المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث: الابتداع في الدين - المنهج الصحيح وأثره في الدعوة إلى الله تعالى

[حمود الرحيلي]

الفصل: ‌المبحث الثالث: الابتداع في الدين

‌المبحث الثالث: الابتداع في الدين

البدعة في اللغة: مأخوذة من البدع وهو: الاختراع على غير مثال سابق، ومنه قوله تعالى:{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} 1.

ويُقال لمن أتى بأمر لم يسبقه إليه أحد، أبدع، وابتدع، وتبدّع. أي أتى ببدعة2.

أما البدعة في الاصطلاح: فقد عرفها الشاطبي رحمه الله بقوله: "طريق في الدين مخترعة تضاهي الشريعة، يُقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه"3.

وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الابتداع في الدين، وحذر منه، وبيّن لأمته، أنّ كل بدعة في دين الله فهي محرمة وضلالة، فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال:"وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة، وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع، فأوصنا، قال:"أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عَضَّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومُحْدَثَاثِ الأمور، فإن كل بدعة ضلالة"4.

1 سورة البقرة، من الآية (113) .

2 انظر لسان العرب 8/7، القاموس المحيط 3/3-4 فصل الباء، باب العين.

3 الاعتصام، 1/36.

4 سن أبي داود، 5/13، كتاب السنة، باب في لزوم السنة، رقم 4607، والترمذي، 5/44، كتاب العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، رقم 2676، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه، 1/16، المقدمة باب إتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، رقم 4342، وأحمد في المسند، 4/126-127، وابن حبان في صحيحه 1/4، وقد صححه الشيخ الألباني في إرواء الغليل، 8/107، وصحيح سنن الترمذي، 2/341، وصحيح سنن ابن ماجه 1/138، وفي ظلال الجنة 1/17-20.

ص: 177

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"1.

وفي رواية: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"2.

ولا شك أن الايتداع في الدين كان - ولا يزال - من أعظم الأسباب التي حادت بالأمة الإسلامية عن المنهج الصحيح، وكان من أهم العوامل التي قضت على وحدة المسلمين، وشتتت شملهم، حتى تفرق الناس شيعاً وأحزاباً.

يقول الشاطبي رحمه الله: "ثم استمر تزايد الإسلام، واستقام طريقه على مدة حياة النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعد موته، وأكثر قَرْن الصحابة رضي الله عنهم، إلى أن نبغت فيهم نوابغ الخروج عن السنة، وأصغوا إلى البدع المضلة"3.

وعن ظهور البدع ونشأتها يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "واعلم أن عامة البدع المتعلق بالعلوم والعبادات إنما وقع في الأمة في أواخر خلافة الخلفاء الراشدين، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: "من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي"4.

1 صحيح البخاري مع الفتح، 5/301، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، رقم 2697، وصحيح مسلم، 3/1343، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، رقم 1718.

2 صحيح مسلم، 3/1343-1344، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، رقم 1718.

3 الاعتصام، 1/22.

4 سبق تخريجه، 60.

ص: 178

وأول بدعة ظهرت بدعة القدر، وبدعة الإرجاء، وبدعة التشيع والخوارج، هذه البدع ظهرت في القرن الثاني والصحابة موجودون، وقد أنكروا على أهلها، ثم ظهرت بدعة الاعتزال، وحدثت الفتن بين المسلمين، وظهر اختلاف الآراء والميل إلى البدع والأهواء، وظهرت بدعة التصوف، وبدعة البناء على القبور بعد القرون المفضلة، وهكذا كلما تأخر الوقت زادت البدع وتنوعت1.

ومن البدع المعاصرة الاحتفال بالمولد النبوي، والتبرك بالأماكن والآثار والأشخاص أحياءً وأمواتاً.

ومنها البدع في مجال العبادات والتقرب إلى الله، وهي كثير ومنها الجهر بالنية للصلاة، والذكر الجماعي بعد الصلاة، وطلب قراءة الفاتحة في المناسبات بعد الدعاء، وللأموات، وإقامة المآتم على الأموات، وصناعة الأطعمة، واستئجار المقرئين..، وكالاحتفال بالمناسبات الدينية كمناسبة الإسراء والمعراج، ومناسبة الهجرة النبوية، ومن ذلك الأذكار الصوفية، كلها بدع ومحدثات لأنها مخالفة للأذكار المشروعة في صيغها وهيئاتها وأوقاتها، ومن ذلك البناء على القبور واتخاذها مساجد، وزيارتها لأجل التبرك بها، والتوسل بالموتى وغير ذلك من الأغراض الشركية..2.

وأختتم قولي هنا بقول ابن الماجشون: "سمعت مالكاً يقول: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة، فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خان الرسالة، لأن الله تعالى يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} 3 فما لم يكن يومئذ ديناً فلا يكون اليوم ديناً"4.

1 مجموع الفتاوى، 10/354.

2 انظر محاضرات في العقيدة والدعوة للدكتور صالح الفوزان، 1/113-123 باختصار.

3 سورة المائدة، الآية (3) .

4 الاعتصام للشاطبي، 1/49.

ص: 179