الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معنى الهمّة
جاء في القاموس: (هـ م م): ((ما هُمَّ به من أمر ليُفعل)).
فالهمّة هي الباعث على الفعل، وتوصف بعلو أو سفول، فمن الناس من تكون
همته عالية علو السماء، ومنهم من تكون همته قاصرة دنيئة سافلة تهبط به إلى أسوأ الدرجات.
وعرّف بعضهم علو الهمّة فقال:
((هو استصغار ما دون النهاية من معالي الأمور)) (1)
قال ابن القيم (2) رحمه الله تعالى، واصفاً الهمّة العالية:
((علو الهمّة ألا تقف (أي النفس) دون الله، ولا تتعوض عنه بشيء سواه، ولا
ترضى بغيره بدلاً منه، ولا تبيع حظها من الله وقربه والأنس به والفرح والسرور
والابتهاج به بشيء من الحظوظ الخسيسة الفانية.
(1)((رسائل الإصلاح)): 2/ 86.
(2)
هو الشيخ الإمام محمد بن أبي بكر بن أيوب الُزرعيّ الدمشقي، شمس الدين ابن قيم الجوزية الحنبلي، ولد سنة 691.
وكان جريء الجنان، واسع العلم، كثير الصلاة والتلاوة، حسن الخلق، كثير التودد، توفي بدمشق سنة 751 رحمه الله تعالى،
وكانت جنازته حافلة. انظر ((الدرر الكامنة)):4/ 21 - 23.
فالهمّة العالية على الهمم كالطائر العالي على الطيور، لا يرضى بمساقطهم، ولا تصل
إليه الآفات التي تصل إليهم، فإن الهمّة كلما علت بعدت عن وصول الآفات إليها،
وكلما نزلت قصدتها الآفات من كل مكان)) (1)
وقد حذر السلف كثيراً من سقوط الهمّة وقصورها، فقد قال الفاروق عمر رضي الله عنه:
((لاتُصُغِّرَنّ همتك ، فإني لم أرَ أقْعَدَ بالرجل من سقوط همته)) (2).
وقال ابن نُباتة (3) رحمه الله تعالى:
حاول جَسيمات الأمور ولا تَقُل
…
إن المحامد والعُلى أرزاقُ
وارغب بنفسك أن تكون مقصراً
…
عن غاية فيها الطِّلابُ سِباقُ (4)
(1)((مدارج السالكين)): 3/ 171.
(2)
((محاضرات الأدباء)):1/ 445.
(3)
شاعر العراق، أبو نصر، عبد العزيز بن عمر بن محمد بن نُباتة السَعْديّ، له نظم عذب، ومدح الملوك والكبراء، وله ديوان كبير،
مات سنة 405 وهو في عشرالثمانين. انظر ((سير أعلام النبلاء)): 17/ 234 - 235.
(4)
((محاضرات الأدباء)): 1/ 445
وقد قيل:
((المرء حيث يجعل نفسه، إن رفعها ارتفعت، وإن قصر بها اتّضعت)) (1)
وقال شاعرُ بني عامر:
إذا لم يكن للفتى همة
…
تبوئه في العلا مصعدا
ونفس يعودها المكرمات
…
والمرء يلزم ما عُوِّدا
ولم تَعْدُ همته نفسه
…
فليس ينال بها السؤدُدا (2)
وقد ذمّ أعرابيٌّ رجلاً فقال:
((هو عبد البدن، حُرُّ الثياب، عظيم الرُّواق، صغير الأخلاق، الدهر
يرفعه وهمته تضعه)) (3).
وقال أبو دُلف (4):
وليس فراغ القلب مجداً ورفعة
…
ولكنّ شغلَ القلب للهمِّ رافعُ
وذو المجد محمول على كل آلة
…
وكل قصير الهمِّ في الحيّ وادعُ (5)
(1) المصدر السابق.
(2)
المصدر السابق: 1/ 447
(3)
صاحب الكَرج وأميرها القاسم بن عيسى العجلي، كان فارساً شجاعاً مهيباً، سائساً، شديد الوطأة، جواداً مُمَدّحاً، مبذراً،
شاعراً مجوداً، وولي إمرة دمشق للمعتصم، وله أخبار في الكرم والفروسية، توفي ببغداد سنة 225.انظر ((سير أعلام النبلاء)):
10/ 563 - 564.
(4)
((محاضرات الأدباء)): 1/ 447.
(5)
الشيخ الإمام العلامة الحافظ المفسر أبو الفرج عبد الرحمان بن علي بن محمد ابن الجوزيّ، ينتهي نسبه إلى بكر الصديق
رضي الله عنه، ولد سنة تسع أو عشر وخمسمائة ببغداد، وسمع من مشايخ كثيرين، وكان رأساً في التذكير بلا مدافع،
وصنف مصنفات كثيرة في بعضها أوهام وأخطاء بسبب عدم التحرير والمراجعة، وله حكم كثيرة وأقوال شهيرة، توفي سنة
597 ببغدد. انظر ((سير أعلام النبلاء)) 21/ 365 - 384.
والهمّة قسمان: وهيبة، وكسبية:
فالوهبيّة هي ما وهبه الله تعالى للعبد من علو الهمّة أو سفولها، ويمكن أن تنمى
وتُرعى أو تهمل وتترك، فإن نماها صاحبها وعلا بها صارت كسبية، أي أن
صاحب الهمّة كسب درجات عالية لهمته، وزاد من أصل مقدارها الذي
وهبه الله تعالى إياه، وإن تركها وأهملها ولم يلتفت إليها خَبَتْ وتضاءلت.
والهمّة في هذا تشترك مع باقي الصفات العقلية والخلقية كالذكاء وقوة الذاكرة وحسن الخلق وغير ذلك مما هو معلوم بَدَهِيّ.
وقال ابن الجوزي (1)
رحمه الله تعالى:
((وقد عرفت بالدليل أن الهمّة مولودة مع الآدميّ، وإنما تقصر بعض الهمم
في بعض الأوقات، فإذا حُثَّت سارت، ومتى رأيت في نفسك عجزاً فَسَلِ
المنعم، أو كسلاً فالجأ إلى الموفِّق، فلن تنال خيراً إلا بطاعته، ولا يفوتك
خيرٌ إلا بمعصيته)) (2)
(1)
(2)
((لفتة الكبد إلى نصيحة الولد)):45