المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وأما عن تأمين منابع النفط: - المشروع الأمريكي في احتلال العراق وأثره في تغيير خارطة المنطقة

[عبد القادر المحمدي]

الفصل: ‌وأما عن تأمين منابع النفط:

وجاء في خطاب ألقاه (شاؤول موفاز) وزير الدفاع الإسرائيلي في القدس أمام مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية، قال:«إن لنا مصلحة كبرى في إعادة تشكيل الشرق الأوسط في اليوم التالي لانتهاء الحرب» ، وتبعه رئيس جهاز الموساد السابق (أفرايم هاليفي) الذي يعمل الآن مستشاراً للأمن القومي لدى شارون ليشير في خطاب ألقاه أخيراً في ميونيخ، إلى المكاسب التي تأمل "إسرائيل" بالحصول عليها، إذ قال:«أن آثار الصدمة التي ستهز» عراق ما بعد صدام «ستكون واسعة الشمول بحيث تصيب طهران ودمشق ورام الله» ، وكما قالت صحيفة «نيويورك تايمز» نقلا عن مراسلها في "إسرائيل" هذا الأسبوع:"ما إن يتم التخلص من صدام حتى تنهار أحجار الدومينو"(1)!.

‌وأما عن تأمين منابع النفط:

ففي أعقاب الاستخدام السياسي للنفط في حرب أكتوبر 1973م طُرحت فكرة تأمين منابع النفط في الخليج العربي باستخدام القوات المسلحة الأمريكية، حيث كان من الطبيعي أن تُتخذ الإجراءات المضادة لمنع تكرار هذه الاستراتيجية، حتى أودى الأمر إلى استخدام القوة المسلحة الأمريكية لغزو منابع النفط، وقد تبلور ذلك الاتجاه من خلال دراسة أعدتها لجنة العلاقات الدولية في مجلس النواب الأمريكي في 5/ 8/1975م، والتي بحثت ـ ولأول مرة ـ احتمال القيام بعمل عسكري ضد دول منتجة للنفط عند محاولتها فرض حظر نفطي (2).

(1) أنظر إعادة صياغة الشرق الأوسط في المنظور الأمريكي، بقلم: اللواء أح ـ دكتور: زكريا حسين، الذي نشر في مجلة البيان العدد 118 لسنة

2003م.

(2)

أنظر إعادة صياغة الشرق الأوسط في المنظور الأمريكي، بقلم: اللواء أح ـ دكتور: زكريا حسين.

ص: 8

وقد طرحت هذه الدراسة، والتي أعدتها هذه اللجنة التي شُكّلت برئاسة (توماس مرجان)، العديد من الخيارات المتاحة أمام السياسة الأمريكية في حالة نشوب مثل هذه الأزمة .. وقد تمحور الهدف الاستراتيجي لاستخدام القوة المسلحة الأمريكية ـ بعد دراسة العديد من الاختيارات ـ ليكون القيام بعملية عسكرية للاستيلاء على منطقة حقول النفط الرئيسية الواقعة بالمنطقة الشرقية الممتدة بمحاذاة الخليج الفارسي، وتأمين تدفق أهم حقول النفط في الخليج والتسهيلات المصاحبة لها، والاحتفاظ بها أو السيطرة غير المباشرة عليها.

وعلى ضوء ذلك؛ فقد تمحورت المهام العسكرية التي يمكن أن تُكلف بها قوات الغزو لتأمين مصادر النفط بالاستيلاء على عدد كافٍ من الحقول والمنشئات النفطية في حالة سليمة تماماً، مع الاستعداد لتأمينها لفترة طويلة نسبيّاً، وأن تكون مجهزة بعناصر الإصلاح المتخصصة، والمعدات اللازمة لإصلاح الموجودات والممتلكات التي تكون قد تعرضت للدمار بسرعة كبيرة .. مع قيامها باتخاذ الإجراءات اللازمة لتشغيل المنشئات النفطية التي قد تتعرض للدمار دون مساعدة من «دول أوروبية» ، مع قيامها بتنظيم المرور الآمن للإمدادات والمنتجات النفطية فيما وراء البحار.

وأعلن الرئيس الأمريكي (جيمي كارتر) في خطاب له أمام الكونجرس الأمريكي في 23/ 1/1980م عن نظرية أمن صريحة لمنطقة الخليج، عُرفت بمبدأ كارتر، والذي انطوى على شقين:

أحدهما: شق سياسي، وقال فيه:(إن أي محاولة من جانب أي قوى للحصول على مركز مسيطر في منطقة الخليج؛ سوف تعتبر في نظر الولايات المتحدة هجوماً على المصالح الحيوية بالنسبة لها، وسوف يتم رده بكل الوسائل بما فيها القوة المسلحة).

ص: 9

أما الشق الثاني في نظرية الأمن الأمريكية في الخليج: فهي تكملة للإعلان السياسي، وقد تمثلت في إنشاء (قوة الانتشار السريع)؛ من خلال تقرير قدمته وزارة الدفاع الأمريكية عام 1988م إلى لجنة القوات المسلحة في الكونجرس، والذي على أساسه اُعْتُمِدت ميزانية هذه القوة لتلك السنة. وقد تضمن القرار الأمريكي بإنشاء قوة تدخل سريع أمريكية تتمركز في الولايات المتحدة، وتكون جاهزة لكي تُحْمَل جواً وبحراً إلى منطقة الخليج عند ذي طارئ، وقد أُطلق على هذه القوة «قيادة المنطقة المركزية» ، وقد تم التخطيط الاستراتيجي لاستخدامها لتأمين منابع النفط في الخليج، كما تولى قيادتها الجنرال «شوارسكوف» الذي كُلف بقيادة قوات التحالف الأمريكي عند قيام العراق بغزو دولة الكويت، وهو الغزو الذي أعطى الدوافع والمسوِّغات اللازمة لتحرك هذه القوات، وتنفيذ مهامها المخططة في الخليج.

وهكذا استقرت القوات الأمريكية في منطقة الخليج تنفيذاً لمخططاتها التي كانت تحلم بتنفيذها منذ يناير 1975م، وجاءت إلى الخليج لمواجهة طموحات ونزوات الرئيس العراقي «صدام حسين» ، وبمباركة ومساندة معظم دول العالم، وبدأت سلسلة التداعيات العربية كلها؛ من إهدار الثروات والقدرات اقتصادية منها وعسكرية، إلى حالة من التفكك والتمزق لم تشهد لها المنطقة العربية مثيلاً في تاريخها المعاصر (1).

وتسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى تكريس النفوذ الأمني في المنطقة كقوة احتلالية؛ سواء في بعض البلدان أو على تخومها، وهو ما يعني الإذعان الكامل من جانب الدول العربية لكل التنازلات المطلوبة منه، والتي يأتي على رأسها التطبيع الكامل مع الكيان الصهيوني، وضمان سيطرته وقيادته للمنطقة؛ في

(1) أنظر " إصلاح على الطريقة الإمريكية، بقلم جوزيف سماحة، شبكة (islammemo).

ص: 10

ظل وجود قوات أمريكية مقاتلة في دول الخليج والأردن واليمن وجيبوتي، بالإضافة لأساطيل الولايات المتحدة في الخليج والبحر المتوسط وبحر العرب، وهو ما يجعل الدول العربية واقعة بالفعل تحت حصار أمريكي محكم (1).

وبعد ضرب العراق تكون الولايات المتحدة الأمريكية قد قضت على أقوى قوة عسكرية عربية كانت تخشى أن تهدد الكيان الصهيوني، وتكون كل العواصم العربية في مدى صواريخ كروز وتوماهوك، وعلى مرمى حجر من قواعدها المنتشرة هنا وهناك.

ولعل السؤال المطروح بقوة هذه الأيام في ظل ذعر حكومي وشعبي عربي: هل ستكتفي الولايات المتحدة بضرب العراق أم سيمتد عدوانها إلى عدد من الدول العربية والإسلامية، والتي من أبرزها سوريا وإيران ومصر؟

والإجابة عن هذا السؤال تستدعي سؤالاً مغايراً: وهل تبدي هذه الدول أي عداوة للولايات المتحدة، أو تُحْجم عن تقديم تنازلات؟

هذان السؤالان يذهبان بنا إلى الغرض العسكري من ضرب العراق وتفكيك قواه العسكرية، والذي يميط اللثام عنه الاسم الكودي المبتكر للضربة ـ والذي اتخذه الأمريكان شعاراً لها ـ:«بولوستب» ؛ أي ضربة لعبة الـ «بولو» ، وهو يعني فيما يعنيه تسديد ضربة قوية ومكثفة لمركز الثقل في العراق المناوئ للولايات المتحدة الأمريكية، وبالتبعية ستسقط إثر ذلك كل الدول العربية الأقل قوة بالتداعي المعروف في اللعبة الشهيرة.

(1) أنظر: هل الطريق إلى القدس يمر عبر بغداد. بقلم أمير سعيد. مجلة البيان العدد 184لسنة2003م.

ص: 11

كما ينبغي أن نقر بأن الاستراتيجية العسكرية الأمريكية تعتمد بصورة أساسية على تقليل الخسائر ما أمكن في صفوف قواتها، وأن سقوط الآلاف من قواتها في العراق أو في أي مكان آخر هو خط أحمر يعمل البنتاجون على عدم الاقتراب منه، فهو يعمل ـ كما هو معروف ـ على الاعتماد شبه التام على القصف الجوي والصاروخي لأهداف «العدو» الاستراتيجية، وهذا يجرنا إلى التساؤل: لماذا هذا الحشد العسكري الضخم إذن، والذي يكاد يبلغ أكثر من 150 ألف جندي أمريكي وبريطاني؟ غالب الظن أنه ـ ووفق معطيات متناغمة ـ أن هذا الحشد الأمريكي ليس مقصوداً به ضرب العراق وتغيير نظام حكمه فحسب؛ بل المقصود هو البقاء فيه لفترة طويلة تبدأ أقل تقديراتها من ثلاث سنوات، من دون تحديد للحد الأقصى لبقائها هناك، ومن ثم نقل مركز ثقل الوجود الأمريكي في المنطقة، وهذا الوضع الذي اختارته الولايات المتحدة يتوقع أن يؤدي إلى ما يأتي:

1 -

تهديد جميع دول المنطقة المحيطة بالعراق من خلال الوجود الأمريكي الكثيف في العراق.

2 -

تحكم الولايات المتحدة الأمريكية في أسعار النفط، وكميات ضخ منظمة «أوبك» ، ومن ثم فرض مزيد من الضغط السياسي على الدول المحيطة.

3 -

سحب البساط من تحت أرجل الدول المؤثرة إقليمياً لصالح دول أخرى موالية كلية للولايات المتحدة؛ مما سيؤدي لاختلال توازنات قوى المنطقة، فالكبير في المنطقة يصبح صغيراً، والصغير كبيراً بفعل ارتمائه في أحضان الولايات المتحدة.

4 -

تشجيع الولايات المتحدة على المضي قدماً في تقسيم الدول العربية؛ حيث لا تجد في الوقت الراهن ما يمنعها من تقسيم العراق بعد احتلاله، وهذا بالتأكيد الخطوة الأولى والمهمة لتقسيم المنطقة برمتها.

ص: 12

5 -

هزيمة العراق من شأنها إثارة القلاقل الشعبية في دول المنطقة، واهتزاز «شرعية» تلك النظم، وهو ما يدفعها أكثر إلى تشجيع قوات الاحتلال الأمريكية على دعمها، ومن ثم الارتماء في أحضان الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من أي وقت مضى.

6 -

سيؤدي الوجود الكثيف ـ والمزمن إلى حد ما ـ إلى تشجيع تنامي التيارات التي تؤمن بالتغيير ومواجهة قوات الاحتلال الأمريكية في المنطقة عبر السلاح؛ حيث ستجد تربة خصبة في وجود تلك القوات في الدول العربية والإسلامية لتجنيد أنصار جدد، ولن تفلح أي محاولات لاستيعاب المتعاطفين مع هذا التيار ضمن منظومة ديمقراطية على النمط الأوروبي، وذلك:

أولاً: لأن هذه الديمقراطية لن تحل مشكلة الاحتلال.

ثانياً: لاستحالة وجود مثل هذه النظم الديمقراطية من الأساس في الدول العربية للحول دون ازدياد نفوذ التيار الإسلامي السلمي (1) ..

ومن ثم فإن من المرجح أن يجعل ذلك من المنطقة مسرحاً للصراع «العسكري» بين قوت الاحتلال الأمريكية وقوى إسلامية؛ وهذا يعني ضرب الإسلام في عقر داره أي نقل المعركة خارج الولايات المتحدة.

كما أنه في ضرب العراق، رغم عدم استحصال الموافقات القانونية الدولية هو ضرب لمجلس الأمن وإعادة هيكليته وإعادة صياغته على وجه يخدم مصالحها وحدها دونما اعتبار لمصالح الدول الأخرى ومن ضمنها شركائها الرأسماليين الآخرين والدول الكبرى مثل روسيا، وذلك لأن امتلاك دولا مثل روسيا وفرنسا حق النقض (الفيتو) في داخل مجلس الأمن يشكل عائقا يقف أمام المشاريع الأمريكية

(1) أنظر: هل الطريق إلى القدس يمر عبر بغداد. بقلم أمير سعيد.

ص: 13

الهادفة لصياغة العالم على الوجه الذي ينسجم مع مصالحها ولذلك كان تهميش مجلس الأمن في الحرب الأخيرة على العراق، وجعل القضية العراقية تعنيها وحدها ولا تعني أحد غيرها من دول العالم، حاملة بيدها سيف محاربة الإرهاب جعل المحللين السياسيين الروس والفرنسيين الكبار يقولون:(إن الحرب على العراق هي حرب بالدرجة الأولى على مجلس الأمن).

واستكمالاً لمشروع صياغة الشرق الأوسط لجعل العراق نموذجا يحتذى به لجميع دول المنطقة، لصياغة العراق نموذجا للديمقراطية الرأسمالية أمام شعوب ودول العالم حتى تفتح لها طريقا مستقبليا إلى دول العالم الأخر التي وضعت لها مشاريع تالية للشرق الأوسط، وصنع رأي عام عالمي لها بين شعوب العالم على شاكلة دخول الجيش الفرنسي للبنان حين استقبله الشعب اللبناني وتحديدا الطوائف المسيحية منه بالورود.

فأمريكا تسعى لأن تصنع النموذج العراقي لفتح طريقة قادمة لها بين دول إفريقيا وشرق أسيا مصورة جيشها بالفاتح حامل مشكاة الديمقراطية في العالم والمخلص من الأنظمة الديكتاتورية على شاكلة صدام حسين وحركة طالبان وذلك عبر الشعارات التي تحملها مع حملتها وهي:

أ) الديمقراطية.

ب) التعددية.

ج) حقوق الإنسان.

د) سياسات السوق.

ص: 14