المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أولا: الأهداف السياسية: - المشروع الأمريكي في احتلال العراق وأثره في تغيير خارطة المنطقة

[عبد القادر المحمدي]

الفصل: ‌أولا: الأهداف السياسية:

وتستهدف الولايات المتحدة من خلال غزوها للعراق؛ أن يقوم العراق الجديد (

) بدورين أساسيين في وقت واحد:

أولهما: دور القوة المهيمنة التابعة للولايات المتحدة في الخليج لعزل القوة الإيرانية عن تفاعلات الشرق الأوسط ..

وثانيهما: دور القوة الموحدة لإقليم «الهلال الخصيب» المُشَكَّلَة في العراق وسوريا ولبنان والأردن، وذلك لتأسيس مثلث تحالف استراتيجي يحكم الشرق الأوسط، يقوده العراق الجديد (قيادة الهلال الخصيب) وإسرائيل وتركيا .. وذلك بعد تصفية الوضع السوري واللبناني، وبذلك يمكن حسم مسألة الوحدة العربية، وعزل مصر عن الخليج والشرق العربي.

هذا، ويتجه التغيير الثالث إلى إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي من خلال التوافق التام بين حكومة «إرييل شارون» وإدارة الرئيس «جورج دبليو بوش» في مجال الحرب على الإرهاب من ناحية، والحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط من ناحية أخرى.

ويمكن إجمال أبرز الأهداف في:

‌أولاً: الأهداف السياسية:

وضع الفرنسي «بيكو» والبريطاني «سايكس» خريطتهما للمنطقة العربية قبل 86 عاماً؛ ولم يكن يدور بخلدهم حينذاك أن تخطيطهم بالقلم «الرصاص» سيدوم كل هذه المدة الطويلة، وأن حدود الاحتلال المصطنعة سيذب عنها أصحاب البلاد العربية الأصليون أكثر من صُنَّاعها! والحق أن الحدود التاريخية، وإن غابت عن مخيلاتنا نحن؛ فإنها لم تغب يوماً عن أذهان صُنَّاع السياسة الغربية في المنطقة العربية، وليس يدعو إلى الدهشة أن تجد حديث المفكرين الغربيين يتناول الشام ككتلة واحدة، أو

ص: 21

الجزيرة العربية ككيان واحد، أو أن يبحث في الفروق بين الحجازيين والنجديين، أو أن يرصد القواسم المشتركة بين شيعة إيران والعراق والسعودية والبحرين.

والغرب نفسه لم ينظر إلى المنطقة إلا ككتلة واحدة جرى تفتيتها وفق «اجتهاد» (سايكس ـ بيكو)؛ حينما كانت بريطانيا وفرنسا هما الدولتين الاحتلاليتين العظميين في العالم؛ ليتم إدارة المنطقة بشكل جيد يحد من القلاقل وييسر استنزافها.

وحين أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية هي القوة الفاعلة في العالم الآن؛ أصبح معها «اجتهاد» (سايكس ـ بيكو) جزءاً من التاريخ، وأضحى التفكير في «اجتهاد» آخر ـ يضع مصالح اليمين «النصراني الصهيوني» فوق سلم أولوياته ـ له رواج كبير لدى مراكز صنع القرار الصهيو ـ أمريكي. والقصة قديمة، بدأت حينما خرجت الولايات المتحدة الأمريكية من الحرب العالمية الثانية قوة عظمى، فغدت تشجع الثورات «الاستقلالية» في المنطقة، وتمد نفوذها الاقتصادي عبر احتكاراتها النفطية في المنطقة العربية، لكنها تبلورت بصورة واضحة حين تراءى للولايات المتحدة الأمريكية أنها أصبحت القوة العظمى الوحيدة في العالم؛ حيث عمل واضعو استراتيجياتها على رسم ملامح مرحلة (سايكس ـ بيكو) الثانية، ولعل أبرز ما رشح إلينا من ملامح تلك المرحلة؛ هو خريطة الشرق الأوسط الجديدة التي تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية فرضها على المنطقة، والتي تتضمن تقسيماً جديداً للمنطقة العربية يأخذ بالاعتبار ضرورة إنقاذ الكيان الصهيوني في فلسطين من مأزقه الحالي، وإخضاع كامل الدول العربية؛ سواء بتقسيمها، أو خلخلة بنائها من الداخل لتهيئ المجال لتدجينها أمريكياً

هذه الخريطة صنعها يهوديان بارزان في الإدارة الأمريكية هما «بول وولفتز» نائب وزير الدفاع الأمريكي، و

ص: 22

«ريتشارد بيرل» رئيس مجلس السياسة الدفاعية، وهما من صقور تيار اليمين «النصراني الصهيوني» المهيمن على الإدارة الأمريكية الحالية.

وهذا الأخير «ريتشارد بيرل» قدم في عام 1996م تقريراً أصدره مركز يشرف عليه معهد الدراسات السياسية والاستراتيجية المتقدمة؛ طرح فيها تقسيماً جديداً للمنطقة على غرار اتفاقية (سايكس ـ بيكو) 1916م، و «بيرل» مع هذا يعد الآن مسؤولاً مباشراً عن تنفيذ ما نظَّر له مسبقاً من خلال نفوذه في حملة الولايات المتحدة الأمريكية العدوانية على شعب العراق المسلم، ومسؤولاً كذلك عن «تبشيرها» بشرق أوسط ديمقراطي جديد (1).

لذا فأن القول بأن النفط هو الهدف الوحيد للحرب يعتبر إفراطا في اختزال الواقع، فالحرب شملت التاريخ والجغرافيا والدين والمياه والطرق والقطارات وخطوط الهاتف والموانيء والأدوية. وإذا لم يتم إيقاف هذه العملية، فإن "العراق الحر" سيكون أكبر بلد تم بيعه على سطح الأرض.

وجاء في أحد المقالات وهو دراسة نشرت في العدد السابع من نشرة (أنتلجنسيا) بتاريخ 1 سبتمبر/أيلول 2004، حصلت (أنتلجنسيا) على بعض من المشروع الأمريكي-"الاسرائيلي" حول " إعادة هيكلة الشرق الأوسط، والشرق الأوسط الكبير"، نورد هنا أهم فقراته والنتائج المتوخاة منه (2):

تقول الدراسة: إن هذه المشاريع التي تمخضت عنها أفكار اليمين الأمريكي المحافظ، تسير على قدم وساق، رغم التظاهر الأمريكي بالتراجع عنها، وبأنها لا زالت (مواضيع للنقاش) .. نكرر، إن هذه المشاريع بدأ العمل بها وتسير على قدم وساق. هذه المشاريع الأمريكية التي اعتمدت النموذج

(1) أنظر مقال الأستاذ: أمير سعيد تحت عنوان "هل الطريق إلى القدس يمر عبر بغداد؟ الذي نشر في مجلة البيان العدد 184لسنة2003م

(2)

(أنتلجنسيا) هي نشرة فرنسية نصف شهرية تصدر في باريس، متخصصة بالشؤون الاستراتيجية، والجيو-سياسية وقضايا الاستخبارات والاقتصاد.

ص: 23

"الإسرائيلي" للديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان (1)، وعلى العالم أن يسير عليه!!، اعتمدت أيضاً النظريات العرقية والإثنية في تطبيقها، وإن الضغوط الأمريكية على سوريا بعد احتلال العراق تشكل جانباً تطبيقياً لهذا المشروع، الذي ينظر إليه المحللون الأوروبيون بالشك والريبة لكونه يطال حدودهم الثقافية والسياسية والاقتصادية، والأمنية أيضاً .. كما تؤكد الدوائر الغربية أن هذا الموضوع بات يشكل أولوية استراتيجية في المنطقة فيما تسرب هذه الدوائر أخباراً مرعبة عن هذا المشروع الذي يقلب المعادلة في "الشرق الأوسط الكبير" إلى حد بعيد .. على سبيل المثال:

1 -

الضغط الظاهري على سوريا في مسائل تتعلق بلبنان وفلسطين والحل السلمي، والمساعدة في ضبط الوضع في العراق، وهي مسائل ظاهرية وتاريخية تحمل الكثير من النقاش، إلا إن نجاح المشروع يقضي بإبقاء هذه الملفات مفتوحة على طاولات المفاوضات مع سوريا إلى أن يصبح التغيير الاستراتيجي الآخر جاهزاً، وهلم جرا.

2 -

الضغط على سوريا في جوانب الإصلاح الديمقراطي وتسريعه وطرح المشاريع الجاهزة وجعل القيادة السورية تلهث وراء الإصلاح الداخلي التفصيلي، وإبقاء الشعب السوري ومؤسساته الثقافية والسياسية والشعبية والاجتماعية في دوامة مشاريع الاصلاح المطلوب تسريعها بهدف بعثرة النشاط العام والتخوف من الانقسامات في ظل نظام يعيش وسط حالة حرب خارجية سمحت بالكثير من المحظورات في المجتمعات المستقرة.

3 -

يبدو واضحاً أن المشروع الأساسي يركز على بناء بؤرة توتر جاهزة في شمال سوريا، وليس في جنوبها حيث تتوقع سوريا ضربة من العدو "الإسرائيلي" التقليدي والتاريخي، وهكذا سوف تأتي الضربة ممن يشكلون جزءاً من التاريخ والشعب السوري، وهم الأكراد، حيث يتناول المشروع بشكل تفصيلي إيجاد ما يسمى "أزمة الأكراد في سوريا"، مثل ما حصل في العراق، للضغط على سوريا باسم حق تقرير المصير وتنفيذ مطالب كثيرة للأكراد مما سوف يسفر عنها معارك ضارية وموت ودمار وخراب ككل الحروب الأهلية.

ومن المطالب التي تتهيأ الولايات المتحدة و"إسرائيل" لتقديمها جاهزة للحكومة السورية باسم الأكراد، هو الحكم الذاتي للأكراد، والانفصال الجزئي ضمن الحكم الذاتي، مع بناء علاقات متميزة مع أكراد

(1) بلغ اعتماد الأنموذج الإسرائيلي في سياسة أمور العراق الجديد، أن تجري الانتخابات على شاكلتها في إسرائيل، وهي طريقة غريبة، ودخيلة على المنطقة كصاحبتها!.

ص: 24

العراق وإيران وتركيا، مما يجعل هذا المشروع أبعد من سوريا بكثير، ويضع تركيا في مواجهة مع الولايات المتحدة و"إسرائيل".

أما لائحة المطالب الأمريكية باسم الأكراد فينسقه الخبراء "الإسرائيليون" المقيمون في كردستان العراق، وهؤلاء الخبراء حاملين وعوداً بالدعم والمساعدة للأكراد بذريعة إن الأكراد بحاجة على ما يشبه "وعد بلفور"(1).

ويهدف هذا المشروع طبعاً إلى استخدام الأكراد كأداة لفصل الشمال السوري الغني بموارده الطبيعية والنفطية وإضعاف الحكومة المركزية السورية، مما يشجع القوميات والاثنيات الأخرى للمطالبة بحقوقها وبالمعاملة بالمثل .. وهكذا يمكن السيطرة على سوريا بدون شن حرب عليها كما حصل في العراق.

ويقول بعض من اطلع على المشروع إن تداعيات هذا الوضع ستسمح بقيام محميات داخل سوريا، وأشباه دول، وسيطال الأمر لبنان الذي سيكون جاهزاً للقبول بتقسيمه إلى محميات تمارس الديمقراطية في داخلها كما في "إسرائيل" تماماً (وإقامة دولة شيعية في الجنوب قد تكون تحصيل حاصل).

إنّ الوضع في شمال سوريا يعد خطيراً، بسبب وجود الأرضية العشائرية الجاهزة للسير في هذا المشروع أولاً، وبسبب رد الفعل السوري على الاستفزازات الكردية ثانياً، حيث يؤكد المراقبون أن القيادة السورية لا تزال تعتمد على أجهزة الأمن بأساليبها التقليدية في استيعاب هذه المشكلة، بمعنى أن سوريا لم تعلن عن أية تدابير سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية مجدية للحؤول من دون وصول هذا المشروع لأهدافه، مما يُشعر الأوروبيون بأن الخطر الأمريكي سيطال تركيا التي ستشكل الحدود الجنوبية الشرقية لأوروبا.

4) إقامة الدولة الكردية: وذلك بهدف تقسيم تركيا وضرب العسكر المبني بنية أوروبية وخاصة (أتاتورك) ، بعد نجاحها طبعا بجعل معظم الوسط السياسي التركي يسير في فلكها في المجال المحيط بها مثل اوزبكستان وقبرص واليونان وغيرها.

5) بناء قاعدة على الحدود الأردنية السورية العراقية تهدف إلى الحفظ على المصالح الأمريكية في كل المنطقة.

(1) أنظر: الشرق الأوسط الكبير في المنظور الأمريكي، مجلة السفير12/ 7/2004م.

ص: 25