الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس: التفرق والتحزب
لقد أصاب الأمة الإسلامية ما أصاب الأمم قبلها من التحزب والاختلاف، فأضحت الأمة شيعاً وأحزاباً، يُخَطِّئ بعضُها بعضاً، {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} ، وماذاك إلا لبعدها عن المنهج الصحيح، وهو التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والاعتصام بهما، والعمل بهما، ورد التنازع إليهما، فإنَّ السبيل الوحيد لجمع الشمل، وتوحيد الكلمة، هو الرجوع التام للمنهج الصحيح: كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، على فهم السلف الصالح، ففيه العصمة من التفرق والاختلاف، وفيه النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة.
قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} 1.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله مبيناً معنى الاعتصام بكتاب الله: "وهو تحكيمه دون آراء الرجال ومقاييسهم، ومعقولاتهم، وأذواقهم، وكشوفاتهم، ومواجيدهم، فمن لم يكن كذلك فهو مُنسَّلٌ من هذا الاعتصام، فالدين كله في الاعتصام به وبحبله، علماً وعملاً، وإخلاصاً، واستعانة، ومتابعة، واستمراراً على ذلك إلى يوم القيامة"2.
قال قتادة رحمه الله عند قوله تعالى: {وَلا تَفَرَّقُوا} :"إن الله عز وجل قد كره لكم الفرقة وقدّم إليكم فيها، وحذركموها، ونهاكم عنها، ورضي لكم السمع والطاعة، والألفة والجماعة، فارضوا لأنفسكم ما رضي الله لكم إن استطعتم، ولا قوة إلا بالله"3.
1 سورة آل عمرآن، من الآية (103) .
2 مدارج السالكين، 3/323.
3 انظر تفسير الطبري، 4/32.
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله:"وقوله {وَلا تَفَرَّقُوا} أمرهم بالجماعة ونهاهم عن التفرقة.. وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهي عن التفرق والأمر بالاجتماع والائتلاف.. إلى أن قال: وقد ضمنت لهم العصمة عند اتفاقهم من الخطأ، كما وردت بذلك الأحاديث المتعددة أيضاً، وخيف عليهم الافتراق والاختلاف، فقد وقع ذلك في هذه الأمة فافترقوا على ثلاث وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية إلى الجنة ومُسَلَّمَة من عذاب الله، وهم الذين على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه"1.
وقال تعالى في النهي عن التفرق والاختلاف {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} 2.
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: "يتوعد الله تعالى الذين فرقوا دينهم، أي شتتوه وتفرقوا فيه، وكل أخذ لنفسه نصيباً من الأسماء التي لا تفيد الإنسان في دينه شيئاً، كاليهودية، والنصرانية، والمجوسية، أو لا يكمل بها إيمانه، بأن يأخذ من الشريعة شيئاً، ويجعله دينه، ويدع مثله، أو ما هو أولى منه، كما هو حال أهل الفرقة، من أهل البدع والضلال، والمفرقين للأمة، ودلت الآية الكريمة أن الدين يأمر بالاجتماع والائتلاف، وينهى عن التفرق والاختلاف في أصل الدين، وفي سائر مسائله الأصولية والفروعية"3.
وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصاري على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة
1 تفسير ابن كثير، 1/405.
2 سورة الأنعام، الآية (159) .
3 تيسير الكريم الرحمن، 2/91.
على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل من هي يا رسول الله؟ قال:"من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي"1.
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "فأهل الأديان - قبلنا - اختلفوا فيما بينهم على آراء ومُثُل باطلة، وكل فرقة منهم تزعم أنهم على شيء، وهذه الأمة أيضاً اختلفوا فيما بينهم على نحلٍ كلها ضلالة إلا واحدة، وهم أهل السنة والجماعة، المتمسكون بكتاب الله وسنة رسوله وبما كان عليه الصدر من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين في قديم الدهر وحديثه"2.
وقال ابن أبي العز الحنفي في تعليقه على الحديث السابق: "فبين أن عامة المختلفين هالكون إلا أهل السنة والجماعة"3.
وزادت الفرقة بالمسلمين - مع مرور الزمن - وكثر الاختلاف، واتسع الشقاق، وماجت الفتن بأصحاب الأهواء موج البحر، وصارت قلوبهم متنافرة، مظلمة سوداء مرباده لا تعرف معروفاً ولا تنكر منكراً إلا ما أُشربت من الأهواء4.
1 أخرجه أبو دواد، 5/4، أول كتاب السنة، رقم 4596، والترمذي، 5/25، كتاب الإيمان باب ما جاء في افتراق هذه الأمة، رقم 2640، وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه، 2/1321، كتاب الفتن، باب افتراق الأمم، رقم 3991، وأحمد، 2/332، والحاكم في المستدرك 1/128، وقال صحيح على شرط مسلم، وانظر السلسلة الصحيحة، للشيخ الألباني، 3/480رقم 1492.عن أبي هريرة رضي الله عنه.
2 تفسير ابن كثير، 3/452.
3 شرح الطحاوية، 432
4 انظر حديث حذيفة في صحيح مسلم 1/128، كتاب الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريباً
…
، رقم 144.
وصار الاختلاف في أصل الدين، في إفراد الله في العبادة، وفي العبادة ذاتها، كما اختلف الذين من قبل اتباعاً للسنن كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:"لتتبعنَّ سَنَنَ من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لسلكتموه" قالوا: يارسول الله من اليهود والنصارى؟ قال: "فمن إذن"1.
ولكن بفضل الله ورحمته لا تزال طائفة أهل السنة والجماعة: "الفرقةُ الناجيةُ" باقيةً إلى قيام الساعة كما روى البخاري من حديث معاوية رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لايزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لايضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك"2.
ومن هؤلاء الذين أقام الله بهم السنة في الإخلاص والمتابعة في هذه الجزيرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب مجدد ما اندرس من معالم الإسلام في القرن الثاني عشر، فلقد تجرّد للدعوة إلى الله على بصيرة، وجاهد في رد الناس إلى ما كان عليه أهل السنة والجماعة من إفراد الله بالعبادة وترك التعلق بغير الله، والاعتقاد فيما دونه، متبعاً في ذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيض الله من آل سعود أنصاراً لدين الله ورسوله عرفوا صدق موافقته للحق فنفّذوا نصرته بالسلطان والعزيمة، وعقدوا الاتفاق بين نص الوحي وحد السيف إذا لم ينفع
1 صحيح البخاري مع الفتح، 6/495، كتاب أحاديث الأنبياء باب ما ذكره عن بني إسرائيل، رقم 3456، وصحيح مسلم، 3/1291، كتاب القسامة، باب القسامة، رقم 1669، وأحمد في المسند، 3/84،89،94، وابن أبي عاصم في السنة، 1/36-37، عن أبي سعيد رضي الله عنه.
2 صحيح البخاري مع الفتح، كتاب المناقب، 6/632، رقم 3641، والفظ له، وصحيح مسلم، 3/1524، كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم 0" لا تزال طائفة من أمتي على الحق
…
"، رقم 1037.
اللين واستمر الظالم في ظلمه ولم يبال بالواعظ من الكتاب والسنة فأخذوا على يديه وأجروا عليه مايستحقه شرعاً من جهاد وقتال، وإقامة حدّ أو تعزير حتى ينزجِرَ عن باطله، وهذا هو سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وسيرته.
ونحن في هذه البلاد - ولله الحمد والمنة - ننعم بالإسلام، وبجماعة المسلمين، تحت ولاية إسلامية تحكّم فينا شرع الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز لأحد من المسلمين في هذه البلاد السعودية المسلمة أن يوجد حزباً إسلامياً أو ينتمي إليه
…
لأن ذلك شق لعصا الطاعة، وتفريق للجماعة وهو بمثابة خرق في سفينة نجاتهم يسبب غرقها أو يهددها بالخطر والغرق 1.
1 انظر مقدمة الدكتور صالح العبود على حقيقة الدعوة إلى الله تعالى وما اختصت به جزيرة العرب، للشيخ سعد الحصين، 8-16، باختصار وتصرف. وانظر نص فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بعدم شرعية وجود هذه الجماعات مالم يستند وجودها إلى قرار من ولي الأمر، رقم 1674.