الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما الدليل العقلي فإن الفرس السابق ربما لا يحسن منظره ولو قوم عليه لم يكن إلا بثمن بخس، فإذا اختبر بالجري ووجد سابقاً وأعطي فيه ثمناً زائداً إلى الغاية ورغب فيه، ولم تزل الملوك وغيرهم من الأمراء والأجناد يبذلون المال في تحصيل الفرس السابق إذ بسببه نجاة من الموت أو القتل. ولقد جيء بفرس في أيام السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، وكان ذلك الفرس إذا قوم عليه لا يساوي ثمنه غير ثلاث مئة درهم، وكان حصاناً أحمر فاتفق أنه سوبق به، ويخيل سبق مذخرة عند السلطان، فسبق الجميع وكان صاحبه بدوياً، فأخذه السلطان واحتفل به غاية، وأمير أخر إذ ذاك أيدغمش، وقد اتفق مثل هذه الحكاية كثيراً ولا ينازع في ذلك إلا الجهال والعامة من الجند الذين لا يحل لهم تناول الإقطاعات، وترى الواحد منهم لا يحس أن يمد قوساً ولا يركب من الأرض فرساً. وذلك من لوازم الملك النظر في مثل ذلك إذ في مثله منقصة في المملكة، وأكثرهم يتناول من الإقطاع نحو العشرة آلاف درهم نقرة، والمستحقين لم يجدوا كفاية.
وكأن قائلاً يقول: هذا نصيبهم، فلا حجة في ذلك، وهذا تحصيل الحاصل وتحصيل الحاصل محال، قال تعالى:(توجد آية) . وهذا متوجه من حيث المعنى، ولا يقول غير هذا إلا الأجنبي من العلم، وكل من أخذ مالاً يستحقه فحرام فعله.
فصل في كيفية العمل بآلة الصيد من رمي وزرق وطعن وضرب ورشق حذف
وذكر حسن الآلات المذكورة بعد قال محمد بن منكلي. لطف الله به. اعلم يا سيدي أن قوة الرماة تختلف عن الرمي بالقوس الصلبة والقوس اللينة. فصاحب القوس اللينة أسرع مداً وإطلاقاً، وأعدل لرمي الصيد خلا الرمي على الأسد، والرمي على الحصون، والرمي على اللابس المصفح، فإن الرمي على المصفح بالقوس اللينة يحتاج إلى دربة وفهم ثاقب. وليس هذا الكتاب يذكر فيه بيان ذلك، وقد ذكرت ذلك في تآليفي فلينظر هناك.
وإذا خرجت يا سيدي إلى الصيد فاستصحب قسياً كثيرة إن أمكن فربما طال وقت الاصطياد وكثر الصيد، وطال الرمي فتلين قوسك خصوصاً في فصل الصيف، فإذا رميت بهذه القوس التي قد ارتخت قلت نكايتها، وأنا أذكر لك حيلة إذا ابتليت بهذه القوس الرخوة، وأنت طارد خلف صيدك إما غزال أو غيره، فادن منه إن أمكنك ذلك بأن يكون فرسك مستريحاً، وقد غيّرت الفرس الأول وركبت المستريح، فحينئذٍ تركض فرسك المستريح وتتناول القوس الرخوة التي ما معك غيرها لتفريطك أو لضعف حالك أو نسيانك أو لعذر من الأعذار مقبولة أو غير مقبولة، فادن الآن من صيدك إن أمكنك ذلك واستغرق سهمك وتأخر في سرجك الواسع اللاطي المؤخرة كما أعلمتك قبل هذا، وارم فإن تأخرت كما ذكرت لك وأصبت صيدك ربما اثر تأثيراً جيداً. وأما إن ركضت فرسك المتعوب، ورميت، بقوس قد ارتخت وبعدت عن طلبتك للصيد، ورميت صرت الآن مضحكة للعارفين بهذا الشأن فالحذر من ذلك، الله، الله.
وإذا أحسست يا أخي من فرسك بتعب فلا تركضه أصلاً فيحرم عليك شرعاً، ولم تعد من العارفين بأمور الجندية.
قال محمد بن منكلي: ويحرم إتعاب الفرس في الطرد خلف الصيد في زمن الصيف، وإذا تكرر على الفرس مثل ذلك فإنه ينقطع وينسل إلى أن يموت، وإن سلم من الموت فلا يحصل له الرجوع لحاله الأول إلا بعد ثلاث ربعات، هذا يعلمه أصحاب الخيل المجربين، وقد علم أن إضاعة المال غير جائزة شرعاً.
وأما الملوك فلهم أمور وأحوال أخر، وأما الرمي عن القوس الصلبة على الصيد وغيره فله شرط، وهو إذا لم يستغرق السهم ويرمي وإلا فصاحب القوس اللينة أنكى سهماً وأبعد طرداً وأليق حين الرماية. وهذا معروف عن الرماة المجيدين وإذا لم يستغرق السهم في كلا القوسين الصلبة واللينة فلا اعتبار بهذا السهم وأكثر الجبلية لا يستغرقون سهامهم حين الرمي عن القسي لصلبة إذ أكثرهم يتعانون تلك القسي الصلبة وكذلك الإفرنج، خذلهم الله تعالى لا يستغرقون السهم حين الرمي عن القسي الصلبة، ولا يعرفون الرمي على الخيل سواء كانت واقفة أو راكضة.
قال محمد بن منكلي: وأنا أسامحك يا أخي في عدم استغراقك لسهمك حين الرمي عن القوسين الصلبة واللينة، وذلك في أوقات أذكر بعضها؛ منها إذا فاتك الصيد بقليل، وكنت قد رأيته قد وثب كالغزال، فارم الآن في قوائمه فإن أصبته ولم تكن قد استغرقت سهمك فقد عطلته أو قطعت عضواً من أعضائه. ومنها إذا قاربك عدوك برمح أو بغيره فارم عليه ولكن في وجهه، ولو كان ملبس فيشتغل عنك بحاله.
وتكفيك هاتان الحيلتان وأخرى زائدة وهي ضرورية أوجب ذكرها لنصح كل مسلم يتعانى الرمي، وهي إذا سهوت أو غلبك فرسك القوي الجاري وفاتك التفويق في محله وأنت رامٍ على القبق أو الطائر المقصود بالرمي، فحينئذٍ أسامحك في عدم الاستغراق، لكن بشرط أن تكون قوسك صلبة أما القوس اللينة فلا يجوز فيها، وأنت على هذه الحالة، فيطلع سهمك باسترخاء، وربما لا يصل إلى القرعة وتصير مضحكة للحاضرين. وهذه الحيل لا يكاد يفهمها إلا الأذكياء من الجند.
قال المؤلف: وضابط الأمر أن كل رامٍ يعرف ما يوافقه من لقسي لكن يحتاج إلى دربة، وأما القوس اللينة فلها فوائد، من جملتها؛ يسهل إيتارها على الملبس وهو راكض، ومنها التمكن حين لرمي وسرعة النفوذ بشرط حسن الصنيع من المدّ والإطلاق والتخليص على أنواعه، وفي أماكنه المطلوبة.
وهذا الكلام لا يفهمه إلا الفقيه في الرماية. أما جهلة الأتراك فلا كلام معهم، والكلام مع العارفين منهم، ولا يجوز عند العقلاء إضاعة الحكم على تنوعاتها عند الجهال. ومن جملة فوائد القوس اللينة إذا كانت بحسب قوة الرامي أن صاحبها يتمكن من إيتارها وهو في الماء إذا اضطر إلى ذلك بحيث لا تبتل. ذكر ذلك الطبري رحمه الله، وذكر أيضاً كيفية الإيتار على تنوعاته، وذكر أيضاً كيفية الرماية من فوق الأسوار على العدو بحيث لا يرى الرامي فيرمى، وهذا لا يمكن عمله إلا بالقوس اللينة التي مقدارها ما بين العشرين رطلاً إلى خمس وعشرين.
وكنت حال الشبيبة أتعانا ذلك والآن بقي بعض بقية بعون الله، وأنا ذاك في عشر السبعين، وهو معترك المنايا، فنسأل الله حسن لخاتمة بفضله وكرمه، وقد خرجنا عن المقصود، ومن طالع كتابي، المنهل العذب لورود أهل الحرب، انتفع به فإن فيه ضوابط حربية تحتاج إليها الأجناد، وأما حسن الرماية فلائقه للأتراك المجيدين للرمي لا كلهم، حتى كان كأن القوس في يد التركي قد صيغ له وصنع لأجله، مثل الرماح يحسن حملها للعرب، وإن كان كثير منهم لا يحسنون اللعب بها، فسبحان الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.
وليذكر الآن كيفية الزرق على الصيد: يتخذ مزراقاً من خشب الزان لثقله يسر حاد وإن كان بلطية صغيرة كان أجود، ولتكن جناحيها حادة كسنان رمح المحارب سواء، فإذا كانت حادة الأجنحة انتفع بها. وفي ذلك فوائد للمحارب والصائد، منها؛ إذا فاته الزرق شمل الصيد في قوائمه بجناح من مزراقه الحاد شملاً قوياً، فإن علم أنه قد أثرت فيه الشملة فليمسك عنان فرسه ويستوقف فرسه قليلاً قليلاً على عادة الفرسان خلافاً للمغاربة وبعض الجهلة من العرب، فإن أكثر خيول المغاربة عرج الأرجل إما اليمنى وإما اليسرى أو كلاهما معاً. وكذلك جهلة العرب، وسبب ذلك؛ أنهم يركضون الخيل ويسترجعونها يمنة أو يسرة في أثناء الجري، فيحصل لخيولهم ما يحصل وهم يحسبون أنهم على شيء فإذا استرجعت فرسك، فإن الصيد ير ويقف فتبرد الضربة ويتألم، فادن منه قليلاً قليلاً واقصده واصنع ما ألهمك الله تعالى فيه، إما بضربك على رأسه كالغزال إذا فاتك وإياك أن تطعن الحمار في رقبته فلن يمكن تحصيله إلا بعد تصفية دمه بعد حين.
وقال العقلاء لن يرى اصبر من حمار على جراحه خصوصاً الوحشي فإنه أقوى نفساً.
وأما كيفية ضرب الصيد بالسيف، فإذا رأيت الصيد فاستل سيفك قبل ركضك إذا كنت لا تحسن استلال السيف في وقت ركض الفرس الحاد، واطلب الصيد فإن كان غزالاً فاضربه على رأسه إن أمكنك، ولن تستطيع ذلك إلا إذا كان تعباناً من طرد الخيل له أو كان نائماً أو جريحاً من غيرك أو كان فرسك حاداً سابقاً، ويمكن قتله بضربك له على ظهره أو حيث أصيب.