المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثانيأهمية التوحيد وفضله - المنهج الصحيح وأثره في الدعوة إلى الله تعالى

[حمود الرحيلي]

الفصل: ‌المبحث الثانيأهمية التوحيد وفضله

‌المبحث الثاني

أهمية التوحيد وفضله

إن التوحيد هو الأمر الذي بعث الله من أجله الرسل، وأنزل من أجله الكتب، وخلق من أجله الثقلين - الإنس والجن - وبقية الأحكام تابعة لذلك.

قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} 1والمعنى لتخصوه ـ سبحانه ـ بالعبادة وتفردوه جلَّ وعلا بها، ولم تُخْلَقُوا عبثاً ولاسُدىً.

وقال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} 2.

والتوحيد هو: أول دعوة جميع الأنبياء والرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وما من أمة إلا بعث الله فيهم رسولاً يدعوهم إلى التوحيد ويحذرهم من الشرك.

قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} 3.

والتوحيد هو: إفراد الله تعالى بالعبادة، وترك عبادة ما سواه.

وقد تكرر موضوع التوحيد في كتاب الله، ولا تكاد تخلو سورة من سور القرآن العظيم إلا وفيها ذكر للتوحيد، وأمر به، وحث عليه.

فالقرآن كله في التوحيد، لا نه إما خبر عن الله سبحانه وتعالى وأسمائه وصفاته وأمر بعبادته وحده لا شريك له ونهى عن الشرك به، وإما بيان لجزاء الموحدين

1 سورة الذاريات، الآية (56) .

2 سورة الفاتحة، الآية (5) .

3 سورة النحل، من الآية (36) .

ص: 138

الذين أخلصوا العبادة لله عز وجل في الدنيا والآخرة، وبيان لجزاء المشركين الذين أعرضوا عن التوحيد وما حلَّ بهم من العقوبات في الدنيا وما ينتظرهم في الآخرة. وإما إخبارهم عن الموحدين من الرسل وأتباعهم. أو إخبار عن المكذبين من المشركين وأتباعهم من الأمم السابقة: كقوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم شعيب، وقوم إبراهيم، وأصحاب مدين، والمؤتفكات، وغيرهم من الأمم لما أعرضوا عن التوحيد وعصوا الرسل ماذا حل بهم؟ وإما بيان للحلال والحرام وهذا من حقوق التوحيد، فكون الإنسان يحل الحلال ويكتسب الحلال، ويستعمل الحلال، ويحرم الحرام ويبتعد عن الحرام وعن كسب الحرام هذا من حقوق التوحيد أيضاً.

فالقرآن كله توحيد، لا نه إما لبيان التوحيد وبيان مناقضاته ومنقصاته. وإما إخبار عن أهل التوحيد، وماأكرمهم الله به، أو أخبار عن المشركين وما انتقم الله تعالى منهم في الدنيا وما أعدَّ لهم في الآخرة، وإما أحكام وبيان للحلال والحرام وهذا من حقوق التوحيد1.

ومما يدل على أهمية التوحيد، وأنه أساس العمل، تكفيره للذنوب والكبائر، يدل على ذلك ماجاء عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى

1 انظر مدارج السالكين، 3/468-469، ومحاضرات في العقيدة والدعوة، للدكتور صالح الفوزان، 2/9-10.

ص: 139

عبد الله، ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ماكان من العمل" 1.

وعن عتبان بن مالك الأنصاري رضي الله عنه: "فإن الله حرَّم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله"2.

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما من حديث صاحب البطاقة حيث ينشر له تسعة وتسعون سجلاً كل سجل مد البصر، ثم يؤتى ببطاقة فيها:"أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فتوضع السجلات في كفه، والبطاقة في كفة فتطيش السجلات وتثقل البطاقة"3.

1 صحيح البخاري مع الفتح 6/474، كتب الأنبياء، باب قوله تعالى:. {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم} ، رقم 3435، وصحيح مسلم 1/57، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً، رقم 46.

2 صحيح البخاري مع الفتح، 1/519، كتاب الصلاة، باب المساجد في البيوت، رقم 425، وصحيح مسلم 1/456، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر، رقم263.

3 الترمذي 5/24-25، كتاب الإيمان باب ما جاء في من يموت وهو شهيد أن لا إله إلا الله، رقم 2639، وابن ماجه، 2/1437، كتاب الزهد، باب ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة، رقم 4300، وأحمد 2/213، والحاكم 1/6/529، وقال: صحيح الإسناد على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وصححه الألباني، انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة، 1/262.

ص: 140

وللترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله تعالى: "يابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لا تيتك بقرابها مغفرة"1.

1 أخرجه الترمذي، 5/548، كتاب الدعوات، باب فضل التوبة والاستغفار وما ذكر من رحمة الله لعباده، رقم 3540، وقال هذا حديث حسن غريب، وأحمد في المسند، 5/154،172، والحاكم في المستدرك 4/241، ووافقه الذهبي مختصراً، من حديثه، وله شاهد عند مسلم، 4/2068، كتاب الذكر والدعاء..، باب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله تعالى، رقم 2687.

ص: 141