المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالثالبدء بالدعوة إلى التوحيد أولا - المنهج الصحيح وأثره في الدعوة إلى الله تعالى

[حمود الرحيلي]

الفصل: ‌المبحث الثالثالبدء بالدعوة إلى التوحيد أولا

‌المبحث الثالث

البدء بالدعوة إلى التوحيد أولاً

إن البدء في الدعوة إلى الله تعالى بالأهم قبل المهم والتدرج في الدعوة حسب الأوليات لهو من أهم الضروريات التي يجب على الداعية إلى الله تعالى معرفتها والعمل على تحقيقها.

وقد دلَّ على ثبوت هذا المبدأ الكتاب والسنة وعمل سلف هذه الأمة الصالح رضوان الله عليهم.

إذ قص الله تعالى علينا في كتابه الكريم قصص الأنبياء وأخبارهم مع أقوامهم، فكان كل واحد منهم يبدأ بدعوة قومه إلى توحيد الله تعالى واخلاص العبادة له وحده ونبذ الشرك وأهله.

قال تعالى عن نوح عليه السلام: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} 1.

وقال سبحانه عن هود عليه السلام: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} 2.

وقال جلَّ ذكره عن صالح عليه السلام: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} 3.

1 سورة الأعراف، من الآية (59) .

2 سورة الأعراف، من الآية (65) ، وسورة هود، الآية (50) .

3 سورة الأعراف، من الآية (73) ، وسورة هود، من الآية (61) .

ص: 142

وقال عن إبراهيم عليه السلام: {وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 1

وقال تعالى عن يعقوب عليه السلام: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} 2.

وقال تعالى عن يوسف عليه السلام: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ يا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} 3.

وقال تعالى عن شعيب عليه السلام: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} 4.

وقال عن موسى عليه السلام: {قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} 5.

وقال عن عيسىعليه السلام: {إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} 6.

وهذا المنهج هو الذي سار عليه خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله رحمة للعالمين، بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا، فقد

1سورة العنكبوت، الآية (16) .

2 سورة البقرة، الآية (133) .

3 سورة يوسف، الآيات (38-40) .

4 سورة الأعراف، من الآية (85) ، وسورة هود، من الآية (84) .

5 سورة الأعراف، الآية (14) .

6 سورة آل عمران، الآية (51) .

ص: 143

بدأ صلى الله عليه وسلم بما بدأ به كل الأنبياء، وانطلق من حيث انطلقوا بدعوتهم من عقيدة التوحيد والدعوة إلى إخلاص العبادة لله وحده.

وقد أمره ربه تبارك وتعالى أن يدعو الناس جميعاً إلى التوحيد، فقال تعالى:{قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} 1.

وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} 2.

وقد استمر النبي صلى الله عليه وسلم طيلة ثلاث عشرة سنة في مكة لا يكلُّ ولا يَمَلُّ صابراً على كل ألوان الأذى، وهو يدعو الناس إلى التوحيد، وينهاهم عن الشرك قبل أن يا مرهم بالصلاة، والزكاة، والصوم والحج، وقبل أن ينهاهم عن الربا، والزنا، والسرقة، وقتل النفوس بغير حق3.

اللهم إلاّ ماكان يا مر به قومه من معالي الأخلاق كصلة الرحم، والصدق، والعفاف، وأداء الأمانة، وحسن الجوار ونحو ذلك، ولكن الموضوع الأساسي، ومحور الدعوة إنما هو عن التوحيد وتحقيقه.

1 سورة الأعراف، الآية (158) .

2 سورة الأنعام، الآية (161-162) .

3 انظر مقدمة فضيلة الدكتور صالح الفوزان على كتاب منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله فيه الحكمة والعقل، للدكتور ربيع المدخلي، ص5.

ص: 144

وبعد أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام إلى المدينة، وقامت دولة الإسلام على أساس التوحيد ظل الاهتمام بهذا الأمر على أشده والآيات القرآنية تنزل به، والتوجيهات النبوية تدور حوله.

ولم يكتف رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا بل كان يبايع على عقيدة التوحيد عظماء الصحابة فضلاً عن غيرهم بين الفينة والفينة، كلما تسنح له فرصة للبيعة عليها.

قال تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يا تِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرُجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 1.

وهذه الآية وإن كانت في بيعة النساء فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبايع على مضمونها الرجال2.

فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس، فقال: "تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم" والآية التي أخذت على النساء {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ} فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله عليه فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه"3.

1 سورة الممتحنة، الآية (12) .

2 انظر منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله فيه الحكمة والعقل، للدكتور ربيع المدخلي، 57-58.

3 صحيح البخاري مع الفتح، 1/64، كتاب الإيمان، باب 11، حديث 18، وصحيح مسلم 3/1333، كتاب الحدود، باب الحدود والكفارات لأهلها، حديث 1709، والنسائي، 7/142، كتاب البيعة على الجهاد.

ص: 145

أما السنة ففيها الشيء الكثير الدال على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفتتح دعوته بالتوحيد ويختتمها بذلك، واستمراره على ذلك طيلة حياته صلى الله عليه وسلم بلا كلل أو ملل.

1-

عن عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه قال: "كنت وأنا في الجاهلية، أظن أن الناس على ضلالة، وأنهم ليسوا على شيء، وهم يعبدون الأوثان، فسمعت برجل بمكة يخبر أخباراً فقعدت على راحلتي فقدمت عليه، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفياً جُرءَاءُ عليه قومه فتلطفت، حتى دخلت عليه بمكة، فقلت له: ما أنت؟ فقال: "أنا نبي" فقلت: وما نبي؟ قال: "أرسلني الله" فقلت: وبأي شيء أرسلك؟ قال: "أرسلني بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحدوا الله لا يُشْرَكُ به شيء" فقلت: ومن معك على هذا؟ قال: "حر وعبد"، قال: ومعه يومئذ أبو بكر وبلال ممن آمن به

" الحديث1.

2-

قول جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه للنجاشي ملك الحبشة: "أيها الملك، كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يا كل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ماكنّا نحن نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة، والأوثان

" الحديث2.

1 صحيح مسلم، 1/569، كتاب صلاة المسافرين، باب إسلام عمرو بن عبسة، رقم 294، وأحمد في المسند، 4/112.

2 انظر الإمام أحمد في المسند، 1/202، والسير والمغازي، لابن إسحاق، 213-217، وسيرة ابن هشام، 1/289-293، بإسناد حسن إلى أم سلمة رضي الله عنها، وانظر السيرة النبوية، لابن كثير 2/11، وفتح الباري، لابن حجر، 7/189، وانظر السيرة النبوية الصحيحة، د. أكرم العمري، 1/173-174.

ص: 146

3-

وفي أسئلة هرقل لا بي سفيان في مدة صلح الحديبية عن حال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا بي سفيان: ماذا يا مركم؟ قال أبو سفيان قلت: يقول: "اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً واتركوا مايقول آباؤكم، ويأمر بالصلاة، والصدق والعفاف، والصلة"1.

فهذه الأحاديث الشريفة تبين لنا أن الدعوة إلى التوحيد هي أول ما يدعو إليه النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا المنهج الذي سار عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يا مر به رسله إذا بعثهم للقيام بالدعوة.

4-

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: "إنك ستأتي قوماً أهل كتاب، فإذا جئتهم، فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله تعالى قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله تعالى قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم

" الحديث2.

وإذا أراد الداعية إلى الله تعالى دعوة الناس، فليبدأ بالدعوة إلى التوحيد، الذي هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، إذ لا تصح الأعمال إلا به، فهو أصلها الذي تبنى عليه، ومتى لم يوجد لم ينفع العمل، بل هو حابط، إذ لا تصح العبادة

1 صحيح البخاري مع الفتح، 1/32، كتاب بدء الوحي، حديث 6.

2 صحيح البخاري مع الفتح، 3/357، كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا، حديث 1496، ومسلم 1/50، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، حديث 19.

ص: 147

مع الشرك، كما قال تعالى:{مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ} 1، ولأن معرفة معنى هذه الشهادة هو أول واجب على العباد، فكان أول ما يُبدأ به في الدعوة2.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وقد عُلم بالاضطرار من دين الرسول، واتفقت عليه الأمة أن أصل الإسلام، وأول ما يؤمر به الخلق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فبذلك يصير الكافر مسلماً، والعدو ولياً

وفيه البداءة في الدعوة والتعليم بالأهم فالأهم"3.

تلك هي دعوة الأنبياء جميعاً وعلى رأسهم أولو العزم من الرسل عليهم السلام يبدأون دعوتهم بالتوحيد في كل زمان ومكان مما يدل على أن هذا هو الطريق الوحيد الذي يجب أن يسلك في دعوة الناس إلى الله تعالى وسنة من سننه التي رسمها لا نبيائه وأتباعهم الصادقين، لا يجوز تبديلها ولا العدول عنها 4.

1 سورة التوبة، الآية (19) .

2 تيسير العزيز الحميد، 123.

3 تيسير العزيز الحميد، 127.

4 انظر منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله فيه الحكمة والعقل، للدكتور ربيع بن هادي المدخلي، 26-27.

ص: 148