المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأوللماذا جاءت أمريكا إلى العراق - المشروع الأمريكي في احتلال العراق وأثره في تغيير خارطة المنطقة

[عبد القادر المحمدي]

الفصل: ‌الفصل الأوللماذا جاءت أمريكا إلى العراق

تصمت اليوم أمام التلويحات والتصريحات بتقسيم العراق، على الأعراق والطوائف! دونما تحريك ساكن؟ والمثل يقول:"أكلت يوم أكل الثور الأبيض".

ولا يعني من كل هذا أن الأمة ماتت أو نامت، كما يروج له البعض! (فالخير فيَّ وفي أمتي) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم،فالشارع العربي والإسلامي متنبه، ويقظ لكل ما يجري، والمثقفون والمخلصون لم يألوا جهداً في إيقاظ الهمم وشحذ الفكَر، وما هذه الندوات والمؤتمرات إلا دليلاً على ذلك.

أسأل الله تعالى أن يجعل مكر الشيطان هو يبور، وأن يكتب النصر والعزة لدينه، وأمته.

‌الفصل الأول

لماذا جاءت أمريكا إلى العراق

لقد استأثرت مقاصد واشنطن من الحملة العسكرية الراهنة بمعظم الاهتمام، لأن مختلف الشواهد تدل على أن ما يجري في العراق الآن يشكل منعطفاً مهماً في تاريخ العالم، وليس العراق وحده، وليس

ص: 4

منطقة الشرق الأوسط وحدها، إن شئت فقل إنه باب للقرن الأمريكي، غير أن الدور الإسرائيلي ترك بصماته في الحملة، في كل مراحلها، ولعلي لا أبالغ إذا قلت أن تلك الأطماع يراد لها أن ترشح منطقتنا أيضاً للدخول فيما يمكن أن نسميه بالعصر الإسرائيلي.

والعلاقة بين الأصوليين الإنجيليين في الولايات المتحدة وبين "إسرائيل" وثيقة للغاية -كما هو مشهور - إذ تذكر السيدة الأمريكية (جريس هالسل) في كتابها ((النبوءة والسياسة)) (1):أن سيدة بروتستانتية اشترت منزلاً في واشنطن بمبلغ نصف مليون دولار، واختارت له أن يكون مقابلا للسفارة الإسرائيلية، وإلى هذا المنزل يتوجه عديد من الإنجيليين - بعضهم من ذوي المناصب الرفيعة في الحكومة الأمريكية - للصلاة من أجل "إسرائيل" على مدار الساعة، وهم في صلواتهم يتوجهون بأبصارهم وقبلتهم ناحية السفارة الإسرائيلية على الرصيف المقابل من الشارع، ويدعون الرب لأن يحفظ "إسرائيل" وينصرها، وأن يقرب اليوم الذي يختفي فيه كل أثر للفلسطينيين فوق (أرض الميعاد)!

وأضافت المؤلفة: أنها حين راجعت أسماء المسؤولين الأمريكيين في سجل زيارات المنزل، فوجئت بأن الرئيس (رونالد ريجان) على رأسهم!

كما قال «كينين» أحد أبرز القيادات الصهيونية الأمريكية، في كتابه «خط الدفاع الإسرائيلي»: أن الكنيسة الإنجيلية احتضنت الفكرة الصهيونية قبل هرتزل بقرون، وأن الفكرة كانت أنشودة مسيحية قبل أن تصبح حركة سياسية يهودية. ومن المهم أيضاً أن نعرف أن الدعوة إلى توطين اليهود في فلسطين واعتبارها أرضاً بلا شعب لشعب بلا أرض، كانت ضمن مشروع قدمه اللورد بالمرستون وزير خارجية بريطانيا الأسبق- إلى مؤتمر عقد في لندن عام 1840 - وكان بالمرستون أحد الذين يعتقدون أن عودة اليهود إلى فلسطين شرط لتحقيق المجيء الثاني للمسيح، وأن مساعدة اليهود لتحقيق تلك الغاية أمر يريده الله، لأنه يعجل بمجيء المسيح الذي يحمل معه الخلاص والسلام، وهو تصور استخلصه البروتستانت اعتماداً على بعض (2).

ويرصد كثير من المؤرخين كيف أعطى المهاجرون الأوائل أبناءهم أسماء عبرانية «ابراهام، سارة، العازر ..» كما أطلقوا على مستوطناتهم أسماء عبرانية «حبرون، وكنعان ..» وفرضوا تعليم اللغة العبرية في مدارسهم وجامعاتهم، حتى إن أول دكتوراه منحتها جامعة هارفارد في العام 1642 م كانت

(1) الكتاب ترجمة الأستاذ محمد السماك إلى العربية في عام 89.

(2)

أنظر في ذلك كتاب الوعد الحق والوعد المفترى، د. سفر الحوالي.

ص: 5

بعنوان «العبرانية هي اللغة الأم» وأول كتاب صدر في أمريكا كان «سفر المزامير» ، وأول مجلة كانت «اليهودي» (1).

والطريف في هذا الصدد أن النائب الديمقراطي (جيمس موران) حين واتته الجرأة وقال: إن الولايات المتحدة خططت لغزو العراق بسبب تحريض وضغط العناصر اليهودية النافذة، فإنه تعرض لعاصفة من الانتقادات التي وصفت تصريحات الرجل بأنها «مروعة» ،ورغم أن (جيمس موران) اعتذر عما بدر منه، إلا أن القوى الصهيونية المفترسة لم ترحمه، ولم تقبل اعتذاره، وأصرت على مطالبته بالاستقالة.

ويقول الرئيس كارتر أمام الكنيست الإسرائيلي: إن علاقة أمريكا بإسرائيل أكثر من علاقة خاصة؛ لأنها علاقة متأصلة في وجدان وأخلاق وديانة ومعتقدات الشعب الأمريكي نفسه. وقد وضح كارتر الأمر أكثر في حفل أقامته على شرفه جامعة تل أبيب حيث ذكر أنه باعتباره نصرانياً مؤمناً بالله يؤمن أيضاً أن هناك أمراً إلهياً بإنشاء دولة إسرائيل. لقد كان كارتر مثالاً للرئيس الملتزم بالصلاة في الكنيسة كل أحد، وكان عضواً في أكبر كنائس بلدته وشماساً في مدرسة الأحد (2).

أما ريجان فقد قال في أحد خطبه موجهاً كلامه إلى بعض اليهود الأمريكيين:

«حينما أتطلع إلى نبوءاتكم القديمة في العهد القديم وإلى العلامات المنبئة بمعركة هرمجدّون أجد نفسي متسائلاً عما إذا كنا نحن الجيل الذي سيرى ذلك لاحقاً» (3). لقد عبّر الكاتب اليهودي الأمريكي جون بيتر عن واقع أمريكا عندما قال: إن الرؤساء الأمريكيين ومعاونيهم ينحنون أمام الصهاينة كما ينحني العابد أمام قبر مقدّس. هكذا وصل إيمانهم.

وكما يعرف الجميع أن الحرب الراهنة أمريكية إسرائيلية، وليست أمريكية فحسب، لكن من الواضح أن الإشارة إلى تأثير العناصر الصهيونية على السياسة الأمريكية يعد من المحرمات، لأنه يكشف المستور

(1) أنظر: " إلى القدس مروراً ببغداد" بقلم الأستاذ فهمي هويدي، إلذي نشرته صحيفة الشرق القطرية 24/ 3/2003.

(2)

أنظر: عقيدة اليهود في الوعد بفلسطين، محمد بن علي بن محمد ص131.

(3)

المصدر نفسه.

ص: 6

ويفضح ما يجرى في داخل المطبخ السياسي الأمريكي، فحين أعلن (كولن باول) على الملأ أن الحرب لها ثلاثة أهداف هي:

1 -

إسقاط النظام العراقي.

2 -

إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط.

3 -

إغلاق ملف القضية الفلسطينية.

وهذا المعنى تردد في برقية بثتها وكالة «رويترز» في لندن في 14/ 3/2003 قالت فيها صراحة إن مسؤولين بارزين في الصف الثاني في إدارة بوش يهود من المحافظين الجدد يدعون إلى إطاحة صدام لدعم أمن "إسرائيل"، ومن هؤلاء نائب وزير الدفاع (بول وولفوفيتز) ووكيل وزارة الدفاع (دوجلاس فيث)، ومستشار وزارة الدفاع (ريتشارد بيرل)، ومسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي (اليوت ابرامز)، بالإضافة إلى (لويس ليبي) رئيس هيئة الموظفين في مكتب الرئيس ديك تشيني.

وأضافت الوكالة أنه في الشهر الماضي قال فيث في اجتماع لإحدى لجان مجلس الشيوخ: أن إقامة ديمقراطية في العراق ربما تساعد في تولى زعماء فلسطينيين قد ترغب "إسرائيل" في الحديث معهم.

ونقل عنه قوله: إن «للولايات المتحدة و"إسرائيل" مصالح مشتركة، في ما يتعلق بالعراق .. وهذا لا يعني أن طابورا خامساً صهيونياً خطف عقل الرئيس، بل تصادف أن كان القضاء على الإرهاب وإصلاح المنطقة أمراً يلائم "إسرائيل" أيضاً» .

وقد نشرت صحيفة «ها آرتس» الإسرائيلية في 1/ 10/2002 تقريراً عن ترتيبات إعداد صورة الشرق الأوسط الجديد، ذكرت فيه أن اثنين من اليهود اشتركا في رسم معالم تلك الصورة، والاثنان هما (ريتشارد بيرل) و (دوجلاس فيث)، اللذان سبقت الإشارة إليهما، ولهما الآن موقعهما المرموق في وزارة الدفاع «البنتاجون» ، ومعروفان بأنهما متعصبا الصهاينة، وقد كانا ضمن الفريق الذي كلف بمساعدة (بنيامين نتنياهو) حين تولى رئاسة الحكومة في "إسرائيل" لأول مرة عام 1996، وقبل أيام قليلة من بدء الحرب على العراق في 15/ 3 /2003م وصل إلى تل أبيب عسكري أمريكي رفيع المستوى، هو الجنرال (تشارلز سمبسون)، لكي يكون ضابط الاتصال والتنسيق بين القيادة العسكرية الأمريكية ورئاسة الأركان في الجيش الإسرائيلي في صدد الحملة على العراق، التي لم يعلن بعد شيء عن كيفية وطبيعة المساهمة الإسرائيلية فيها، أما موعد بدء العمليات العسكرية فقد أعلن أن "إسرائيل" أخطرت به قبل ساعات قليلة من إطلاق الصواريخ الأمريكية، وفي ذلك كله دلالة على الحضور الإسرائيلي في مختلف مراحل الغزو.

ص: 7