الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما صيد الأرنب بالفهد المبتدي جيد، لاسيما الفهد الربيب، فإنه لا ينبغي أن تصاد به إلا الأرنب حتى يتقلب عليها، ويعرف المراوغة، فإذا صاد به ثلاثة أطلاق أو أربعة، خرج به إلى المظنة للصيد ودور به وهو مغطى الوجه تارة، ومكشوفة أخرى إلى أن ينظر منه الحاجة، ويعرف ذلك من قلقه على الرفادة، فإذا نظر ذلك منه، أجلس أحداً يأمره أن يخلي ما معه من كسيرة ويجتهد أن يكون خشف من وراء ستارة، ثم يكشف بعد ذلك وجه الفهد، يفعل هذا مرتين أو ثلاثة ثم يخرج به إلى الصيد، وأصل هذه الصناعة حسن الخلق والمداراة وتقدير الطعم ومعرفة الإجابة ومعرفة ركوب الخيل والركض.
باب في تعليم عناق الأرض
قال صاحب حياة الحيوان: عناق الأرض هو التفه، نوع من السباع بقدر الكلب الصغير يشبه الفهد، صيده في غاية الملاحة ولا يأكل إلا اللحوم ويصيد الكراكي وربما واثب الإنسان وقيل إنه السّنور البري.
ويسمى هذا الحيوان بلغة العجم ساه كوش ومعناه أسود الأذن، وقد ذكر في هذا الجنس أشياء عجيبة، قيل أنها التفه، سميت بذلك.
ولم يعرف أول من لعب به من الفرس، وتسميه العرب عناق الأرض لشبه لونه بلون التراب، ويحكى عنه حكايات عجيبة، ومن صيده الكركي والحبرح والإوز وغير ذلك، وإنه يقتل الأسد إذا نازعه على فريسته، وذلك أنه إذا وثب عليه الأسد دخل بين رجليه فلا يقدر الأسد عليه، ثم يتعلق هو بالأسد في مكان لا يقدر الأسد الخلاص منه، ويجعل يديه في حلق الأسد معانقة وينهش بفيه في حلقه، ويكون ظهره وأوراكه بين يدي الأسد لاصقة لصدره ناشبة فيه بمخاليبه فلا يقدر أن يتخلص منه إلا إذا كان بقربه ماء فإنه ينزل ويغيب نفسه فيه ولا يظهر إلا مشفره فإنه يخلص منه وإلا فلا.. ويقتل في البرية جميع الدواعر الكبار إذا نازعته على الصيد. وإذا ربطه الصياد في بيت فيه فهود، فإن ذلك من ضعف رأي الفهاد وقلة معرفته، وللتفه صنّاع غير صناع الفهود، وخلقه أشد من خلق الفهد لما فيه من ضعف التركيب، وهو يشب إلى ما فوق عشرة أذرع إلى ما هو أقل، وأكثر ما يلعب به في بلاد العجم والموصل وفي بلاد الروم، وأصنع ما يكون فيها العجم، وهم أكثر الخلق معرفة في ترويض الضواري.
ولنرجع إلى كيفية تعلم عناق الأرض، وذلك أنه يستجاب كالفهد وينبغي أن يوقف شيء من الطيور في الماء مثل الإوز والكركي ويجسره على أخذه في الماء ليعتاد على ذلك، وقيل أيضاً أنه إنما سمي عناق الأرض لأنه ينبع من الأرض عند وثوبه ولا يراه أحد قبل ذلك لمشابهة لونه بها.
وله وثبة إذا طار الطائر منه تبلغ عشرين ذراعاً ارتفاعاً، وأربعين ذراعاً على وجه الأرض.
وكل هذه الضواري لا تصيد بغير صانع، وينبغي للصانع أن يظهر صنعته لتراها الناس، ولولا ذلك لبطل الفضل بين الناس، فسبحان صانع كل شيء ومصوره ولم أذكر عناق الأرض في هذا الكتاب إلا تطرفاً لأنه لا يكون في بلادنا ولا يوجد إلا في بلاد العجم.
باب تعليم الكلب
ينبغي لمن يربي كلب الصيد أن يكون عارفاً بجميع أمراضه وما يصلح لمداواته، ومتى ما صار له من العمر شهرين تأمر صبياً أن شيد له في رأس خيط ذنب ثعلب أو قطعة من جلد الغنم أو غيرهما، ويكون طول الخيط نحو خمسة أذرع فيجر الخيط أمامه وينشطه ويجتهد في أن لا يسلم إليه ما في الخيط ليزداد بذلك حدةً وحنقاً، فإن ذلك يزيده جرأةً وحرصاً، فإذا صار له خمسة أشهر أخرج له فأراً كبيراً وهي الجردان التي تكون في الصحاري ولا يناوش بها، على عرس في مبدأ أمره فذلك يفسده، فإذا سار له سبعة أشهر مضى به إلى البرية القفرة التي يأوي إليها اليربوع، وهو يكون في الأرض المعتدلة ويعرف مكانه بسد باب حجرته بالتراب، فإذا عاين ذلك جعل في بابه خرقة مهيأة كهيئة كيس ويكون له في بابه طوق خشب أو حلقة حديد بحيث تدخل اليد فيه كالراووق لاحتمال دخول اليربوع في الكيس المذكور.
وأما اليربوع فلا يصيده إلا الكلب الجيد، ويخلى على اليربوع الثلاثة من الكلاب والاثنين برسم الفرجة، ويبعث الثلاثة كلاب وأكثر ولا تأخذ اليربوع إلا عدة كلاب.
فإذا تعلم الكلب الكسرات والردات، أرسله على أرنب لطيفة ولا يرسله على الثعلب في مبدأ أمره، وإن حصل على أرنب لطيفة وشد على أعصابها وخلاها كان ذلك أولى وأحسن، فإذا فعل ذلك مراراً أرسله مع كلب آخر أعرف منه بالصيد، وهكذا ينبغي أن يفعل لمن أراد أن يضري الصيد ليخرج كلبه جواداً.
وللناس في كل شيء مذاهب، وينبغي أن لا يطعم الكلب في النهار إلا مرة واحدة وخير ما أكل الكلب الخبز وحده، لمن أراد أن يجود عدوه، ولا يخلى على المزابل يأكل ما لقي فإن ذلك يفسده، وينبغي أن يضمر مثل تضمير الفرس، وأن يعرف مقدار طعمه كما يعرف مقدار طعم البازي وغيره ولا يطعم اللحم إلا من الصيد عند صيده إياه، فإن اللحم يسمن الكلب، وإذا سمن قل عدوه ولا بأس بأن يطعم مع الخبز دهن الأكارع بحيث يلوث الخبز ما لا يثرد فيه كما تفعله الجهلة برياضة الكلب ويسير في كل جمعة مرتين.
قال محمد بن منكلي، ختم الله له بالحسنى: ويجب على المتصيد أن يتقي نجاسة الكلب، فإن النصوص الشرعية جاءت بالإعلام عن نجاسته خلافاً لبعضهم. والإمام مالك قرنه بالخنزير، ومن المعلوم أن في نجاسة عينه خلاف ولا يقتدى بمن يلبس كلاب الصيد إجلال الحرير، فإن ذلك بطر وبذخ وقلة فطنة ويسامح بإلباس كلاب الصيد الجلال من الخرق المصبوغة كالأصفر والأحمر.
ومن الغواة للصيد من يترك الكلب لينام على فراشه ويجلس على وسادته ولا يفعل ذلك إلا كل قليل الاحتفال بدينه غير متحرٍ فيه، نسأل الله العفو، ولا يمنع تغطية الكلاب واستدفائها وغيرها إلا الحرير، وعلم إباحة ذلك لكن ذلك تبذير. فلا يقتدى بجهلة عرب البادية وعفاشتهم، وعدم توقيهم النجاسات حتى أن أحدهم قد ينام والكلب في حضنه وغير ذلك من القبائح المحرمة.
وأجناس الكلاب خمسة منها: الصيدي المعروف بين الناس المرغوب فيه، والزغاري وهو النشاق والحبك وهو أصل آخر لا ينفع لشيء من الصيد، وهو ألطف ما يكون من هذه الأجناس ترغب فيه المكاريه في الإسطبلات، وتعلمه البغاددة فيقفز في الطار وهو مما يضحك عليه الصبيان. والمشّبة والدبيسي الذي يكون في الأسواق وفي القرى للحراسة للدروب والغنم، وهذه الكلاب هي التي نهى الشارع صلى الله عليه وسلم عن تربيتها إلا لذلك.
قال مكحول الفقيه، رحمه الله تعالى: إذا أرسلت كلبك المعلم فأكل من طريدة فاضربه أسواطاً وأوقفه على جرمه، فإنك إن فعلت به ذلك لم يعد إليه إن شاء الله تعالى، ومدح بعضهم كلب صيد، فقال:
ومؤدب الأنساب يمسك صيده
…
متوقفاً عن أكله كالصايمِ
طربٌ إذا ما صادَ عانق صيده
…
طرب المقيم إلى عناق القادمِ
وقد قيل في مثل ذلك كثيراً.
والكلبة تحيض في كل سبعة أيام، وعلامة ذلك ورم أشفارها، وهي تحمل ستين يوماً، ومنها ما يحمل خمس السنة، ومنها ما يحمل ربعها، وما ولدته قبل الستين لا يعيش.
وتضع جراها عمياء، فلا تفتح عيونها إلا بعد اثني عشر يوماً، ويظهر لبنها بعد حملها بثلاثين يوماً، وهي تعيش إلى عشرين سنة، وإذا هاجت ترى عليها كلاب عدة، أبيض وأسود وأبقع وأصفر، فتؤدي إلى كل سافد شبهه وشكله، والكلب يقظ في نومه جداً، ويقال إنه في حال نومه أسمع من فرس.
ومن عجيب طباعه أنه يكرم الجلة من الناس، وأهل الوجاهة فلا ينبح عليهم وربما حاد لهم عن طريقه، ومن طباعه أيضاً أنه يأكل للقناعة لا للشبع، إن في هذا لعبرة للإنسان العاقل.
والكلب يقبل التأديب والتعليم والتلقين، وهو أهدى من الفيل والدب والقرد. حتى لو وضع على رأسه مسرجة ورمي له قطعة لحم لم يلتفت إليها، فإذا أخذت عنه المسرجة عاد إلى اللحم، وهو يعيش على الجراح التي لا يعيش معها غيره. وقد ألهمه الله تعالى، إذا كان في بطنه دود وأكل السنبل ثم يتقيأه فيرمي معه ما في بطنه من الدود، ويطول الكلام لو أردنا الشرح مثل ذلك.
ومن خواص أجزائه، نابه، إذا علق على من به يرقان ظاهر نفعه، وإن علق على من به عضته نفعه، وإن علق على صبي خرجت أسنانه بغير تعب وإن علق على من عادته التكلم في نومه لم يتكلم في منامه، وإن علق على إنسان لم يعضه كلب كلب، وإن طلي لبن كلبة على البطن لم ينبت به شعر أو حلقه مثل النورة، ومن أخذ يوم الأربعاء قبل طلوع الشمس التراب الذي يبول عليه الكلب وجبل وجعل بنادقاً وعلقت على المحموم سكنت الحمى.