160]: حدثنا أبو العلاء الحسن بن سوار، بسنده السابق عند الترمذي.

وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير فقال [4/ 1/ 222]: حدثني مخلد ثنا حجاج بن محمد عن ليث بن سعد به.

ولعل بعض الضعفاء رواه من طريق مالك وهو غير معروف من حديثه، بل من حديث الليث، فلذلك قال العقيلي ما نقله عنه الشارح إن صح الخبر، فظن الشارح أنه يتكلم على هذا الحديث.

1096/ 2411 - "إِنَّ لِكلِّ دِينٍ خُلُقًا، وإِنَّ خُلُقَ الإِسلامِ الحَيَاءُ".

(هـ) عن أنس وابن عباس

قال الشارح: قال ابن الجوزي: حديث لا يصح، وقال الدارقطني: حديث غير ثابت.

قلت: لعله يريد غير ثابت موصولًا وإلا فهو ثابت في الموطإِ مرسلًا [2/ 905/ 9] على اختلاف بين الرواة عن مالك في وصله وإرساله أيضًا.

أما حديث أنس فرواه ابن ماجه [2/ 1399، رقم 4181] والخرائطي في مكارم الأخلاق، والقضاعي في مسند الشهاب، والخطيب في التاريخ [8/ 4]، من طريق جماعة عن عيسى بن يونس عن معاوية بن يحيى الصدفي عن الزهري عن أنس به، ومعاوية بن يحيى ضعيف، لكن رواه محمد بن عبد الرحمن بن سهم عن عيسى بن يونس فقال:

عن معاوية بن يحيى ومالك بن أنس كلاهما عن الزهري به، أخرجه الطبراني في الصغير [ص 13] عن أحمد بن محمد بن أبي موسى الأنطاكي:

ص: 522

ثنا محمد بن عبد الرحمن بن سهم الأنطاكي ثنا عيسى بن يونس عن معاوية ابن يحيى ومالك بن أنس به.

ورواه أبو علي الحسن بن أحمد المالكي عن محمد بن عبد الرحمن بن سهم عن عيسى بن يونس عن مالك وحده عن الزهري به.

وأخرجه الخطيب عن البرقاني عن أبي بكر الإسماعيلي عن الحسن بن أحمد المالكي به.

ورواه الحسن بن على البراد عن معاوية بن يحيى، فزاد في الإسناد رجلًا، فقال: عن محمد بن عبد العزيز عن الزهري، أخرجه ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق [ص 41، رقم 98]:

ثنا أبو محمد ثنا أبو عتبة الحسن بن على بن مسلم البراد الحمصي -وكان من خيار المسلمين- ثنا معاوية بن يحيى به، وأبو محمد كذا وقع في الأصل غير مسمى، ولعله أسد بن عمار الذي روى عنه قبل هذا، واللَّه أعلم.

ثم إِنَّ للحديث طريقًا آخر عن الزهري أخرجه الباغندي في مسند عمر بن عبد العزيز عن إبراهيم بن عبد العزيز [ص 13]:

ثنا علي بن زهير ثنا علي بن عياش عن عباد بن كثير عن عمر بن عبد العزيز عن الزهري عن أنس به.

ورواه أبو نعيم في الحلية [5/ 363] من طريق محمد بن خلف القاضي وكيع: ثنا علي بن أبي دلامة ثنا علي بن عياش به، لكنه قال: عن أبي مطيع الأطرابلسي عن عباد بن كثير، فزاد في الإسناد ابن مطيع، وعباد بن كثير فيه مقال أيضًا.

وأما حديث ابن عباس فأخرجه ابن ماجه [2/ 1399، رقم 4182]، والخرائطي في مكارم الأخلاق [ص 49]، وأبو نعيم في الحلية [3/ 220]، كلهم من طريق سعيد بن محمد الوراق عن صالح بن حسان عن محمد بن

ص: 523

كعب القرظي عن ابن عباس، وسعيد وشيخه ضعيفان، هذا ما يتعلق بحديثي المتن.

وفي الباب عن أبي هريرة، وطلحة بن ركانة ويزيد ابنه مرسلًا، ذكرتها في المستخرج على مسند الشهاب، وبمجموعها يثبت الحديث ولا بد، خلافًا لما يقول ابن الجوزي، إن صح ما نقله عنه الشارح.

1097/ 2412 - "إِنَّ لكلِّ ساع غَايَةً، وغايةُ ابن آدمَ الموتُ، فعليكم بذكْر اللَّه؛ فإنَّهُ يُسَهِّلُكم ويُرَغِّبُكُمْ في الآخرة".

البغوي عن جُلاس بن عمرو

قال الشارح: أبو القاسم هبة اللَّه في معجم الصحابة عن جَلاس، قال الشارح: بفتح الجيم وتشديد اللام ابن عمرو الكندي ضعيف لضعف علي بن قرين.

قلت: أبو القاسم البغوي صاحب المعجم اسمه: عبد اللَّه بن محمد لا هبة اللَّه، والجُلاس: هو بضم الجيم وتخفيف اللام كغراب، والشارح ضبطه بحسب فهمه ونظره، لا بحسب ما في كتب الرجال واللغة، وقد نُص في القاموس على أنه كغراب -لو رجع الشارح إليه- وليس في الرجال من اسمه جَلاس كما ضبطه الشارح بالفتح والتشديد أصلًا، وكأنه ضبطه من طريق القياس فظن أنه فَعَّال كثير الإجلاس وليس كذلك، قال ابن دريد في كتاب الاشتقاق: واشتقاق جلاس من الجَلْس، والجلس: الغليظ من الأرض اهـ.

والحديث ورد أيضًا من حديث أبي أَيوب، أخرجه القضاعي في مسند الشهاب بسياق باطل موضوع.

وأخرجه ابن المبارك في الزهد [ص 403] عن أبي جعفر معضلًا مختصرًا بلفظ: "لكل ساع غاية، وغاية كل ساع الموت، فسابق ومسبوق، وهو ضعيف ومنقطع أيضًا.

ص: 524

1098/ 2414 - "إِنَّ لكل شيء أنَفَةً، وإنَّ أنَفَةَ الصَّلاة التكبيَرة الأولى فَحَافِظُوا عَلَيْها".

(ش. طب) عن أبي الدرداء

قال في الكبير: قال الحافظ ابن حجر: في إسناده مجهول، وقال الهيثمي: هو موقوف وفيه رجل لم بسم.

قلت: ما قال الهيثمي ذلك، ولكن الشارح قليل الأمانة في النقل، بل قال: رواه البزار والطبراني في الكبير بنحوه موقوفًا، وفيه رجل لم يسم اهـ.

فحكى أن البزار رواه مرفوعًا، والطبراني رواه موقوفًا بنحو رواية البزار التي ساق هو متنها، ثم ذلك إما لكونه لم يقف على الرواية المرفوعة في الطبراني أو وقع في أصله كذلك، وإلا فالحديث مرفوع عنده أيضًا، وإني أتعجب من قول الهيثمي: فيه رجل لم يسم، مع أنه ذكره مسمى، فقال ما نصه: وعن أبي الدرداء قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن لكل شيء أنفة، وإن أنفة الصلاة التكبيرة الأولى فحافظوا عليها"، قال أبو عبد اللَّه: فحدثت به رجاء بن حيوة، فقال: حدثتني أم الدرداء عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: رواه البزار. . . إلخ ما سبق عنه.

وهذا يرفع وجود المبهم، ويرفع تأثيره في الحديث فلا يحتاج على تنصيص عليه؛ لأنه يوهم أن الحديث من أصله فيه راو لم يسم وليس كذلك، وبيانه أن ابن أبي شيبة قال:

ثنا أبو أسامة عن أبي فروة يزيد بن سنان ثنا أبو عبيد الحاجب قال: سمعت شيخًا في المسجد الحرام يقول: قال أبو الدرداء: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:. . . فذكره.

قال أبو عبيد: فحدثت به رجاء بن حيوة، فقال: حدثتنيه أم الدرداء عن أبي الدرداء به، فصار الحديث لا إبهام فيه أصلًا، لأن المبهم ألغى بوجود حيوة بن

ص: 525

شريح، وكذلك لا وقف فيه، اللهم إلا أن يكون الطبراني لم يقع في روايته:"قال أبو عبيد"، فيكون قول الهيثمي: فيه راو لم يسم -خاص بطريق الطبراني وهو الظاهر، واللَّه أعلم.

1099/ 2415 - "إِنَّ لكلِّ شيءٍ بَابًا وبابُ العبادةِ الصِّيامُ".

هناد عن ضمرة بن حبيب مرسلا

قال في الكبير: قال الحافظ العراقي: وأخرجه ابن المبارك في الزهد، وأبو الشيخ في الثواب من حديث أبي الدرداء بسند ضعيف اهـ. فما اقتضاه صنيع المصنف من أنه لم يقف عليه مسندًا وإلا لما عدل للرواية المرسلة مع ضعفهما جميعًا غير سديد.

قلت: في هذا أمور، الأول: أنه كلام يشبه كلام المجانين.

الثاني: أن فيه عدم أمانة في النقل، فإن العراقي قال: أخرجه ابن المبارك في الزهد، ومن طريقه أبو الشيخ في الثواب، وهذا قد لا يدرك الفرق بينه إلا الماهر في الصناعة، وذلك العراقي رأى الحديث عند أبي الشيخ في الثواب من طريق ابن المبارك، وعلم أن الحديث عند ابن المبارك في الزهد فعزاه لهما معا بنوع تساهل، فإن الحديث عند ابن المبارك في الزهد مرسلًا كما عند هناد، قال ابن المبارك:

حدثنا أبو بكر بن أبي مريم الغساني حدثني ضمرة بن حبيب قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:. . . فذكره.

وهكذا أيضًا أخرجه القضاعي في مسند الشهاب من طريق ابن المبارك.

أما وصله عن أبي الدرداء فكان بعض رجال الإسناد الضعفاء عند أبي الشيخ قبل ابن المبارك وصله عنه، فظن الحافظ العراقي أنه كذلك في أصل الزهد.

الثالث: هب أنه رأى المسند وأراد الاقتصار على المرسل، فماذا فيه؟!

ص: 526

1100/ 2418 - "إِنَّ لكلِّ شيء دِعَامَةً، وِدعَامةُ هذا الدين الفقهُ، ولفقيهٌ واحدٌ أشدُّ على الشيطان من أَلف عابد".

(هب. خط) عن أبي هريرة

قال في الكبير: وفيه خلف بن يحيى كذبه أبو حاتم، قال الذهبي: قال أبو حاتم: كذاب اهـ.

وأورده ابن الجوزي في العلل وقال: هذا لا يصح، فيه خلف بن يحيى كذبه أبو حاتم.

قلت: ما أسخف هذا التكرار، والحديث له طرق أخرى ذكرتها في مستخرجي على مسند الشهاب في الحادي والأربعين ومائة.

1101/ 2419 - "إنَّ لكلِّ شيء صِقَالَةً وإنَّ صِقَالَةَ القُلُوب ذكْرُ اللَّه، ومَا مِنْ شيء أَنْجَى مِنْ عذاب اللَّه من ذكر اللَّه، ولو أنْ تضربَ بسيفِك حتى يَنْقَطعَ".

(هب) عن ابن عمر

قال في الكبير: فيه سعيد بن سنان وهما اثنان، أحدهما: قال أحمد: غير قوي، والثاني: قال الذهبي: متهم بالوضع.

قلت: الذي في السند هو الأول.

1102/ 1421 - "إن لكلِّ شيء شَرَفًا، وإنَّ شرفَ المجَالس ما استُقْبِلَ به القِبْلَةُ".

(طب. ك) عن ابن عباس

قال في الكبير: إيراد المصنف لهذا الحديث يوهم سلامته من الوضاعين والكذابين وهو ذهول عجيب، فقد قال ابن حبان في وصف الاتباع وبيان الابتداع: إنه خبر موضوع تفرد به أبو المقدام هشام بن زياد عن محمد بن كعب

ص: 527

عن ابن عباس وهو طريق الطبراني، وقال الذهبي: رواه الحاكم من طريقين، أحدهما: هذا وهشام متروك، والآخر: فيه محمد بن معاوية النيسابوري كذبه الدارقطني وغيره قال: فبطل الحديث اهـ. وقال الهيثمي بعد عزوه للطبراني: فيه هشام بن زياد أبو المقدام وهو متروك جدًا اهـ.

نعم ورد في الباب حديث جيد حسن وهو ما رواه الطبراني أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: "إن لكل شيء سيدا وإن سيد المجالس قبالة القبلة"، قال الهيثمي والمنذري وغيرهما: إسناده حسن اهـ. فاعجب للمصنف حيث آثر ما جزموا بوضعه على ما جزموا بحسنه.

قلت: هذا الحديث قطعة من حديث طويل رواه جماعة مطولًا واقتصر جماعة على ذكر جمل منه، وهو بجملته أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده، وأبو داود في السنن [2/ 78/ رقم 1485] وأَحمد بن منيع في المسند، وابن أبي الدنيا، وابن حبان في الضعفاء، والطبراني [10/ 389 و 19/ 389]، والحاكم [4/ 270]، وأبو نعيم في الحلية، وفي تاريخ أَصبهان، والقضاعي في مسند الشهاب، وآخرون من طرق متعددة كلها ترجع إلى أبي المقدام هشام بن زياد عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس به.

ورواه الحاكم أيضًا من رواية محمد بن معاوية عن مصادف بن زياد المدني عن محمد بن كعب القرظي به، قال الحاكم: هذا حديث قد اتفق هشام بن زياد النضري ومصادق بن زياد المديني على روايته عن محمد بن كعب، ولم أستجز إخلاء هذا الموضوع منه، فقد جمع آدابًا كثيرة، وتعقبه الذهبي بما نقله عنه الشارح، وهو غلو من الذهبي وإسراف نشأ عن عدم اطلاعه على بقية طرق الحديث ومن تابع المذكورين عليه، وذلك مما يبرئ ساحتهما منه، ويدفع دعوى بطلانه، فقد رواه عن محمد بن كعب القرظي أيضًا عيسى بن ميمون، والقاسم بن عروة، وزيد العمى.

أما رواية عيسى بن ميمون فذكرها أبو نعيم في الحلية [2/ 175]:

ص: 528

وأما رواية القاسم بن عروة فرواها أبو عثمان الصابوني في العقيدة.

وأما رواية زيد العمى فرواها ابن أبي الدنيا في كتاب التوكل.

وقد ذكرت أسانيد هذه الطرق ومتونها في مستخرجي على مسند الشهاب بما يطول نقله هنا، وبمجموع ذلك يندفع ما قاله ابن حبان والذهبى من بطلان الحديث، ولا سيما وقد خرجه أبو داود في سننه، وهو لا يخرج فيها الموضوع، فإنه أخرج منه قطعة في كتاب الدعاء أواخر الصلاة فقال [2/ 78، رقم 1485]:

حدثنا عبد اللَّه بن مسلمة ثنا عبد الملك بن محمد بن أيمن عن عبد اللَّه بن يعقوب بن إسحاق عمن حدثه عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس مرفوعًا: "لا تستروا الجدر، من نظر في كتاب أخيه كمن نظر في النار، سلوا اللَّه ببطون أكفكم، ولا تسألوه بظهورها، فهذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم"، قال أبو داود: روى هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب كلها واهية، وهذا الطريق أمثلها وهو ضعيف أيضًا اهـ مما أخرجه أبو داود وهو قطعة منه.

وقد صرح بأن له طرقا واهية، وأن هذا ضعيف، ومجموعها يحدث قوة، فأين جزمهم بوضعه كما يقول الشارح؟ أما جزم ابن حبان والذهبي فليس هو حجة على المصنف؛ لأنه مجتهد له رأيه ونظره في الأسانيد، وقد أوضحنا خطأ الذهبي فيما قال، والحمد للَّه.

1103/ 2426 - "إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً، ولكلِّ شِرَّةٍ فتْرةً، فَمَنْ كَانَتْ فتْرَتُهُ إِلى سُنَّتِي فقد اهْتَدَى، وَمَنْ كَانَتْ إلى غَيْرِ ذلك فَقَدْ هَلَكَ".

(هب) عن ابن عمر

قال الشارح: بإسناد صحسِح.

قلت: نقل ذلك في الكبير عن الحافظ الهيثمي وهو كذلك، لكن اختلف فيه

ص: 529

على مجاهد اختلافًا كثيرًا، فرواه أحمد بن أبي أسامة، والطحاوي في مشكل الآثار كلهم من رواية شعبة عن حصين عن مجاهد عن عبد اللَّه بن عمرو، وهكذا أخرجه الطحاوي أيضًا، ومن طريقه القضاعي من رواية هشيم عن حصين مثله.

ورواه الطحاوي في المشكل أيضًا [2/ 89]، وكذلك القضاعي في مسند الشهاب من طريق مسلم بن كيسان الأعور عن مجاهد فقال: عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ورواه الحارث بن أبي أسامة عن أبي النظر: ثنا شعبة عن الحكم عن مجاهد فقال: عن عبد الرحمن بن أبي عمرة مرسلًا.

ورواه الطحاوي [2/ 89] من طريق يحيى بن سعيد عن سمان عن منصور عن مجاهد فقال: عن جعدة بن هبيرة.

ورواه الطحاوي [2/ 89] أيضًا من طريق جرير بن عبد الحميد عن منصور عن مجاهد فقال: دخلت أنا ويحيى بن جعدة على رجل من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال. . . وذكره عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في قصة، وفيه اختلاف آخر ذكره ابن أبي خاتم في العلل وذكر عن أَبيه أن حديث عبد الرحمن بن أبي عمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا أشبه، وقد ذكرت أسانيده ومتونه في المستخرج.

1104/ 2439 - "إِنَّ مَا قَدْ قُدِّرَ في الرحِمِ سَيكُوْنُ".

(ن) عن أبي سعيد الزرقي

قال الشارح: بفتح الزاي وسكون الراء وآخره قاف نسبة إلى زرق قرية من قرى مرو.

قلت: أبو سعيد هذا صحابي أنصاري ونسبته زُرَقي بضم الزاي وفتح الراء وآخره [ياء النسب] نسبة إلى بني زريق، وكل ما يأتي من الرواة ولا سيما الأنصاري فهذه نسبته، بل ليس في الرواة زُرْقي بالضبط الذي ذكره الشارح إلا

ص: 530

رجل واحد، قال الذهبي في المشتبه: الزرقي بنو زريق، وهم خلق من الأنصار وأقاربهم، بالفتح وشكون الراء نسبة إلى زرق من قرى مرو محمد ابن أحمد بن يعقوب الزرقي روى عن أبي حامد أحمد بن عيسى، وعنه أبو مسعود البجلي اهـ.

1105/ 2441 - "إِنَّ مَثَلَ العُلَمَاء في الأَرْضِ كَمَثَل النُّجُوْمِ فِي السَّمَاءِ؛ يُهْتَدى بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، فَإِذَا انْطَمَسَتِ النُّجُومُ أَوشَكَ أَنْ تَضِلَّ الهُدَاةُ".

(حم) عن أنس

قال في الكبير: قال المنذري: فيه رشدين ضعيف، وأبو حفص صاحب أنس لا أعرفه، وكذلك قال الهيثمي.

قلت: وأخرجه أيضًا الآجري في فضل العلم من هذا الوجه، ثم أخرجه من طريق زهير بن محمد عن الحسن بن موسى عن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن أن أبا الدرداء قال:"مثل العلماء في الناس كمثل النجوم في السماء يهتدى بها".

1106/ 2444 - "إِنَّ مَثَلَ الَّذِي يَعْمَلُ السَّيئات ثُمَّ يَعْمَلُ الحَسَناتِ كَمَثل رَجُلٍ كَانَتْ عَليهِ دِرْعٌ ضَيِّقَةٌ قَدْ خَنَقتهُ، ثُمَّ عَمِلَ حَسَنَةً فَانْفَكَّتْ حَلَقَةٌ، ثُمَّ عَمِلَ أخرى فَانْفكَّتْ الأُخْرَى، حَتَّى يَخْرُجَ إِلى الأَرْضِ".

(طب) عن عقبة بن عامر

قال في الكبير: ظاهره أنه لا يوجد مخرجًا لأعلى من الطبراني ولا أحق بالعزو منه إليه، وأنه لا علة فيه والأمر بخلافه، أما الأول: فقد رواه الإِمام أحمد بهذا اللفظ عن عقبة بن عامر، وأما الثاني: فلأن فيه ابن لهيعة.

قلت: أما الثاني: فليس من شرطه ذكر الرجال في علل المتون، بل استغنى عنهم بالرموز وقد رمز للحديث بالضعف، فقوله: ظاهره أنه لا علة له تهور

ص: 531

بالغ، كيف يكون ظاهره عدم العلة وهو مرموز بضعفه؟!.

وأما الأول: فلا ضير على المحدث في عزوه إلى كتاب وعدم عزوه إلى آخر، فذكر هذا من فضول الشارح، ولولا وجود مجمع الزوائد وكتاب المصنف هذا لما عرف هو عن الحديث شيئًا ولا سمع به قط، ولو كان من أهل هذا الشأن لعيرناه أيضًا بأن الحديث خرجه أيضًا البيهقي في الزهد قال:

أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنبأنا أحمد بن عبيد ثنا محمد بن أحمد العوى ثنا كامل ثنا ابن لهيعة ثنا يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر به مثله.

وأخرجه أيضًا البغوي في التفسير في سورة الرعد عند قوله تعالى: {وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} [الآية 22] من طريق عبد اللَّه بن المبارك عن ابن لهيعة به مثله أيضًا، ولكن هذه الكتب ليست من شرط مجمع الزوائد فلذلك لا يعلم عما فيها شيئًا.

1107/ 2445 - "إِنَّ مَجُوسَ هَذِه الأُمَّةِ المكذِّبُون بأقْدَارِ اللَّه تعالى، إِنْ مَرِضُوا فَلا تَعُودُوهم، وَإِنْ مَاتُوا فَلا تَشْهَدُوهُم، وَإِنْ لَقِيتُمُوهُمْ فَلا تُسَلَّمُوا عَلَيهِم".

(هـ) عن جابر

قال في الكبير: قال ابن الجوزي: حديث لا يصح، وأطال في بيانه، وهو مما انتقده السراج القزويني على المصابيح وزعم وضعه، ونازعه العلائي ثم قال. مدار الحديث على بقية وقد قال فيه عن الأوزاعي: والذي استقر عليه أكثر الأمر من قول الأئمة أن بقية ثقة في نفسه، لكنه مكثر من التدليس عن الضعفاء والمتروكين فلا يحتج من حديثه إلا بما قال فيه: حدثنا أو أخبرنا أو سمعت أو عن.

قلت: هذا كلام مضحك، وإذا كانت عنعنة المدلس الثقة تقبل فماذا يرد من

ص: 532

حديثه؟! إن هذا لعجب.

1108/ 2446 - "إِنَّ مَحَاسِنَ الأَخْلاقِ مَخزُوْنَةٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِذَا أحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا مَنَحَهُ خُلُقًا حَسَنَا".

الحكيم عن العلاء بن أبي كثير مرسلًا

قال في الكبير: والعلاء هو الإسكندراني مولى قريش ثقة عابد.

قلت: إذا كان هو الإسكندراني كان الواجب على المصنف أن يقول: معضلًا لا مرسلًا؛ لأن الإسكندراني لم يدرك أحدًا من الصحابة، والحديث رواه ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق [ص: 26، رقم 34] عن علي بن شعيب: ثنا ابن أبي فديك عن بعض أشياخه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.

ورواه أيضًا [ص: 25، رقم 31] عن الحسن بن الصباح: ثنا سمان بن عيينة عن عمر وابن دينار عن أبي المنهال قال: "مر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على رجل له عكَر من أبل وغنم وبقر فاستضافه فلم يضفه، ومر بامرأة لها شويهات فاستضاقها فأضافته وذبحت له، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ألم تروا إلى فلان مررنا وله عكر من أبل وغنم وبقر فاستضفناه فلم يضفنا، ومررنا بهذه ولها شويهات فاستضفناها فأضافتنا وذبحت لنا، إن هذه الأخلاق بيد اللَّه من شاء أن يمنحه خلقة حسنًا فعلًا.

وروى أيضًا عن سليمان بن يسار نحوه.

وقال الطبراني في مكارم الأخلاق:

ثنا محمد بن عبد اللَّه الحضرمي ثنا محمد بن يوسف الأنباري ثنا أبي عن يحيى بن أبي أنس المكي عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عمر قال: "قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يقول اللَّه عز وجل: أنا خلقت العباد بعلمي فمن أردت به خيرًا منحته خلقًا حسنًا، ومن أردت به شرًا منحته خلقًا سيئًا".

1109/ 2447 - "إِنَّ مَرْيَمَ سَأَلَت اللَّهَ أَنْ يُطْعِمَهَا لَحْمًا لا دَمَ فِيْه

ص: 533

فَأَطْعَمَهَا الْجَرَاد".

(عق) عن أبي هريرة

قال الشارح: بإسناد ضعيف.

وقال في الكبير: ورواه الطبراني عن أبي أمامة الباهلي، وكذا الديلمي.

قلت: لم يبين سبب ضعف الأول ولا تكلم على الثاني أيضًا، وكأنه رآه في مسند الفردوس من طريق الطبراني لا في مجمع الزوائد فكذلك لم يجد ما يقول عنه.

والأول: رواه العقيلي في ترجمة النضر بن عاصم الهجري وقال: لا يتابع عليه كذا قال.

وقال الأزدي: متروك، ورواه ابن حبان في الثقات، قال العقيلي:

حدثنا موسى بن هارون ثنا حفص بن عمر المازني ثنا النضر بن عاصم أبو عباد عن قتادة عن ابن سيرين عن أبي هريرة به.

وأما الثاني: فرواه أيضًا البندهي في شرح المقامات قال:

أخبرنا الوزير أبو المظفر سعد بن سهل بن محمد الفلكي بدمشق ثنا الإمام أبو الحسن علي بن أحمد المدينى الأخرم إملاء بنيسابور أنا أبو صادق محمد بن أحمد بن شاذان العطار ثنا أبو العباس الأصم ثنا أبو عتبة أحمد بن الفرج الحمصي ثنا بقية بن الوليد ثنا نمير بن يز العسى عن أَبيه قال: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: "قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن مريم ابنة عمران سألت ربها أن يطعمها لحمًا لا دم فيه فأطعمها الجراد، فقالت: اللهم أعشه بغير رضاع وتابع بينه بغير شياع".

ورواه الذهبي [الميزان: 9071] فقال:

أخبرنا أبو الفضل بن عساكر أنا زين الأمناء (ح)

ص: 534

وأخبرنا محمد بن حازم أنا محمد بن غسان قالا: أخبرنا سهل بن محمد الخوارزمي ثنا علي بن أحمد المدينى به مثله، وزاد: قلت: "يا أبا الفضل ما الشياع؟ قال: الصوت"، قال الذهبي: فهذا الإسناد على ركاكة متنه أنظف من الأول، ويريبني فيه هذا الدعاء، فإنها ما كانت تدعو بأمر واقع، وما زال الجراد بلا رضاع ولا شياع اهـ.

قال الحافظ: وهذا الإشكال غير مشكل لجواز أن يكون الجراد ما كان موجودًا قبل اهـ.

1110/ 2449 - "إِنَّ مِصْرَ سَتُفْتَحُ عليكم فانْتَجِعُوا خَيْرَهَا، ولا تَتَّخِذُوها دارًا؛ فَإِنَّها يُسَاقُ إليها أَقَلُّ النَّاسِ أَعمارًا".

(تخ) والباوردي، (طب) وابن السني، وأبو نعيم في الطب عن رباح اللخمي

قلت: هذا حديث موضوع يلام المصنف على ذكره في هذا الكتاب.

1111/ 2450 - "إِنَّ مَطْعَمَ ابنِ آدَمَ قَدْ ضُرِبَ مَثَلًا للدُّنْيَا وَإِنْ قَزَّحَهُ ومَلَّحَهُ فَانْظُرْ إِلى مَا يَصِيرُ".

(حم. طب) عن أبي بن كعب

قال الشارح: وإسناده جيد قوي.

قلت: قلد في ذلك الحافظ المنذري وقوله صحيح من جهة ظاهر الإسناد، ولكنه معلول بالاضطراب كما بينته سابقًا في حديث:"إن اللَّه جعل ما يخرج من ابن آدم" فأرجع إليه.

1112/ 2452 - "إِنَّ مَعَ كُلِّ جَرَسٍ شَيْطَانًا".

(د) عن عمر

قال الشارح: بإسناد فيه مجاهيل.

ص: 535

قلت: عجيب جدًا أن يكون فيه مجاهيل مع أنه أخذ ذلك من قول الحافظ المنذري وقد روى أبو داود الحديث من طريق عامر بن عبد اللَّه بن الزبير قال: ذهبت مولاة لآل الزبير بابنة لهم إلى عمر وفي رجلها أجراس فقطعها ثم قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. . . وذكره.

ومولاتهم مجهولة، وعامر لم يدرك عمر اهـ.

فغاية ما في هذا أن في السند امرأة مجهولة، فمن أين جاءت جماعة المجاهيل؟ على أن الحافظ المنذري رحمه [اللَّه] لم يحسن التعبير ولم يدقق النظر في الإسناد، فإن عامر لم يصرح بروايته الحديث عن المولاة، بل ذكر الحديث بسياق يفيد حضور القصة، وإذ شهد التاريخ بعدم إدراكه عمر فالحديث منقطع ولا دخل للمجهول فيه؛ لأنه لم يصرح برواية الخبر عن المولاة، فيحتمل أنه رواه عنها أو أنه رواه عن أهل بيته ممن حضر القصة أيضًا أو ممن سمعه من المولاة، وكيفما كان الحال فالشارح مخطئ في قوله: بإسناد فيه مجاهيل.

1113/ 2455 - "إِنَّ مَلَكًا مُوَكَّلٌ بِالقُرْآنِ، فَمَنْ قَرَأَ مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يُقَوِّمْهُ، قَوَّمَهُ المَلَكُ وَرَفَعَهُ".

أبو سعيد السمان في مشيخته، والرافعي في تاريخه عن أنس

قال الشارح في ضبط لفظ السمان وقد كتبه بزيادة ياء النسبة بعد النون ما نصه: بكسر السين وشدة الميم نسبة إلى سعد السمان الحافظ المروزي.

وقال في الكبير: السمَّاني بشد الميم بخط المصنف، وفي التحرير للحافظ ابن حجر: السماني بكسر السين المهملة وتشديد الميم، وبعد الألف نون معروف منسوب إلى سعد السمان الحافظ الرازي، ثم قال: وفي صنيع المصنف إشعار بأنه لم يره لأشهر من هذين في فن الحديث وهو عجيب، فقد رواه البخاري في الضعفاء عن أنس المذكور باللفظ المزبور، وفيه يعلى بن هلال قال الذهبي: رماه السفيانان بالكذب.

ص: 536

قلت: في هذا من عجر الشارح وبجره أمور، الأول: قد أعاذ اللَّه الحافظ ابن حجر أن يقول شيئًا مما نقله عنه بل هو برئ منه براءة الشارح من التحقيق.

الثاني: كتاب الحافظ اسمه "تبصير المنتبه بتحرير المشتبه" لا "التحرير" كما يقول الشارح.

الثالث: ليس السمان من موضوع كتابه غالبًا، لأنه ليس من المشتبه، ولم يذكره الذهبي في كتابه الذي هو أصل كتاب الحافظ.

الرابع: ليس في الرواة سماني بكسر السين، ولا بياء النسبة أصلًا، وإنما هو السَمان بفتح السين وفي آخره نون دون ياء النسبة.

الخامس: قوله: منسوب إلى سعد السمان الحافظ كلام لا أصل له، بل لا معنى له.

السادس: قال في الصغير: الحافظ المروزي، وقال في الكبير: الحافظ الرازي، وبين المروزي والرازي فرق لا يخفى على أهل العلم، قال السمعاني في الأنساب: السَمان بفتح السين المهملة وتشديد الميم وفي آخرها النون هذه النسبة إلى بيع السمن، ثم ذكر جماعة من المعروفين بهذه النسبة، ثم قال: وأبو سعد إسماعيل بن على بن الحسين الحافظ الرازي من أهل الري. . . فأطال في ترجمته ثم قال: وابن أخيه أبو بكر طاهر بن الحسن بن على السمان من أهل الري، ثم قال: وابنه أبو سعيد يحيى بن طاهر بن الحسين بن علي بن الحسين السمان من أهل الري يروي عن أَبيه، وأبي الحسين يحيى بن الحسين الشجري (1) العلوي الحسني، وكان يعلم الصبيان بباب رامهران سمعت منه، وكتبت عنه بالري في مكتبه وتركته حيا سنة 537.

السابع: قوله: وفي صنيع المصنف إشعار. . . إلخ، كلام ساقط مسقط لقائله كما نبهنا عليه مرارًا، على أن ضعفاء البخاري ليس هو بأشهر من تاريخ قزوين

(1) في الأصل المخطوط: الشجري الشجري، هكذا مرتين.

ص: 537

للرافعي بين أهل الحديث.

الثامن: من دلائل الحمق في الرجل إبداؤه التعجب من غير عجيب.

1114/ 2456 - "إنَّ مِنَ البَيَانِ سِحْرًا، وإِنَّ مِنَ العِلْمِ جَهْلًا، وإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكَمًا، وإِنَّ مِنَ القَوْلِ عِيالًا".

(د) عن بريدة

قال في الكبير: قال الحافظ العراقي: في إسناده من يجهل.

قلت: كأنه صخر بن عبد اللَّه بن بريدة، فإنه لا يعرف له في سنن أبي داود [رقم 5011، 5012] إلا هذا الخبر، ولم يخرج له من أصحاب الكتب الستة إلا أبو داود، لكن روى عنه أبو جعفر عبد اللَّه بن ثابت النحوي، وحجاج بن حسان القيسي، وذكره ابن حبان في الثقات [6/ 473] ومع ذلك فلم ينفرد به كما سأذكره.

وقد خرجه من طريقه أيضًا الدولابي في الكني عن النسائي عن أبي زرعة الرازي:

ثنا سعيد بن محمد الجرمي ثنا يحيى بن واضح حدثني أبو جعفر النحوي عبد اللَّه بن ثابت حدثني [صخر] بن عبد اللَّه بن بريدة عن أَبيه عن جده به.

أما المتابعة فقال أبو نعيم في تاريخ أَصبهان [1/ 338]:

ثنا أحمد بن عبد الرحمن بن عمر أبو علي المعدل ثنا أبو العباس أحمد بن الحسن بن أبي عبد اللَّه ثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ثنا يحيى بن أبي بكير ثنا حسام بن مصك ثنا عبد اللَّه بن بريدة عن أَبيه به.

ورواه الفضاعي من طريق أبي عروبة الحراني في الأمثال:

ثنا مغيرة بن عبد الرحمن ثنا يحيى بن السكن ثنا شعبة عن عمارة بن أبي حفصة عن ابن بريدة عن صعصعة بن صوحان عن علي عليه السلام به مرفوعًا.

ص: 538

وهذا غلط من بعض رجاله واللَّه أعلم.

1115/ 2461 - "إِنَّ مِنَ الذُّنُوب ذُنُوبًا لا يُكَفِّرُهَا الصَّلاةُ وَلا الصِّيَام ولا الحَجُّ ولا العُمْرَةُ، يُكفِّرُها الهُمُومُ في طلبِ المَعِيشَةِ".

(حل) وابن عساكر عن أبي هريرة

قال في الكبير: قال الحافظ العراقي في المغني: سنده ضعيف، ورواه الطبراني في الأوسط والخطيب في تلخيص المشتبه من طريق يحيى بن بكير عن مالك عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، قال ابن حجر: وإسناده إلى يحيى واه، وقال الحافظ الهيثمي: فيه محمد بن سلام المصري، قال الذهبي: حدث عن يحيى بن بكير بخبر موضوع وهذا مما روى عن يحيى بن بكير.

قلت: ظاهر صنيعه يقتضي أن سند الطبراني غير سند أبي نعيم، لأنه نقل تضعيفه أولًا عن العراقي ثم عطف عليه تخريج الطبراني وتكلم عليه.

والواقع أن أبا نعيم رواه عن الطبراني وذلك في ترجمة مالك (6/ 335) وقال: غريب تفرد به محمد بن سلام عن يحيى عن مالك اهـ.

وأخرجه الدارقطني في غرائب مالك من وجوه أخرى عنه مع اختلاف في نسبته، وكان العمل فيه عليه كما قال الحافظ، وقد رواه بعض الضعفاء من حديث أبي أمامة مثله إلا أنه قال:"الغموم والهموم في طلب العلم".

قال أبو نعيم في تاريخ أصبهان [1/ 287]:

ثنا القاضي محمد بن أحمد بن إبراهيم حدثني أحمد بن علي بن زيد الدينوري ثنا يزيد بن شريح بن مسلم الخوارزمي ثنا علي بن الحسين بن واقد حدثني أبي ثنا أبو غالب عن أبي أمامة مرفوعًا: "إن من الذنوب ذنوبًا لا يكفرها صيام ولا صلاة ولا حج ولا جهاد إلا الغموم والهموم في طلب العلم".

ص: 539

1116/ 2462 - "إِنَّ مِنَ السَّرَفِ أَنْ تَأْكُلَ كُلَّ مَا اشْتَهَيْتَ".

(هـ) عن أنس

قال في الكبير: رواه ابن ماجه من حديث بقية عن يوسف بن أبي كثير عن فرح بن ذكوان عن الحسن عن أنس، ورواه عنه أيضًا ابن أبي الدنيا في كتاب الجوع، والبيهقي، قال المنذري: وقد صحح الحاكم إسناده لمتن غير هذا، وحسنه غيره اهـ. وأقول: بقية حاله معروف، ويوسف قال الذهبي: شيخ لبقية لا يعرف، ونوح قال أبو حاتم: ليس بشيء، وابن عدي: أحاديثه غير محفوظة، وابن حبان: منكر الحديث جدًا، وساق من مناكيره هذا الخبر، وعده ابن الجوزي في الموضوع، لكن تعقب بأن له شواهد.

قلت: هذا تطويل لا داعي إليه، والحديث من مفردات نوح بن ذكوان وإن أعله ابن الجوزي به، وبيحيى بن عثمان راويه عن بقية عند الدارقطني، وذلك أيضًا من قصوره، فإنَّ يحيى بن عثمان لم ينفرد به عن بقية بل رواه عنه أيضًا هشام ابن عمار ويحيى بن سعيد بن كثير بن دينار كما عند ابن ماجه [2/ 1112، رقم 3352].

ورواه أبو نعيم في الحلية [10/ 213] عن أولهما فقط.

وسويد بن عبد العزيز كما عند أبي يعلى وابن حبان في الضعفاء، ومحمد بن عبد العزيز الرملي كما عند الخرائطي في اعتلال القلوب.

فعلة الحديث هو نوح بن ذكوان، فإنه الذي انفرد به، وفي ترجمته أورده رجال الجرح والتعديل وقالوا: إنه ينفرد عن الحسن بمناكير، ويؤيد ذلك أن هذا الكلام مروي عن الحسن عن عمر رضي الله عنه من قوله: قال أحمد في كتاب الزهد:

حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ثنا يونس عن الحسن قال: دخل عمر على ابنه عبد اللَّه وإذا عندهم لحم، فقال: ما هذا اللحم؟! فقال: اشتهيته، قال:

ص: 540

أو كلما اشتهيت شيئًا أكلته؟! كفي بالمرء سرفًا أن يأكل كلما اشتهاه.

فكأن نوح بن ذكوان سمع هذا من الحسن هكذا فركب له إسنادًا عن أنس ورفعه واللَّه أعلم.

1117/ 2463 - "إِنَّ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَخْرُجَ الرجلُ مَعَ ضَيْفِهِ إِلى بَابِ الدَّارِ".

(هـ) عن أبي هريرة

قال في الكبير: قال البيهقي: وفي إسناده ضعف اهـ. وذلك لأن فيه عدي بن عروة الدمشقي، قال في الميزان عن ابن رجب: يضع الحديث، وكذبه صالح جزرة وغيره ثم أورد له هذا الخبر.

قلت: أخرجه من طريقه أيضًا ابن الأعرابي في المعجم والقضاعي في مسند الشهاب، وله شاهد بلفظه من حديث ابن عباس، لكنه من رواية سلم بن سالم البلخي وهو منكر الحديث أيضًا، قال ابن حبان في ترجمته من الضعفاء [1/ 3444]:

حدثنا محمد بن صالح بن دريح ثنا جبارة بن مغلس ثنا سلم بن سالم البلخي عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن من السنة تشييع الضيف إلى باب الدار".

1118/ 2465 - "إِنَّ مِنَ النَّاسِ نَاسًا مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ للْشَرِّ، وإِنَّ مِنَ النَّاسِ نَاسًا مفاتيحَ للشرِّ مغاليقَ للخيرَ، فطُوبى لمَنْ جَعلَ اللَّهُ مفاتيحَ الخيرِ على يديهِ، وويلٌ لمنْ جعلَ اللَّهُ مفاتيحَ الشرِّ على يَدِيهِ".

(هـ) عن أنس

قال الشارح في الكبير: ورواه الطيالسي كلاهما من حديث محمد بن أبي حميد عن حفص بن عبيد اللَّه بن أنس عن جده أنس بن مالك، ومحمد بن أبي حميد قال في الكاشف: ضعفوه، وقال السخاوي: منكر الحديث، وله

ص: 541

شاهد مرسل ضعيف.

قلت: السخاوي لم يقل: له شاهد مرسل، بل ذكر له شاهدا من حديث سهل ابن سعد وضعفه أيضًا.

ثم إن حديث أنس له طريق آخر لم يتعرض له السخاوي أخرجه ابن شاهين في جزء له من أحاديث شيوخه فقال:

حدثنا الحسن ابن عبد الرحمن الثقفي بحمص ثنا عيسى بن غيلان ثنا سعيد بن سليمان ثنا النضر بن إسماعيل ثنا حميد عن أنس مرفوعًا: "إن من الرجال مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الرجال مغاليق للخير مفاتيح للشر".

أما حديث سهل بن سعد فعزاه السخاوي لابن ماجه أيضًا، وهو أيضًا عند الطبراني في مكارم الأخلاق:

حدثنا محمد بن الفضل السقطي ثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي ثنا معتمر ابن سليمان عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبي حازم عن سهل رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عند اللَّه خزائن الخير والشر ومفاتيحها الرجال، فطوبى لمن جعله اللَّه مفتاحًا للخير ومغلاقًا للشر، وويل لمن جعله اللَّه مفتاحًا للشر ومغلاقًا للخير".

وعبد الرحمن بن زيد ضعيف ومن طريقه رواه ابن ماجه.

1119/ 2467 - "إِنَّ مِنَ النِّسَاءِ عِيّا وَعَوْرَةً، فكفُّوا عِيهُنَّ بالسُّكُوتِ، وَوَارُوا عَوْرَاتِهِنَّ بِالبيوتِ".

(عق) عن أنس

قال في الكبير: قال العقيلي: هذا حديث غير محفوظ، وقال ابن الجوزي: موضوع، وإسماعيل وزكريا -يعني هنا رجال سنده- متروكان، وتعقبه المؤلف بأن له شاهدًا.

ص: 542

قلت: هذا باطل فيه شائبة حق، وذلك أن ابن الجوزي أورد في الموضوعات [2/ 282] من طريق ابن عدي عن الحسن بن سفيان:

ثنا زكريا بن يحيى الخزاز ثنا إسماعيل بن عباد الكوفي ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس مرفوعًا: "استعينوا على النساء بالعرى".

ثم قال: إسماعيل وزكريا متروكان، فتعقبه المصنف بقوله: أخرجه الطبراني في الأوسط، ورواه العقيلي [1/ 85] بلفظ آخر فقال:

حدثنا الحسين بن إسحاق التستري ثنا زكريا بن يحيى الخزاز بالسند السابق مرفوعًا: "إن من النساء عيا وعورة. . ." الحديث، ونقل عن العقيلي أنه قال: هذا حديث غير محفوظ ولم يزد شيئًا، فأتى الشارح بالباطل في أمور، الأول: زعمه أن ابن الجوزي أورده في الموضوعات وليس كذلك، فابن الجوزي إنما أورد حديثًا آخر بإسناد حديث الباب.

الثاني: زعمه أن ابن الجوزي أعله بإسماعيل وزكريا، وهو إنما أعل بهما حديثًا آخر.

الثالث: زعمه أن المؤلف تعقبه بأن له شاهدًا وليس كذلك، فالمؤلف ما أورد له شاهدًا أصلًا، وإنما أعاد الحديث بالسند عينه بسياق آخر.

الرابع: لو اعتبرنا مخالفة اللفظ مع اتحاد السند شاهدًا فلفظ الكتاب هو الذي زاده المصنف شاهدًا إلا أنه أورد غيره شاهدًا له، مع أن ما يريده الشارح على ما فيه من قلب الحقائق فاسد باطل؛ إذ لا شاهد مع اتحاد السند، فما أبرع الشارح في الأوهام وأطول باعه في تناول الأخطاء وأساليب الأغلاط.

هذا وقد وجدت للحديث شاهدًا من حديث علي عليه السلام، قال الطوسي في المجالس:

أخبرنا جماعة عن أبي المفضل قال: حدثنا أبو عبد اللَّه جعفر بن محمد بن جعفر الحسني ثنا موسى بن عبد اللَّه بن موسى الحسني عن جده موسى بن

ص: 543

عبد اللَّه عن أبيه عبد اللَّه بن الحسن وعميه إبراهيم والحسن ابني الحسن عن أمهم فاطمة بنت الحسين عن جدها علي بن أبي طالب عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "النساء عي وعورة، فاستروا عيهن بالسكوت وعورتهن بالبيوت".

1120/ 2469 - "إِنَّ مِنْ إجْلالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَة المسلمِ، وحَامِلِ القرآنِ غيرِ الغَالِي فيه والجَافِي عنه، وإِكرامَ ذِي السُّلطانِ المُقْسِطِ".

(د) عن أبي موسى

قال في الكبير: سكت عليه أبو داود، وقال في الرياض: حديث حسن، وقال الحافظ العراقي، وتلميذه ابن حجر: سنده حسن، وقال ابن القطان: ما مثله يصح، وأورده ابن الجوزي في الموضوع بهذا اللفظ من حديث أنس، ونقل عن ابن حبان أنه لا أصل له ولم يصب، بل له الأصل الأصيل من حديث أبي موسى، واللوم فيه على ابن الجوزي أكثر.

قلت: في هذا أمور، الأول: ابن الجوزي لم يورد هذا الحديث من حديث أنس بل من حديث ابن عمر ومن حديث جابر بن عبد اللَّه.

الثاني: قوله: ولم يصب. . . إلخ، هو كلام الحافظ لم يعزه إليه، لكنه حذف منه جملة أفسدت معناه وهو لم يره في نفس كتب الحافظ بل نقله من اللآلئ المصنوعة للمصنف، فإنه نقل فيه عن الحافظ أنه قال في تخريج أحاديث الرافعي: لم يصب ابن حبان ولا ابن الجوزي جميعا في قولهما: لا أصل لهذا الحديث أصلًا، بل له الأصل الأصيل من حديث أبي موسى الأشعري بهذا اللفظ عند أبي داود بسند حسن، قال: واللوم فيه على ابن الجوزي أكثر، لأنه خرج على الأبواب اهـ.

فقوله: لأنه خرج على الأبواب هي محل الفائدة الموجهة لقوله: واللوم فيه على ابن الجوزي أكثر.

الثالث: أطال المؤلف في اللآليء المصنوعة في إيراد الطرق والشواهد لهذا

ص: 544

الحديث بحيث كتب في ذلك نحو صحيفتين، وهنا يلتزم الشارح السكوت غمطًا لحق الفضلاء، ولكنه إذا لم يكن في الباب ما يطيل به المؤلف في التعقب على ابن الجوزي هناك يتكلم الشارح.

1121/ 2470 - "إِنَّ مِنْ إِجْلالي تَوقيرُ الشَّيخِ مِنْ أُمَّتِي".

(خط) في الجامع عن أنس

قلت: هذا حديث موضوع.

1122/ 2471 - "إِنَّ مِنْ أَخْلاقِ المؤمنِ قُوَّةً في دينٍ، وحَزْمًا في لِينٍ، وإِيمانًا في يقينٍ وحِرْصًا في علمٍ، وشفقةً في مِقَةٍ، وحِلْمًا في علمٍ، وقصدًا في غنى وتَجَمُّلًا في فَاقَةٍ، وتَحَرُّجًا عن طمعٍ، وكسبًا في حلال، وبرّا في استقامةٍ، ونشاطًا في هدى، ونهيًا عن شهوةٍ، ورحمةً للمجهودِ، وإِنَّ المؤمنَ من عبادِ اللَّهِ لا يحيفُ على مَنْ يبغضُ، ولا يَأْثَمُ فيمن يُحِبُّ، ولا يضِّيعُ ما استُودِعَ ولا يَحْسُدُ، ولا يَطْعَنُ، ولا يَلْعَنُ، ويَعْتَرِفُ بالحقِّ وَإِنْ لَمْ يُشْهَدْ عليه، ولا يتنابز بالأَلْقَاب، في الصَّلاة مخشعًا، إلى الزكاة مُسْرِعًا، في الزلازِلِ وقُورًا، في الرَّخَاءِ شَكُورًا، قَانِعًا بالَّذِي له، لا يدعي مَا لَيْسَ له، ولا يَجْمَعُ في الغَيْظِ، ولا يَغلبُهُ الشُّحُّ عن معروفٍ يُرِيدُهُ، يُخالِطُ النَّاسَ كي يَعْلَم، ويناطقُ النَّاسَ كي يفهَم، وإِنْ ظُلِمَ وبُغِى عليه صبرَ حتَّى يكونَ الرحمنُ هو الذي ينتصرُ له".

الحكيم عن جندب بن عبد اللَّه

قلت: هو حديث ركيك وآثار الوضع لائحة عليه.

1123/ 2477 - "إِنَّ مِنْ أَعظمِ الأمانة عند اللَّه تعالى يَومَ القيامةِ الرجلَ يُفْضِي إِلى امرأتِهِ وتُفْضِي إِليه ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا".

(حم. م. د) عن أبي سعيد

ص: 545

قال الشارح في الشرحين معًا: هو خبر إِنَّ وذكر تمام الحديث.

قلت: قوله في الرجل: خبر إن غلط يدركه صغار طلبة العربية.

1124/ 2486 - "إِنَّ مِنْ تَمَامِ إِيمَانِ العبدِ أَنْ يَسْتَثْنِي في كُلِّ حَدِيثِهِ".

(طس) عن أبي هريرة

قال في الكبير: حكم ابن الجوزي بوضعه، وقال: فيه معارك بن عباد متروك منكر الحديث، قال المصنف: وفيه نظر اهـ، ولم يوجهه بشيء.

قلت: هذا كذب على المصنف لا أدري كيف استباحه الشارح لنفسه فاسمع ما قاله المصنف بنصه:

أورد ابن الجوزي من طريق الحسن بن سفيان: ثنا علي بن سلمة ثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي ثنا معارك بن عباد عن عبد اللَّه بن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا: "إن من تمام إيمان العبد أن يستثني فيه"، ثم قال ابن الجوزي: لا يصح، ومعارك منكر الحديث متروك، قال المصنف: وشيخه أيضًا واه، ولكن الجوزقاني أورد هذا الحديث على أنه ثابت واستدل به على بطلان الأحاديث الثلاثة السابقة على عادته، وقال عقبه: هذا حديث غريب والاستثناء في الإيمان سنة فمن قال: إنه مؤمن فليقل: إن شاء اللَّه تعالى، وهذا ليس باستثناء شك، ولكن عواقب المؤمنين مغيبة عنهم، ثم أورد حديث جابر:"كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك. . . " الحديث.

وحديث ابن مسعود: "إن أحدكم يجمع خلقه. . . " الحديث.

وحديث أبي هريرة في المقبرة "وإنَّا إن شاء اللَّه بكم لاحقون". فجعل هذه الأحاديث دالة على سنة الاستثناء في الإيمان وعلى بطلان تلك الأحاديث المعارضة لها.

نعم، قال الذهبي في الميزان: داود بن المحبر حدثنا معارك بن عباد القيسي عن

ص: 546

عبد اللَّه بن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا: "إن من تمام إيمان العبد أن يستثني في كل حديثه"، ثم قال الذهبي: هذا الحديث باطل، قد يحتج به المرازقة الذين لو قيل لأحدهم: أنت مسيلمة الكذاب؟ لقال: إن شاء اللَّه اهـ.

وهذا الحديث غير الذي أورده المؤلف -يعني ابن الجوزي- والآفة فيه من داود، فإنه وضاع.

وقد أخرجه الديلمي في مسند الفردوس من طريقه واللَّه أعلم اهـ.

فاعجب لأمانة الشارح، ثمَّ مما نقلناه يعلم ما في قوله: إن حديث الباب أورده ابن الجوزي في الموضوعات، فإن الذي أورده لفظ آخر دون المذكور هنا.

وإن كان المصنف نقل عن الذهبي بطلان هذا أيضًا وأقره على ذلك بسبب وجود داود بن المحبر فيه بخلاف الذي أورده ابن الجوزي، فإن المصنف نازع في الحكم بوضعه وذلك مما يدعو إلى العجب من حال المصنف أيضًا؛ إذ أورد المتن الذي حكم هو بوضعه وترك الذي نازع في الحكم بوضعه.

1125/ 2489 - "إنَّ منْ حَقِّ الوَلَد عَلَى وَالده أَنْ يُعَلِّمَه الكِتابةَ، وَأنْ يُحْسنَ اسْمَه، وأنْ يُزَوِّجَه إذَا بَلَغَ".

ابن النجار عن أبي هريرة

قال الشارح: بإسناد ضعيف لكن له شاهد.

قلت: كأنه يشير إلى ما رواه محمد بن مخلد الدوري في جزئه:

ثنا علي بن شاذان -المعروف بابن أبي مكرمة- حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز ابن أبي رواد أخبرني أبي عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن من حق الولد على والده ثلاث خصال: أن يحسن أدبه، وأن يحسن اسمه، وأن يعفه إذا بلغ".

علي بن شاذان ضعفه الدارقطني.

ص: 547

1126/ 2491 - "إنَّ منْ شَرِّ النَّاص عنْدَ اللَّه مَنْزَلةً يَوْمَ القيامَة: الرَّجُلَ يُفْضي إلى امْرأته، وَتُفْضي إلَيْه ثُمَّ يَنْشُر سرَّهَا".

(م) عن أبي سعيد

قال في الكبير: قال ابن القطان: إنما يرويه مسلم من طريق عمر بن حمزة عن عبد الرحمن بن سعد عن أبي سعيد، وعمر ضعفه ابن معين، وقال أحمد: أحاديثه مناكير، فالحديث به حسن لا صحيح.

قلت: هذا بحث ضائع، فإن الرجل وثقه مسلم وأخرج له بعد سبر أحواله، واعتبار أحاديثه وثبوت ثقته عنده، ولم يكفه ذلك حتى كان هذا المعنى واردًا في أحاديث أخرى تشهد لأصله وتبين أنه لم ينفرد بمعناه، ولهذا احتج به أيضًا الحاكم وقال: أحاديثه كلها مستقيمة، وهذا يقوله الحاكم بعد علمه بقول ابن معين وأحمد، كأنه لم يرض قوله أن أحاديثه مناكير.

والحق يقال أن النكارة تكون ظاهرة على متن الحديث، ولا نكارة في هذا الحديث بل نور النبوة لائح عليه، ثم إنه لا معنى لأن يكون حسنا كما ينقله الشارح، لأنه إما أن يعتبر توثيق مسلم له ومن وافقه على توثيقه فيكون الحديث صحيحًا لاسيما بعد دخوله في الكتاب المجمع من الأمة على صحته، وإما أن يعتبر قول أحمد فيه: إنه منكر الحديث، فيكون الحديث ضعيفًا كما هو مقتضى هذه اللفظة من الجرح، أما كونه حسنا فلا محل له من الحديث.

1127/ 2492 - "إنَّ منْ شَرِّ النَّاسِ مَنْزلَةً عنْدَ اللَّه يَوْمَ القيَامَة، عَبْدًا أذهَبَ آخرَتَهُ بدُنْيَا غَيْره".

(هـ. طب) عن أبي أمامة

قلت: سكت عليه الشارح، وهو من رواية شهر بن حوشب عن أبي أمامة، كذا رواه ابن ماجه [2/ 1312، رقم 3966] عن سويد بن سعيد عن مروان بن معاوية الفزاري عن عبد الحكم عن شهر بن حوشب.

ص: 548

ورواه القضاعي في مسند الشهاب من طريق يوسف بن عدي عن مروان بن معاوية الفزاري بهذا الإسناد فقال: عن أبي هريرة بدل: أبي أمامة.

وكذلك رواه الطيالسي في مسنده عن عبد الحكم عن شهر عن أبي هريرة.

ومن طريق الطيالسي رواه أبو نعيم في الحلية [6/ 65].

فالصواب حينئذٍ: أنه من حديث أبي هريرة لا من حديث أبي أمامة، وأن ذكر أبي أمامة وهم من سويد واللَّه أعلم.

1128/ 2493 - "إنَّ مِنْ ضَعْف اليَقين أَنْ تُرْضى النَّاسَ بسَخَط اللَّه تَعَالى، وَأَنْ تَحمدَهُمْ عَلى رزْق اللَّه تَعَالى، وَأَنْ تَذُمَّهمْ عَلى مَا لَمْ يؤْتكَ اللَّهُ تعَالَى، إنَّ رزْقَ اللَّه لا يَجُرُّهُ إليْكَ حِرْصُ حَريْص، وَلا يَردُّهُ كَراهَةُ كَاره، وَإِنَّ اللَّه بِحِكْمَته وَجَلاله الرَّوحَ والفَرَحَ في الرِّضَا واليَقيْن، وجَعَلَ الهَمَّ وَالحَزَنَ في الشَّكِّ والسَّخَطِ".

(حل. هب) عن أبي سعيد

قال في الكبير: وظاهر صنيع المصنف أن البيهقي خرجه وأقره؛ والأمر بخلافه، بل تعقبه بقوله: محمد بن مروان السدي -أي أحد رجاله- ضعيف اهـ. وفيه أيضًا عطية العوفي قال الذهبي: ضعفوه، وموسى بن بلال قال الأزدي: ساقط.

قلت: الحديث إنما يعل بمحمد بن مروان السدي كما فعل البيهقي، وعطية العوفي أحاديثه متماسكة، أما موسى بن بلال فلا معنى لذكره أصلا؛ لأنه توبع عليه، وليس هو عند أبي نعيم، إنما هو عند البيهقي، قال أبو نعيم [5/ 106]:

حدثنا القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد قال: ثنا محمد بن الحسين بن حفص ثنا علي بن بن مروان ثنا أبي عن عمرو بن قيس عن عطية عن أبي سعيد به، ثم قال: غريب من حديث عمرو، تفرد به علي بن محمد بن مروان

ص: 549

عن أبيه اهـ.

يريد تفرده من طريق معروفة وإلا فقد رواه هو أيضًا في ترجمة أبي يزيد البسطامي من روايته عن أبي عبد الرحمن السندي عن عمرو بن قيس الملائي به.

لكن شيخ أبي نعيم فيه -وهو أبو الفتح أحمد بن الحسين بن سهل الحمصي- كان كذابا، ولذلك صرح أبو نعيم [10/ 41] ببطلان هذه الطريق فقال:

وهذا الحديث مما ركب على أبي يزيد، والحمل فيه على شيخنا أبي الفتح فقد عثر منه على غير حديث ركبه اهـ.

ولأجل هذا لم يعتبر أبو نعيم هذا الطريق وصرح بتفرد على بن محمد بن مروان وأبيه بهذا الحديث، وذلك أيضًا بالنسبة لحديث أبي سعيد الخدري وإلا فقد ورد من حديث عبد اللَّه بن مسعود وأنس بن مالك.

فحديث ابن مسعود رواه أبو نعيم في الحلية [4/ 121] عن أبي أحمد محمد ابن أحمد بن إسحاق عن أحمد بن سهل بن أيوب:

ثنا خالد بن يزيد العمري ثنا سفيان الثوري وشريك [بن عبد اللَّه](1) وسفيان بن عيينة عن سليمان الأعمش عن خيثمة عن عبد اللَّه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا ترضين أحدا بسخط اللَّه، ولا تحمدن أحدا على فضل اللَّه، ولا تَذُمَّنَّ أحدا على ما لم يؤتك اللَّه، فإن رزق اللَّه لا يسوقه إليك حرص حريص ولا يرده عنك كراهية كاره، وإن اللَّه بقسطه وعدله جعل الروح والفرح في الرضى واليقين، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط"، وقال أبو نعيم: تفرد به العمري.

قلت: كذا وقع في روايته سليمان الأعمش.

ورواه القشيري في الرسالة عن أبي محمد بن الحسين بن فورك:

(1) الزيادة من الحلية.

ص: 550

ثنا أبو بكر أحمد بن محمود بن خرزاذ الأهوازي ثنا أحمد بن سهل بن أيوب ثنا خالد بن يزيد ثنا الثوري وشريك وابن عيينة عن سليمان التيمي عن خيثمة به.

ورواه القضاعي في مسند الشهاب من طريق الحسن بن رشيق عن الحسين بن حميد العكي عن محمد بن روح القشيري عن خالد عن الثوري عن سليمان -ولم يعينه- عن خيثمة به، قال القضاعي: ووقع في الأصل خالد بن نجيح وإنما هو خالد بن يزيد العمري.

وحديث أنس رواه ابن ودعان في الأربعين من طريق موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن حميد وثابت جميعا عن أنس مرفوعًا: "إن من ضعف اليقين. . . " فذكر مثله، وزاد فيه زيادة أخرى وإسناده مركب مفتعل كسائر أسانيد الأربعين المذكورة، فإنها كلها موضوعة مركبة.

ورواه الدينوري في المجالسة:

ثنا محمد بن إسحاق ثنا إسماعيل بن محمد عن أبيه عن جده قال: قال جعفر ابن محمد: "إن من اليقين ألا ترضى الناس بما يسخط اللَّه. . . " وذكر نحوه.

1129/ 2498 - "إِنَّ منْ مَعَادن التَّقْوَى تَعَلُّمَكَ إلى مَا قَدْ عَلمْتَ علْمَ مَا لَمْ تَعْلَمْ، وَالنَّقْصُ فيمَا قَدْ عَلمْتَ قلَّةُ الزِّيَادَة فِيْه، وَإنَّمَا يُزَهِّدُ الرَّجُلَ في علْم مَا لَمْ يَعْلَمْ قلَّةُ الانْتفَاع بمَا قَدْ عَلمَ".

(خط) عن جابر

قلت: هو حديث موضوع، وقد رواه أيضًا ابن عبد البر في العلم (1/ 95).

1130/ 2499 - "إِنَّ مِنْ مُوْجِبَاتِ الْمَغْفِرَةِ بِذْلَ السَّلامِ، وَحُسْنَ الكَلام".

(طب) عن هانئ بن يزيد

ص: 551

قال في الكبير: قال الهيثمي: فيه أبو عبيدة بن عبد اللَّه الأشجعي، روى عنه أحمد وغيره ولم يضعفه أحد وبقية رجاله رجال الصحيح اهـ. وهو ذهول، فإن الأشجعي هذا من رجال الصحيحين.

قلت: هو ذهول حقيقة ولكنه من الشارح لا من الهيثمي الحافظ، فإن أبا عبيدة المذكور لم يرو له من أصحاب الكتب الستة إلا أبو داود وحده، ولم يضعفه أحد كما قال الحافظ الهيثمي، بل ذكره ابن حبان في الثقات وسماه: عبادا، والحديث له عند الطبراني أسانيد متعددة، وأخرجه أيضًا في مكارم الأخلاق عن حفص بن عمر السدوسي:

ثنا عاصم بن علي ثنا قيس بن الربيع عن المقدام بن شريح عن أبيه عن جده به، لكنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن من موجبات المغفرة إطعام الطعام وبذل السلام".

ورواه أبو نعيم في تاريخ أصبهان [1/ 207] عن الطبراني فقال:

حدثنا محمد بن يحيى بن منده ثنا عبد اللَّه بن داود العابد ثنا إبراهيم بن أيوب عن أبي هانئ إسماعيل بن خليفة عن سفيان الثوري عن المقدام بن شريح عن أبيه عن جده قال: قلت: يا رسول اللَّه أخبرني بعمل يدخلني الجنة، قال: إن موجبات المغفرة بذل الطعام وحسن الكلام".

قال أبو نعيم: وحدثناه أبو محمد بن حيان هو أبو الشيخ: ثنا علي بن رستم ثنا الهذيل ثنا إبراهيم بن أيوب ثنا أبو هانئ مثله: "بذل الطعام. . . ".

ورواه أحمد بن حنبل فيما أعطاه الأشجعي من كتاب أبيه عن الثوري فقال: "بذل السلام وحسن الكلام".

1131/ 2500 - "إِنَّ مِنْ مُوْجِبَاتِ المَغْفِرَةِ إِدْخَالَكَ السُّرُورَ عَلى أَخِيْكَ الْمُسْلِمِ".

(طب) عن الحسن بن علي

ص: 552

قال في الكبير: ضعفه المنذري، وقال الهيثمي: فيه جهم بن عثمان وهو ضعيف، وقال ابن حجر: جهم بن عثمان فيه جهالة وبعضهم تكلم فيه.

قلت: رواه القضاعي في مسند الشهاب، من هذا الوجه أيضًا من رواية يعقوب ابن محمد الزهري:

ثنا جهم بن عثمان أبو رجاء النهدي عن عبد اللَّه بن الحسن بن الحسن عن أبيه عن جده به.

وله شاهد من حديث أنس وجابر بن عبد اللَّه.

فحديث أنس رواه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج [ص 45، رقم 34] ومكارم الأخلاق معا من طريق وهب بن راشد عن فوقد السبخي عن أنس بن مالك مرفوعًا: "يا أنس أما علمت أن من المغفرة إدخال السرور على أخيك المسلم تنفسى عنه كربة، تفرج عنه غما، تزجى له صنعة، تقضي عنه دينًا لحقه في أهله".

وحديث جابر رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده، ومن طريقه أبو نعيم في الحلية [7/ 90] وفي جزء أفرده لترجمة الحارث، وبعض أحاديثه من رواية الحارث عن يحيى بن هاشم:

ثنا سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعًا: "إن من موجبات المغفرة إدخالك السرور على أخيك المسلم إشباع جوعته، وتنفيس كربته".

ويحيى بن هاشم كذاب.

1132/ 2509 - "إِنَّ هَذَا الدِّيْنَ مَتِيْنٌ فَأَوْغِلْ فِيْهِ بِرِفقٍ؛ فَإنَّ الْمُنبَتَّ لا أَرْضًا قَطَعَ وَلا ظَهْرًا أَبْقَى".

البزار عن جابر

قال في الكبير: قال الهيثمي: فيه يحيى بن المتوكل أبو عقيل وهو كذاب اهـ. ورواه البيهقي في السنن من طرق وفيه اضطراب، روى موصولًا ومرسلًا

ص: 553

ومرفوعًا وموقوفًا، واضطرب في الصحابي أهو جابر أو عائشة أو عمر؟ ورجح البخاري في التاريخ إرساله.

قلت: ليس في رواة هذا الحديث عمر ولا اختلف به على راويه، وإنما الحديث يروى عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص من وجه آخر لا يدخل في حكم الاضطراب بالنسبة لراوي حديث جابر، كما أن حديث الباب لم يختلف الرواة في رفعه ووقفه، بل ذكروه مرفوعًا، وإنما اختلفوا على محمد بن سوقة في وصله وإرساله وفي تعيين صحابيه، والذي اختلف في رفعه ووقفه هو حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص.

أما حديث الباب فرواه الحاكم في علوم الحديث، وأبو سعيد النقاش في فوائد العراقيين، والخطابي آخر العزلة، والبيهقي في كتاب الصلاة من سننه، كلهم من طريق أبي يحيى بن أبي مسرة وسماه النقاش عبد اللَّه بن أحمد بن زكريا:

حدثنا خلاد بن يحيى ثنا أبو عقيل يحيى بن المتوكل عن محمد بن سوقة عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ولا تبغض إلى نفسك عبادة اللَّه، فإن المنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى"، هذا لفظ الحديث عند جميعهم، ورواية البزار وقع فيها اختصار، قال الحاكم: هذا حديث غريب الإسناد والمتن، وكل ما روى فيه فهو من الخلاف على محمد بن سوقة.

فأما ابن المنكدر عن جابر فليس يرويه غير محمد بن سوقة وعنه أبو عقيل وعنه خلاد بن يحيى، وقال البيهقي: هكذا رواه أبو عقيل، وقد قيل: عن محمد بن سوقة عن محمد بن المنكدر عن عائشة، وقيل: عنه عن محمد بن المنكدر عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وقيل عنه غير ذلك.

قلت: المرسل رواه البخاري في التاريخ الكبير [1/ 1/ 102، رقم 287] في ترجمة محمد بن سوقة فقال: قال لي إسحاق: أخبرنا عيسى بن يونس حدثنا

ص: 554

محمد بن سوقة قال: حدثني [ابن محمد](1) بن المنكدر قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الدين متين. . . ".

قال البخاري [1/ 1/ 103]: ورواه أبو عقيل يحيى عن ابن سوقة عن ابن المنكدر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم والأول أصح.

وأما حديث عبد اللَّه بن عمرو فلا يدخل في الاضطراب في هذا الحديث، لأنه مروي من وجه آخر من طريق الليث عن ابن عجلان عن مولى لعمر بن عبد العزيز عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، ولا تبغض إلى نفسك عبادة ربك، فإن المنبت لا سفرًا قطع ولا ظهرًا أبقى، فاعمل عمل إمرئ يظن أن لن يموت أبدا، واحذر حذر امرئ يخشى أن يموت غدا". رواه البيهقي هكذا مطولًا مجودًا.

ورواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده، وابن قتيبة في عيون الأخبار، وابن زنجويه، والديلمي في مسند الفردوس مختصرًا، وبعضهم وقفه على عبد اللَّه ابن عمرو مع اختصار متنه، فهذا حديث آخر غير حديث الباب، وهذا هو الذي اختصره بعضهم، ورواه بالمعنى فجاء بذاك اللفظ الباطل الموضوع المتداول بين الناس لاسيما جهلة الخطباء والمدرسين منهم وهو:"اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا"، فإنه لا أصل له من حديث النبي صلى الله عليه وسلم كما بينته في كتاب أفردته لذلك سميته:"إياك من الاغترار بحديث: اعمل لدنياك"، واختصرته في جزء صغير سميته:"سبل الهدى إلى إبطال حديث: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا" وهذا الاختصار طبع مرتين والحمد للَّه على فضله وامتنانه.

1133/ 2510 - "إِنَّ هَذَا الدِّينَارَ وَالدِّرْهَمَ أَهْلَكَا مَنْ قَبْلَكُمْ، وَهُمَا مُهْلِكَاكُمْ".

(طب. هب) عن ابن مسعود وعن أبي موسى

(1) الزيادة من التاريخ الكبير (1/ 1/ 102، رقم 287).

ص: 555

قال في الكبير: قال الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني: فيه يحيى بن المنذر وهو ضعيف.

قلت: الهيثمي قال ذلك في كتاب الزكاة عن حديث ابن مسعود.

أما حديث أبي موسى فقال عنه في كتاب الزهد: إسناده حسن، فهذا من الشارح خلط للموضوع.

وحديث أبي موسى أخرجه أيضًا أبو نعيم في الحلية [4/ 112] من طريق مؤمل بن إهاب.

ثنا أبو داود ثنا شعبة عن الأعمش عن أبي وائل عن أبي موسى به.

1134/ 2511 - "إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ، فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ".

(ك) عن أنس، السجزي عن أبي هريرة

قال في الكبير: قال ابن الجوزي في العلل: فيه إبراهيم بن الهيثم وخليد بن دعلج ضعيف.

قلت: سقط من الأصل وصف إبراهيم بن الهيثم من الجرح وهذا كلام لا تمييز فيه بين من في سند حديث أنس وحديث أبي هريرة، وخليد بن دعلج إنما هو في سند حديث أنس، كما أن حديث أبي هريرة روى من غير طريق إبراهيم ابن الهيثم، ثم إن المصنف عزا الحديث للحاكم وأطلق فيقتضي ذلك أنه في المستدرك وما أظنه فيه، فإني ما رأيته فيه في كتاب العلم، وإنما أسنده من طريقه الديلمي في مسند الفردوس، وهو إنما يسند غالبًا عنه من التاريخ، قال الديلمي:

أخبرنا ابن خلف كتابة أخبرنا الحاكم ثنا إسماعيل الشعراني ثنا علي بن الفضل ابن طاهر الحافظ البلخي ثنا حامد بن محمد الكتاني ثنا مخيمرة بن سعيد ثنا خليد بن دعلج عن قتادة عن أنس به.

ص: 556

وورد عن أنس من وجه آخر أسقط من هذا، بل ظاهر البطلان، لأن فيه كذابين وضاعين، قال أبو نعيم في رياضة المتعلمين:

حدثنا أبو النضر شافع بن محمد بن أبي عوانة ثنا يعقوب بن إسحاق بن حجر ثنا محمد بن سليمان بن هشام ثنا يزيد بن هارون عن حميد عن أنس به.

يعقوب وشيخه كذابان.

وحديث أبي هريرة رواه أيضًا أبو نعيم في رياضة (1) المتعلمين قال:

حدثنا محمد بن علي بن حبيش ثنا أحمد بن القاسم بن مساور ثنا سريج بن يونس ثنا أصرم بن غياث عن سويد بن سنان عن هارون بن عنترة عن أبي هريرة قال: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذونه"، قال أبو نعيم: رواه محمد بن معاوية من حديث سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعًا.

قلت: طريق محمد بن معاوية أخرجه الديلمي عن الروني عن أبي نصر الدستوائى عن سهل بن يحيى عن عبد اللَّه بن الوكيل عن عبدان عن محمد ابن معاوية عن جعفر ابن أخي الماجشون عن سعيد المقبري عن أبي هريرة به مرفوعًا.

ثم قال أبو نعيم: والصحيح من ذلك كله ما حدثناه أبو بكر بن خلاد:

ثنا محمد بن يونس السامي ثنا أزهر بن سعد ثنا عبد اللَّه بن عون عن محمد بن سيرين قال: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذونه".

قلت: وهكذا هو في مقدمة صحيح مسلم كما ذكره الشارح أيضًا.

1135/ 2513 - "إِنَّ هَذَا القُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ فَاقْبَلُوا مِنْ مَأْدُبَتَهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ".

(ك) عن ابن مسعود

(1) هنا كتب رياض.

ص: 557

قال في الكبير: قال الحاكم: تفرد به صالح بن عمر عن إبراهيم الهجرى وهو صحيح، وتعقبه الذهبي بأن صالحًا ثقة خرج له مسلم، لكن إبراهيم بن مسلم ضعيف.

قلت: الحديث عند الحاكم مطولًا اختصره المصنف، والشارح غيَّر كلام الحاكم فأفسده، فإن الحاكم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بصالح بن عمر، فتعقبه الذهبي بما نقله الشارح، وبهذا اتضح الكلام فالحاكم ادعى أن الشيخين لم يخرجاه من أجل أنه من رواية صالح بن عمر، فقال له الذهبي: صالح من رجال مسلم، ولكنهما لم يخرجاه من أجل إبراهيم بن مسلم فهو ضعيف.

أما كون صالح تفرد به فلم يقله الحاكم، بل هو من زيادة الشارح عليه وهي زيادة لا يرضاها الحاكم، لأنها تنادي عليه بالقصور، فإن صالح بن عمر لم ينفرد به عن إبراهيم، بل رواه علي بن عاصم عنه أيضًا مرفوعًا، وجعفر بن عون وغيره عنه موقوفًا، أخرج الأولى البغوى في التفسير من طريق أبي بكر الآجري:

ثنا أبو الفضل جعفر بن محمد الصولي ثنا الحسن بن محمد الزعفراني ثنا علي ابن عاصم عن إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عن عبد [اللَّه] قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بمعناه.

وأخرج الموقوف حميد بن زنجويه عن جعفر بن عون: أنا إبراهيم بن مسلم به موقوفًا.

ثم إن إبراهيم بن مسلم لم ينفرد به أيضًا لا مرفوعًا ولا موقوفًا، بل ورد من غير طريقه على الوجهين أيضًا.

فالمرفوع أخرجه أبو نعيم في التاريخ عن أبي الشيخ:

حدثنا محمد بن الحسن ثنا أبو إسماعيل الترمذي ثنا أيوب بن سليمان ثنى أبو

ص: 558

بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن محمد بن عجلان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن هذا القرآن مأدبة اللَّه فتعلموا من مأدبة اللَّه ما استطعتم".

والموقوف له طرق، فرواه عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص به، ورواه ابن المبارك في الزهد عن شعبة عن عبد الملك بن ميسرة عن أبي الأحوص به.

ورواه أبو نعيم في التاريخ من طريق سعد بن الصلت عن القاسم بن معن عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص به، وآخرون.

1136/ 2518 - "إِنَّ هَذِهِ القُلُوْبَ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا، فَإِذَا سَأَلْتُم اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ وَأَنْتُمْ وَاثِقُونَ بَالإِجابَةِ، فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى لا يَسْتَجِيبُ دُعَاءَ مَن دَعَا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ غَافِلٍ".

(طب) عن ابن عمر

قال في الكبير: قال الهيثمي: فيه بشر بن ميمون الواسطى مجمع على ضعفه.

قلت: ورد من غير طريقه لكنه مرسل عمن يرسل عن ابن عمر أيضًا، قال ابن المبارك في الزهد [ص 391، رقم 85]:

أخبرنا سعيد بن أبي أيوب عن بكر بن عمرو عن صفوان بن سليم قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. . . فذكره.

1137/ 2535 - "إِنَّكُمْ سَتُبْتَلونَ فِي أَهْلِ بَيْتِي مِنْ بَعْدِي".

(طب) عن خالد بن عرفطة

قال الشارح في الكبير: بفتح المهملة أوله.

قلت: بل بضمها وضم الفاء.

1138/ 2542 - "إِنَّكُمْ فِي زَمَان مَنْ تَرَكَ مِنْكُمْ عُشْرَ مَا أُمِرَ بِه هَلَكَ،

ص: 559

ثُمَّ يَأْتِي زَمَانٌ مَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ بِعُشْرِ مَا أُمِرَ بهِ نَجَا".

(ت) عن أبي هريرة

قال في الكبير: قال (ت): غريب، وأورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: قال النسائي: حديث منكر، رواه نعيم بن حماد وليس بثقة.

قلت: رواه أيضًا أبو نعيم في الحلية من رواية إسماعيل بن عبد اللَّه عن نعيم ابن حماد عن ابن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة به، ثم قال: غريب، تفرد به نعيم عن سفيان، وأسنده الذهبي في ترجمة نعيم بن حماد من التذكرة من طريق الترمذي عن إبراهيم الجوزجاني عن نعيم به، ثم قال: هذا حديث منكر لا أصل له من حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولا شاهد، ولم يأت به عن سفيان سوى نعيم، وهو مع إمامته منكر الحديث اهـ.

كذا قال، وهو ظلم وإسراف، وليس في الحديث ما ينكر، بل الحال والواقع شاهد له، فإن السلف الصالح ولا سيما الصحابة لو رأوا زماننا وأعمالنا لحكموا علينا بالردة، نعوذ باللَّه من سوء القضاء.

وليس المراد بعشر ما أمر به الفرائض، ولكن المراد جملة المأمورات؛ بحيث يكون التمسك بالفرائض وحدها أو مع بعض المؤكدات من نوافل الخيرات عشر ما أمر به المرء، فلا يكون في الحديث نكارة، واللَّه أعلم.

ومن غريب ما يدخل في هذا الباب قول حذيفة رضي الله عنه: "يأتي على الناس زمان لا يصلح فيه إلا بالذي كان ينهى عنه"، أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد بسند صحيح (ص 79).

1139/ 2543 - "إِنَّكُمْ لا تَرْجِعُونَ إِلى اللَّهِ تَعَالى بِشَيءٍ أَفْضَلَ مِمَّا خَرَجَ مِنْهُ، يَعْنِي القُرْآنَ".

(حم) في الزهد، (ت) عن جبير بن نفير مرسلًا (ك) عنه عن أبي ذر

ص: 560

قال في الكبير: سكت عليه المصنف فلم يشر إليه بعلامة الضعيف فاقتضى جودته، وكأنه لم يقف على قول سلطان هذا الشأن -البخاري- في كتاب خلق الأفعال: إنه لا يصح لإرساله وانقطاعه؛ هكذا قال وأقره عليه الذهبي.

قلت: البخاري قال ذلك حسب الرواية المرسلة أو ترجيحًا منه للإرسال، والرواية الموصولة سندها صحيح بل هو عين سند المرسلة فإن الحديث رواه أحمد في الزهد عن عبد الرحمن بن مهدي.

ورواه الترمذي عن إسحاق بن منصور عن عبد الرحمن بن مهدي أيضًا [2/ 150] قال:

حدثنا معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن زيد بن أرطأة عن جبير بن نفير به مرسلًا.

ورواه الحاكم في المستدرك [1/ 555] عن عبد اللَّه بن محمد بن زياد العدل:

حدثنا جدي أحمد بن عبد اللَّه ثنا سلمة بن شبيب حدثني أحمد بن حنبل به موصولًا عن أبي ذر، ثم قال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره على ذلك الذهبي، هكذا رواه في كتاب فضائل القرآن، ورواه في كتاب التفسير عن محمد بن المؤمل بن الحسن بن عيسى:

ثنا الفضل بن محمد الشعراني ثنا عبد اللَّه بن صالح حدثني معاوية بن صالح به موصولًا أيضًا، لكن قال: عن عقبة بن عامر بدل: أبي ذر، وزاد [2/ 441] أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تلا:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 41، 42]، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"إنكم لن ترجعوا إلى اللَّه. . . " وذكره، ثم قال أيضًا: صحيح الإسناد، وأقره عليه الذهبي، مع أن عبد اللَّه بن صالح فيه مقال، والوهم منه في قوله: عقبة بن عامر، إن لم يكن اضطرابًا من زيد بن أرطأة، فإنه روى حديثًا بمعناه عن أبي أمامة وهو لم يدركه، إنما روى عنه

ص: 561

بواسطة جبير بن نفير أيضًا، وهو ثقة لم يوصف بضعف إلا أن الثقة قد يهم وينسى.

والغالب -إن شاء اللَّه تعالى- أن حديث أبي أمامة شاهد لحديث أبي ذر، وأن عقبة بن عامر وهمٌ من عبد اللَّه بن صالح فإنه ضعيف، وأن الإرسال لا يضر الموصول، والمتقدمون غالبًا يرجحون المرسل وذكره على الموصول، وكم حديث خرجه الأئمة موصولًا خرجه أحمد في الزهد مرسلًا، بل ربما خرج في الزهد مرسلًا ما خرجه هو نفسه في المسند مسندا، وكذلك أحاديث عبد اللَّه بن المبارك أكثرها عنده في الزهد وفي البر مرسلة، وهي في المسند والأصول الأخرى مروية من طريقه موصولة، وذلك اختيارًا منهم لذكر المرسل، فلا يدل على ضعف الحديث ولا على كون المرسل أرجح (1)، فقول الشارح باطل على كل حال.

1140/ 2548 - "إِنَّمَا الأَعْمَالُ كَالْوِعَاءِ إِذَا طَابَ أَسْفَلهُ طَابَ أَعْلاهُ، وَإِذَا فَسَدَ أَسْفَلهُ فَسَدَ أَعْلاهُ".

(هـ) عن معاوية

قال في الكبير: فيه الوليد بن مسلم وسبق أنه ثقة، وعبد الرحمن بن يزيد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعفه أحمد، وقال البخاري: منكر الحديث.

قلت: عبد الرحمن بن يزيد المذكور في سند هذا الحديث هو ابن جابر أبو عتبة الأزدي وهو ثقة، وعبد الرحمن بن يزيد الذي ذكره الشارح هو ابن تميم الدمشقي، فأين هذا من ذاك؟!

والوليد بن مسلم مع كونه ثقة لم ينفرد بالحديث، بل تابعه عبد اللَّه بن المبارك وصدقة بن خالد وغيرهما، فمتابعة [ابن] المبارك عنده في كتاب الزهد.

(1) راجع بحث المؤلف في قاعدة الوصل والإرسال ص 536 من الجزء السادس.

ص: 562

ومن طريقه رواه أحمد في المسند [4/ 904]، والقضاعي في مسند الشهاب، ومتابعة صدقة أخرجها أبو نعيم في الحلية من طريق جعفر الفريابي:

ثنا هشام بن عمار ثنا صدقة بن خالد ثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر به.

فالتحقيق مشرق والشارح مغرب.

1141/ 2550 - "إِنَّمَا الأَمَلُ رَحْمَةٌ مِنَ اللَّه لأمَّتي لَوْلا الأَمَلُ مَا أَرْضَعَتْ أُمٌّ وَلَدًا، وَلا غَرَسَ غَارِسٌ شَجَرًا".

(خط) عن أنس

قلت: أخرجه أيضًا الديلمي في مسند الفردوس كلاهما من طريق محمد بن إسماعيل الرازي وهو كذاب وضاع انفرد به، فيلام المصنف على إيراده هذا الحديث هنا.

أما انتقاد الشارح على المصنف فساقط كما نبهنا عليه في كثير من أمثاله.

1142/ 2554 - "إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلاثَة: فِي الْفَرَس، وَالْمَرْأَةِ، وَالْدَّارِ".

(خ. د. هـ) عن ابن عمر

قال الشارح في الكبير: قال الذهبي: هو مع نكارته إسناده جيد ولم يخرجوه.

قلت: هذا من عجائب الشارح في أوهامه، ولعله يريد بنقله هذا حديثًا لعائشة خرجه البيهقي، وأورده هو قبل ذكر مخرجي حديث الأصل، لكنه أخر الكلام عنه إلى ما بعد حديث الأصل فأتى بهذه الأعجوبة.

1143/ 2567 - "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، تَدْمَعُ الْعَينُ، وَيَخْشَعُ الْقَلْب وَلا نَقُوْلُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ، وَاللَّهِ يَا إِبْرَاهِيم إِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ".

ابن سعد عن محمود بن لبيد

قال في الكبير: ورواه البخاري وأبو داود في الجنائز، ومسلم في الفضائل عن

ص: 563

أنس بلفظ: "إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون" اهـ. وقد سمعت غير مرة أن الحديث إذا كان في أحد الصحيحين ما يفيد معناه فالعدول عنه لغيره ممنوع عند المحدثين.

قلت: وكذلك الغفلة المفرطة والبلادة المتناهية ممنوعة عندهم وصاحبها في عرفهم ساقط، فإن الذي يستدرك حديثا مصدرًا بـ "إن" في موضع أحاديث مصدرة بـ "إنما" في كتاب مرتب ترتيبًا دقيقًا على حروف المعجم ساقط عن درجة الاعتبار، وكذلك الذي يخلط موضوع كتب الأبواب والتراجم بكتب الحروف المعجمة.

1144/ 2581 - "إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبدُ، وَأَشْرَبُ كَمَا يَشْرَبُ الْعَبْدُ".

(عد) عن أنس

قلت: في الباب عن أبي هريرة عند الديلمي في مسند الفردوس (1/ 320) من الأصل المخطوط بدار الكتب المصرية.

وعن ابن عمر عند أبي نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 273).

وعن أبي جحيفة عند أبي نعيم في الحلية (7/ 256)، وسيأتي في حرف "لا" وهو أول حديث فيه.

وعن عطاء بن أبي رباح مرسلًا في زهد أحمد (ص 5).

وعن الحسن مرسلًا عنده أيضًا (ص 6).

وانظر حرف الهمزة أول الكتاب فقد اطلنا في طرقه والحمد للَّه.

1145/ 2592 - "إِنَّمَا سَمَّاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى الأَبْرَارَ؛ لأَنَّهُمْ بَرُّوا الآبَاءَ وَالأمَّهَاتِ وَالأَبْنَاءَ، كَمَا أَنَّ لِوَالِدَيكَ عَلَيكَ حَقّا كَذَلِكَ لِوَلدِكَ".

(طب) عن ابن عمر

ص: 564

قال في الكبير: وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأعلى من الطبراني، وهو قصور فقد رواه البخاري في الأدب المفرد عن ابن عمر وترجم عليه باب بر الأب لولده، فالضرب عنه صفحًا والعدول عنه إلى الطبراني من سوء التصرف.

قلت: هو كما يقول: قصور وسوء تصرف بل وجهل مفرط، ولكن من الشارح المسكين لا من المصنف الحافظ، فالبخاري ما خرجه في الأدب المفرد مرفوعًا، بل موقوفًا على ابن عمر من قوله، فلا يليق خلط الموقوف بالمرفوع إلا من فاقد التحقيق كالشارح، أما المصنف الحافظ المحقق فأعاذه اللَّه من ذلك، راجع (ص 17) من الأدب المفرد طبعة التازي بمصر.

وقد أخرجه الدينوري في المجالسة عن محارب بن دينار من قوله دون ذكر ابن عمر أيضًا.

وأخرجه مرفوعًا ايضًا ابن عساكر، كما أورده من عنده ابن كثير في التفسير (9/ 136).

1146/ 2594 - "إِنَّمَا سُمِّى الخضرُ خَضرًا؛ لأَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ، فَإِذَا هِي تَهْتَزُّ تَحْتَهُ خَضْرَاءَ".

(حم. ق. ت) عن أبي هريرة (طب) عن ابن عباس

قال في الكبير: ما ذكره من أن الشيخين معًا خرجاه هو ما جرى عليه البعض فتبعه، لكن الصدر المناوي قال: لم يخرجه مسلم فليحرر.

قلت: ما رأيته في صحيح مسلم، وقد عزاه الحافظ في الإصابة للصحيحين أيضًا، وذكر غيره أنه من أفراد البخاري، والواقع كذلك والعلم عند اللَّه تعالى.

ص: 565

وصلى اللَّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا والحمد للَّه رب العالمين، كمل الجزء الثاني من المداوي لعلل الجامع الصغير وشرحي المناوي، للفقير إلى اللَّه تعالى خادم الحديث أحمد بن محمد بن الصديق الحسني الغماري المنصوري التجكاني بعد عصر يوم الجمعة خامس عشر شعبان سنة ست وستين وثلاثمائة وألف ويليه الجزء الثالث والحمد للَّه رب العالمين أولًا وآخرًا.

ص: 566