الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نكتة: إذا نظرت في قوله صلى الله عليه وسلم فئتين عظيمتين من المسلمين، وجدت أن كلا من الفئتين معظمة مكرمة ويدل عليه
فصل في الاجوبة عن مطاعنه
اعلم أنا لا ندعي العصمة فيه ولا في غيره من الصحابة الكرام رضي الله عنهم بل هي من خواص الملائكة والأنبياء كما حقق في علم الكلام، ومع هذا فكثير ما صدر عن الأنبياء بالسهو أو بالطبيعة البشرية يسمى زلة وتسميته بترك الأفضل أفضل. وإن صدر عن أحد من الصحابة ما لا يليق فلا يبعد عن الإمكان، ولما تشاجر وأوقع بينهم التساب والتحارب وأمور يتوحش للتأمل فيها. إلا أن مذهبنا أهل السنة والجماعة هو بذل الجهد في تأويلها وإذا لم يمكن التأويل
وجب رد الرواية ووجب السكوت وترك الطعن، للقطع بأن الحق سبحانه وعدهم المغفرة والحسنى. وفي الحديث:"إن النار لا تمسهم" وقد عظم الوعيد على من وقع فيهم. فحُسن الظن والتأدب لجميعهم واجب على كل مسلم. فهذا مذهب السلف الصالح وأهل الحديث والأصول. ونسأل الله الثبات عليه.
وقد وقع أكثر الناس في مطاعن معاوية رضي الله عنه ولعل الحكمة فيه أنه صدر عنه شيء فأراد الله سبحانه أن يجلب له الاعمال الصالحة ما دامت الدنيا {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}
فأحد المطاعن فيه هو أن بعض المحدثين ومنهم المجد الشيرازي في سفر السعادة قالوا: لم يصح في فضائله حديث. وكذا عنوان البخاري حديث ابن أبي مليكة بقوله: "ذكر معاوية" لا بالمناقب والفضل كما فعل في غيره.
والجواب أنه مر حديثان أحدهما من مسند أحمد والآخر من سنن الترمذي. فإن أريد بعدم الصحة عدم الثبوت فهو مردود لما مر بين المحدثين، فلا ضير فإن فسحتها ضيقة، وعامة الأحكام والفضائل إنما تثبت بالأحاديث الحسان لعزة الصحاح. ولا ينحط ما في المسند والسنن عن درجة الحسن. وقد تقرر في فن الحديث جواز العمل بالحديث
الضعيف في الفضائل، فضلا عن الحسن. وقد رأيت في بعض الكتب المعتبرة من كلام الإمام مجد الدين بن الاثير صاحب ميزان الجامع: حديث مسند أحمد في فضيلة معاوية صحيح، إلا أني لا أستحضر الكتاب في الوقت. ولم ينصف الشيخ عبد الحق الدهلوي في شرح سفر السعادة فإنه أقر كلام المصنف ولم يتعقبه كتعقبه على سائر تعصباته. وأما الجواب عما فعله البخاري فإنه تفنن في الكلام فإنه فعل كذا في أسامة بن زيد وعبد الله بن سلام وجبير بن مطعم بن عبد الله، فذكر لهم فضائل جليلة معنونة بالذكر.
الثاني: أخرج مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواريت خلف باب فخطاني خطوة وقال: «اذهب ادع لي معاوية» قال: فجئت وقلت هو يأكل، ثم
قال لي: «اذهب» فجئت فقلت هو يأكل، فقال:«لا أشبع الله بطنه» .
والجواب أنها كلمة جرت على عادة العرب، نحو قاتله الله ما أكرمه ويل أمه وأبيه ما أجودهما، لا يراد معناه. ولو سلم فيجعلها الله له سبحانه رحمة وقربة كما صح في الحديث. وقد أورد مسلم في كتابه الصحيح بابا فقال: باب من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه وليس هو أهل ذلك كان له زكاة وأجرا ورحمة، وأورد فيه الحديث المذكور. وأخرج فيه عن عائشة مرفوعا:«أوَما علمت ما شارطت عليه ربي قلتُ اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعل له زكاة ورحمة» وأخرج أيضا عن أبي هريرة مرفوعا: «اللهم إني أتخذ عندك عهدا لن تخلفنيه فإنما أنا بشر فاي المسلمين آذيته شتمته لعنته أو جلدته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها اليك يوم القيامة» وفي رواية بزيادة: «اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر» وأخرج أيضا عن أنس مرفوعا: «اني اشترطت على ربي فقلت
إنما أنا بشر ارضى كما يرضى البشر واغضب كما يغضب البشر فأي أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهورا وزكاة وقربة تقربه بها منك إلى يوم القيامة» انتهى. وقد فعل الله سبحانه بمعاوية هكذا فجعل يملك الأرض وهذا غاية الشبع.
الثالث: أخرج الترمذي عن يوسف بن سعيد قال: قام رجل إلى الحسن بن علي بعد ما بايع معاوية وقال: سودت وجوه المؤمنين، أو يا مسود وجوه المؤمنين، قال: لا تؤنبني رحمك الله فإن النبي صلى الله عليه وسلم أري بني أمية على منبره فساءه ذلك فترلت: إنا أعطيناك الكوثر يا محمد يعني نهرا في الجنة ونزلت: إنا أنزلناه في ليلة القدر
إلى قوله خير من ألف شهر يملكها بعدك بنو أمية يا محمد، قال القاسم بن الفضل: فعددنا فإذا هي ألف شهر لا تزيد ولا تنقص. انتهى.
قال الإمام ابن الأثير في الجامع: هي ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر، وبيعة الحسن لمعاوية رضي الله عنهما على رأس ثلاثين سنة من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وانقضاء دولتهم على يد أبي مسلم الخراساني، فذلك اثنان وتسعون سنة يسقط منها خلافة ابن الزبير ثمان سنين وثمانية أشهر فبقي ألف شهر.
وعن عمران بن حصين قال: مات النبي صلى الله عليه وسلم ويكره ثلاثة أحياء ثقيفا وبني حنيفة وبني أمية. أخرجه الترمذي.
والجواب ليس المقصود ذم بني أمية مطلقا فإن منهم عثمان بن عفان والخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز وكلاهما إمام الهدى بإجماع أهل السنة، وإنما ساءه ما صدر عن يزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد وبني مروان بن الحكم من مخالفة السنة وإيذاء الصحابة والعترة المطهرة. ومقصود الحسن رضي الله عنه أن هذا الأمر صائر إلى بني
أمية وإن ما عند الله خير لأهل بيت النبوة.
الرابع: أخرج مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال: جاء معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب؟ قال: أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن اسبه، فذكر قوله:«أنت مني بمترلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» وقوله يوم خيبر: «لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله» وإنه لما نزلت آية المباهلة دعا عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: «اللهم هؤلاء أهلي» انتهى ملخصا. ولا شك أن الأمر بسب علي خطيئة فاحشة.
والجواب: ذكر في شرح صحيح مسلم يجب تأويله إما بأن المراد بالسب إظهار خطأ اجتهاده وصواب اجتهادنا، وإما بأنه سمع قوما يسبونه فأراد كفهم عن سبه بإظهار فضله على لسان سعد، وإما بأنه ليس فيه الأمر بل سؤال من السبب المانع عنه وتكنيه رضي الله عنه بأبي تراب ليس طعنا فإنه كان يجب أن يكنى به.
الخامس: ظهور البدع في عهده وعنه. ففي شرح الوقاية رد
اليمين على المدعي بدعة وأول من قضى به معاوية رضي الله عنه. وقال السيوطي إنه أول من اتخذ الخصيان خدما وأول من استخلف ابنه.
والجواب أنه مجتهد بشهادة ابن عباس رضي الله عنه. والله سبحانه أعلم بالصواب والخطأ. وأوصى لابنه إحسانا بأهل البيت فلم يوف؛ ولو كان الحسن بن علي حيا سلم الأمر إليه كما كان معهودا.
السادس أنه أمر بسم الحسن بن علي رضي الله عنهما.
والجواب أنه بهتان عظيم وخرافات المؤرخين مما لا يعتمد عليها.
السابع فذكره التفتازاني في شرح التلخيص أن معاوية رضي الله عنه كان مريضا فدخل عليه الحسن بن علي يعوده فجلس فأنشد الحسن رضي الله عنه: بيت
وتجلدي للشأمتين أُريهم
…
إني لريب الدهر لا أتضعضع
وإذا المنية أنشبت أظفارها
…
ألفيت كل تميمة لا تنفع
والجواب أن الرواية غير صحيحة. ولو سلمت فليس فيها تصريح بإرادته الحسن.
الثامن أنه استبشر لوفاة الحسن. وذكر ابن خلكان في تاريخه أن ابن عباس رضي الله عنه دخل عليه يومئذ فقال: حدث في أهل
بيتك أمر عظيم، قال: لا أدري إلا أني أراك مستبشرا.
الجواب أن المؤرخين حطبة الليل. ولو سلم فلعل استبشاره لأمر آخر.
التاسع قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمار: «تقتلك الفئة الباغية» رواه مسلم.
والجواب أن أهل السنة أجمعوا على أن من خرج على علي كرم الله وجهه خارج على الإمام الحق، إلا أن هذا البغي الاجتهادي معفو عنه. وذكر القاري في شرح المشكاة أنه روى أن معاوية كان يؤول الحديث نحن الفئة الطالبة لدم عثمان رضي الله عنه.
العاشر قول علي رضي الله عنه في الصفين ما رضى أحد أخير أن تعدلوا وصية وإلا .. واللعين وإلا .. زعم القاضي الميبذي
في شرح ديوانه أن الأبتر معاوية وأيده بالحديث المذكور في سبب نزول سورة الكوثر وإلا ..
والجواب أن نسبة الديوان إليه تعتضد بإسناد الشيعة مشهورة بالوضع والتحريف ولو سلم ولا نسلم أنه أراد ما ذكره الشارح فلا حجة فيه على جواز سبهما لغيره. ومثل القاضي الشارح بأنه يجوز للخليفة أن يشتم للتعزير من لا يجوز شتمه لغيره. وبالجملة إذا وقع بينهم الطعن بالسنان فالطعن باللسان أسهل منه إلا أنه لا يجوز لغيرهم، والاخوان يتسابون ولا يجوز للاجنبي سب بعضهم. وظهر به جواب كثير من المطاعن منها قول الزمخشري عفا الله عنه في الكشاف وإن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت قال: بيت
ألا بلغ معاوية بن حرب
…
أمير الظالمين بنا كلامي
على أنه ممن لا يعرف الثابت من الموضوع، وأورد من الحديث في تفسيره ما لا شك في بطلانه؛ والاعتزال والرفض من واد واحد.
ومنها ما أخرج مسلم في صحيحه عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة وهو كلام طويل وملخصه أنه سمع عبد الله بن عمرو بن
العاص يحدث في ظل الكعبة مرفوعا .. (1) فقال له: هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا، فسكت ساعة ثم قال: أطعه في طاعة الله واعصه في معصيته. ومقصود السائل تخطئته في اجتهاده في حرب علي كرم الله وجهه وإنفاق الاموال عليه.
الحادي عشر: ذكره غير واحد من أن أهل الشام سألوا المحدث الجليل أبا عبد الرحمن أحمد النسائي أن يحدثهم حديثا في فضل معاوية فقال: لا أعلم إلا «لا أشبع الله بطنه» . وفي رواية: أما يرضى معاوية بأن يكون رأسا برأس ويطلب الفضل، فضربوه حتى اعتل ومات.
والجواب أنهم سألوه أن يفضلوه على علي كرم الله وجهه
(1) في المطبوع هنا: "من حمله أن يضرب الحار على الأنام" وليس في الصحيح.
فغضب من سوء أدبهم وقد أحسن إلا أنه جاوز الحد فتكلم بما يوهم طعنا على الصحابي، والبشر قد يخطئ. ويمكن أن يقال إنه أراد مدحه لما مر من أن مثل هذه الكلمة زكاة وأجر ورحمة إلا أنهم لم يفهموا، أو أنكروا عدم تفضيل معاوية على علي رضي الله عنهما فضربوه جهلا منهم.
الثاني عشر أنه كثر في الأحاديث الصحيحة والحسان الوعيد الشديد على من أبغض عليا رضي الله عنه أو حاربه.
والجواب أنه حاربه من هو مقطوع بالجنة كعائشة وطلحة والزبير رضوان الله عليهم أجمعين، فوجب حمل أحاديث الوعيد على غير الصحابة كالحرورية أو تخصيصها بمن هو متعصب غير مجتهد.
الثالث عشر: حديث ثلاثين سنة، فعن سفينة مولى النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا:"الخلافة ثلاثون سنة ثم تكون ملكا" ثم يقول سفينة: أمسك، خلافة أبي بكر سنتين وخلافة عمر عشرة وعثمان اثنتي عشرة وعلي ستة. أخرجه أحمد والترمذي وأبو داود والنسائي. وفي رواية لأحمد والترمذي وأبي يعلى وابن حبان:«الخلافة بعدي في أمتي ثلاثون سنة ثم ملك بعد ذلك» .