الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السياسة التوجيهية العامة
يجدر بي - وقد التزمت بالصراحة في خدمة الإسلام والعروبة - أن أتحدث عن مجال نشاط الاستشراق والتبشير (الاستعمار) في رجال التوجيه في بلدان الشرق، فإن للاستعمار وسائله الخاصة.
إن مجال نشاط المستشرقين والمبشرين يبلغ المدى البعيد بين صفوف رجال التوجيه في بلدان الشرق، ولهم في ذلك وسائلهم الخاصة في تفريق شمل المسلمين وإضعاف شوكتهم، والعمل على الغض من اللغة العربية التي هي في نظرهم لغة القرآن الكريم.
ووسائلهم في توجيه الرأي العربي إلى ما يريدون - بطريق غير مباشر - يتم بصورتين:
الصورة الأولي: استخدام تلاميذ المستشرقين والمبشرين "عملاء الاستعمار" من الوطنيين الذين درسوا بجامعاتهم وتشربوا بمبادئهم، وهؤلاء - وقد أصبحوا قادة الفكر - إنما ينفذون سياسة المستعمر بقصد أو بغير قصد منهم وبإيحاء من توجيهات المستشرقين والمبشرين.
الصورة الثانية: قيام بعض الغربيين بمؤلفات عن الثقافة الإسلامية، وعمل موازنات بينها وبين الثقافة الغربية (النصرانية) ثم العمل على تشويه الحقائق.
أما الصورة الأولى: فتتلخص في قيام بعض المفكرين من المسلمين بحركة تقدمية في الإسلام، وعلى غير قصد منهم يقررون سياسة المستعمر، ويثبتون ولايته على المسلمين من الوجهة الإسلامية، أو بعبارة أخرى تبغي عدم تحديه أو معارضته في مباشرة سلطته على المسلمين أو في إدخال ما يسميه بنظم الإصلاح الحديث بينهم، وكان من تلاميذ الاستعمار في تحقيق هذه الصورة (السير أحمد خان) بالهند، الذي أشتهر بحركته العلمية القائمة على الافتتان بالعلم الطبيعي وبالحضارة الغربية.
والافتتان بالعلم الطبيعي - أو الطبيعة كما يقال - يؤدي إلى خفة وزن القيم الروحية والمثالية، وهي القيم التي تقوم عليها رسالة الأديان السماوية التي يمثلها الإسلام أوضح تمثيل. ولم يكن السير أحمد خان داعية فقط لهذا التجديد أو لهذه التقدمية في الإسلام، بل كان كذلك صحفياً ومؤلفاً ومدرساً ومشرفاً على كلية علمية دينية هي:(الكلية الإنكليزية الشرقية المحمدية) .
وفي هذه الكلية كان يدرس الدين المسيحي بالعناية التامة التي يدرس بها الإسلام، ولهذا كان للسير أحمد خان نفوذه سياسي تربوي، أقترن بحركته التجديدية التي أثرت - فيما بعد - في خلق المذهب القادياني والأحمدية بالهند.
ومن تلاميذ الجامعات الفرنسية الدكتور طه حسين، وهو صاحب التجديد في الأدب العربي في مصر، وحركته تقوم على الانطلاق في التفكير الحر الرزين جرياً وراء الحقائق، وكان بلا منازع عميد
الأدب العربي، بل عميد كلية الآداب بجامعة القاهرة، ثم أصبح فيما بعد وزير المعارف العمومية.
وكان في نشأته رئيساً لتحرير مجلة الكاتب المصري، وهي مجلة تصدرها شركة الكاتب المصري التي هي جماعة من يهود مصر الذين هجروا مصر نهائياً عقب الانتصار على العدوان الثلاثي ببورسعيد سنة 1956م.
وهو مؤلف لعدد كبير من الكتب، منها: الشعر الجاهلي، ومستقبل الثقافة في مصر، وكثير غيرهما.
ولقد كان للسيدة قرينته الأثر القوي في دفعه إلى النجاح بمؤازرتها له بكل ما تملك من الإخلاص المعنوي والمادي، وهي سيدة فاضلة فرنسية المولد.
أما كتابه الشعر الجاهلي فإنه يقوم على فكرة واحدة، هي أن الشعر الجاهلي لا يمثل حياة العرب قبل ظهور الإسلام، وفي هذا نقتطف بعضاً من أقواله، قال:(إن العرب لم يكونوا على غير دين ولم يكونوا جهالاً، ولا غلاظاً، ولم يكونوا في عزلة سياسية أو اقتصادية بالقياس إلى الأمم الأخرى كذلك يمثلهم القرآن (ص 22، 23) . ويستطرد فيقول: (وإذا كانوا أصحاب علم ودين، وأصحاب ثروة وقوة وبأس، وأصحاب سياسة متصلة
بسياسة عامة بها مؤثرة فيها - فما أخلقهم أن يكونوا أمة متحضرة راقية، لا أمة جاهلية همجية، وكيف يستطيع رجل عاقل أن يصدق أن القرآن ظهر في أمة جاهلية همجية) (ص 15) .
ومن هذا يخرج بهذه النتيجة: (فالقرآن الكريم أصدق مرآة للعصر الجاهلي) . ويستطرد فيقول: (أرأيت أن التماس الحياة العربية الجاهلية في القرآن أنفع وأجدى من التماسها في هذا الشعر العقيم الذي يسمونه الشعر الجاهلي؟ أرأيت أن هذا النحو من البحث يغير كل التغير ما تعودنا أن نعرف من أمر الجاهلين)(ص 22، 23) .
يم يستطرد في انتفاضه لإعجاز القرآن الكريم فيقول: (أفترى أحداً يحفل بي لو أني أخذت أهاجم البوذية وغيرها من الديانات التي لا يدينها أحد في مصر؟ ولكني أهيج النصارى حين أهاجم النصرانية، وأهيج اليهود حين أهاجم اليهودية، وأحفظ المسلمين حين أهاجم الإسلام)(ص 16، 17) . وينتهي بهذا كله إلى الرأي القائل بأن الإسلام دين بشرى، وأن القرآن ليس وحياً إلهياً، إنما قاله صاحبه لقوم معينين، ولذلك تجاوبوا معه أو قاموا ضده.
وفي هذه المداراة حقق هدفاً من أهداف الاستشراق هو أن القرآن موضوع وليس وحياً من الله، وإن القرآن مرآة لأفق خاص من الحياة، هو أفق من عقائد تلكم العقائد المنتشرة وقتئذ في رقعة الجزيرة العربية، لا سواها.
وبهذا يتفق مع آراء المستشرقين وكتاباتهم أمثال المستشرق
الإنكليزي "جب" أستاذ الدراسات العربية بجامعة هارفارد بالولايات المتحدة، فهو يتفق مع جوهر كتابه (المذهب المحمدي) ويتفق مع كتاب سنكلير تسدل (مصادر الإسلام) من أن شرائع الإسلام تأسست من شرائع الأديان المعاصرة له والمنتشرة وقتئذ في الشرق، ألا وهي اليهودية، والمسيحية، والهندية، والصابئة، والفارسية، والجاهلية.
ويحسن بي أن أورد نموذجاً لافتراءاتهم في هذا الموضوع ليتبين المسلم مدى خطورة مثل هذه الكتب:
لقد زعموا أن الإسلام أخذ من الجاهلية: صلاة الجمعة، وصوم عاشوراء، وتطييب البيت الحرام، وحظ الذكر في الميراث مثل حظ الأنثيين، التكبير، والأشهر الحرم، والحج والعمرة، نتف الإبط، وحلق العانة، والوضوء والاغتسال، والختان، وتقليم الأظافر.
وأخذ من الصابئة: الصلوات الخمس، والصلاة على الميت، وصيام شهر رمضان، والقبلة، وتعظيم مكة، وتحريم الميتة ولحم الخنزير، وتحريم الزواج من القرابات.
وأخذ من الهندية والفارسية: قصة المعراج، والجنة والحور والولدان، والصراط.
وأخذ من اليهودية: قصة قابيل وهابيل، وقصة إبراهيم، وقصة ملكة سبأ، وقصة يوسف.
وأخذ من النصرانية: قصة أهل الكهف، وقصة مريم العذراء، وقصة طفولة يسوع.
وبالموازنة بين "المذهب المحمدي" لمؤلفه المستشرق الإنكليزي (جب) وكتاب "الشعر الجاهلي" للدكتور طه حسين، نجد تطابقاً تاماً في المفاهيم مع اختلاف في الأداء والعبارات وتطابقها فيما يأتي:
1-
أن محمداً أستغل المقدسات الدينية في مكة ويف مقدمتها (البيت الحرام) ، وكانت ثورته ضد الحياة الاجتماعية الظالمة ثورة طابعها ديني، ويستطرد كتاب "الشعر الجاهلي" إلى الرأي القائل: إن محمداً قبل قصة إسماعيل وتعلم اللغة العربية لاستعداد المكيين أنفسهم لقبولها رغبة منهم في الوحدة والتكتل، ليكونوا قوة ثالثة في مواجهة قوتي الفرس والروم.
2-
إن الحياة الجاهلية قبل الإسلام كانت حياة حضارية اقتصادية دينية.
3-
إن القرآن لم يكن جديداً عليهم حتى عقيدة الوحدانية ذاتها لم تكن غريبة عنهم. لكن - كما يقول المستشرق الإنكليزي _ (جب) - أن ثورة العرب ومعرضته له كانت خشية للمنافسة السياسية.
بينما يقرر الشعر الجاهلي بقوله: (لو لم يكن القرآن مألوفاً لما حفل به أحد) .
4-
إن دعوة الإسلام دعوة محلية، لجماعة خاصة، ولحياة خاصة. إذ يقول المستشرق الإنكليزي (جب) في كتابه "المذهب المحمدي": إن الإسلام انطباع للحياة الجاهلية، ويقول الدكتور طه حسين في كتابه الشعر الجاهلي: إن الإسلام تعبير صادق عن هذه الجماعة في حياتها الخاصة وأمانيها.
ولم نطلع على كتابة للدكتور طه حسين يرجع فيها عن شيء مما كتب، أو يعدل ويشرح شيئاً منه.
ومن هذا يخلصون بآرائهم إلى القول بأن القرآن ليس وحياً من الله، إذ إنه لو كان وحياً من عند الله لكان للناس جميعاً في كل مكان، وكل زمان.
وأمام هذه النزعات الخطيرة ضد الإسلام يقول الله سبحانه في شأن القرآن الكريم: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ، ويقول عن الرسول الكريم، وعن العرب الذين بعث فيهم:{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} . "الجمعة 2 - 4".
ويقول: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} "الحاقة 40 - 43".
ويقول: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ} "الأعراف 157".
ويقول في عموم رسالته صلى الله عليه وسلم: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} . "سبأ 28". ويقول: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} . ويقول: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} .
ويقول جل شأنه، بشأن إعجاز القرآن الكريم:{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} . "البقرة 23".
ويحذرهم مغبة انحرافهم وضلالهم، فيقول:{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} "البقرة24".
ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه، وسجل التاريخ شهادة قوية تؤيد الحق والإسلام فيقرر ابن خلدون عن القرآن الكريم ما نصه: "فأعلم أن القرآن نزل بلغة العرب وعلى أساليب بلاغتهم فكانوا يفهمونه ويعلمون معانيه في مفردات وتراكيبه. وكان ينزل جملاً جملاً، وآيات آيات، لبيان التوحيد والفروض الدينية بحسب الوقائع. ومنها ما هو في العقائد الإيمانية، ومنها ما هو في أحكام الجوارح
…
".
وقال في موضع آخر: "ويدلك على هذا كله أن القرآن من بين الكتب الإلهية إنما تلقاه نبينا صلوات الله عليه، متلوا كما هو بكلماته وتراكيبه، خلافاً للتوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب السماوية، فإن الأنبياء يتلقونها في حالة الوحي معاني ويعبرون عنها بعد رجوعهم إلى الحالة البشرية بكلامهم المعتاد لهم، ولذلك لم يكن فيها إعجاز".
ويتفق في هذا الرأي أعلام اللاهوتيين الغربيين، ومنهم دوملو، ودكتور شاف، وغيرهما، ويقول دوملو في تفسيره للكتاب المقدس
ما ترجمته: "إننا لا ينبغي أن نقيم الكتاب المقدس ككتاب كامل تماماً، بإعتبار الله ذاته هو واضعه مستخدماً البشر أيديهم وعقولهم كما يستخدم الإنسان الآلة الكاتبة".
ويقول دكتور فيليب شاف في كتيب له: " إن الأناجيل لا ينبغي أن نعتبرها كتباً موحي بها، وأن الله هو المصدر الوحيد لها لا الإنسان. ولكن ينبغي أن ننظر إليها من زاوية أخرى، أنها محاولات لرجال امتازوا بالورع ولكنهم ليسوا بموهوبين من أتباع المسيح الذين عاصروا حياته".
الصورة الثانية - من صور توجيه المبشرين والمستشرقين للرأي العام الإسلامي:
وهذه تكون بقيام بعض العلماء الغربيين بإبراز الخلافات المذهبية، وتأكيد الفجوات والثغور بين الطوائف والشعوب الإسلامية من الجهة الشعوبية أو الجغرافية أو نظام الحكم.
وهؤلاء العلماء قد يفدون إلى البلاد في سياحة في الشرق يعودون على أثرها وقد أعدوا للكتابة مؤيدون ما يكتبونه بالصور الفوتوغرافية التي يلتقطونها، أو بالرسوم التي يرونها من واقع الحياة مع خيالهم السابح في الأوهام مما يسيء إلى مكانة الدول الشرقية في الخارج، ويؤسفنا أن هذه الكتب تكتب عادة بأسلوب تهكمي قصصي يغذي خيال الشعوب الغربية الأوربية والأمريكية، ولها أثر سيئ في تصوير المسلمين تصويراً غير حقيقي.
وينتهز المستشرقون هذا اللون من الكتابة فيدونون - باسم البحث العلمي - كتباً في علم الأجناس ونفسية "فسيولوجية"
الشعوب فيها، ويخرجون من هذا بقولهم: إن مفهوم الإسلام يختلف باختلاف الشعوب، فهناك إسلام الهند، وإسلام تركيا، وإسلام البربر في شمال أفريقيا، وإسلام مصر، وإسلام الملايو، وإسلام اندونيسيا، وإسلام الصحراء الكبرى، وإسلام أفريقيا السوداء. وكل إسلام يختلف عن الآخر باختلاف الجنس، ولكل إسلام في فهم القرآن والسنة طريق خاص يوافق المصادر التي يستقي منها منهاجه وشريعته.
ومن هذا النشاط أيضاً، كتبهم العقائدية المريرة، يتحدثون فيها عن الخلاف بين أهل السنة والشيعة، بين أهل السنة في مصر، والشيعة في بغداد. ثم يعرجون إلى الحديث عما يسمونه بالعداء بين المملكة العربية السعودية وما يسود فيها من مذهب محمد بن عبد الوهاب من جانب والعراق وإيران وما يسودهما من اتجاه شيعي من جانب آخر، ويتحدثون عن الفجوة بين البيت الهاشمي في العراق من ناحية، والبيت السعودي في شبه الجزيرة العربية من ناحية أخرى.
من هذا يتبين أن الإسلام في نظرهم ليس واحداً، بل هو متعدد، وهذا التعدد وفق الشعوب المؤمنة به، أو الطوائف أو المصادر التي تحتضنه، وهذه السموم التي ينفثونها للتأثير في اتجاه المسلمين والتسلط على الشعوب المسلمة، ولا عجب فإنها وجدت إقبالاً من المشتغلين بالثقافة الإسلامية.
والأمر لا يقف عند هذا الحد من التصورات والأوهام، بل زج المبشرون بأنفسهم وتعرضوا لمكانة العلماء الأفاضل من المسلمين،
وأخذوا ينسبون إليهم شروحاً مفتعلة بأهوائهم للوصول إلى أهدافهم، مما تسبب عنه الانحراف بالتعاليم الإسلامية وتحويلها عن أهدافها الأصلية.
ومن الشرائع الإسلامية التي حولوها عن أهدافها الحقيقية:
تعدد الزوجات، وإباحة الطلاق، وقد ظنوا أن الرجل بسيادته على المرأة لا يجد فيها إلا متعة ولذة. وهذا ما كتبه اللورد كرومر في كتابه (مصر الحديثة) إذ يقول:"إن الرجل المسلم يتمسك بإسلامه لما يمكنه الإسلام من السيادة على المرأة، وهو في تمسكه بالإسلام أشد تمسكاً به من المرأة المسلمة، ويعلل هذا الافتراض بأنه ظاهرة في الحياة الإسلامية ترجع إلى اختلاف وضع كل من الرجل والمرأة في الإسلام على النحو المضار إليه".
وحول هذا المعنى دارت المحاضرة التي ألقاها بقاعة الإمام محمد عبده بجامعة الأزهر في 19/12/1964 ضيف وزارة الأوقاف، المستشرق الفرنسي، الدكتور برجير فاشون، رئيس قسم التشريع الإسلامي بكلية جامعة باريس.
وفي هذا ما يقيم الدليل مرة أخرى على انحراف اجتهاد المستشرقين في تأويل المفاهيم والأوضاع الخاصة بالتأملات الإسلامية الأمر الذي ينبغي أن يكون موضع دراسة مستفيضة من علمائنا المسلمين لإقناع أمثال هؤلاء الباحثين وتوجيههم إلى الحقائق الأصلية التي شرعها الله سبحانه وتعالى وهو أحكم الحاكمين.