المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[في الكلام على أبي عبد الرحمن السلمي] - المداوي لعلل الجامع الصغير وشرحي المناوي - جـ ٢

[أحمد بن الصديق الغماري]

الفصل: ‌[في الكلام على أبي عبد الرحمن السلمي]

قال الهيثمي: وفيه عطية العوفي ضعيف وقد وثق.

[في الكلام على أبي عبد الرحمن السلمي]

قلت: هذا غلط من وجوه، أحدها: أن أبا عبد الرحمن السلمي ثقة صوفي زاهد جليل نبيل من بيت علم وفضل (1) وله معرفة تامة بالحديث و [له] مصنفاته زادت على المائة، وحاشاه من الكذب، وإنما تكلم فيه لأجل تصوفه أهل الجمود من علماء الرسوم الجاهلين باللَّه تعالى على أنهم برءوا ساحته من الكذب، وقالوا: هو أنبل وأجل من ذلك، وإنما فاه بذلك محمد بن يوسف القطان حسدًا وبغيًا من عنده وبنى ما قال على أنه لم يكن سمع من الأصم سوى شيء يسير، فلما مات الحاكم وتأخر أبو عبد الرحمن السلمي بعده حدث بعده عن الأصم بتاريخ ابن معين وبأشياء كثيرة سواه، وهذا مع كونه ناشئًا عن حسد وعداوة ومنافسة فهو دال على جهل قائله، فقد يكون الأصم أجاز لأبي عبد الرحمن السلمي سائر مروياته، بل هو الواقع المحقق المعروف من حال أهل الرواية، فكان أبو عبد الرحمن السلمي يحدث بذلك من طريق الإجازة وأي ضرر في هذا، بل ما صار المتأخرون يحدثون غالبًا إلا من طريق الإجازة، هذا لو سلم أنه لم يسمع من الأصم ما حدث به وإلا فهي دعوى مضروب بها وجه صاحبها، وإذا الأمر كذلك فلا معنى لإطلاق اسم الوضاع على مثل أبي عبد الرحمن السلمي الحافظ الكبير الثقة الصوفي الجليل، وهذا مما يدلك على عظيم جهل الشارح وفراغ قلبه من الوقوف على حقيقة الأشياء وثمرات العلوم، وإنما هو رجل ينقل ويحطب ويهرف بما لا يعرف.

ثانيها: أن أبا عبد الرحمن السلمي من شيوخ البيهقي الذين أكثر الرواية عنهم في كتبه، والحديث لا يعل بتلك الطبقة إلا فيما انفردوا به من الغرائب التي لم توجد قبلهم في كتاب، وهذا الحديث مخرج في الأصول التي مات مؤلفوها

(1) في الأصل المخطوط: العلم والفضل.

ص: 290

قبل ولادة أبي عبد الرحمن السلمي بأزيد من مائة سنة، فكيف يتهم به أبو عبد الرحمن أو يعل به الحديث، إن هذه لجهالة مزرية فاضحة، فقد قال أبو يعلي في مسنده:

حدثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا عمران بن محمد بن أبي ليلى عن أبيه عن عطية العوفي عن أبي سعيد به.

وقد نقل الشارح نفسه أن الحديث خرجه أبو يعلي، وقد مات قبل ولادة السلمي بمدة، ثم هو مخرج أيضًا في مسند عثمان بن أبي شيبة شيخ أبي يعلي فيه، ومن طريقه أسنده القضاعي في مسند الشهاب فقال:

أخبرنا أبو الحسن علي بن موسى السمسار ثنا أحمد بن عبد اللَّه بن أبي دجانة ثنا أحمد بن إبراهيم الحوراني ثنا عثمان بن أبي شيبة به.

ثالثها: قوله: ورواه أبو يعلي وفيه عطية. . . إلخ يفيد أن طريق أبي يعلي غير طريق البيهقي والواقع خلافه، بل البيهقي [5/ 163، رقم 6201] رواه أيضًا من طريق عطية العوفي عن أبي سعيد وذلك في الباب التاسع والثلاثين من الشعب كما حكاه الزيلعي.

839/ 1723 - "إن اللَّه جَوادٌ يُحِبُّ الجود، ويُحِبُّ مَعَالِي الأخْلاقِ، وَيكرَهُ سَفسافَهَا".

(هب) عن طلحة بن عبيد اللَّه

زاد الشارح في الكبير: "ابن كريز"، قال الزين العراقي: هذا مرسل اهـ.

ولعل المصنف ظن أنه طلحة الصحابي فوهم، فكما أنه لم يصب في ذلك لم يصب في اقتضاء كلامه أن مخرجه البيهقي سكت عليه وليس كما وهم بل تعقبه بما نصه: في هذا الإسناد انقطاع بين سليمان وطلحة اهـ.

(حل) عن ابن عباس زاد الشارح قال ابن الجوزي: لا يصح.

قلت: أما وهم المصنف في طلحة بن عبيد اللَّه فمسلم، وقد رواه الحاكم في

ص: 291

المستدرك [1/ 48]، والبيهقي في السنن [10/ 191] من وجه آخر صحيح عن طلحة المذكور، وصرح الحاكم بأنه معضل والبيهقي بأنه مرسل، لكنهما خرجاه بلفظ:"إن اللَّه كريم"، وسيأتي للمصنف قريبًا من حديث سهل بن سعد، وأما كونه لم ينص على علحْه ولم ينقل كلام البيهقي فسخافة نبهنا عليها مرارًا.

840/ 1724 - "إن اللَّه حَرَّمَ مِنَ الرَّضَاع مَا حَرَّمَ مِنَ النسَبِ". (ت) عن علي

قال في الكبير: وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه إلا الترمذي مع أن الشافعي رضي الله عنه خرجه بل عزاه في المنضد شرح المجرد لمسلم والنسائي معًا اهـ.

قلت: الحديث خرجه مسلم [رضاع 2، 9] وغيره من حديث عائشة بلفظ آخر لا يدخل في هذا الحرف ولكن الشارح لا يعقل.

841/ 1726 - "إن اللَّه تَعَالَى حَرَّمَ عَلِيكُم عُقُوقَ الأمهَاتِ، وَوأدَ البَنَاتِ، ومنعًا وهاتِ، وكرِهَ لكُم قيلَ وَقَال، وَكَثرَةَ السؤَالِ، وإِضَاعَةَ المَالِ".

(ق) عن المغيرة بن شعبة.

قلت: عقد الطحاوي في مشكل الآثار بابا للكلام على هذا الحديث (4/ 233) وأخرجه فيه من حديث المغيرة وحديث عبد اللَّه بن مسعود وتكلم عليه، وأخرجه أيضًا الآجري في كتاب أخلاق العلماء وانظر:"إن اللَّه يرضى لكم ثلاثًا" الآتي.

842/ 1732 - "إن اللَّه تَعَالى خَلقَ الجنَّة بَيضَاء، وأحبُّ شيءٍ إلى اللَّه البَياضُ".

البزار عن ابن عباس

ص: 292

قال في الكبير: قال الهيثمي: فيه هشام بن زياد وهو متروك، وظاهر حال المصنف أنه لم يره مخرجًا لأحد من الستة وإلا لما عدل عنه وإنه لشيء عجاب، فقد خرجه ابن ماجه عن ابن عباس المذكور بلفظ:"إن اللَّه خلق الجنة بيضاء، وأحب الزي إليه البياض، فليلبسها أحياءكم، وكفنوا فيها موتاكم" اهـ. بلفظه.

قلت: بل العجب العجاب هو جرأة الشارح مع جهله، وجهله مع جرأته الممزوجة بالكذب، فالحديث ما خرجه ابن ماجه أصلًا فضلًا عن أن يكون بلفظه، وإنما خرج لابن عباس [رقم 1472] حديثًا مختصرًا لفظه:"خير ثيابكم البياض فكفنوا فيها موتاكم والبسوها"، وهذا سيأتي للمصنف في حرف الخاء.

أما ذكر "إن اللَّه تعالى خلق الجنة بيضاء، وإن أحب شيء إلى اللَّه البياض". . . إلخ ما ذكره الشارح فلا وجود له في سنن ابن ماجه، فهل أعجب من هذه الجرأة؟

وأعجب من هذا أنه ينقل عن الهيثمي في مجمع الزوائد [5/ 128] كلامه على الحديث الذي ذكره فيه، فلو كان عنده شيء من الذكاء لعرف أن حديثًا ذكره الهيثمي لا يكون مخرجًا في شيء من الأصول الستة، لأن الهيثمي يجمع الزوائد عليها من الكتب التي عينها، وهي مسند أحمد والبزار ومعاجم الطبراني وأبي يعلى.

843/ 1733 - "إن اللَّه خَلَقَ خَلقَهُ في ظُلمَةٍ فألْقَى عَليهِم مِنْ نُورِهِ فَمَنْ أصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ النورِ يَومئِذٍ اهْتَدَى وَمَنْ أخْطَأهُ ضَلَّ".

(حم. ت. ك) عن ابن عمرو

قال الشارح في الكبير، بعد نقل تصحيحه عن الحاكم وابن حبان وغيره: وظاهر صنيع المصنف أن مخرجيه لم يزيدوا فيه على ما ذكره والأمر بخلافه،

ص: 293

بل بقية الحديث عندهم: "فلذلك أقول: جف القلم على علم اللَّه" اهـ. لكن ادعى بعضهم أن قائل ذلك هو ابن عمرو فلعل المؤلف يميل إلى هذا القول.

قلت: لا معنى لهذا الترجي، بل الواقع هو ذلك وأن المصنف ترك اللفظ المذكور لكونه ليس من المرفوع، بل من كلام عبد اللَّه بن عمرو جزمًا والسياق يوضحه، فلا معنى لقول الشارح: لكن ادعى بعضهم، قال الدينوري في المجالسة:

ثنا أبو إسماعيل الترمذي ثنا أبو توبة الربيع بن نافع ثنا محمد بن مهاجر عن عروة بن رويم عن ابن الديلمي وكان يسكن ايليا قال: "ركبت أطلب عبد اللَّه بن عمرو فوجدته قد سار إلى ضيعته فدخلت عليه فوجدته يمشي فيها محاضرًا رجلًا من قريش فقلت: يا عبد اللَّه بن عمرو ما هذا الحديث الذي بلغنا عنك؟ قال: ما هو؟ قلت: بلغنا أنك تقول: جف القلم بما هو كائن، فقال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: ان اللَّه تبارك وتعالى خلق" الحديث.

فلذلك أقول: جف القلم لما هو كائن.

وهكذا رواه ابن حبان في صحيحه [رقم 1812] فلم يبق شك في كون اللفظ المذكور مدرجًا في الحديث.

843/ 1736 - "إنَّ اللَّه خَلَقَ آدَمَ منْ طِينِ الجَابِيةِ، وَعجنَهُ بِمَاءٍ مِنْ مَاءِ الجنَّةِ".

ابن مردويه عن أبي هريرة

قلت: هذا حديث موضوع.

844/ 1738 - "إنَّ اللَّه خَلَقَ الخْلقَ، حَتَّى إذَا فَرَغَ مِنْ خَلقِهِ قَامتِ الرحِمُ، فَقَال: مَه؟ فَقَالت: هَذَا مَقَامُ العَائذُ بِكَ، قَال: نَعَم، أمَا تَرضينَ أن أصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وأقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَت: بَلى يَا ربِّ، قَال: فَذَلِكَ لَكِ".

(ق. ن) عن أبي هريرة

ص: 294

قلت: في هذا الحديث لفظة حذفها الرواة لعدم فهمهم إياها ولفظ الحديث: "فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقوى الرحمن فقال: مه" الحديث، هكذا أنقله ابن كثير في التفسير [7/ 300] من صحيح البخاري، ووقع في سورة القتال من الصحيح:"فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت فقال له: مه" الحديث، قال الحافظ: كذا الأكثر بحذف مفعول أخذت، وفي رواية ابن السكن:"فأخذت بحقو الرحمن"، وفي رواية الطبري:"بحقوى الرحمن" بالتثنية، قال القابسي: أبي أبو زيد أن يقرأ لنا هذا الحرف لإشكاله، ومشى بعض الشراح على الحذف فقال: أخذت بقائمة من قوائم العرش اهـ.

ولم يتعرض الحافظ لمن خرج الحديث مصرحًا بالزيادة المذكورة من غير رواية ابن السكن في صحيح البخاري، وقد وجدته كذلك في الأصل التاسع والأربعين ومائة (1) من نوادر الأصول للحكيم الترمذي فرواه عن قتيبة بن سعيد [1/ 710]:

ثنا حاتم بن إسماعيل عن معاوية بن أبي مزرد مولى أبي هاشم قال: حدثني أبو الجناب سعيد بن يسار عن أبي هريرة به بإثبات: "فأخذت بحقو الرحمن".

وكذلك في تفسير سورة الرعد من تفسير البغوي من طريق حميد بن زنجويه في الترغيب:

ثنا ابن أبي أويس قال: حدثني سليمان بن بلال عن معاوية بن أبي مزرد به مثله، وقال:"بحقوى الرحمن" بالتثنية.

وخرجه البيهقي في الأسماء والصفات من طريق أبي بكر الحنفي، ومن طريق حاتم بن إسماعيل كلاهما عن معاوية بن أبي مزرد، ثم عزاه للبخاري وصح على عادته.

(1) هي في الأصل الثامن والأربعين ومائة من المطبوع.

ص: 295

846/ 1739 - "إنَّ اللَّه تَعَالى خَلَق الرحمَةَ يَوم خَلَقَها مائَةَ رَحمة، فأمسَكَ عِندَهُ تِسْعًا وتِسْعِينَ رحمةً، وأرسَلَ في خَلقِهِ كُلهم رَحمةً واحدةً، فلوَ يَعلم الكافِرُ بكَل الذِي عنْد اللَّه مِنَ الرحمةِ لمْ ييأسْ مِن الجنَّة، ولو يعلم المؤمِنُ بالذِي عِند اللَّه مِنَ العَذَابِ لم يأمْن مِن النَّارِ".

(ق) عن أبي هريرة

قال في الكبير: وفي الباب عن معاوية بن حيدة وعبادة وغيرهما.

قلت: كسلمان الفارسى وأبي سعيد الخدري وجندب البجلي وابن عباس والحسن البصري وابن سيرين وخلاس مرسلًا.

وسيذكر المصنف حديث سلمان وأبي سعيد بعد هذا مباشرة.

أما حديث معاوية وعبادة فرواهما الطبراني وفي سند الأول ضعيف، وفي الثاني انقطاع.

وأما حديث جندب فرواه أحمد [2/ 433] والدولابي في الكنى والحاكم في المستدرك [1/ 56] والطبراني في الكبير وأصله في سنن أبي داود.

وأما حديث ابن عباس فرواه البزار والطبراني بسند حسن.

وأما المراسيل فرواها أحمد، ثم عطف عليها رواية أبي هريرة وهي في مستدرك الحاكم موصولة عن أبي هريرة، وقد أطال الحاكم في طرقه، وكذلك خرج حديث أبي هريرة الدولابي في الكني (2/ 160)، والبغوي في التفسير من طريق ابن المبارك وذلك في سورة الأنعام عند قوله تعالى:{كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} .

847/ 1741 - "إن اللَّه خَلَقَ الجنَّة وخَلَقَ النَّار، وخَلَقَ لِهَذِهِ أهْلًا، وَلِهَذِهِ أهْلًا".

(م) عن عائشة

ص: 296

قال في الكبير: فظاهر صنيع المصنف أن مسلمًا لم يروه إلا كما ذكر والأمر بخلافه، بل زاد بعد قوله "لهذه أهلًا" ما نصه: داوهم في أصلاب آبائهم".

قلت: وظاهر حال الشارح أنه ذكي محقق لما ينقل أو يقول والأمر بخلافه، فإن الزيادة المذكورة لم يذكرها مسلم في هذه الرواية، بل في رواية أخرى لفظها [قدر: 5]: "إن اللَّه خلق للجنة أهلًا، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلًا، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم".

848/ 1743 - "إن اللَّه تَعَالَى رَفيقٌ يُحِبُّ الرفْقَ وَيُعطي عَلِيهِ مَا لا يُعطِي عَلى العنفِ".

(خد. د) عن عبد اللَّه بن مغفل (هـ. حب) عن أبي هريرة، (حم. هب) عن علي (طب) عن أبي أمامة، البزار عن أنس

قلت: حديث عبد اللَّه بن مغفل رواه أيضًا الطبراني [رقم 23] والخرائطي [رقم 77] كلاهما في مكارم الأخلاق.

وحديث أبي هريرة أخرجه أيضًا الدولابي في الكني [2/ 41]، وأبو نعيم في الحلية [8/ 306].

وحديث علي أخرجه أيضًا البخاري في التاريخ الكبير [1/ 308]، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان [1/ 336].

وحديث أنس أخرجه أيضًا الطبراني في الصغير [1/ 81]، والخطيب في التاريخ [6/ 124].

وفي الباب أيضًا عن عائشة وأبي الدرداء وابن عباس وجابر وأبي بكرة والنعمان بن بشير.

فحديث عائشة رواه البخاري [8/ 14] ومسلم [بر: 77] والترمذي [استئذان:

ص: 297

12] والطبراني في الصغير وفي مكارم الأخلاق [رقم 77] وأبو نعيم في الحلية [80/ 306] والخطيب [6/ 124] والقضاعي وأبو الليث وآخرون.

وحديث أبي الدرداء رواه الديلمي في مسند الفردوس.

وحديث ابن عباس رواه أبو نعيم في تاريخ أصبهان.

وحديث جابر رواه ابن السني في اليوم والليلة.

وحديث أبي بكرة رواه الخرائطي.

وحديث النعمان بن بشير رواه جعفر الخلدي في جزئه.

وقد ذكرت أسانيد هذه الأحاديث في مستخرجي على مسند الشهاب.

849/ 1744 - "إن اللَّه زَوجَنِي فِي الجنَّةِ مَريم بِنْت عِمْرَانَ، وامْرأةَ فِرعَونَ، وأخت مُوسَى".

(طب) عن سعد بن جنادة

قال الشارح: اسمها مريم كما قال البيضاوي وغيره، (طب) عن سعد بن جنادة.

قلت: طرق هذا الحديث مصرحة بأن اسم أخت موسى كلثم لا مريم كما نقله الشارح عن البيضاوي، فقد قال أبو يعلى:

ثنا إبراهيم بن عرعرة ثنا عبد النور بن عبد اللَّه ثنا يونس بن شعيب عن أبي أمامة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أشعرت أن اللَّه زوجني مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وكلثم أخت موسى".

ورواه العقيلي في الضعفاء [4/ 459] وابن عدي في الكامل عن أبي يعلى بسنده وزاد في آخره: "فقلت: هنيئًا لك يا رسول اللَّه"، خرجوه في ترجمة يونس بن شعيب، وقال ابن عدي: هذا الحديث هو الذي أنكره عليه البخاري، وقال العقيلي: هو مجهول وحديثه غير محفوظ، كذا قال مع أنه ورد من طرق

ص: 298

أخرى من حديث ابن عباس وابن عمر وسعد بن جنادة وابن أبي داود أو رواد وبريدة.

فحديث ابن عباس رواه ابن عساكر من طريق محمد بن زكريا الغلابي: ثنا العباس بن بكار ثنا أبو بكر الهذلي عن عكرمة عن ابن عباس: "أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دخل على خديجة وهي في مرض الموت فقال: يا خديجة إذا لقيت ضرائرك فاقرئيهن مني السلام، قالت: يا رسول اللَّه وهل تزوجت قبلي؟ قال: لا ولكن اللَّه زوجني مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وكلثم أخت موسى".

ومحمد بن زكريا الغلابي ضعيف وشيخه العباس كذاب.

وحديث ابن عمر رواه ابن عساكر أيضًا من طريق سويد بن سعيد:

ثنا محمد بن صالح بن عمر عن الضحاك ومجاهد عن ابن عمر: "أن جبريل نزل إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأمره أن يبشر خديجة ببيت في الجنة من قصب، فقالت: ما ذلك البيت الذي من قصب؟ قال: لؤلؤة جوفاء بين بيت مريم بنت عمران وبيت آسية بنت مزاحم وهما من أزواجي يوم القيامة"، وسويد فيه مقال وشيخه ضعيف أو مجهول.

وحديث سعد بن جنادة هو الذي ذكره المصنف، وقد أخرجه الطبراني [6/ 64] عن شيخه عبد اللَّه بن ناجية:

ثنا محمد بن سعد العوفي ثنا أبي أنبأنا عمي الحسين ثنا يونس بن نفيع عن سعد بن جنادة به.

وحديث ابن أبي رواد (1) رواه الزبير بن بكار:

حدثني محمد بن الحسن عن يعلى بن المغيرة عن ابن أبي رواد قال: "دخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على خديجة وهي في مرضها الذي توفيت فيه فقال لها: ما يكره مني ما أرى منك يا خديجة وقد يجعل اللَّه في الكره خيرًا كثيرًا، أما

(1) وضع المؤلف فوق هذه الكلمة حرف "ض" وكتب في الهامش "داود".

ص: 299

علمت أن اللَّه قد زوجني معك في الجنة مريم بنت عمران وكلثم أخت موسى وآسية امرأة فرعون، قالت: وقد فعل اللَّه بك ذلك يا رسول اللَّه قال: نعم. قالت: بالرفاء والبنين".

وحديث بريدة موقوفًا، أخرجه الطبراني في الكبير:

ثنا أبو بكر بن صدقة ثنا محمد بن محمد بن مرزوق ثنا عبد اللَّه بن أبي أمية ثنا عبد القدوس عن صالح بن حيان عن ابن بريدة عن أبيه في قوله تعالى: {ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} قال: وعد اللَّه نبيه في هذه الآية أن يزوجه بالثيب آسية امرأة فرعون وبالأبكار مريم بنت عمران.

850/ 1748 - "إن اللَّه تَعَالى طَيبٌ يُحب الطيبَ، نَظِيفٌ يُحب النَّظَافَةَ، كَريم يُحب الكرمَ، جَوادٌ يُحِبُ الجود، فَنظفُوا أفنِيتَكُم، ولا تَشبَهُوا باليَهُودِ".

(ت) عن سعد

قال الشارح في الكبير: وحسنه ورواه من طريق أخرى عن أبي ذر وفيها: "شهر بن حوشب" وهو ضعيف، والأولى سالمة منه اهـ.

وقال في الصغير: قال أبو داود: ومدار السنة على أربعة أحاديث، وعد هذا منها.

قلت: في هذا ثلاث غلطات، الأولى: قوله: إن الترمذي حسنه، فإنه ما حسنه، بل ضعفه ونص على عليه، فرواه [رقم 2799] من طريق خالد بن إلياس عن صالح بن أبي حسان قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: "إن اللَّه طيب"، فذكره، قال: فذكرت ذلك لمهاجر بن مسمار فقال: حدثنيه عامر بن سعد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، ثم قال الترمذي: هذا حديث غريب وخالد ابن إلياس يضعف، ويقال: ابن إياس اهـ.

ورواه ابن حبان في الضعفاء [1/ 279] في ترجمة خالد المذكور فقال:

أخبرنا ابن قتيبة يعني محمد بن الحسن: ثنا دحيم ثنا عبد اللَّه بن نافع ثنا خالد

ص: 300

بن إلياس به، وزاد بعد قوله:"ولا تشبهوا باليهود التي تجمع الأكناف في دورها"، وقال في خالد: يروي الموضوعات عن الثقات، لا نحب أن يكتب حديثه إلا على جهة التعجب، وأسند عن يحيى بن معين أنه قال: ليس بشيء.

الثانية: قوله: ورواه من طريق أخرى عن أبي ذر، وفيها شهر بن حوشب. . . إلخ، فإن أبا ذر لم يرو هذا الحديث أصلًا، إنما روى حديثًا فيه ذكر الجواد، والشارح رأى أحدًا استدل بهذا الحديث على أن من أسمائه تعالى "الجواد"، وذكر في الباب حديث أبي ذر فظن أنه يقصد الحديث بتمامه، فاسمع حديث أبي ذر قال الترمذي [رقم 2490]:

حدثنا هناد ثنا أبو الأحوص عن ليث عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي ذر قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يقول اللَّه عز وجل: يا عبادي كلكم ضال إلا من هديت فسلوني الهدى أهدكم، وكلكم فقير إلا من أغنيت فسلوني أرزقكم، وكلكم مذنب إلا من عافيت فمن علم منكم أني ذو قدرة على المغفرة فاستغفرني غفرت له ولا أبالي، ولو أن أولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على اتقى قلب عبد من عبادي ما زاد ذلك في ملكي جناح بعوضة، ولو أن أولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على أشقى قلب عبد من عبادي ما نقص ذلك من ملكي جناح بعوضة، ولو أن أولكم وآخركم وجنكم وإنسكم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا في صعيد واحد فسأل كل إنسان منكم ما بلغت أمنيته فأعطيت كل سائل منكم ما نقص ذلك من ملكي إلا كما لو أن أحدكم مر بالبحر فغمس فيه إبرة ثم رفعها إليه ذلك بأني جواد واجد ماجد أفعل ما أريد، عطائي كلام وعذابي كلام، إنما أمري لشيء إذا أردت أن أقول كن فيكون"، قال الترمذي: هذا حديث حسن اهـ.

فانظر الحديث الذي ذكره الناس فظنه الشارح كحديث الترجمة.

ص: 301

الثالثة: قوله: قال أبو داود: مدار السنة على أربعة أحاديث وعد هذا منها، فإن أبا داود لم يعد هذا أعني حديث الترجمة منها ولا يتصور ذلك لا من جهة موضوعه ولا من جهة إسناده، فإنه ضعيف ساقط، ولكن الأحاديث الأربعة التي ذكرها أبو داود هي حديث:"إنما الأعمال بالنيات" وحديث: "الحلال بين والحرام بين بين"، وحديث:"ازهد في الدنيا يحبك اللَّه"، وحديث "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".

851/ 1750 - "إن اللَّه تَعَالى عند لِسَانِ كُلِّ قَائِلٍ فَليتَّقِ اللَّه عبد ولينظُر مَا يَقُولُ".

(حل) عن ابن عمر، الحكيم عن ابن عباس

قال (ش) في الكبير: ورواه عنه أيضًا -أي عن ابن عباس- البيهقي في الشعب والخطيب في التاريخ.

قلت: لم يخرجه الخطيب [9/ 329] من حديث ابن عباس، بل الرواة كلهم خرجوه من حديث ذر بن عبد اللَّه معضلًا، وإنما أخرجه الحكيم عن شيخه عمر بن أبي عمر وهو هالك فقال: عنه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، فقد أخرجه ابن المبارك في كتاب الزهد [رقم 125] فقال:

أخبرنا عمر بن ذر عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن اللَّه عند لسان كل قائل فاتقي اللَّه امرؤ وعلم ما يقول".

وقال الحكيم الترمذي في نوادر الأصول [في الأصل] الخمسين ومائة (1)[2/ 3 - 6]:

حدثنا أبي ثنا الفضل بن دكين عن عمر بن ذر عن أبيه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم به.

وقال أبو نعيم في الحلية [8/ 160]:

(1) هو في الأصل التاسع والأربعين ومائة من المطبوع.

ص: 302

حدثنا أبو بكر عبد اللَّه بن عمر ثنا عبد الرحمن بن عمر ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا عمر بن ذر عن أبيه مرفوعًا به، وقال الخطيب: كتب إلينا عبد الرحمن بن عثمان الدمشقي يذكر أن الحسن بن حبيب أخبرهم قال:

ثنا صالح بن محمد الجلاب ثنا حفص بن عمر الأزدي ثنا محمد بن عبد الأعلى الكناسي عن عمر بن ذر الهمذاني عن أبيه به.

[و] لم يذكر ابن عباس، وخالف هؤلاء كلهم قطبة بن العلاء فقال: عن عمر ابن ذر عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، ورواه الحكيم الترمذي عن شيخه عمر عنه، وعمر ضعيف وقطبة كثير الوهم.

852/ 1767 - "إن اللَّه كتَبَ الغِيرَة عَلى النِّساء، والجِهَادَ عَلَى الرِّجَال، فَمن صَبر مِنهنَّ إيمانًا واحْتِسَابًا كانَ لَها مِثل أجَر شَهِيدٍ".

(طب) عن ابن مسعود

قال الشارح: بإسناد لا بأس به.

قلت: الحديث أخرجه أيضًا الدولابي في الكنى [2/ 100] قال:

أخبرني أحمد بن شعيب أنبأنا أحمد بن الأزهر قال: حدثني عبيد بن الصباح أبو محمد حدثنا كامل بن العلاء عن الحكم بن عتيبة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد اللَّه عن النبي صلى الله عليه وسلم به.

ورواه ابن حبان في الضعفاء عن محمد بن عمر بن يوسف [2/ 226، 227]:

ثنا المسروقي موسى بن عبد الرحمن ثنا عبيد بن الصباح به، أخرجه في ترجمة كامل بن العلاء وقال: كان ممن يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل من حيث لا يدري فلما فحش ذلك من أفعاله بطل الاحتجاج بأخباره اهـ.

وأما العقيلي فأخرجه في ترجمة عبيد بن الصباح، وقال: لا يتابع عليه ولا يعرف إلا به، وقد ذكر الحافظ في الفتح هذا الحديث وقال: أخرجه البزار

ص: 303

وأشار إلى صحته، ورجاله ثقات، لكن اختلف في عبيد بن الصباح منهم اهـ.

وهو غريب مع ما سبق عن ابن حبان في كامل بن العلاء، وأيضًا فإن سبب ورود الحديث يدل على نكارته، وهو قول ابن مسعود:"كنت جالسًا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذ أقبلت امرأة عريانة فقام إليها رجل فألقى عليها ثوبًا وضمها إليه، فتغير وجه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقال: أحسبها غيرى"، ثم ذكره وهذا ما وقع إن شاء اللَّه تعالى.

853/ 1768 - "إن اللَّه كَره لَكم ثَلاثًا: اللغو عنْد القرآنِ، ورفَع الصوتِ في الدُّعَاءِ، والتخصُّرَ فِي الصَّلاةِ".

(عب) عن يحيى بن أبي كثير مرسلًا

قلت: ورد موصولًا من حديث جابر بن عبد اللَّه، قال الديلمي:

أخبرنا والدي أخبرنا الميداني أخبرنا أبو بدر عبد اللَّه بن أحمد بن علي بنهاوند ثنا أبو الفتح أحمد بن الحسين بن أحمد التميمي الدينوري ثنا عبد اللَّه بن محمد بن شيبة ثنا ابن وهب حدثنا اليمان بن سعيد ثنا الوليد بن عبد الرحيم الهمي ثنا معقل بن عبيد اللَّه عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم به مثله.

854/ 1769 - "إنَّ اللَّه كَرِهَ لَكُمْ ستًّا: العَبثَ في الصلَاةٍ، والمنَّ في الصدقةِ، والرفَثَ في الصيَام، والضَحِكَ عندَ القُبَورِ، ودُخولَ المسَاجِدِ وأنْتُمْ جُنُبٌ، وإدخَالَ العِيُونِ البُيُوتَ بغِيرِ إذْنٍ".

(ص) عن يحيى بن كثير مرسلًا

قال الشارح في الكبير: وكذا ابن المبارك عن إسماعيل بن عياش عن عبد اللَّه بن دينار الحمصي عن يحيى بن أبي كثير مرسلًا، قال ابن حجر: وهو في مسند الشهاب من هذا الوجه، وقال ابن طاهر: عبد اللَّه بن دينار هو الحمصي وليس المدني وهذا منقطع.

ص: 304

قلت: الحديث الذي تكلم عليه الحافظ ليس هو هذا بتمامه، بل ذاك مختصر، فإن صاحب الهداية [1/ 63] أورده بلفظ:"إن اللَّه كره لكم ثلاثًا"، وذكر منها:"العبث في الصلاة"، فكتب الحافظ في إتمام الدراية ما نقله عنه الشارح؛ وقال الزيلعي في أصله نصب الراية: رواه القضاعي في مسند الشهاب من طريق ابن المبارك عن إسماعيل بن عياش عن عبد اللَّه بن دينار عن يحيى بن أبي كثير مرسلًا: "إن اللَّه كره لكم ثلاثًا العبث في الصلاة والرفث في الصيام والضحك في المقابر" اهـ.

وذكره شيخنا شمس الدين الذهبي في كتابه الميزان [1/ 923] وعده من مكرات إسماعيل بن عياش، قال ابن طاهر في كلامه على أحاديث الشهاب: هذا منقطع، وعبد اللَّه بن دينار شامي من أهل حمص وليس بالمكي اهـ.

قلت: وهذا الحديث قال فيه القضاعي:

أخبرنا محمد بن أبي سعيد أنا زاهر بن أحمد أنا محمد بن معاذ أنا الحسين بن الحسين أنا ابن المبارك به.

والرواية التي خرجها المصنف من سنن سعيد بن منصور يحتمل أن تكون من هذا الوجه، ويحتمل أن تكون من وجه آخر لأنها مطولة، فقول الشارح: وكذا ابن المبارك. . . إلخ، لا يخفي ما فيه من التساهل والتهور.

855/ 1773 - "إن اللَّه لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيما حَرَّمَ عَلَيْكُم". (طب) عن أم سلمة.

قال الشارح في الكبير: قال الهيثمي: إسناده منقطع ورجاله رجال الصحيح، ورواه عنها أيضًا ابن حبان والبيهقي باللفظ المذكور، قال في المهذب: وإسناده صويلح اهـ.، وقال: ذكره ابن خالد تعليقا عن ابن مسعود، قال -أي ابن حجر-: وقد أوردته في تغليق التعليق من طرق صحيحه.

قلت: حديث ابن مسعود أخرجه علي بن حرب الطائي في نسخته، وأسنده

ص: 305

الذهبي من طريقه في الجزء الذي سماه "الدينار من أحاديث المشايخ الكبار"، قال علي بن حرب:

ثنا ابن عيينة عن منصور عن أبي وائل قال: "اشتكى رجل منا يقال: له خثيم ابن العلاء بطنه فنعت له السكر فأرسل إلي ابن مسعود يسأله فقال: إن اللَّه لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم".

856/ 1777 - "إن اللَّه لمْ يَأْمُرْنَا فِيما رَزَقَنا أنْ نَكسُوَ الحجَارَةَ واللَّبِنَ والطِّينَ".

(م. د) عن عائشة

قال في الكبير: ظاهر صنيع المؤلف أنه مما تفرد به مسلم عن صاحبه وهو ذهول؛ فقد خرجه البخاري أيضًا في اللباس.

قلت: هو ذهول من الشارح لا من المصنف، فالبخاري ما خرج هذا اللفظ في صحيحه أصلًا، ولكن الحديث له سبب وأصل من رواية أبي طلحة، ثم تكميل من حديث عائشة، وذلك السبب الذي رواه أبو طلحة وهو في تحريم الصور هو الذي خرجه البخاري فقط.

857/ 1779 - "إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْنِي لَحَّانًا، اختَارَ لِي خَيْرَ الكَلامِ: كِتابَه القُرُآنَ".

الشيرازي في الألقاب عن أبي هريرة

قال الشارح: وإسناده حسن لغيره.

قلت: بل ضعيف لنفسه، فإنه من رواية عبد الرحمن بن يحيى العذري عن مالك عن سمى عن أبي صالح عن أبي هريرة، كذلك أخرجه الديلمي من طريقه (1)، وعبد الرحمن بن يحيى ضعيف (2) ولعله انفرد به عن مالك.

(1) انظر "كنز العمال"(31990).

(2)

انظر "المغنى"(2/ 389).

ص: 306

858/ 1780 - "إنَّ اللَّه لمْ يَخْلُقْ خَلْقًا هُو أبغضُ إليهِ مِنَ الدُّنيَا، وما نَظَر إليْهَا مُنْذُ خَلَقَها بُغْضًا لهَا".

(ك) في التاريخ عن أبي هريرة

قلت: هذا الحديث مما انفرد به وضاع، وهو داود بن المحبر، فكان ينبغي أن لا يذكر في هذا الكتاب، ولعمري إنه لحق لولا أننا ميزنا أحاديث داود بن المحبر، فإذا هي كلها كذب.

قال الحاكم في التاريخ:

ثنا محمد بن إبراهيم بن فضلويه ثنا أبي ثنا إسحاق بن إبراهيم الشمني ثنا داود ابن الحبر ثنا الهيثم بن حماز عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة به.

859/ 1783 - "إنَّ اللَّه تَعَالى لمْ يُنْزِلْ داءً إلا أنزلَ لهُ دَواءٌ، عَلمهُ منْ عَلِمَهُ، وجهِلَهُ مَنْ جَهِلهُ، إلا السَّامَ وهُو الموتُ".

(ك) عن أبي سعيد

قال الشارح في الكبير: ونحوه للنسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان.

قلت: ما خرج النسائي ولا ابن ماجه حديثا لأبي سعيد في هذا الباب.

860/ 1785 - "إنَّ اللَّه لمْ يكْتُبْ عَليَّ في اللَّيلِ صِيامًا فَمنْ صامَ تَعنَّى ولَا أجرَ لهُ".

ابن قانع والشيرازي في الألقاب عن أبي سعد الخير

قال في الكبير: صوابه كما في التقريب: وغيره سعد وأبو سعيد الخير الأنماري صحابي شامي، قيل: اسمه عامر بن سعد له حديث واحد وهو هذا، قال في التقريب: ووهم وصحف من خلطه بأبي سعيد الحبراني، وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجًا لأحد أعلى ولا أشهر ممن ذكره وهو عجيب، فقد خرجه

ص: 307

الترمذي في العلل عن أبي فروة الرهاوي عن معقل الكناني عن عبادة بن نسى عن أبي سعد الخير ثم ذكر أنه سأل عنه البخاري فقال: ما أراه إلا مرسلًا، وما أرى عبادة سمع من أبي سعد، قال البخاري: وأبو فروة صدوق ولكن ابنه محمد روى عنه مناكير ورواه ابن منده عن أبي سعد أيضًا بلفظ: "إن اللَّه لم يكتب عليكم صيام الليل فمن صام فليتعن ولا أجر له"، قال ابن منده: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وفيه معقل الكناني، قال ابن حجر: لا أعرفه إلا في هذا الحديث، وقد ذكره البخاري وغيره ولم يعرفه إلا فيه.

قلت: في هذا من تخليط الشارح وخبطه أمور، الأول: قوله: صوابه كما في التقريب وغيره سعد، فإن هذا يقتضي أن المصنف ذكره بغير لفظ "سعد"، مع أنه ذكره كذلك بدون "ياء".

الثاني: قوله: له حديث واحد وهو هذا، فإن له أحاديث أخرى منها حديث:"توضؤا مما مست النار" وحديث: "إن ربي وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب" الحديث كما في ترجمته من الاستيعاب [4/ 91 - 92] والإصابة [4/ 89 - 533]، وغيرهما.

الثالث: قوله: فظاهر صنيع المصنف أنه لم يره. . . إلخ. فإنه كلام ساقط سخيف.

الرابع: قوله: قال البخاري: أبو فروة صدوق، لكن ابنه محمد يروي عنه مناكير، الذي في التهذيب [11/ 293، رقم 541] قال البخاري: مقارب الحديث. . . إلخ.

الخامس: قال الحافظ في الفتح على قول البخاري باب الوصال: ومن قال ليس في الليل صيام كأنه يشير إلى حديث أبي سعيد الخير، وهو حديث ذكره الترمذي في الجامع ووصله في العلل المفرد، وأخرجه ابن السكن وغيره في الصحابة، والدولابي وغيره في الكنى، من طريق أبي فروة الرهاوي عن معقل

ص: 308

الكندي عن عبادة بن نسى عنه، ولفظ المتن مرفوعًا:"إن اللَّه لم يكتب الصيام بالليل فمن صام فقد تعنى، ولا أجر له" قال ابن منده: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقال الترمذي: سألت البخاري عنه فقال: ما أرى عبادة سمع من أبي سعيد الخير اهـ.

فقابل كلام الحافظ بنقل الشارح.

861/ 1789 - "إنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ الإسلامَ برِجالٍ ما هُمْ منَ أهلهِ".

(طب) عن ابن عمرو

وقال الشارح في الكبير: وهذا يحتمل أنه أراد به رجالا في زمانه ويحتمل أنه أخبر بما سيكون فيكون من معجزاته، فإنه إخبار عن غيب وقع، والأول هو الملائم للسبب الآتي، وقد يقال الأقرب الثاني؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

قلت: بل هذا هو الواقع بخلاف الأول، فإن ذلك حديث في قصة وهذا حديث آخر عام ظهر مصداقه الآن، فإن الدين اليوم يؤيد بالكفار أعدائه الذين قاموا على ساق للقضاء عليه وعلى أهله وبذلوا المهج والأرواح والنفس والنفيس في أن لا يبقى على وجه الأرض من يوحد اللَّه تعالى ويؤمن بحبيبه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فإن الذي بيده ناصية المخلوقات وأزمة الأمور يصرفها كيف يشاء يسخرهم في مصالح الدين وإقامة كثير من شعائره وإحياء أصوله وفروعه بما لولاهم لوقع القضاء عليه، فإن من ينتمي إلى الإسلام اليوم باللغة العربية ومجرد دعوى الإسلام لو وجدوا سلطة ونفوذ أمر لقضوا عليه وقلعوه من عروقه بدعوى أن الرقي والحضارة والتمدن في خلافه، وأن الإيمان حسبه القلب ولا مزيد، ولكن لما علم اللَّه تعالى منهم ذلك سلط الكفار على الأقطار الإسلامية فامتلكوها ليبقى الدين محفوظًا، ولو عند شرذمة قليلة تقوم بهم الحجة ويثبت بهم الوعد الصادق: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على

ص: 309

الحق" (1)، ولولاهم أعنى الكفار لقضى على هذه الشرذمة ومحى الإسلام كما في تركيا فظهر مصداق هذا الخبر، وإن اللَّه يؤيد هذا الدين برجال ما هم من أهله ويخذله برجال يزعمون أنهم أهله.

862/ 1790 - "إنَّ اللَّه تَعَالى لَيُؤيِّدُ الدِّينَ بالرجُلِ الفَاجِر".

(طب) عن عمرو بن النعمان بن مقرن

قال (ش) في الكبير: وظاهر صنيع المصنف أن هذا لا يوجد مخرجًا في الصحيحين ولا أحدهما وهو ذهول شنيع وسهو عجيب؛ فقد قال الحافظ العراقي: إنه متفق عليه من حديث أبي هريرة بلفظ: "إن اللَّه تعالى يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر"، وقال المناوي: رواه البخاري في "القدر" و"غزوة خيبر"، ورواه مسلم من حديث أبي هريرة مطولًا فذكره، ثم قال: فعزو المصنف الحديث للطبراني وحده لا يرتضيه المحدثون فضلًا عمن يدعي الاجتهاد.

قلت: الشارح رجل جاهل ابتلى اللَّه به علم الحديث وأهله، وكنت أظن أنه مع جهله شديد الغفلة والبلادة ولا مزيد، فإذا هو مع ذلك شديد الوقاحة فاقد العقل، فلذلك ابتلاه اللَّه بصدور الاغلاط الفاحشة التي ما صدرت من مخلوق ينتمي إلى العلم على ما بلغ إليه علمنا إلا أن يكون علماء الوقت الحاضر من أهل الأزهر الذين جعلوا العلم بالشهادة ونيل ورقة يعطاها الرجل ولو كان أجهل الناس فيصير بها عالما، ومع ذلك فما رأينا منهم من وصل إلى كثرة الأوهام الفاحشة التي وصل إليها هذا الشارح الجاهل مع البلادة المتناهية، فهو يشرح كتابًا رتبه مؤلفه على حروف المعجم مراعيًا في ذلك الدقة والتحقيق وتقديم كل حرف على الذي بعده في الأول والثاني والثالث وهكذا حتى يسهل على الناس مراجعة الحديث من غير تعب، ثم يغفل عن هذا ويستدرك عليه

(1) رواه البخاري (9/ 125)، ومسلم في الإمارة (170).

ص: 310

في كل حديث تقريبًا بمن خرج ذلك الحديث بلفظ آخر لا يدخل في الوضع الذي ذكره فيه ذلك الاستدراك كهذا، وألف [من] أمثاله مما سبق ويأتي، ومن فرط بلادته أنه ينقل الحديث من صحيح مسلم [إمان 178] في شرحه مستدركًا به على المصنف، وهو يذكره بلفظ أوله:"اللَّه أكبر أشهد أني عبد اللَّه ورسوله، ثم أمر بلالا فنادى في الناس أثه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وأن اللَّه يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر"، فانظر إلى عمى قلب هذا الرجل وغباوته المتناهية، وهكذا لفظ البخاري [4/ 88] وأوله:"يا بلال قم فأذن لا يدخل الجنة إلا مؤمن فإن اللَّه ليؤيد هذا الدين. . . " الحديث، فرواية البخاري تدخل في حرف "الياء"، ورواية مسلم التي ذكرها الشارح تدخل في حرف "الألف" مع "اللام"، وأين هما من رواية الطبراني [17/ 39] المصدرة بحرف:"إن اللَّه"؟! ثم هب أن الحديث في الصحيحين باللفظ الذي عزاه المصنف للبخاري، فأي دلالة في ذلك على عدم بلوغ رتبة الاجتهاد؟! فهذا أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد المجمع على أئمتهم واجتهادهم كانوا قبل وجود البخاري ومسلم، فكان ماذا؟ ولو فرضنا أن المصنف لم يعلم بهذا الحديث أصلًا ولا سمع به قط ولا بعشرة آلاف مثله، فماذا يكون أو يؤثر في بلوغه رتبة الاجتهاد؟!

فإنه أعلم وأحفظ من ملء الأرض من مثل أبي حنيفة وملء نصفها من مثل الشافعي وملء ربعها من مثل مالك وهم مجتهدون بالإجماع، فكيف بمن هو أحفظ منهم؟! وكأن هذا الجاهل ما رأى في كتب أئمة الأصول أن المجتهد لا يشترط فيه حفظ القرآن، وإنما يشترط فيه معرفة آيات الأحكام ولا يشترط فيه حفظ القرآن، وإنما يشترط فيه معرفة آيات الأحكام ولا يشترط فيه حفظ السنة، وإنما يجب أن يكون عنده كتاب فيه أحاديث الأحكام، ومثلوه بسنن أبي داود الذي ما بلغت أحاديثه أربعة آلاف، فكيف والجامع الكبير للمصنف قد رقم فيه بخطه أزيد من ثمانين ألف حديثا، ولكن الشارح من عوام المقلدة

ص: 311