الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: الجهل
إن الجهل داء عظيم، يوصل للضلالة، ويورد المهالك، وهو من أعظم أسباب انحراف الأمة عن المنهج الصحيح، وفي الحديث عن عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يقبض العلم اننزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤساً جُهالاً فسُئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا"1.
قال النووي رحمه الله:"هذا الحديث يبيّن أن المراد بقبض العلم في الأحاديث السابقة المطلقة ليس هو محوه من صدور حفاظه، ولكن معناه: أن يموت حملته، ويتخذ الناس جهالاً يحكمون بجهالاتهم فيضلون ويُضلون"2.
والمراد بالعلم هنا: علم الكتاب والسنة، وهو العلم الموروث عن الأنبياء عليهم السلام، فإن العلماء هم ورثة الأنبياء، وبذهابهم يذهب العلم، وتموت السنن، وتظهر البدع، ويعم الجهل، وأما علم الدنيا، فإنه في زيادة، وليس هو المراد في الأحاديث، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:"فسُئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا" والضلال إنما يكون عند الجهل بالدين، والعلماء الحقيقون هم الذين يعملون بعلمهم، ويوجهون الأمة، ويدلونها على طريق الحق والهدى"3.
ومن أعظم الجهل القول على الله بغير علم، وتحليل ما حرم الله، أو تحريم ما أحل الله، قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ
1 صحيح البخاري مع الفتح، 1/194، كتاب العلم، باب كيف يُقبض العلم، رقم 100، وصحيح مسلم 4/2058، كتاب العلم باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان / رقم 2671.
2 شرح النووي على صحيح مسلم، 16/223-224.
3 أشراط الساعة، للشيخ يوسف الوابل، 133.
بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} 1.
وقال تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ على الله كذباً ليضلّ الناس بغير علم} 2.
ومن أفتى أحداً بدون علم، فإنه يبوء بإثمه، وإثم من استفتاه، قال تعالى:{لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} 3.
وخطورة الجهل تكمن في أن الجاهل يستكبر عن سماع الحق، ويستثقله، ويصور العلم والتعلم بأنه شبح رهيب وأنه بعيد المنال بحيث لا يمكن الوصول إليه، ومن ثم يبقى على جهله إلى أن يموت.
فانظر إلى حال كثير من المسلمين اليوم وخصوصاً ممن ينتمي إلى كثير من الجماعات الحزبية في هذا العصر، والتي اختطت لنفسها طابعاً حزبياً وصبت جل اهتمامها في مسائل محدودة من مسائل الشرع، أو ما توهموها من مسائل الشرع، وخُيّل إليهم عبثاً أنها وحدها توصلهم إلى بر النجاة، وإيجاد المجتمع الإسلامي المنشود في الوقت الذي لو سئلوا عن فرع سهل من فروع مسائل العلم لأجابوا بملء أفواههم، بأننا لا نعرف هذه المسائل، وإنما عليكم بسؤال العلماء، لأننا مشغولون عن ذلك بالدعوة إلى الله! فيا عجباً!! كيف يدعو إلى الله بغير علم، وكيف يكون أهلاً للدعوة من لا يحسن أداء الصلاة على الوجه الذي صلاه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ 4.
والدواء الناجع للجهل، وطريق السلامة إنما هو بالعلم الشرعي، وقد وردت النصوص من الكتاب والسنة في الحث عليه، والثناء على أهله، وقد سبق بيانه.
1 سورة الأعراف، الآية (33) .
2 سورة الأنعام، من الآية (144) .
3 سورة النحل، الآية (25) .
4 تنبيه أولي الأبصار، للشيخ صالح بن سعد السحيمي، 123.