الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الغين
143 - الغزالي
الإمام حجة الإسلام زين الدين أبو حامد محمد بن محمد الطوسي الغزالي، ولد بطوس سنة خمسين وأربعمائة، وكان والده يغزل الصوف ويبيعه في حانوته، فلما احتضر أوصى به وبأخيه أحمد إلى صديق له صوفي صالح فعلمهما الخط وأدبهما، ثم نفد ما خلفه أبوهما، وتعذر عليهما القوت فقال: أرى لكما أن تلجأ إلى المدرسة.
قال الغزالي: فصرنا إلى المدرسة نطلب الفقه لتحصيل القوت فاشتغل بها مدة، ثم ارتحل إلى أبي نصر الإسماعيلي بجرحان، ثم إلى إمام الحرمين بنيسابور فاشتغل عليه ولازمه حتى صار أنظر أهل زمانه، وجلس للإقراء في حياة إمامه وصنف، وكان الإمام في الظاهر يظهر التبجح به وفي الباطن عنده منه شئ لما يصدر عنه من سرعة العبارة وقوة الطبع.
وينسب إليه تصنيفان ليسا له بل وضعا عليه وهما: "السر المكتوم"، "المضنون به على غير أهله"، وينسب إليه أيضًا شعر، فمن ذلك ما نسبه إليه ابن السمعاني في "الذيل"، والعماد الأصبهاني في "الخريدة".
حلت عقارب صُدغه في خده
…
قمرًا فجل به عن التشبيه
ولقد عهدناه يحل ببرجها
…
فمن العجائب كيف حلت فيه
وأسند العماد له أيضًا:
هبني صبوت كما ترون بزعمكم
…
وحظيت منه بلثم خد أزهر
إني اعتزلت فلا تلوموا أنه
…
أضحى يقابلني بوجه أشعرى
فلما مات إمامه خرج إلى المعسكر وحضر مجلس نظام الملك، وكان مجلسه محط رحال العلماء، ومقصد الأئمة [والنصحاء](1)، فوقع للغزالي أمور تقتضي علو شأنه من ملاقاة الأئمة ومجازاة الخصوم اللُد، ومناظرة الفحول، ومناطحة الكبار، فأقبل عليه نظام الملك وحل منه محلًا عظيمًا فعظمت منزلته، وطار اسمه في الآفاق، وندب للتدريس بنظامية بغداد سنة أربع وثمانين فقدمها في تجمل كبير وتلقاه الناس ونفذت كلمته، وعظمت حشمته حتى غلبت على حشمة الأمراء والوزراء، وضربت به الأمثال وشدت إليه الرحال إلى أن شرفت نفسه عن رذائل الدنيا فرفضها وأطرحها، وأقبل على العبادة والسياحة، فخرج إلى الحجاز في سنة ثمان وثمانين فحج ورجع إلى دمشق واستوطنها عشر سنين بمنارة الجامع، وصنف فيها كتبًا يقال: إن "الإحياء" منها، ثم صار إلى القدس والإسكندرية، ثم عاد إلى وطنه بطوس مقبلًا على التصنيف والعبادة، وملازمة التلاوة ونشر العلم، وعدم مخالطة الناس.
ثم إن الوزير فخر الملك بن نظام الملك حضر إليه وخطبه إلى نظامية نيسابور وألح عليه كل الإلحاح فأجاب إلى ذلك، وأقام عليه مدة، ثم تركه وعاد إلى وطنه على ما كان عليه، وابتنى إلى جواره خانكاة للصوفية، ومدرسة للمشتغلين، ولزم الانقطاع ووظف أوقاته على وظائف الخير بحيث لا تمضي لحظة منها إلا في طاعة من التلاوة والتدريس والنظر في الأحاديث، خصوصًا البخاري، وإدامة الصيام والتهجد ومجالسة أهل
(1) في ب: الفصحاء.
القلوب إلى أن انتقل إلى -رحمة الله- تعالى وهو قطب الوجود والبركة الشاملة لكل موجود، وروح خلاصة أهل الإيمان، والطريق الموصلة إلى رضي الرحمن، يتقرب إلى الله تعالى به كل صديق، ولا يبغضه إلا ملحد أو زنديق، قد انفرد في ذلك العصر عن أعلام الزمان كما انفرد في هذا الباب فلم يترجم فيه معه الإنسان.
وكانت وفاته بطوس صبيحة يوم الإثنين رابع عشر جمادي الآخرة سنة خمس وخمسمائة، وعمره خمس وخمسون سنة، ذكره ابن الصلاح في "طبقاته" ناقلا لهذا التاريخ ولأكثر ما سبق عن رفيقه عبد الغافر الفارسي في "الذيل".
وكان أخوه عالمًا صالحًا واعظًا غلب عليه علم التصوف والخلوة، توفي بقزوين في حدود سنة عشرين وأربعمائة.
وكان لهما عم من كبار الأئمة، أشار إليه الشيخ أبو إسحاق في "الطبقات" فقال: وبخراسان وفيما وراء النهر من أصحابنا [خلق](1) كثير كالأودني وعدد جماعة، ثم قال: والغزالي وأبي محمد الجويني وغيرهم ممن لم يحضرني تاريخ موتهم هذه عبارته، [فعلمنا](2)، أنه يريد غير صاحب "الوسيط"، لأن وفاته تأخرت عن الشيخ بنحو ثلاثين سنة.
وذكره السمعاني في كتاب "الأنساب" في ترجمة الزاهد أبي على الفارمذي فقال: إنه تفقه على أبي حامد الغزالي الكبير، وبسط ابن الصلاح في "فوائد رحلته" حاله فقال: هو أحمد بن محمد، وكنيته أيضًا أبو حامد، تفقه على الزيادي، واشتهر حتى أذعن له فقهاء الفريقين، وأقر
(1) سقط من أ.
(2)
سقط من أ.
بفضله فضلاء المشرقين والمغربين، وهو عم الغزالي صاحب "الوسيط"، توفي بطبران طوس سنة خمس وثلاثين وأربعمائة هذا حاصل كلامه.
قال ابن خلكان: وعادة أهل خوارزم وجرجان ينسبون إلى القصار فيقولون القصاري ونحوه فنسبوا إلى الغّزال فقالوا: الغزالي.