المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل طالب العلم - المستخرج على المستدرك للحاكم = أمالي العراقي

[العراقي]

الفصل: ‌فصل طالب العلم

‌فصل طَالب الْعلم

يَقُول الشَّاعِر:

رَأَيْت الْعلم صَاحبه شرِيف

وَإِن وَلدته اباء لئام

وَلَيْسَ يزَال يرفعهُ إِلَى أَن

يعظم قدره الْقَوْم الْكِرَام

ويتبعونه فِي كل أَمر

كرَاع الضَّأْن تتبعه السوام

وَيحمل قَوْله فِي كل أفق

وَمن يَك عَالما فَهُوَ الامام

فلولا الْعلم مَا سعدت نفوس

وَلَا عرف الْحَلَال وَلَا الْحَرَام

فبالعلم النجَاة من المخازي

وبالجهل المذلة والرغام

هُوَ الْهَادِي الدَّلِيل إِلَى الْمَعَالِي

ومصباح يضيء بِهِ الظلام

كَذَاك عَن الرَّسُول اتى عَلَيْهِ

من الله التَّحِيَّة وَالسَّلَام

وَقَالَ بعض السّلف فِي قَوْله تَعَالَى يَوْم نَدْعُو كل أنَاس بإمامهم هَذَا أكبر شرف لأَصْحَاب الحَدِيث لِأَن امامهم النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَيَكْفِي فِي بَيَان فضل أهل الحَدِيث أَنهم اكثر النَّاس حظا من فضل الصَّلَاة على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُم يخلدُونَ ذكره فِي كِتَابهمْ ويجددون الصَّلَاة وَالتَّسْلِيم عَلَيْهِ فِي مُعظم الْأَوْقَات فِي مجَالِس مذكراتهم ودروسهم فهم إِن شَاءَ الله تَعَالَى الْفرْقَة النَّاجِية جعلنَا الله مِنْهُم وحشرنا فِي زمرتهم فَكفى خَادِم الحَدِيث فضلا دُخُوله فِي دَعوته صلى الله عليه وسلم حَيْثُ قَالَ نضر الله امرا سمع مَقَالَتي فحفظها ووعاها وأدها وَهُوَ حَدِيث متواتر روى بالفاظ مُخْتَلفَة مُتَقَارِبَة وَقد نَص على تواتره غير وَاحِد من الْعلمَاء وَهُوَ مخرج عِنْدِي فِي تحقيقي لرسائل ابْن عَتيق يسر الله طبعها وانتشارها

ص: 12

قَالَ القارى خص مبلغ الحَدِيث كَمَا سَمعه بِهَذَا الدُّعَاء لِأَنَّهُ سعى فِي نضارة الْعلم وتجديد السّنة فجازاه بِالدُّعَاءِ بِمَا يُنَاسب حَاله وَهَذَا يدل على شرف الحَدِيث وفضله ودرجة طلابه حَيْثُ خصهم النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِدُعَاء لم يُشْرك فِيهِ أحد من الامة وَلَو لم يكن فِي طلب الحَدِيث وَحفظه وتبليغه فَائِدَة سوى أَن يَسْتَفِيد بركَة هَذِه الدعْوَة الْمُبَارَكَة لكفى ذَلِك فَائِدَة وَغنما وَجل فِي الدَّاريْنِ حظا وقسما انْتهى قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة لَيْسَ من أهل الحَدِيث أحد إِلَّا وَفِي وَجهه نَضرة لهَذَا الحَدِيث وَقَالَ القَاضِي ابو بكر بن الْعَرَبِيّ وَقَالَ عُلَمَاء الحَدِيث مَا من رجل يطْلب الحَدِيث الا كَانَ على وجهة نَضرة لقَوْل النَّبِي صلى الله عليه وسلم نضر الله امْرَءًا سمع مَقَالَتي فرعاها فأداها كَمَا سَمعهَا الحَدِيث قَالَ وَهَذَا دُعَاء مِنْهُ عليه السلام لحملة علمه وَلَا بُد بِفضل الله تَعَالَى من نيل بركته انْتهى والى هَذِه النضرة أَشَارَ أَبُو الْعَبَّاس العزفي بقوله

أهل الحَدِيث عِصَابَة الْحق

فازوا بدعوة سيد الْخلق

فوجوههم زهر منضرة

لألاؤها كتألق السبرق

يَا لَيْتَني مَعَهم فيدركني

مَا ادركوه بهَا من السَّبق

وَكَانَ الامام الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول لَوْلَا اهل المحابر لخطبت الزَّنَادِقَة على المنابر

وَقَالَ ايضا أهل الحَدِيث فِي كل زمَان كالصحابة فِي زمانهم

ص: 13

وَقَالَ أَيْضا إِذا رَأَيْت صَاحب حَدِيث فَكَأَنِّي رَأَيْت احدا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَكَانَ احْمَد بن سُرَيج يَقُول أهل الحَدِيث أعظم دَرَجَة من الْفُقَهَاء لاعتنائهم بضبط الاصول وَكَانَ ابو بكر بن عَيَّاش يَقُول أهل الحَدِيث فِي كل زمَان كَأَهل الْإِسْلَام مَعَ الاهل الاديان وَكَانَ الاعمش يَقُول عَلَيْكُم بملازمة السّنة وعلموها للاطفال فَإِنَّهُم يحفظون على النَّاس دينهم إِذا جَاءَ وقتهم وَكَانَ وَكِيع يَقُول عَلَيْكُم بِاتِّبَاع الائمة الْمُجْتَهدين والمحدثين فَإِنَّهُم يَكْتُبُونَ مَا لَهُم وَمَا عَلَيْهِم بِخِلَاف أهل الْأَهْوَاء والرأى فَإِنَّهُم لَا يكتون قطّ مَا عَلَيْهِم وَكَانَ الشّعبِيّ وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي يُزْجَرَانِ كل من رأياه يتدين بِالرَّأْيِ وينشدان

دين النَّبِي مُحَمَّد أَخْبَار

نعم المطية للفتى الاثار

لَا ترغبن عَن الحَدِيث وَأَهله

فالرأى ليل والْحَدِيث نَهَار

وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول لاصحابه لَا تكْتبُوا عَنى كل مَا افتت بِهِ وانما يكْتب الحَدِيث وَلَعَلَّ كل شَيْء افتيتكم بِهِ الْيَوْم أرجع عَنهُ غَدا وَكَانَ ابو عَاصِم يَقُول اذا تبحر الرجل فِي الحَدِيث كَانَ النَّاس عِنْده كالبقر وَقَالَ الزُّهْرِيّ لَا يطْلب الحَدِيث من الرِّجَال الا ذكرانها وَلَا يزهد فِيهِ الا اناثها وَفِي غير هَذِه الرِّوَايَة الحَدِيث ذكر يُحِبهُ ذُكُور الرِّجَال وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ مَا شَيْء اخوف عِنْدِي من الحَدِيث وَلَا شَيْء أفضل مِنْهُ لمن اراد بِهِ مَا عِنْد الله

ص: 14

وَجَاء عَن الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَغَيرهم مثل ذَلِك فَكَانَ الامام ابو حنيفَة يَقُول اياكم وَالْقَوْل فِي دين الله تَعَالَى بِالرَّأْيِ عَلَيْكُم بِاتِّبَاع السّنة فَمن خرج عَنْهَا ضل وَدخل عَلَيْهِ مرّة رجل من أهل الْكُوفَة والْحَدِيث يقْرَأ عِنْده فَقَالَ الرجل دَعونَا من هَذِه الاحاديث فزجره أَبُو حنيفَة أَشد الزّجر وَقَالَ لَهُ لَوْلَا السّنة مَا فهم اُحْدُ منا الْقرَان وَقيل لَهُ مرّة قد ترك النَّاس الْعَمَل بِالْحَدِيثِ واقبلوا على سَمَاعه فَقَالَ نفس سماعهم للْحَدِيث عمل بِهِ وكا ن يَقُول لم تزل النَّاس فِي صَلَاح مَا دَامَ فيهم من يطْلب الحَدِيث فَإِذا طلبُوا الْعلم بِلَا حَدِيث فسدوا وَجَاء فِي حَاشِيَة ابْن عابدين فِي رِسَالَة رسم الْمُفْتِي وَفِي ايقاظ الهمم للفلاني وَنقل ابْن عابدين عَن شرح الْهِدَايَة لِابْنِ الشّحْنَة الْكَبِير شيخ ابْن الْهمام مَا نَصه إِذا صَحَّ الحَدِيث وَكَانَ على خلاف الْمَذْهَب عمل بِالْحَدِيثِ وَيكون ذَلِك مذْهبه وَلَا يخرج مقلده عَن كَونه حنفيا بِالْعَمَلِ بِهِ فقد سح عَن ابي حنيفَة انه قَالَ إِذا صَحَّ الحَدِيث فَهُوَ مذهبي وَقد حكى ذَلِك الامام ابْن عبد الْبر عَن ابي حنيفَة وَغَيره من الْأَئِمَّة وَأما الامام مَالك رحمه الله فَقَالَ إِنَّمَا أَنا بشر اخطىء وَأُصِيب فانظروا فِي رأيى فَكل مَا وَافق الْكتاب وَالسّنة فَخُذُوهُ وكل مَا لم يُوَافق الْكتاب وَالسّنة فاتركوه وَقد اشْتهر عِنْد الْمُتَأَخِّرين قَول الامام مَالك لَيْسَ أحد بعد النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَّا وَيُؤْخَذ من قَوْله وَيتْرك الا النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقد صحّح هَذَا

ص: 15

القَوْل عَنهُ ابْن عبد الْهَادِي فِي ارشاد السالك وَرَوَاهُ ابْن عبد الْبر فِي الْجَامِع وَابْن حزم فِي اصول الاحكام من قَول الحكم بن عتيبة وَمُجاهد وَأوردهُ السُّبْكِيّ فِي الفتاوي من قَول ابْن عَبَّاس مُتَعَجِّبا من حسنه ثمَّ قَالَ وَأخذ هَذِه الْكَلِمَة من ابْن عَبَّاس مُجَاهِد واخذها مِنْهُمَا مَالك واشتهرت عَنهُ اهـ ثمَّ اخذها عَنْهُم الامام احْمَد بعد ذَلِك وَأما الامام الشَّافِعِي رحمه الله فالنقول عَنهُ فِي ذَلِك اكثر وَأطيب وَأَتْبَاعه اكثر عملا بهَا وأسعد فَمِنْهَا مَا روى الْحَاكِم والبيعقي عَنهُ أَنه كَانَ يَقُول إِذا سح الحَدِيث فَهُوَ مذهبي قَالَ ابو حزم أَي صَحَّ عِنْده اَوْ عِنْد غَيره من الْأَئِمَّة وَفِي رِوَايَة اخرى إِذا رَأَيْتُمْ كَلَامي يُخَالف كَلَام رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فاعملوا بِكَلَام رَسُول الله صلى الله عليه وسلم واضربوا بكلامي الْحَائِط وروى عَنهُ أَنه قَالَ إِذا رَأَيْتُمُونِي اقول قولا وَقد صَحَّ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم خِلَافه فاعلموا أَن عَقْلِي قد ذهبوروى الْبَيْهَقِيّ عَن الامام احْمَد أَنه كَانَ إِذا سُئِلَ عَن مَسْأَلَة يَقُول أَو لأحد كَلَام مر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَكَانَ يتبرأ كثيرا من رأى الرِّجَال وَيَقُول لَا ترى احدا ينظر فِي كتب الرَّأْي غَالِبا إِلَّا وَفِي قلبه دخل وَكَانَ وَلَده عبد الله يَقُول سَأَلت الامام احْمَد عَن الرجل يكون فِي بلد لَا يجد فِيهَا الا صَاحب حَدِيث لَا يعرف صَحِيحه من سقيمه وَصَاحب رأى فَمن يسْأَل مِنْهُمَا عَن دينه فَقَالَ يسْأَل صَاحب الحَدِيث وَلَا يسْأَل صَاحب الرأى وَنقل ابْن الْقيم عَنهُ قَوْله لَا تقلدني وَلَا تقلد مَالِكًا وَلَا الشَّافِعِي وَلَا الاوزاعي وَلَا الثَّوْريّ وَخذ من حَيْثُ اخذوا اهـ

ص: 16

فطوبى لمن جد فِيهِ وَحصل مِنْهُ على تنويه يملك من الْعُلُوم النواصي وَيقرب من اطرافها الْبعيد القاصي وَمن لم يرضع من دره وَلم يخض فِي بحره وَلم يقتطف من زهره ثمَّ تعرض الْكَلَام فِي الْمسَائِل والاحكام فقد جَار فِيمَا حكم وَقَالَ على الله تَعَالَى مَا لم يعلم كَيفَ وَهُوَ كَلَام رَسُول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم وَالرَّسُول اشرف الْخلق كلهم اجمعين وَقد اوتى جَوَامِع الْكَلم وسواطع الحكم من عِنْد رب الْعَالمين فَكَلَامه اشرف الْكَلم وأفضلها واجمع الحكم واكملها

ص: 17