الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: أثر المنهج الصحيح في الدعوة إلى الله تعالى
للمنهج الصحيح في الدعوة إلى الله تعالى آثار طيبة، ونتائج حميدة: على الداعي إلى الله تعالى وعلى المدعوين، وأهم هذه الآثار مايلي:
أولاً: إن في الدعوة إلى الله تعالى على هدي النبي صلى الله عليه وسلم، امتثالاً لأمر الله تعالى الذي أمر بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هى أحسن، كما في قوله عز وجل:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} 1.
وقوله سبحانه: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} 2 والأمر للرسول صلى الله عليه وسلم، أمر لأمته، مالم يدل دليل على اختصاصه به. فكما أن الرسول صلى الله عليه وسلم مأمور بالدعوة إلى الله تعالى فأمته مأمورة بذلك. بل قد أمرها الله تعالى بذلك في قوله:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} 3.
ثانياً: إن تحقيق المنهج الصحيح في الدعوة إلى لله فيه الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، كما أمره ربه تبارك وتعالى بذلك في قوله سبحانه:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 4 فأتباع الرسول صلى الله عليه وسلم يدعون إلى الله على بصيرة كما دعا الرسول صلى الله عليه وسلم على بصيرة، ومن لم يدع على منهج
1 سورة النحل، من الآية (125) .
2 سورة الشورى، من الآية (15) .
3 سورة آل عمران، الآية (104) .
4 سورة يوسف، الآية (108) .
الرسول صلى الله عليه وسلم كان اتباعه ناقصاً1.
قال ابن كثير رحمه الله: "هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله"3.
ثالثاً: إنَّ من آثار المنهج الصحيح في الدعوة إلى الله تعالى العمل بالكتاب والسنة والاعتصام بهما، كما ينتج عنه تآلف المسلمين واجتماعهم وترابطهم وتماسك مجتمعهم، وعدم التفرق والتحزب، والاختلاف والتطرف.
قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} 4.
وقال عز وجل: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} 5 إلى غير ذلك من الأدلة الكثيرة.
رابعاً: وإن في الدعوة إلى الله تعالى على المنهج الصحيح تبليغ دين الله تعالى إلى الناس كما أراد الله تعالى.
قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} .6
1 انظر محاضرات في العقيدة والدعوة للدكتور صالح الفوزان (1/141) .
2 سورة آل عمران، من الآية (31) .
3 تفسير ابن كثير (1/372) .
4 سورة آل عمران، من الآية (103) .
5 سورة الأنعام، الآية (159) .
6 سورة آل عمران، من الآية (187) .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بلغوا عني ولو آية"1.
خامساً: وإن من آثار اتباع المنهج الصحيح تصحيح عقائد الناس من الشرك والبدع والشعوذة، وجميع ما يخالف العقيدة الإسلامية.
وكما يحصل الأمن والاستقرار والطمأنينة في الدنيا يكون الأمن من عذاب الله يوم القيامة.
قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} 2.
سادساً: إن في الدعوة إلى الله تعالى على المنهج الصحيح تكون هداية من أراد الله هدايته من الناس، ويكون الأجر العظيم والثواب الجزيل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا يَنْقُصُ ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً"3.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر - لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه:"انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم"4.
1 صحيح البخاري بشرح الفتح (6/496) كتاب أحاديث الأنبياء باب ماذكر عن بني إسرائيل رقم (3461) .
2 سورة الأنعام، الآية (82) .
3 صحيح مسلم (4/2060) كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة، ومن دعا إلى هدى أو ضلالة رقم (2674) .
4 صحيح البخاري بشرح الفتح (7/476) كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، حديث رقم (4210) ، وصحيح مسلم (4/1872) كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه رقم (2406) .
فهذه الأدلة تبين لنا فضل الدعوة إلى الله تعالى، وذلك لما يترتب
عليها من تبليغ شرع الله وحفظه، وحصول المصالح العظيمة للخلق في معاشهم ومعادهم، ودينهم ودنياهم، واندفاع الشرور عنهم إذا هم قبلوها وعملوا بها على الوجه المطلوب.
سابعاً: وإنَّ من آثار الدعوة القائمة على الكتاب والسنة والعمل بهما على فهم السلف الصالح - رضوان الله عليهم - حصول التمكين في الأرض، ورغد العيش، وحياة الأمن والاستقرار. وخير شاهد على ذلك ما قام به الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله من الدعوة إلى التوحيد، ونبذ الشرك والبدع وغيرها من المنكرات، التي كانت متفشية في الجزيرة العربية.
ومنذ أن قام الإمام محمد بن سعود رحمه الله مؤسس الدولة السعودية المباركة بتبني هذه الدعوة الطيبة، قامت دولة التوحيد، وكتب الله لها النصر والبقاء، واتفقت كلمة أهلها، وتوحدت صفوفهم، ونبذوا الفرقة والاختلاف، وعاشوا في أمن ورخاء، وزالت مظاهر الشرك في مدة وجيزة، وهي لم تكن لتزول لولا فضل الله وتوفيقه ثم انطلاق هذه الدعوة من روح العقيدة الإسلامية الخالصة.
1 سورة النور، الآية (55) .