الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ج- الانهماك في تحصيل المال بدعوى التجارة وحيازة المال النافع للإسلام وأهله
، ثم لا يلبث هذا الأمر أن ينقلب إلى تحصيل محض، وحب للدنيا والانغماس فيها، ومن ثَمّ يقسو قلب الشخص وتنحط همته.
د- تكليف الموظف نفسه بعملين:
صباحيّ ومسائيّ بدون حاجة أو ضرورة ملجئة، وإنما دفعه لهذا حُب هذه الدنيا والتمتع فيها.
هـ- كثرة التمتع بالمباح، والترف الزائد
، والترفل في النعيم، وكل هذه الأمور من العوامل الفتاكة القاضية على الهمّة مهما قيل في تبريرها وتعليلها.
ذكر ابن حجر رحمه الله أن تاج الدين المراكشيّ- أحد فقهاء الشافعية (1) - كان قد ((انقطع بالمدرسة الأشرفية ملازماً للقراءة والاشتغال، صبوراً على ذلك جداً، بحيث يمتنع عن الآكل والشرب (2) والملاذ بسبب ذلك)) (3).
وهذه الأمور من المباحات قطعاً، ولكن ذلك الفقيه علم أن الإكثار منها والولع فيها سبب لسقوط الهمّة وضعف العمل.
(1) محمد بن إبراهيم بن يوسف، تاج الدين المراكشي، الفقيه الشافعيّ، ولد بالقاهرة، بعد السبعمائة، وتقدم في الفنون، وكان طويل النفَس، كان مطموس العينين يبصر بإحداهما قليلاً، وكان يعطي الأجرة لمن يطالع له ، توفي سنة 752 رحمه الله تعالى. انظر ((الدرر الكامنة)):3/ 386 - 387.
(2)
أي عن فضولهما.
(3)
((الدرر الكامنة)): 3/ 387.
وذكر السبكيّ (1) أن أباه الإمام تقيّ الدين (2) ((كان من الاشتغال على جانب عظيم بحيث يستغرق غالب ليله وجميع نهاره
…
كان يخرج من البيت صلاة الصبح فيشتغل على المشايخ إلى أن يعود قريب الظهر، فيجد أهل البيت قد عملوا له فرّوجاً فيأكله ويعود إلى الاشتغال إلى المغرب فيأكل شيئاً حُلواً لطيفاً، ثم يشتغل بالليل، وهكذا لا يعرف غير ذلك، حتى ذكر لي أن والده قال لأمه: هذا الشاب ما يطلب قط درهماً ولا شيئاً فلعله يرى شيئاً يريد أن يأكله فضعي في منديله درهماً أو درهمين، فوضعت نصف درهم، قالت الجدة: فاستمر نحو جمعتين وهو يعود والمنديل معه والنصف فيه إلى أن رمى به إليّ وقال: أيش أعمل بهذا؟ خذوه عني)) (3).
وهذا مثال على أن الفتيان إذا أحسن توجيههم وتربيتهم ارتفعوا عن الترف والتنعم، وأخذوا بأسباب المعالي والرفعة.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:
((قال لي يوماً شيخ الإسلام (4) قدس الله روحه في شيء من المباح: هذا ينافي المراتب العالية وإن لم يكن تركه شرطاً في
(1) عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكيّ، أبو نصر تاج الدين الشافعيّ، ولد سنة 727، وأمعن في طلب الحديث حتى مهر وهو شاب مع ملازمة الاشتغال بالفقه والأصول والعربية، انتهت إليه رئاسة القضاء والمناصب بالشام، وحصل له محن شديدة وهو ثابت، وكان كريماً مهيباً، توفي سنة 771 رحمه الله تعالى. انظر ((الدرر الكامنة)): 3/ 39 - 42.
(2)
علي بن عبد الكافي بن علي السبكيّ، تقي الدين، أبوالحسن الشافعيّ، ولد ب ((سبك العبيد)) بمصر سنة 683، وتفقه وطلب الحديث وارتحل، ثم تولى قضاء دمشق سنة 739، وكان ينظم كثيراً، وشعره وسط، وله مصنفات كثيرة. توفي بالقاهرة سنة 756 رحمه الله تعالى. انظر ((الدرر الكامنة)): 3/ 134 - 142.
(3)
((طبقات الشافعية)): 10/ 144.
(4)
شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام، ابن تيمية، سيرته مشهورة، توفي سنة 828 رحمه الله تعالى. انظر ((الدرر الكامنة)): 1/ 154 - 170.
النجاة، فالعارف يترك كثيراً من المباح برزخاً بين الحلال والحرام)) (1).
هذا والذي لام عليه الإمام ابن تيمية تلميذه ((شيء من المباح)) ، فما بالكم بما نراه اليوم من تمتع الدعاة بمباحات ونعيم لا يعرفه الملوك السالفون.
والاستجابة للصوارف الأسرية استجابة كلية أو شبه كلية:
فنجد الشخص منهمكاً في تلبية مطالب زوجه وعياله وقد لا تكون مهمة في أحيان كثيرة، وقد يعترض معترض ويورد أحاديث لا تدل على ما ذهب إليه مثل ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)) (2) ، ومثل ((كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت)) (3) ،
وغير ذلك، وإنما هذه الأحاديث في الحث على إحسان الخُلق مع الأهل وعدم تركهم وتضييعهم بالكلية كما لا يخفى، وقد دخلت علينا في حياتنا الأسرية كثير من التقاليد الغربية في أمر الاحتفاء الزائد بالأهل والأولاد، ودعوى ضرورة بناء مستقبلهم، وغير ذلك مما حاصله نسيان الكفالة الإلهية والضمان الربانيّ.
(1)((مدارج السالكين)): 2/ 26.
(2)
أخرجه ابن ماجه في كتاب النكاح، باب حسن معاشرة النساء، وأخرجه كذلك الترمذيّ وابن حبان.
(3)
أخرجه أبو داود في كتاب الزكاة، باب في صلة الرحم.