الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا تم من دون ضغوط أميركية، فلا تصدقوه". واندهش الحاضرون من هذه الملاحظة غير الديبلوماسية على الإطلاق (1)!
وتصوروا معي كيف أمكن لموريتانيا والمغرب الأقصى أن يكونا جغرافياً في الشرق الأوسط! ولكن هل هناك من يعترض؟ والساحة الجغرافية التي يتحدث عنها المشروع تترجم سياسياً أن يصبح العرب أقلية، الأمر الذي يضيف نقطة مهمة لإسرائيل، ولكن الساحة أصبحت إسلامية والمسلمون أكثر تحيزاً للفلسطينيين وللأرض المقدسة ولأولى القبلتين من العرب وإن أرادوا التأكد من ذلك فليسألوا أي إيراني أو تركي أو أفغاني ليعرفوا صدق ما نقول، قال تعالى:"ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين". سورة آل عمران، الآية
الفصل الثالث
الأهداف الإستراتيجية للمشروع (تغيير خارطة المنطقة)
تتعدد الرؤى والأطروحات المتعلقة بالمنظومة الإقليمية التي تحاول أمريكا السيطرة بها على المنطقة، وبتتبع تاريخ بريطانيا مع هذه المنطقة نجد أنها ساهمت بشكل كبير في إنشاء جامعة الدول العربية كي تتمكن من إيجاد نظام إقليمي تتمكن به من السيطرة على المنطقة، وحاولت في وقت لاحق في عام 1955م إقامة حلف بغداد وضم في عضويته العراق وإيران وباكستان وتركيا بهدف تقوية دفاعات المنطقة، ومنع الاختراق السوفييتي للشرق الأوسط، وكانت بريطانيا تأمل في انضمام سورية والأردن
(1) انظر: المصدر نفسه.
إلى الحلف في مرحلة لاحقة لإكمال الطوق حول المنطقة، والآن تحاول الولايات المتحدة ممارسة دور الهيمنة على المنطقة عبر منظومة إقليمية جديدة، وتأمل إدارة بوش أن يكون الحلف الذي تسعى لتشكيله من الدول العربية الديمقراطية الحديثة أن يلاقي مصيراً أكثر نجاحاً من حلف بغداد قبل حوالي نصف قرن؛ فباكستان أصبحت منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر حليفاً أمريكياً يعتمد عليه؛ كما أن تركيا حليف قوي حتى وإن بدت بعض الغيوم أثناء الحرب على العراق.
ولكن الجديد في هذا الحلف هو دخول مصر؛ فقد ظهر اقتراح مصري بإنهاء دور الجامعة العربية وكأنه يمهّد لصيغة ما تلعب فيها مصر دوراً مركزياً في التشكيلات الأميركية الجديدة لدول المنطقة بعد التخلص من النظام العراقي؛ كما أن بعض المحطات الفضائية الأوروبية كشفت الورقة المستورة في الموقف الأردني عندما أشارت إلى مطار في منطقة الرويشد تنطلق منه طائرات الشبح الأميركية القاذفة والتي لا يكشفها الرادار فضلاً عن طائرات مروحية مقاتلة إلى شمال العراق.
فالدولتان الوحيدتان من حلف بغداد اللتان استبعدتا من تحالف اليوم الذي ترسمه الولايات المتحدة هما إيران وسوريا. ولكن الصقور في إدارة بوش قد ألمحوا إلى أن تغيير النظام في إيران سيكون الخطوة التالية لهم بعد الانتهاء من العراق، ثم تأتي سورية متأخرة قليلاً على القائمة نفسها.
وعن التغيير القادم في الشرق الأوسط فإنّ: " الولايات المتحدة كانت توافق وتساير عدم النظام في منطقة الشرق الأوسط، وكان اهتمامها الأول والأخير ينصبُّ على النفط وأمن إسرائيل فقط
…
هذا وقد قرر الرئيس الأمريكي «جورج دبليو بوش» أن تبدأ إعادة تشكيل الشرق الأوسط بغزو جمهورية العراق وإزاحة حكم «صدام حسين» ؛ باعتبار أن رحيله لن يمكّنه من الحصول على مزيد من أسلحة الدمار الشامل وعلى رأسها القنبلة النووية!! كما يضمن عدم تمكنه من السيطرة على منابع
النفط، بل وأيضاً لكي يصبح نقطة الانطلاق للحملة التي تستهدف ما أُطلق عليه (إدخال الديمقراطية إلى الشرق الأوسط من البحر الأحمر حتى الخليج)؛ أي عملية ضم المسلمين إلى إمبراطورية الخير التي ستبدأ من العراق.
ولم تعنّ حتى الآن رؤية استراتيجية واضحة المعالم للخريطة القادمة؛ حيث ما زال المشروع الجيواستراتيجي قيد التطوير وخاصةً أن القوة العسكرية لن تكفي لإقامتها، وعلى الأرجح فإن الإدارة الأمريكية قد عزمت أمرها على تنفيذ مشروعها على مراحل، تكون مرحلته الأولى هي الإطاحة بنظام الرئيس (صدام حسين)، ثم نزع أسلحته وإقامة حكومة صديقة في بغداد، وهو ما تم وجاري تنفيذه في المنظور القريب، ثم يأتي بعد ذلك دور الأنظمة غير الموثوق بها والمارقة بعد ذلك واحداً تلو الآخر، ولعل ما نشهده من تهديدات ولغة تحذير حاسمة لكل من سوريا ولبنان من جهة والجمهورية الإيرانية في جهة أخرى؛ تشير إلى جدية تنفيذ المراحل التالية من المشروع الواسع للتغيير القادم في منطقة الشرق الأوسط.
ومن هنا، وطبقاً للتقديرات الأمريكية، فإن الغزو العسكري الأمريكي للعراق يتصدر أهدافه: خلخلة المنطقة وإعادة رسم خريطتها السياسية الإقليمية بما يخدم الهدف الإسرائيلي؛ بتسوية الأرض عسكريّاً وسياسيّاً ونفسيّاً للتهيئة لواقع عربي مخلخل يسهل تقبله للضغوط؛ من أجل حمل النزاع العربي الإسرائيلي وفقاً للرؤية الإسرائيلية، كما أن غزو العراق يُعد هدفاً سهلاً وهشاً سياسيّاً ينطلق منه باقي مراحل المشروع الأمريكي لهز المنطقة كلها بإقامة نظام حكم مختلف (1).
(1) أنظر: ملامح التغيير المرتقب للمنطقة العربية، حسن الرشيدي، الذي نشر في مجلة البيان، العدد 189،سنة 2003م.